السبت، 4 يونيو 2011

.. ومـا زال مـأزق القبلـة فـي الدرامـا العربيـة مستمـراً!

.. وما زال مأزق القبلة في الدراما العربية مستمـراً!
 
حنان ترك ومحمد منير في لقطة من فيلم «دنيا»
لندع صناع الدراما يستفيضوا في الكلام عن أن الدراما صورة طبق الأصل عن الواقع بكل تفاصيله المرّة منها والسعيدة، وانها تصميم متقن للحياة الإنسانية التي نعيشها. ذلك أننا عندما نصل عند جزئية القبلة والعناق بين رجل ومرأة نجد تعديلاً في الرؤية السابقة. ويقع الافتراق بين من يعتبر القبلة جزءاً من حالة درامية واقعية يسعى العمل الدرامي لالتقاطها، وبين من يتحفظ على وجودها ويرفضها بحجة دخول هذه الدراما كل بيوت مجتمعنا الشرقي المحافظ. والنتيجة؟ تبنّي مجموعة من الحلول الدرامية التي تراكمت نتيجة نحو أكثر من نصف قرن من عمر الدراما العربية السينمائية والتلفزيونية. بين الحلول ما هو نافر، أثار حفيظة المشاهد العربي ووُضع ضمن إطار «الجرأة الزائدة»، ومنها ما كان يثير الضحك لسذاجته كأن نشاهد أختاً تمد يدها للسلام على أخيها المفقود منذ عشرين عاماً. وما بين هذا وذاك تبدو القبلة في مأزق: كيف نضمن ألا يبدو المشهد ساذجاً من دونها وكيف لا يثير حفيظة المتفرجين في الوقت ذاته؟!
تصور عشرات المسلسلات مشاهدها الأخيرة خلال الفترة المقبلة التي تسبق شهر رمضان، وكلها اختارت «الحذر» طريقاً. وربما قد يكون العرض الرمضاني سبباً أساسياً في حرص المنتجين على استبعاد أية مشاهد يمكن ان تثير ضجة حولها. وللمفارقة، انه حتى بعيداً عن الدراما، لم يتقبل بعض الجمهور العربي مجرد رؤية قبلة عفوية بين رجل وزوجته على الهواء، فقامت الدنيا ولم تقعد مثلاً بعدما قبّلت أصالة زوجها طارق العريان في أحد البرامج التلفزيونية وفي إطار حواري. ردة الفعل كانت نموذجاً معاكساً لواقع الحال في وقت مبكر نسبياً من عمر السينما المصرية، وبالضبط في فترة إنتاج كلاسيكياتها، إذ غالباً ما كنا نجد نجمات مثل فاتن حمامة وشادية وسعاد حسني وهند رستم ونجلاء فتحي وغيرهن يتبادلن القبلات الحارة مع نجوم السينما كنور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمي وحسن يوسف وسليم صبري ورشدي أباظة وعمر الشريف وسواهم في مواقف رومانسية جميلة، وغالباً كانت القبلة بين بطلي الفيلم تشكل مشهد النهاية السعيدة لتلك الأفلام. لم تكن القبلة حينها لتثير اللغط الذي تثيره اليوم أفلام إيناس الدغيدي والراحل يوسف شاهين وخالد يوسف وغيرهم، لغط وصل إلى حد نشوء تيار سينمائي معارض يحمل لواء ما سمي بـ«السينما النظيفة».
هذا الواقع لا ينفي انه في مقابل جرأة القبلة في السينما المصرية وجدلها، تبدو الدراما التلفزيونية المصرية، بين مثيلاتها السورية واللبنانية، الأكثر خجلاً وتحفظاً لجهة حضور القبلة، وصل إلى حد تبني حلول ساذجة لمشاهد تتطلب تبادل قبلات في المشهد الدرامي، والأمثلة كثيرة يكاد لا يخلو منها أي مسلسل. واللافت أيضاً أن جدار التحفظ هذا كان أقوى من أن تكسره نجمات السينما، اللواتي اشتهرن بجرأة مشاهدهن في السينما، حين دخلن سوق الدراما التلفزيونية مثل يسرا ونادية الجندي وإلهام شاهين، فبقيت الدراما المصرية على تحفظها، حد السذاجة أحيانا مع استثناءات بسيطة.
تميز إنتاج القطاع الخاص السينمائي السوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بجرأته المفرطة، ولدرجة صادمة أحياناً. لكن الصورة بدت معاكسة تماماً في إنتاج القطاع العام السينمائي، ومع تراجع إنتاج القطاع الخاص حتى غيابه تماماً، استمر القطاع العام بإنتاج أفلام تكاد تغيب عنها القبلات تماماً. إلا أن هذه الأفلام، كما الدراما التلفزيونية السورية اليوم، عادت وأمسكت العصا من النصف فغابت عنها القبلات العاطفية بينما أبقت مشاهد قبلات الخد التي يتبادلها الإخوة والأصدقاء عادة في حياتهم اليومية.
وبينما تغيب القبلات تماماً عن الدراما الخليجية، سيبدو وجودها مبالغاً فيه في بعض مسلسلات الدراما اللبنانية، وصل حد إيقاف عرض مسلسل «الباشاوات» على تلفزيون «المستقبل» بعدما أثار جدلاً واسعاً لمشاهده الجريئة، وقيامة الدنيا على مشهد افتتاح مسلسل «عيون خائنة» على «ال بي سي»، علماً ان هذه المشاهد لها من يعارضها على اعتبار انها تخرج عن السياق الدرامي، كما هي الحال مع الفنانة اللبنانية مادلين طبر التي لا تخفي ضيقها من مبالغة بعض المسلسلات اللبنانية: «يكفي المآسي في الفيديو كليب، وكأنه كان ينقصنا دراما لبنانية تبنى على القبلات والأحضان والميني جوب(!)».
في هذا الموسم كما في كل مرة، ستكون القبلة في الدراما العربية أمام مأزق أن تكون أو لا تكون، بين أن ينتصر المشهد لواقعيته أو ينتصر لتحفظ مشاهده.. وفي كل الأحوال سيبدو مأزق القبلة الفني أخف وطأة ربما من مأزقها الإنساني، الذي عبرت عنه الخبيرة كريستينا كانتاوف، بمناسبة اليوم العالمي للقبلات، الذي مر منذ أيام، حين أسفت لتراجع «الدور الذي تلعبه القبلة، على اختلاف أشكالها، من الناحية الإنسانية والتاريخية».

ماهر منصور assafir 09/07/2009

المخرجون المغاربة يسدلون "الحجاب" على مشاهد القبلة
مشهد من فيلم "حجاب الحب"
في فيلم "سينما براديزو" للمخرج الإيطالي كَيسبي طوماطوري يتم عرض فيلم قصير، هو عبارة عن تجميع لما كانت الكنيسة تحذفه من الأشرطة السينمائية.. وبمجرد مشاهدتنا لهذا الفيلم القصير بتضح لنا أن ما كانت تقتطعه الكنيسة هو مشاهد القبل التي يصورها المخرجون. كان المخرجون الأروبيون والمصريون (خاصة بالنسبة للعرب) يصورون مشاهد القبل دون التفكير المسبق في هل سيسمح بجوازها أو بمنعها.. ولعل ريبرتوار خزاناتهم السينمائية دليل على حضور القبلة في أفلامهم. لكن كيف هو الوضع عندنا هنا في المغرب؟ هل يصور مخرجونا مشاهد القبل؟ وهل يقبل الممثلون والممثلات أداء أدوار القُبل؟

عندما تسأل المتتبعين للسينما المصرية عن أشهر قبلة في تاريخ مشهدهم السينمائي، تنهال عليك الأجوبة من صوب وحدب. فهناك من يعتبر أن أشهر قبلة حارة هي تلك التي قطفها الممثل عمر الشريف من شفتي الممثلة فاتن حمامة في فيلم "نهر الحب"، وهناك من يجد أن قبلة فريد شوقي لشويكار في فيلم "آخر فرصة" هي الأقوى والأحلى، وهناك أيضا من يعتبر أن يحيى شاهين هو الأعنف في تقبيل الممثلة ماجدة في فيلم "هذا الرجل أحبه". هكذا هي الأفلام المصرية، تحضر فيها القبلة بشكل لافت للنظر، ونادرا ما نجد فيلما خاليا منها، رغم الحرب التي يشنها الإسلاميون هناك على القبلة وعلى غير القبلة.

برودة العلاقة

كيف هو حال أفلامنا المغربية في ما يخص هذا الموضوع. هل تحضر فيها القبل، خاصة إذا علمنا أن هذه الأخيرة تدخل في باب مشاعر الحب والصداقة القائمة الآن بقوة في أوساط الجيل الجديد.. هذا إذا افترضنا جدلا أن غيابها كان مبررا من طرف بعض المخرجين على اعتبار أن قاعات السينما كانت ترتادها العائلات، وهو أمر لا يعتبره بعض المتتبعين للسينما المغربية مقنعا، لأن السبعينيات كانت تشهد موجة "الهيبيزم" عند الشباب وجرأة الطالبات في اللباس (الصاية ما فوق الركبتين)، وهو ما كانت تعكسه أفلام ذاك الزمان، مثل "شمس الربيع" و"دموع الندم".
ومع الجرأة التي كانت في السبعينيات والتحرر الذي نشهده اليوم في العلاقات بين الجنسين، نكاد بالكاد لا نعثر على هذا التعبير العاطفي تجاه الزوج والزوجة وتجاه الشاب والشابة في الأفلام المغربية قديمها وحديثها، إلا بعض الاستثناءات القليلة جدا. صحيح أن الأفلام المغربية تتطرق إلى العلاقات بين الجنسين (الحياة الزوجية، العلاقات الغرامية خاصة بين الطلبة والطالبات.. إلخ)، لكنها تتطرق إليها بطريقة تقليدية وأخلاقية... ففي الفيلم المغربي لا نحس بقوة العلاقة الغرامية القائمة بين الزوج وزوجته وبين الشاب والشابة.. لا نحس في الحوار بينهما بفوران المشاعر العاطفية وبفسح المجال للحركات والإشارات التي ترتسم على الوجوه حين يصبح الكلام عاجزا عن التعبير عما نحس به من حب تجاه الآخر (امرأة كان أو رجلا).. فقط نشعر بأن الحوار الذي يدور بين العاشقين هو مجرد حديث عن الدراسة أو مشاكل البيت والخوف من الأب أو من الأخ (بالنسبة للفتاة)، وإذا حصل وتأجج الحوار بينهما نسمع كلمة زواج، الذي قد تصل إليها العلاقة بين الطرفين في آخر المطاف. لكن الوصول إلى بيت الزوجية يكون في معظم الأفلام خاليا من المسار الطبيعي بين العاشق والمعشوق، فلا وجود للقبلات ولا لاقتراب الجسدين ولا للهمسات والوشوشات التي تشير إلى أن هناك علاقة غرامية بين هذين البطلين في فيلم هذا المخرج أو ذاك.

غياب القبلة

تعامل المخرجين السينمائيين مع موضوع القبلة ومشاعر الحب الجياشة سبه منعدم في السينما المغربية، وهو ما أكده معظم الفاعلين وبعض المخرجين الذين استقينا آراءهم في هذا الموضوع. فبعضهم رأى أنه »إذا كانت الأفلام المصرية الآن قد اختفت منها مشاهد القبلة، كما كان في السابق، بحيث أننا لم نعد نرى سوى انطفاء الأضواء أو اقتراب شفتي البطل من شفتي البطلة ثم يتم تحويل الكاميرا إلى جهة أخرى، فإن الأفلام المغربية التي تغيب فيها مشاهد القبلة بشكل مطلق لا توظف فيها هذه الدلالات الرمزية التي توحي بالمشاعر وتدل على أنه حين سيتم تحويل الكاميرا سيقبل البطل البطلة..«. في حين يرى البعض الآخر أن هناك استثناءات فيلمية تم تسجيل مشاهد القبلة فيها، مثل أفلام المخرج عبد القادر لقطع (مثلا فيلم »الباب المسدود«) وفيلم محمد إسماعيل »أوشتام« وفيلم نور الدين لخماري »كازانيكَرا« وفيلم »حجاب الحب« لعزيز السالمي.
ورغم أن حضور القبلة في هذه الأفلام التي سبق ذكرها، فإننا نجد أن مخرجيها لم يعبروا عنها بالشكل الذي يجعل المشاهد ينظر إليها بشكل طبيعي. فمثلا في فيلم عزيز السالمي »حجاب الحب« (يعرض حاليا في القاعات) لاحظ أحد النقاد السينمائيين أن الممثل يونس ميكَري كان وهو يقبل بطلة البطل (الممثلة الجزائرية حياة بلحلوفي) كان محرجا، وكأنه في وضع (أريد ولا أريد التقبيل)، في حين بدت البطلة وهي تقبل بطلها في وضعية مرتاحة لا تنم عن أي إحراج بالنسبة لها. الحرج (أو التردد) الذي غشي الممثل يونس ميكَري في هذا الفيلم، يكاد يشمل معظم الممثلين والممثلات المغاربة. فعندما تسأل ممثلا عن أداء دور يكون التقبيل حاضرا فيها، قد يجيبك بنعم دون تفكير. ولكن لحظة مشاهدة هذا الممثل بقيامه بهذا الدور تجد باردا في الأداء أو مترددا. أما عندما تسأل ممثلة ما فإنها لا تتردد في الإجابة بالنفي، مدللة ذلك بالأخلاق وبالمجتمع وبأنها سيتم التنقيص منها من طرف عائلتها ومن طرف الجمهور الذي يحبها.

سبب الغياب

فما هو سبب غياب القبل في الأفلام؟ نجيب بأن السبب، ربما، يعود إلى أن القبلة أصلا غائبة في حياة الأشخاص اليومية. قد يقول قائل إن هذا غير صحيح، وإن الأزواج والشباب يقبلون بعضهم البعض بحكم العلاقة الغرامية التي تربطهم.. أجل لا يمكن أن نجزم في غياب القبلة بين الأزواج وبين الشباب (ذكورا وإناثا)، ولكن هذا القبل التي تمنح أو تُسرق تكون في السر أو في الغرف الخاصة البعيدة عن أنظار الغير (مهما كان هذا الغير). مشاهد القبل، إذن، غائبة في الفضاءات العمومية، اللهم تلك القبل التي يتم سرقتها هكذا وبسرعة البرق. والشخصية المغربية بشكل عام لا يتم تلقينها وتعليمها بأن القبلة تدخل في باب مشاعر الحب والصداقة، ذلك لأن بنيتنا الاجتماعية تتحكم فيها التقاليد والأعراف التي تعتبر القبل وغيرها حراما أو لا يجوز ممارستها خارج العلاقة الشرعية. فحين تتجرأ وتقبل حبيبتك في فضاء عمومي، ينظر إليك كل الناس الحاضرين وكأنك ارتكبت جرما خطيرا ينبغي معاقبتك عليه.
عدم تربيتنا على أن القبل ليست شيئا حراما، وأنها تعبير عن مشاعر إنسانية نبيلة، هي السبب الرئيسي في اجتناب المخرجين السينمائيين لتصوير مشاهدها في أفلامهم.. وحتى إن تم تصوير هذه المشاهد في هذا الفيلم أو ذاك، نجدها مصابة بالحصر وعدم أدائها كما ينبغي أو أن من يؤديها يكون محرجا وخائفا من أن تنهال عليه سياط التقاليد أو سياط الزوجة (الحقيقية بالطبع).

إعداد: بوجمعة أشفري - الوطن الآن المغربية - 13 نوفمبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق