الثلاثاء، 5 يوليو 2011

«حرب ناعمة» بملايين الدولارات تواكب الأمن والعسكر: هكذا ترتب إسرائيل وجودها في الـ «نيو ميديا»

تولي إسرائيل اهتماماً بالغاً بـ«ساحات» الإعلام الجديد، بمختلف أدواته، باعتباره وسيلة «الحرب الناعمة»، المصطلح الإيراني الرديف لنظرية «القوة الناعمة» الأميركية.
في المناورة الأخيرة «نقطة تحول 5»، اختبرت السلطات المحلية تمرينات حاكت هجمات غير تقليدية على شبكات الكترونية. لا تنحصر هذه الهجمات في مواقع الإنترنت العادية، بل تمتد لتشمل أنظمة التحكم الاصطناعية التي تُدار عبر شبكة الإنترنت، وتُعرف اختصاراً باسم «سكادا» (أنظمة مرور ومواصلات، أنظمة ري، شبكات كهربائية...).
على أن «الإرهاب الإلكتروني» يواكبه حضور خاص في الدولة العبرية على امتداد «العوالم الافتراضية» التي يحتلها الإعلام الجديد بمختلف أدواته. هذا الحضور يؤمن لإسرائيل دعماً يفوق الـ 55 في المئة من بين المدونات العالمية السياسية في مقابل 19 في المئة لمصلحة القضية الفلسطينية، بينما تقف النسبة الباقية على الحياد، بحسب استطلاع معهد «بيو» العالمي للصحافة.
ولئن كان اهتمام تل أبيب بجبهة الانترنت ينعكس إجراءات أمنية ومنظومة أمن قومي الكتروني بميزانية تفوق المئة مليون دولار بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية، فإن الحضور المستجد للأجهزة الإسرائيلية في وسائل «الإعلام الجديد» (نيو ميديا) يستبق ترتيب ساحة رئيسية من ساحات المواجهة الإعلامية – الأمنية، قبل أي حرب مقبلة وخلالها.
لا توفر المؤسسات الإسرائيلية أداة من أدوات الإعلام الجديد إلا وتستخدمها للترويج، في حين تتعدى استخدامات المؤسستين الأمنية والعسكرية هذا السقف إلى أهداف أخرى يطول الحديث عنها.

الانتشار الأمني والعسكري

يخضع فرع «الإعلام الجديد» في الجيش الإسرائيلي لوحدة المتحدث الرسمي باسم الجيش. قبل أشهر قليلة، صادقت الحكومة الإسرائيلية على تخصيص ميزانية بقيمة 116 مليون دولار لتعزيز فرع «الإعلام الجديد» في هذه الوحدة، بعد أن نجح المتحدث باسم الجيش الجنرال آفي بنياهو، خلال مؤتمر هرتسيليا الأخير، في إقناع القيادة الإسرائيلية بأهمية وخطورة هذا الميدان في أوقات السلم والحرب.
خاطب بنياهو الحس الأمني لدى الحاضرين بقوله «رأينا كيف أن كاميرا هاتف محمول وجدت سبيلها إلى اجتماع لحكومة (الرئيس الإيراني محمود) أحمدي نجاد في حين عجزت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن ذلك».
وفي حين تولى بنياهو تسويق مكتب الإعلام الجديد في وحدته بالتركيز على تزايد انتشار المدونات والصفحات الداعمة لإيران على الشبكات الاجتماعية، تحدثت مديرة المكتب الملازم إليزا لاندس عن الأدوات التقنية كـ«يوتيوب» الذي يشكل أفضل الوسائل «لدمقرطة المعلومات» لكونه «يستعرض دلائل مرئية»، بحسب تجربة الجيش الإسرائيلي الذي يمتلك قناة خاصة به على هذه الشبكة.
وبالإضافة إلى قناته الخاصة، والمميزة، على «يوتيوب» يمتلك الجيش الإسرائيلي صفحة خاصة على «تويتر» وأخرى على «فيسبوك» ومدونة خاصة يديرها الفريق المساعد للمتحدث باسم الجيش، مع الإشارة إلى أن هذا التواجد على هذه الشبكات مستقل بذاته عن الإنتاجات الإعلامية التقليدية للجيش؛ أي أن ما يُعرض ويُنشر ويُبث في هذه الصفحات صُنع خصيصاً ليحاكي شروط التواصل في الإعلام الجديد.
ولا تقف الاستخدامات الإسرائيلية «غير المدنية» للشبكات الاجتماعية عند هذا الحد. في الأسبوع الأول من الشهر الأول من العام الحالي، حاضر شاب إسرائيلي من جامعة «بار إيلان» أمام 200 ضابط استخبارات حول «أساليب توقع الثورات في الشرق الأوسط» بالاستناد إلى عمليات رصد ومعايير استخباراتية جديدة تعتمد على «فيسبوك» و«تويتر».
فاجأ الشاب ديفيد بيسيغ ضباط الاستخبارات حين أبرز في محاضرته القصور في الأساليب القديمة المستخدمة في التقدير، داعياً إلى متابعة الوضع عن كثب في مصر، «حيث لا يكفي إصدار التقييمات بناء على مؤشرات أمنية وعسكرية فقط»، معرباً عن توقعه، بحسب المتابعة، حصول اضطرابات في الأردن في المستقبل القريب. لم يأخذ الحاضرون بكلام الشاب. لم يكد يمضي أسبوعان على المحاضرة حتى اندلعت الثورة في مصر، وتحققت «نبوءة» بيسيغ.
حالياً، تعيد الاستخبارات الإسرائيلية وضع معايير إصدار التقديرات بناءً على المعطيات الجديدة المرتبطة بـ«ثورات الإعلام الجديد»؛ انطلاقاً من ثابتة مفادها أن القاسم المشترك بين ما يحصل في مصر والبحرين واليمن وليبيا وتونس والأردن هو «غياب قائد محدد، وتحول القيادة إلى أفراد يجمعهم فيسبوك وتويتر».
هذا الواقع دفع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى إنشاء وحدتها المستقلة المتخصصة في الإعلام الجديد بهدف «رصد مختلف الشبكات الاجتماعية في العالم العربي».
حالياً، تستعد كل من أذرع الجيش الإسرائيلي، في البر والبحر والجو، لإنشاء وترتيب انتشارها الخاص على الشبكات الاجتماعية بشكل مستقلّ عن الجيش ككيان موحد. على سبيل المثال، الوحدة العاملة في سلاح الجو تتألف من 20 فرداً يتناوبون على مهام «الكتابة والتحرير والتصوير» ويخضعون لمكتب المتحدث باسم سلاح الجو الذي يتعامل مع 500 وسيلة إعلامية وما يزيد على 2500 صحافي عبر العالم.

الاستخدام الدبلوماسي

في المسار الإعلامي – السياسي، تدير الخارجية الإسرائيلية العديد من الحسابات عبر خدمة «تويتر». لا ينحصر استخدام «تويتر» على بث أخبار قصيرة، بل يتعداها إلى عقد لقاءات ومؤتمرات صحافية دورية، كما فعلت القنصلية الإسرائيلية في نيويورك إبان العدوان على قطاع غزة، حيث تولى فريق إعلامي من القنصلية الردّ مباشرة على أسئلة صحافيين ومستخدمي إنترنت من أنحاء العالم كافة.
خطوة القنصلية الإسرائيلية في نيويورك هي واحدة من النماذج لحملة تقودها الخارجية، بميزانية سنوية تناهز العشرين مليون دولار لتشغيل مدونين وخبراء تواصل على الشبكات الاجتماعية. عقب حادثة الاعتداء الأخير على القافلة البحرية المتجهة إلى غزة، قامت وزارة الخارجية بالتعاقد مع 50 مدوناً أميركياً قاموا بـ «تلميع» صورة إسرائيل في العالم، فاستطاع أحدهم، على سبيل المثال، إنشاء صفحة على «فيسبوك» استقطبت 50 ألف مستخدم إنترنت في وقت قياسي.
مع الإشارة إلى أن الخارجية الإسرائيلية تسعى للحصول على موافقة مكتب المحاسبة في ديوان رئاسة الحكومة بصرف مبلغ يناهز الـ90 مليون دولار لترويج إسرائيل كـ«علامة تجارية» (Brand) في الإعلام الجديد.
وتشمل حملة الخارجية استضافة شخصيات إسرائيلية أو حليفة «لها تأثير في الرأي العام» عبر الشبكات الاجتماعية والمدونات، علماً أن البرمجة السنوية لهذه الحملة تركز هذا العام على الشخصيات العاملة في مجال الثقافة والفن و«قادة المجتمعات الصغيرة» كالناشطين في مجالات حقوق الإنسان. كذلك، تخصّص الخارجية من ضمن حملتها تمويل أعمال إعلامية مخصصة للشبكات الاجتماعية، كالأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية.
في المحصّلة، تتعامل مختلف المؤسسات في إسرائيل مع الإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية على أنها «المستقبل» بحسب تعبير الجنرال بنياهو. وفي ساحات المواجهة الجديدة، التي يدير فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما حسابه الخاص على شبكة «تويتر» شخصياً، تبدو إسرائيل جاهزة للمعركة المقبلة.

علي شهاب - السفير 5 تموز 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق