الخميس، 9 يونيو 2011

علم النفس يشبهها بـ«السوس الذي ينخر المجتمع».. والقانون الرادع يبقى حبراً على ورق .. ظواهر العرافة والسحر والتشاؤم بـ«الأيام» والظواهر الفلكية: بيع الوهم تحت المجهر

القمر يخفي جمالاً.. لا معلومات عن الحبيب! (عن الإنترنت)
ليس التنجيم وحده هو ما يلجأ إليه كثيرون ممن يرغبون استقراء طوالعهم. وهذه الظاهرة التي تتسع دائرتها في لبنان والوطن العربي، ليست وحدها الشغل الشاغل لفئة تخطو خطواتها على وقع ما ينطق به عرافون ومنجمون، يغزون الفضائيات العربية لبيع الوهم للناس. يدخل على الخط ذاته موضوع لا يقل خطورة، مرتبط بالسحر وضروبه. كما يمكن في هذا السياق رصد ظاهرة أخرى تتعلق باعتقادات خاطئة لدى بعض المسلمين، خاضعة للتقييم على مشرحة العلم والدين، سيما وأنها تتحكم في سلوكهم وعلاقاتهم الإنسانية في مجالات معينة.
والتطرق هنا إلى أعمال السحر، ينطلق من عدم اقتصار الضرر على صاحبه، بل على الرغبة في أذية آخرين، لقطع الرزق، أو لتفريق زوجين.... والأساليب المتبعة هنا متنوعة، ليس أقلها نثر المياه المسحورة على أبواب المنازل، أو وضع كتب الشعوذة داخل حاجياتهم، أو في منازلهم، ... الموضوع برمته، تقاربه «السفير» من زوايا قانونية، نفسية، علمية ودينية.
تلتقي وجهتا النظر العلمية والدينية على إدانة أعمال السحر، وتأكيد عدم تأثيرها على النفس البشرية، إلا سلبياً، عبر دفع الأموال والتسلح بالوهم. ويجزم السيد محمد حسن الأمين بتحريمها، ليس لأنها مؤثرة، بل لكونها خزعبلات لا طائل منها، سيما إذا كانت مبنية على أغراض غير إنسانية. ويوضح أن أي تأثير سيطرأ يكون نابعاً من عامل نفسي لدى الشخص الذي يلجأ إلى السحر، وهو ليس تأثيراً موضوعياً أو إلهياً.
وحول اللجوء إلى السحر بهدف حل النزاعات بين شخصين، يقول الأمين أن «التبرك بالآيات القرآنية هو أفضل ما يمكن اعتماده لتهدئة النفوس. ولا علاجات أخرى عبر السحر».
وحول تأثير علم الفلك على الإنسان، يدحض الأمين مقولة مدير «مرصد بُريدة في مجمع الأمير سلطان» في السعودية الدكتور خالد الزعاق حول تأثر الإنسان بحركة القمر، «وزيادة نشوته في حال الإبدار (منتصف الشهر القمري)، وضعفها في حال الإستسرار (آخره). ولكسر حدة الشهوة يصوم المسلمون أيام البيض الثلاثة من كل شهر». ويصف الأمين هذه المقولة بادعاءات لم يثبتها العلم ويتسلح بها عرافون. ويقول: «لا نستطيع معرفة الحكمة من الدعوة لصيام أيام الخميس، أو أيام البيض. وكل التفسيرات بشرية ولا دليل على صحتها».

القانون حبراً على ورق

يلتقي الأمين والزعاق على «أن ظاهرة التنجيم والسحر، تتغذى من فوضى قطاع الإعلام، ومن ضعاف العقول.. والإيمان»، فماذا عن غياب الروادع القانونية؟
المفارقة في لبنان هي ان المادة 768 من قانون العقوبات، تلحظ الموضوع، ولكنها بقيت حبراً على ورق. وتنص على «المعاقبة بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف ليرة، إلى 20 ألف ليرة، لمن يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي، والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب. وتصادر الألبسة والعدد المستعملة. ويعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر، وبالغرامة حتى مئتي ألف ليرة، ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً».
ويعتبر المحامي حسين همدر «أن المادة المذكورة بمثابة تدبير احترازي ليس أكثر. ولم تطبق من قبل الأجهزة المختصة. ولا تتحرك النيابة العامة الا في حال التقدم بادعاء شخصي من قبل متضرر من متعاطي السحر والتنجيم، إما مادياً أو جراء تعرضه لفعل مناقض للحشمة. وخارج هذا الإطار لا ملاحقات لدكاكين السحر والتنجيم».
وحول العقوبة التكديرية يوضح همدر «أن مدة الحبس التكديري تتراوح بين يوم وعشرة أيام فقط، وهي إجراء صوري، كقيمة الغرامة المتدنية، علماً أنها خضعت لتعديل العام 1993!».

نبيل خوري: الظاهرة عالمية ومرتبطة بالطبيعة البشرية

فيما تعطى الظاهرة تفسيرات مختلفة، تبعاً لنظريات علم النفس والإجتماع، أبرزها أن اللجوء إلى المنجمين سببه حالة الإحباط العام التي يمر بها المواطن اللبناني، فإن للدكتور نبيل خوري، (اختصاصي في علم النفس العيادي) وجهة نظر مغايرة، عمادها أن «الإنسان بطبعه ميال لمعرفة المجهول، ويسعى دائماً لاستقراء الوجود واستنباط الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. لأنه يظن أنه يريح فضوله ويخفف عن كاهله ضغوطات الحياة اليومية، جراء الأمل الذي يمكن أن يمده به التنجيم».
من هنا فالظاهرة، برأي خوري، ليست حكراً على اللبنانيين، أو العرب، بل إنها موجودة لدى كل الشعوب. وثمة شخصيات مشهورة في العالم لديها عرافوها الخاصون، كبيل كلينتون، ونانسي ريغن، ووينستون تشرشل.
ورداً على سؤال يوضح أن البشر بطبعهم يحبون الغيب والفراسة والأكاذيب والدجل. والدليل هو كثافة الأفلام التي تبنى على الأساطير، وكثافة مشاهديها. كأفلام «التنين الخرافي» في الخمسينيات، وأفلام «كواكب الفضاء»، وحتى اليوم. إضافة إلى الكتب التي تحكي هذه القصص، ونسبة مبيعاتها في العالم. والمشكلة هي أن المجتمع منخور كالسوس بتوجهاته وأفكاره وإذعانه للغرائب والعجائب، ومخروق ثقافياً وتكنولوجياً من كل بلاد العالم، يخجل بماضيه، ويرتعد بحاضره ويخشى على مستقبله».
وحول السحر وضروبه يعتبر خوري «أن من يقدم عليها هو إنسان معقد، مجبول بالكراهية والحقد، يخاف من نفسه ومن ضعف قدراته الذهنية والإنسانية والعصبية، ويخشى من إظهار فشله أمام الناس، لذلك يضمر شراً للآخر، ويسعى إلى أساليب الشعوذة. وقد راجت أساليب السحر في أميركا الوسطى واللاتينية، ومنها قص الشعر وحرقه لتسريع موت الحماة، أو سكب رصاصة في فنجان قهوة لتحقيق غرض ما، كل ذلك مأخوذ من فلسفة شعائر القداديس السوداء، ويطبق بكثافة في المجتمع الشرقي».

معتقدات شائعة لدى بعض المسلمين

تسود بين بعض المسلمين اعتقادات يركنون فيها إلى قراءات «خاصة» لآيات قرآنية، أو لأحاديث شريفة. وتدفع بهم تارة إلى التشاؤم وطوراً إلى التفاؤل، ما يدفعهم أحياناً إلى الامتناع أو الإقدام على فعل ما. كالاعتقاد بوجود أيام نحسات، والتشاؤم بها وبظاهرتي الخسوف والكسوف، وصولاً إلى تجنب الزوجين لممارسة الجنس في أوقات معينة، مرتبطة بالمناخ وغيره...
يجهد البعض في تفسير «الأيام النحسات» الواردة في الآية: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ».
وتلتقي وجهتا النظر العلمية والدينية على نهي الإجتهادات التي تحدد بعض أيام الأسبوع كأيام نحسات. ويقول الدكتور الزعاق أن «علاقة الإنسان بالكون علاقة تواصلية، لا يتدخل بها البشر. وأسماء أيام الأسبوع والشهور هي نتاج بشري ليس للطبيعة يد فيها».
ويؤكد السيد الأمين «أن الإسلام ينهى عن هذا الإعتقاد، لنهيه عن التشاؤم. والرسول محمد يقول: «لا تعادوا الأيام فتعاديكم»، والقول بأن يوم الأربعاء نحس أو خيّر على سبيل المثال إنما هو من الخزعبلات أيضاً».
ويشرح كل من الأمين ومساعد المفتي العام في عمان الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي، «الْأَيَّامِ النَّحِسَاتِ»، بأنها أَيَّامُ سُوءٍ شَدِيدٍ أَصَابَ قوم «عاد» وَهُوَ عَذَابُ الرِّيحِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً».
ويوضح الخروصي أن «عَادًا» هُمُ الْمَقْصُودُونَ بِالنحس أو بالْعَذَابِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تِلْكَ الْأَيَّامَ مِنْ كُلِّ عَامٍ هِيَ أَيَّامُ نَحْسٍ عَلَى الْبَشَرِ. وَقد وُصِفَتْ بالنَحِساتٍ لِأَنَّهَ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا لهم إِلَّا السُّوءُ، مِنْ إِصَابَةِ آلَامِ الْهَشْمِ، وَمُشَاهَدَةِ موت ذَوِيِهِمْ وأَنْعَامِهِمْ، وَإقْتِلَاعِ نَخِيلِهِمْ. إذن النحس منسوب لمن أصابه السوء، لا إلى الزمان ولا هو من خصوصيات الأوقات، وفي هذا السياق قال تعالى أيضاً: «إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ».
وعن ظاهرتي الخسوف والكسوف، وربطهما من قبل البعض بغضب الله، أو باعتبارهما علامة من علامات اقتراب القيامة، فيلتقي الزعاق والأمين والخروصي على نهي مثل هذا الإعتقاد. ويلتقي الأخيران على قول رسول الله «بأن الكسوف والخسوف آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته»، تأكيداً لنفي الصلة بين هذه الظواهر الكونية ومصائر البشر وقدرهم.
أما الأحاديث التي تنصح بعدم مقاربة الزوج لزوجته، خلال أوقات محددة من اليوم، أو خلال ظروف مناخية معينة، فينفي الزعاق صحتها لعدم ثباتها علمياً. ويرى الخروصي أنها روايات موضوعة مكذوبة ومناقضة للإسلام.
فيما يعتبرها السيد الأمين أنها «أحاديث غيبية، أكثرها مرسل وبلا أساس ديني. فكل الأيام مباركة. وهذه النصائح ليست إلا آداب ومستحبات. وقد تكون منطلقة من مصلحة طبية، كمقولة النهي عن الجماع بعد الطعام لأن في ذلك ضررا. ولكن كل ذلك يحسمه الطب نفسه. وعلينا أن نتعرف على الأمور بواسطة العلم ـ لأنه من سنن الله ـ وليس بواسطة الخرافة».

فاتن قبيسي - السفير 24 تموز 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق