الأحد، 3 يوليو 2011

يوم الاستفتاء الدستوري في المغرب طويل وحار وهادئ.. الـ"نعم" محسومة ونسبة المقترعين معيار الكسب أو الخسارة

مغربية تدلي بصوتها
مغربية تدلي بصوتها ومغربي يهم بذلك في الاستفتاء على الدستور بمركز اقتراع في مدينة الدار البيضاء أمس. (رويترز)
حل اليوم المنتظر، الاستفتاء على الدستور المغربي الجديد، دُعي إليه 13 مليون مواطن من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساء، وذلك في 40 ألف مكتب اقتراع في مختلف أنحاء البلاد يتوزع فيها 320 ألف عامل. النتائج لن تكون مفاجئة، "نعم" ستحملها الصناديق، ولكن تبقى نسبة المقترعين مؤشراً مهماً لحجم المقاطعة.
جولتنا تبدأ التاسعة صباحاً. كأن الرباط تعيش يوماً عادياً في نهار حار. وقد اعتادت البلاد إجراء كل عمليات الاقتراع الجمعة، لأنها نهاية الأسبوع ويوم عمل، "إبعاداً لأي شبهة في محاولة التأثير على الناخبين باختيار يوم عطلة للانتخابات أو الاستفتاء"، على ما يقول لنا مسؤول في ملحقة إدارية بالعاصمة يفضل عدم ذكر اسمه.
كل ما على المواطن الراغب في قول "نعم" أو "لا" هو التوجه إلى مكتب الاقتراع المعين له على بطاقته الانتخابية، مزوداً اياها وبطاقة هويته أو جواز السفر. المكاتب للرجال والنساء معاً، يدخلون، يجري التحقق من هوياتهم، يذهبون إلى العازل، يختارون ورقة "نعم" البيضاء أو "لا" الزرقاء، يضعونها في مغلف أسمر ثم في الصندوق الشفاف. ثم يُرسم على أصبعهم خط صغير أو أي علامة بقلم خاص يدوم حبره 24 ساعة.
ارتأينا أن نبدأ نهارنا بزيارة رئيس لجنة حقوق الإنسان ادريس اليزمي لكونه أحد الأعضاء الـ19 في اللجنة الاستشارية المكلفة التعديل الدستوري. هؤلاء الأشخاص عقدوا لقاءات مع الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني طوال خمسة أسابيع، وتلقوا منها جميعاً 185 مذكرة.
يبدو اليزمي مرتاحاً إلى ما تحقق، وواقعياً في الحديث عنه في الوقت عينه. فـ"الدستور ليس سوبرماركت، تأخذين منها بضاعة وتتركين أخرى". والدستور الذي طرح على المواطنين أمس هو الأول "صُنع في المغرب"، ذلك أن الدساتير السابقة كان يضعها خبراء فرنسيون، بموجب توجيهات الملك الراحل الحسن الثاني.
ولكن ألم يحمل الدستور الجديد أفكار الملك محمد السادس؟ يجيب بأن الوثيقة تضمنت أموراً لم يتطرق إليها العاهل المغربي في خطابه في 9 آذار. ورداً على سؤال عن صحة ما تردد عن تدخل مستشاره محمد معتصم لتعديل النص المقترح قبل أن يخرج به محمد السادس إلى العلن في 17 حزيران، يوضح أن الملك أنشأ لجنة سُميت "الآلية السياسية"، وفيها نقابات وأحزاب، ترأسها معتصم، وهو أستاذ في القانون الدستوري، لمواكبة عمل اللجنة الاستشارية. الوثيقة النهائية "ليست نفسها التي قدمتها اللجنة، تشبهها بنسبة 95 في المئة، وهي أفضل في بعض النواحي، وليست كذلك في أخرى". والدستور، في كل الأحوال، "لا يحل مشاكل البلاد التي تحتاج الى حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن".

جولة على مكاتب اقتراع

أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء أن الملك "أدى واجبه الوطني" قبل صلاة الجمعة. لكن كثيرين لم يحذوا حذوه، فبين الحادية عشرة قبل الظهر والأولى بعد الظهر، زرنا مراكز اقتراع عدة، كان الإقبال فيها خفيفاً، لا صفوف انتظار عند أبواب الغرف. ويتحدث عامل انتخابي عن "إقبال فوق المتوسط" ويعزوه إلى الحر ووقت الصلاة. وفي بعض الغرف كان المسؤولون يتسامرون أو يتناولون طعام الغداء، فلا مقترعون لديهم. ويمكن رؤية الصندوق الشفاف شبه فارغ.
وفي الباحة الخارجية أوراق زرق مرمية. الـ"لا" لم تجد طريقها إلى الصناديق، فمن هو مقتنع بها اتجه إلى المقاطعة والاعتراض من خارج العملية برمتها.
وفي المقابل، تعددت أسباب الـ"نعم". امرأتان تتسامران في مقهى تقولان لنا: "لا دستور عربياً، غير التونسي ربما، منح النساء ما حصلنا عليه". بائع حلى تقليدية يعتبر "الدستور مزيان (جيد). إنه دستور الملك". يجادله جاره بأنه "دستور الشعب".
في إعدادية طلحة بن عبدالله في حي النهضة يجاهر شاب بتأييد الدستور "كما طلب الملك". تسأله هل يجد نفسه في حركة "20 فبراير" فيجيب بأنها "لا تفهمنا كما يفعل جلالته". ويتطلع صديقه إلى فرص عمل كثيرة بعد إقرار الدستور.
الرابعة بعد الظهر، قبل ثلاث ساعات من اقفال الصناديق، تفيد الأرقام الرسمية أن نسبة المقترعين تقارب الـ40 في المئة.
نزور مركز اقتراع في حي يضم فنادق راقية. لا صفوف انتظار لكن "المشاركة كبيرة"، على ما يُقال لنا. تتحدث فتاة بحماسة عن الدستور الذي يقترب بالبلاد من المعايير الأوروبية. وينتقد رجل "سلبية" شباب "20 فبراير"، واتصالهم "الواحد تلو الآخر بقناة الجزيرة (الفضائية القطرية) بدلاً من الذهاب إلى مكاتب الاقتراع ووضع "لا" في الصناديق لو أرادوا".
ويشيد شاب بتقسيم السلطة التنفيذية بين الملك والحكومة. ويقول إنه لا يريد تغييراً يشكل "قطيعة"، إذ "ربما لو كان هناك عاهل آخر غير محمد السادس، لحدث انقلاب مباشرة بعد الثورة التونسية. لكن لدينا ملك يخرج عن خط سير موكبه ليلتقي الناس، وهو الذي أقام هيئة الإنصاف والمصالحة وأطلق محاسبة الفاسدين".
أما عزيز ايدامين، الناشط في "20 فبراير" الذي التقته "النهار" الخميس، فأقر لنا بمشاركة متوسطة في المركز الذي توجه إليه للاقتراع قبيل الخامسة. وكرر أن اختياره الـ"نعم" ليس "تفويضاً على بياض". وسجل ملاحظات منها أنه لم يطلب منه إبراز هويته واكتُفي ببطاقة الناخب التي لا تحمل صورته، وتجاهل العامل وضع إشارة على اصبعه.
زميله في الحركة الصحافي منتصر الساخي أكد لنا أن تنسيقيتي الرباط والدار البيضاء، الأكبر في "20 فبراير"، التزمتا الى حد كبير خيار المقاطعة لأن "الدستور لا يقود إلى الملكية البرلمانية". وتوقع "رقماً مرتفعاً للمقاطعين الذين منعوا من القيام بحملات لشرح وجهة نظرهم". وأضاف: "تردنا معلومات من قرى نائية عن إرسال باصات لنقل السكان. وفي بلدة زومي في الشمال سُمح لشخص بالاقتراع نيابة عن أفراد أسرته".
ما هي الخطوة التالية؟ "سنعود إلى الشارع (غداً) الأحد لمواصلة الضغط للوصول إلى إصلاحات سياسية جدية". كما يجزم بأن "20 فبراير" لن تنقسم، وستطوي صفحة الاستفتاء، وتعاود العمل، بكامل مكوناتها، لتحقيق أهدافها الجامعة.
الخامسة والنصف بعد العصر، ترتفع نسبة المقترعين إلى 48 في المئة. إذاً كل شيء يتقرر في أقل من ساعتين. صار الأمر مسألة أرقام، ما هو حجم الـ"نعم" وهل تركت المقاطعة أثرها. وفي جانب آخر، الاستفتاء مقياس للولاء للملك، فهو الأول منذ اعتلائه العرش عام 1999، ويجري في زمن تنتفض الشعوب على حكامها وتقول لهم "لا" مدوية كل جمعة. وتلك مفارقة تسترعي الانتباه.

الرباط – سوسن أبوظهر: sawssan.abouzahr@annahar.com.lb - النهار 2 تموز 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق