الأربعاء، 8 يونيو 2011

على الحافة: أين إستراتيجية لبنان من استهلاك الطاقة العالمي؟

تطرح قضية تبني مجلس الوزراء تقنية التفكيك الحراري لمعالجة النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية التي عرضناها الثلاثاء الماضي المزيد من الأسئلة حول الإستراتيجية البيئية التي تبناها لبنان وتلك المتعلقة بالطاقة أيضا.
ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً، عندما نسمع بين فينة وأخرى، تصاريح من وزراء في الحكومة المستقيلة والمرجح بقاؤهم مع أية حكومة آتية، على ما يبدو، لاعتماد مروحة كبيرة من الخيارات لإنتاج الطاقة من دون الإعلان عن أية إستراتيجية. وتمتد هذه المروحة من شراء الطاقة من بواخر في البحر إلى البدء بالتنقيب عن النفط، إلى الاستمرار في الاستيراد والاستجرار للطاقة من الخارج، أو اعتماد طاقة مياه بعض السدود المائية أو الاعتماد على التفكيك الحراري للنفايات والطاقات المتجددة... الخ.

كل ذلك من دون الإعلان عن أية إستراتيجية متكاملة، تطرح للنقاش الوطني.

فما هي الأسس والمعايير التي يفترض الاعتماد عليها لوضع إستراتيجية للطاقة في لبنان؟

نسارع إلى القول إنه من الأفضل في بلد صغير مثل لبنان، أن يتم وضع إستراتيجية بيئية شاملة، تأتي إستراتيجية الطاقة من ضمنها. فالطاقة لا تتعلق فقط في خيارات وطرق الإنتاج، بل في طرق الاستهلاك أيضا. وهي لا تتعلق بالمصادر فقط، بل بالاستعمالات أيضا. وإذ تستخدم الطاقة في المنازل والصناعة والزراعة والنقل والترفيه وكل ما يسمى القضايا التنموية... يفترض البحث في إمكانية التوفير في كل هذه القطاعات.

وإذ يفترض في أية إستراتيجية أن تأخذ بالاعتبار المعطيات الطبيعية أولا، المتوفرة في الطبيعة اللبنانية من دون عناء كالهواء والشمس وقوة المياه الطبيعية وأمواج البحر والطاقة الجوفية...الخ يفترض أيضاً الأخذ بالاعتبار المعطيات العالمية، من سوق الطاقة وتقنياتها إلى التغيرات المناخية ومتطلبات الحد منها عبر الالتزام بالمعاهدات الدولية.

كما يفترض أن تأخذ بالاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسكنية للسكان اللبنانيين. بالإضافة إلى الأوضاع الإدارية والنظامية والأمنية والتشريعية، والتجارب في مدى تطبيق القوانين واحترامها، وكيفية الإشراف على عمل القطاع الخاص إذا ما تم تلزيم الإنتاج إلى هذا القطاع... الخ.

ولعل أهم مبدأ، يفترض الانطلاق منه هو في كيفية تأمين الاكتفاء الذاتي أو التحكم الذاتي بإنتاج واستهلاك الطاقة.

كما يفترض أن يأخذ بالاعتبار تطورات واتجاهات سياسات الطاقة في العالم والتطور التقني الحاصل في هذا المجال والاتفاقيات الدولية ذات الصلة... والمخاطر المترتبة على كل خيار.

إلا أن جوهر أية إستراتيجية ، يجب أن يبدأ، كما نكرر دائما، من كيفية وضع استراتيجيات وسياسات وإجراءات للتخفيف من استهلاك الطاقة في كل القطاعات، والترشيد والتوفير وكفاءة الاستخدام للأدوات...الخ.

فدولة صناعية متقدمة مثل ألمانيا، التي اتخذت حكومتها قرارا تاريخيا واستراتيجيا الأسبوع الماضي للتخلي عن الطاقة النووية عام 2022 ، (بعد قرار مماثل كانت قد اتخذته عام 2002 ) والتي تشكل الآن 22% من الطاقة في ألمانيا، وهي نسبة غير قليلة إذا ما تم اتخاذ قرار بتعويضها من مصادر متجددة فقط... وضعت إستراتيجية للتخفيف من استهلاك الطاقة بنسبة 10% بحلول عام 2022 أيضا، ولم يبق لها سوى 12%، عليها تأمينها من مصادر متجددة بدل تلك النووية.

في العودة إلى سؤال: ما هي اتجاهات الطاقة العالمية التي يفترض الانطلاق منها في لبنان؟ يمكن الإشارة أولا إلى أن إنتاج الطاقة المستهلكة عالميا يأتي من مصادر موجودة في الطبيعة، منها طاقات أولية مخزنة تحت القشرة الأرضية وتم سحبها كالطاقة الأحفورية، ومنها ما منحتنا إياها الطبيعة مجانا فوق الأرض والمسماة متجددة كالشمس والهواء والماء.

حسب دراسة الوكالة الدولية للطاقة عام 2008 ، بلغ الاستهلاك العالمي للطاقة الأولية 12،2 مليار طن بترول مكافأ، منها 87% من مصادر أولية مخزنة (33% بترول، 27% فحم حجري، 21% غاز طبيعي، 6% يورانيوم) و13% طاقة متجددة (10 % طاقة حيوية، 3% مائية وشمسية وهوائية وحرارة جوفية).

بالرغم من أن الطاقة المنتجة والمستهلكة عالميا هي في غالبيتها من مصادر أحفورية (بنسبة 87%)، إلا أن أي إستراتيجية مستقبلية، يفترض أن تراهن على الأقل إنتاجا وطلبا، أي تلك المتجددة. وذلك كون الأحفورية غير متجددة وناضبة حتما. بحسب نسب الاستهلاك الحالية، فإن مخزون الفحم ممكن أن ينضب في قرنين أو ثلاثة والبترول يمكن أن ينضب بعد عشرات السنين، والغاز بعد أكثر من نصف قرن بقليل، وبعض عشرات السنوات بالنسبة إلى اليورانيوم... بالمقارنة مع الشمس التي لا تنضب!

وكون الاتجاهات العالمية هي لدعم الطاقات المتجددة، فقد وضعت معظم دول العالم المتقدمة والنامية برامج لعام 2020 لقلب المعادلات، وقد توقعت آخر التقارير العالمية الصادرة عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» الشهر الماضي، بأن يصبح الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 80% منتصف هذا القرن إذا ما توفرت سياسات الدعم المطلوبة.

ناهيك عن مخاطر الاعتماد على الطاقة الأحفورية، أن لناحية التنقيب أو التكرير أو النقل والاستهلاك وحوادث التسرب وتلويث التربة والمياه والبحار وانبعاثات الكربون واستغلال الشركات والمافيات وتخريب الاقتصاد الحقيقي...الخ بالإضافة إلى التفاوت في الاستهلاك بين الدول بالنسبة إلى عدد السكان الذي يترك آثارا كارثية ويحول دون الوصول إلى اتفاقيات لمعالجة تغير المناخ منذ عام 1992. ففي حين أن الولايات المتحدة الأميركية تستهلك وحدها 7،5 مليارات طن والاتحاد الأوروبي 3،5 مليارات، تستهلك الصين 1،6 مليار طن والهند 0،5! مما يعني أن الدول الصناعية المتقدمة التي يسكنها 13% من سكان العالم تستهلك 40% من الطاقة العالمية، بمعدل 5،3 أطنان للفرد!

وإذا كان طموح العالم النامي (المشروع) أن يصل إلى نفس النسبة تطبيقا لمبدأ المساواة في الفرص والتنمية (بالمفهوم الغربي)، فنحن بحاجة إلى 48 مليار طن (مقارنة مع 12 مليار حاليا) عندما يصبح عدد سكان العالم 9 مليارات كما هو متوقع قريبا (مع نسبة 5،3 أطنان للفرد)... وسنكون عندئذ أمام تحد خطير إن لناحية سرعة نضوب الموارد أو لناحية كثافة الانبعاثات التي تحتاج إلى أربع كواكب كالأرض لكي تستطيع إعادة امتصاصها.

من هنا لا بد للدول المتقدمة أن تتراجع أولا عن نموذجها الحضاري المدمر وأن تساعد البلدان النامية على عدم الوقوع في نفس التجربة الخطرة والتعويض عليها عبر نقل التكنولوجيا الخضراء لها من دون مقابل، والتركيز على ترشيد استهلاك الطاقة أولا في الترفيه والنقل والإنتاج، والتركيز على الطلب بدل العرض والبحث عن بدائل سريعة. كما يفترض وضع استراتيجيات وسياسات تغير في أنظمة البناء والسكن وتطوير وسائل النقل الجماعية وتعديل الأجهزة لتصبح أكثر كفاءة للطاقة وتشجيع إنتاج الطاقة المتجددة...الخ

وعلى لبنان أن يعرف كيف يستفيد من هذا التحول، عبر وضع الاستراتيجيات والسياسات وفي المفاوضات الدولية ذات الصلة.

أما السؤال عن كيفية احتساب الطاقة المتولدة عن التفكيك الحراري للنفايات، وعن مدى تصنيفها ضمن قطاع الطاقة المتجددة، فموضوع نعالجه لاحقاً. 

حبيب معلوف – السفير 7 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق