السبت، 4 يونيو 2011

الطائف بين الاقتناع... والقناع!

في آذار من العام 1989، أعلن العماد ميشال عون حرب التحرير ضد سوريا، وكان حينها رئيساً للحكومة الانتقالية، الحمّالة الجدل حول شرعيتها، والمستحيل تكرارها بعد تعديلات الطائف، الذي كان ملخصاً لوثائق واقتراحات قدّمتها أحزاب وشخصيات سياسية، طيلة الفترة التي قدّمنا فيها للحرب الإعمار والأضاحي. لكنّ ما فرض طبيعة هذه الوثيقة، هو ظروف الحرب ومعطيات الحروب المتتالية، والأخطر... نتائج هذه الحرب!
في الواقع، لم يخسر ميشال عون الحرب فقط، لكنه خسر منطقها في 15 آب 1989، حيث بادرت سوريا وحلفاؤها في حينه إلى الانقضاض على سوق الغرب، لتحوّل مواقع المقاومة المفترض أن تكون اندفاعية وتهاجم، إلى مواقع، أقل من دفاعية. وتلا هذا الانقلاب في منطق حرب التحرير، لجنة أمنية لبنانية - لبنانية، كان عون يصرّ على أن تكون سورية - لبنانية، وتلا ذلك دعوة النواب إلى الطائف لإقرار تعديلاتٍ دستورية، وتلا ذلك حلٌّ عوني لمجلس النواب، ورفض لانتخاب رئيس. وتلا ذلك اغتيال رينيه معوض فانتخاب الياس الهراوي، تحت الحراب السورية، وتلا ذلك حرب للأخوة، وتدمير عبثي أنهى على ما "زمط" من مؤسسات عسكرية واقتصادية ومالية، وبنية تحتية لما كان يعرف بالمناطق الحرة.. وليخضع لبنان بأكمله، وللمرة الأولى، لسلطة الوصاية السورية.
لم يكن الطائف يوماً مشروعاً مثالياً، لكنه طبّق ويطبّق، كما كل اتفاق، وفق موازين القوى التي تغلب، وكما كان العرف، يغلب على نصوص الدستور، حيث رئاسة الجمهورية تحتكر الصلاحيات التنفيذية، لكنها تعجز عن ممارستها.
ولم يكن الطائف يوماً ليكون، وبالشكل الذي كان، لولا الحروب العبثية التي أخلّت بالموازين، وأنهكت المسيحيين وأنهتهم، لينتقى من نصه النصوص المناسبة لمرحلة ما بعد "المسيحيين" في لبنان.
يشبه الطائف إلى حدّ بعيد، معادلة تنازلات غير سوية بين مجموعات خاسرة ولكن، بشكل غير متساوٍ. فالمسيحيون الذين وافقوا على الطائف، لم يكونوا من صانعيه، أما المسيحيين الذين صنعوه، ولو عن غير قصد.. فقد رفضوه؛ وأصرّوا على قلب موازين القوى، المنقلبة أصلاً، ليدفع المسيحيون الثمن من جديد، ليس بسبب التعديلات الدستورية، المفترض أن يفرضها المتغيّر الديموغرافي والتطور الطبيعي لشؤون الحياة، إنما لخلل الموازين السياسية، بعد الانهيارات القاتلة.
بعض الناس يعلم ويتناسى، والبعض الآخر لا يفقه لما قاسى، لكن بعضاً ثالثاً يعلم ويعرف، وينظر إلى الأمام حتى لا يُقتل مرة ثانية، وينتظر حكم التاريخ... بعد قتلته الأولى!

ملحم الرياشي - "الجمهورية" 4 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق