الخميس، 16 يونيو 2011

شعر محاولة بسيطة لبناء عالم يشبه حكاياتها ... رنيم ضاهر: عندما لا أجد من أحدّثه يكون الورق أقرب إليّ

رنيم ضاهر: أرتب خيالي قصيدة (بلال قبلان)ضاهر: أرتب خيالي قصيدة (بلال قبلان)
ولدت في بيت لا يقرأ فيه أحد. كانت تسعى، بشكل منفرد لأن تكون لها مكتبتها الخاصة، تجمع مصروفها لذلك الحلم الصغير، أو تستعير الكتب من الأصدقاء. وعندما كانت تمر عربة بيع الكتب في بعلبك، وهي في الثانية عشرة من عمرها كانت تطلب من والدها أن يشتري لها كتب جبران خليل جبران. من هنا كبرت علاقة الشاعرة رنيم ضاهر بالكتب والشعر.
كانت رنيم تشاهد برنامج استديو الفن، وعندما وجدت انه قد يشكل فرصة مهمة لها، حملت قصائدها وتقدمت. وصلت إلى النهائيات، وحازت الجائزة الذهبية. أخبرتنا عمّا تمثله الجائزة لها قائلة: «إثبات الذات في مرحلة مبكرة، وتخلص من عقدة الكاميرا والأضواء».
يشبهني أنا
«سأقص على النسيان حكايات طويلة» عنوان محرض للكثير من الأسئلة. نعرف جيدا أن القص فعل يستند بقوة الى الذاكرة والمخزون المعرفي، إلا أن رنيم ضاهر تفاجئنا بمفارقة أن يتم القص على النسيان، كأنه محاولة للتخلص من عبء الحكايات. أخبرتنا رنيم أن «أصعب مرحلة مررتُ بها هي مرحلة اختيار العنوان، تكاد تكون أصعب من كتابة الديوان الذي جاء متدفقا على مراحل عدة. الديوان أنثوي، احتوى على حكايات كتبتها في لحظتها، تلك التي لا يمكنني تذكرها لاحقا، لم يكن اختيار العنوان مقصودا، كان عنوانا لقصيدة في الديوان، شعرتُ بأنها تليق بالديوان بأكمله. بالصدفة اكتشفت أنه يلائم مجمل القصائد، ومن هذا المنطلق اخترته».
وعن دهشة القص على النسيان قالت: «لو كان الشاعر ينوي أن يتخلص من قصصه وحكاياته، لما كان لجأ إلى كتابة الشعر، فالتفاصيل تلاحق الواحد منا، وتظهر في وجهه إذا ما تجاهلها»، لكنها في الوقت نفسه لم تنكر محاولتها للتخلص من الحكايات التي تجيش في صدرها بقصيدة.
في البداية يتوهم القارئ أن وجود القصص في قصيدة رنيم النثرية هو خدعة، أو إغواء يقترحه العنوان. إلا أننا نكتشف لاحقا وجود القصص الصغيرة في الداخل، ربما لإلهاء النسيان عنها. «كان جدي يرتب حياته/ مخبئا السنين في غرف الشتاء/ ألمحه عبر النمال المستعجلة/ بعد قليل ستغلق الحفر/ تغتسل الأشجار على وقع الأمطار/ يتبع عصاه كأعمى/ صوب الزمن/ وأبقى وحيدة كورقة سقطت ذات خريف»
وعمّا يمكن أن يضيفه القص في قصيدة النثر قالت: «عندما كنت اكتب لم أكن أفكر في إدخال فكرة القص إلى قصيدة النثر. كنت أفكر أبعد بكثير من مسألة التأثر بمدرسة ما. أفكر في قصيدة تحمل عاداتي وتقاليدي اليومية، بيئتي، مكاني، وكل ما يخصني. بمعنى آخر أحاسيسي الخاصة من دون تكلف. فأنا مثلا لا أركض وراء القصائد المغلفة بالتابوهات المغلقة، ليعطي الديوان إشارات ضخمة. الديوان محاولة بسيطة لبناء عالم شعري خاص يشبه حكاياتي وقصصي وطفولتي، يشبهني أنا».
لن تنتهي صلاحيته
دفعت رنيم ضاهر مشروع ديوانها قبل النشر إلى عدد كبير من الأصدقاء من مختلف التوجهات والميول. بعد أن بقي حبيس الأدراج لفترة من الزمن. الشاعران ماهر شرف الدين، زينب عساف، وهما من أهم الشعراء الشباب الذين يمتلكون تجربة نوعية مختلفة –بحسب رأيها - حرضا رغبة النشر بداخلها. بعدها تجرأت ودفعت العمل إلى أصدقاء آخرين من توجهات أخرى، وعندما وجدت التشجيع من قبلهم، حذفت بعض القصائد، ونشرت الكتاب «وقتها كنتُ مستعدة لتقبل رد فعل القبول أو الرفض».
في قصيدة «حروف مستديرة»، «ثمة تلوث في سمع المكان/ وتغير في حجم الكائنات/ الشعر خائف من الخرف». كنّا نتساءل لماذا يخاف الشعر من الخرف، هل هو في طور شيخوخته الآن أم فعلا لأن سمع المكان تلوث؟ أجابتنا: «لاحظت في مناطق عدة وجود خوف من التلوث. ليس التلوث المؤثر في الشعر وحسب، بل التلوث بأشكاله المختلفة. الخوف على الطبيعة، الخوف على الصداقة، الخوف على قريتي عندما تتحول إلى مدينة، الخوف من أن أصحو ولا أسمع صوت العصافير».
ناقد بقامة جابر عصفور أشار ذات يوم إلى أن الزمن هو زمن الرواية، لكن ضاهر ترى «أنه لو كان للشعر تاريخ انتهاء صلاحية، لكان سينتهي منذ زمن بعيد. ما زلنا إلى الآن نتفاجأ بقصائد جميلة، وشعراء ينشرون دواوينهم، لهم لغتهم وعوالمهم الشعرية. أنا اختلف مع ما قاله جابر عصفور لأن الرواية أيضا تحتوي على الشعر، وعلى سبيل المثال رواية «مئة عام من العزلة» لـ ماركيز ممتلئة بالشعر. فليس بالضرورة أن ينتهي عصر الشعر، ليبدأ عصر الرواية».
العرّافة والمواعيد
لم نكن بعد نعرف السبب الذي دفعها إلى كتابة قصيدة النثر من دون غيره من أشكال الكتابة الشعرية، لكن «الحقيقة أنا لا اكتب التفعيلة، ولا أعرف الوزن والقافية».
في قصيدة «فتات» قالت الشاعرة: «حالة فوضى تعمّ شعري/ من أكثر من حين/ لولا الخيال/ ما كان لي أن أتوازن». ما يفتح أمامنا السؤال: كيف يرتب الخيال فوضى القصيدة لدى رنيم ضاهر؟ هي تتمسك بالخيال ليعطيها الصور، والشعر، خصوصا عندما تشعر بأنها ليس لديها ما تقوله، «عندما أمشي في الطريق، اسرح بتفكيري بعيدا جدا، وأفكر في قصصي وحكاياتي. يحدث ذلك كثيرا قبل أن أنام، وفي الصف عندما أشرح الدرس لطلابي، وعندما أطبخ في المطبخ، فعالم الخيال غزير، ينسيني أحيانا ما يجب أن أفعله في الواقع. أستطيع القول أني أرتب قصيدتي خيالا «.
وليس بعيدا عن الخيال تكبر صورة العرّافة أو قارئة الحظ التي جاء ذكرها في أكثر من موضع من مواضع الديوان. «أعبثُ بوقتي كغجرية لا تلمح إلا خشخشة الصُّدف». قارئة الحظ هي حكّاءة بامتياز إلا أنها تحكي عن قصص غيبية. يستيقظ السؤال عن علاقة القص على النسيان، وقصص الغجرية القادمة من خطوط الغيب، تقول لنا: «الغجر دائما لديهم أسرار، وأشياء غريبة. يحددون لك مواعيد مع الصدف، والأحلام المخبأة. الغجر يجعلوننا نعرف ما وراء الواقع، والطبيعة، يخلقون لنا علائق مع بشر ربما هم غير موجودين قد نلتقي بهم مستقبلا، نلتفت إليهم، ليعطونا أفكارا، ويجعلونا نلمح أشياء جديدة في الحياة قد لا نكترث بها».
وعن خط التشابه بين رنيم ضاهر، والغجريات القارئات الحظ تابعت: «عندما تضيق الحياة بي أفتش عن عالم آخر أوسع أخبئ فيه أحلامي، قصصي، صوري التي لا يقبلها أحد أو ذكرياتي التي لا تخص أحدا غيري، وعادة ما يكون هذا العالم هو عالم الشعر».
أنا وشوقي بزيع
بالتأكيد لا يمكن أن يكون الارتباط بشاعر مهم مثل شوقي بزيع أمرا عابرا في حياة رنيم ضاهر، إلا أنها تقول في هذا الأمر: «الارتباط بشخص معروف، وبالأخص بشاعر معروف لا يضيف شيئا إلى طبيعة ونوع ما اكتب. أولا: لأن شوقي يكتب قصيدة التفعيلة، وأنا اكتب قصيدة النثر، ثانيا: في الشعر بالذات لا يحتاج أحدنا إلى أن يقول للآخر ماذا ينبغي أن يكتب أو كيف ومتى يكتب، لأن الشاعر منّا لا يعرف متى يلتقي بالشعر، ومن أي شيطان، وعلى أي مفترق».
نفترض أن فكرة ارتباط شاعرين في بيت واحد يخلق حالة ما، توجد نمطا حياتيا مختلف في التعاطي مع الأشياء، لكن رنيم ترى أن: «الإضافة تكمن ربما في قدرتنا على تجاذب الأفكار، عندما أتحدث أجد من يفهمني كما أني أفهمه، نتشارك في الأدب والثقافة والاهتمامات. نعيش في بيت فيه كتب كثيرة، ونتابع البرامج الثقافية معا، ونحضر جلسات مشتركة»، واستأنفت: «أتفهم كثيرا لحظته الكتابية عندما تأتي واحترمها. هنالك اختلاف حتى في اختيارنا لطقس الكتابة. هو يختار أن يكتب مع قهوته على البحر. بينما أنا لا أملك طقوسا صعبة في الكتابة، ويمكن أن اكتب في المنزل».
لم تكتف رنيم ضاهر بهذا الإصدار، بل كان فاتحة نشاطها الشعري. إذ هناك قصائد تكتبها الآن عقب إصدارها الأول، وترى أن الشعر هو حالة وإحساس تعيشه بصدق عندما يأتي، ولا تذهب إليه. بمعنى أنها لا تجلس إلى طاولة الكتابة وتنتظر شيطانها الخاص: «ربما أستطيع أن أكتب قصيدة بهذه الطريقة، لكنها لا تشبهني».
تبحث رنيم دائما عن محرضات تدفعها إلى الكتابة: «دائما هنالك صدمة تحركنا من الداخل. ربما تنطلق من فكرة، أو من إحساسي بالملل من العالم الذي حولي، أو عندما لا أجد من أتحدث إليه، لحظتها يكون الورق هو الأقرب إليّ».
يوما ما كانت رنيم ضاهر تهرب من غرف الدرس إلى المكتبة، لتقرأ بشهية كبيرة، والآن تُحضر الكثير من القصص والكتب لبناتها، رغم أن المساحة في البيت لا تتسع لها، لكن ذلك «يحدث لا شعوريا، كأن الأمر رد فعل لأني في طفولتي لم أكن أجد الكتب بسهولة».

حاورتها: هدى الجهوري - السفير - 19 حزيران (يونيو) 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق