الأربعاء، 8 يونيو 2011

دامت النكسات في دياركم

ما دام أنّه لا مسيرات للعودة في ذكرى نكسة الخامس من حزيران، فربما يمكن الاستفادة من المناسبة للإطلالة على العلاقات الفلسطينية ــــ الفلسطينية، والفلسطينية ــــ اللبنانية في هذه الأيام الفاصلة ما بين الخامس عشر من أيار واليوم.
الإدارة السياسية اللبنانية، أو ما بقي منها، قررت أنّ الضغط الذي تحمّلته خلال الأيام التاليات لمسيرة العودة في منتصف شهر أيار الماضي كاف، وأنها ليست على استعداد لمواجهة الأميركيين، أو أيّ جهة في العالم من أجل محبة الفلسطينيين في المخيمات، وأوضاعهم غير الإنسانية، وإرادتهم بالعودة إلى ديارهم، وأن مسألة العودة لن تُحل انطلاقاً من لبنان، وفي كل الأحوال من الصعب أن نتذكر أياً من هذه الشخصيات اللبنانية التي يمكن أن تكن بعض الود أو التضامن، أو الاهتمام بما يزيد على أربعمئة ألف لاجئ فلسطيني في لبنان وحده، عدا موقف هؤلاء القادة السياسيين اللبنانيين من القضية الفلسطينية نفسها، ومن وجود إسرائيل. (للمزيد من المعلومات يمكن دائماً الاتعاظ بدراسة الكاتبة الإسرائيلية لورا إيزنبرغ بعنوان «عدو عدوّي»).
الجيش اللبناني من جهته أيضاً لن يسمح بأن تسير قوافل فلسطينية بعد غد إلى الحدود، لأنّه لن يتحمل ما حصل، وخاصةً بعد تفجير عربة قوات الطوارئ الدولية على مدخل صيدا الشمالي، وهو سيكون مرة أخرى في مواجهة دامية مع الفلسطينيين المطالبين بالعودة إلى أرضهم، وليس مستعداً ليعطي ظهره للجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية. ولن يكون تحت أعين قوات الطوارئ الدولية، ومن بعدها يخضع لضغط أميركي، ومطالبة بالتدقيق في نوعية الطلقات التي استخدمها الجيش اللبناني على الحدود، ومصدر الأسلحة، هل هي أميركية الصنع ومن المساعدات العسكرية للبنان أم غير ذلك، وهل استخدم الجيش اللبناني أموال دافعي الضرائب ليخل بأمن إسرائيل؟
أمّا حزب الله، فهو يعدّ نفسه عاملاً مساعداً في هذه التحركات، وإن تطلّب الأمر تمويلاً، فهو مستعدّ، لكنه لن يخوض المعركة نيابةً عن أهلها، وهي سياسة معتمدة في الحزب في مناسبات مشابهة، ويمكنه أن يؤدّي دور وساطة سياسية، لكن وفق المتعارف عليه في هذا المجال، فهو لن يضغط بأكثر من الثقل الوطني الفلسطيني، ولن يبخس الثقل الفلسطيني حقه إذا استطاع، إلا أن المفاوضات تجري على قاعدة الثقل الفلسطيني لا ثقل حزب الله نفسه.
ثقل المقاومة نفسه متروك للحظات أخرى، حين لا يفلّ الحديد إلا الحديد، وحين يبدأ وقت الجد، وحين يأتي دور القوى المنظمة في كسب جولة أخرى، وحين يبتعد المدنيون عن الشريط الشائك وعن مرمى قنّاصة الجيش المعادي، وهي حكاية أخرى ليس الآن أوانها، لكنه لم يعد ببعيد في كل الأحوال.
دمشق من ناحيتها سبق أن حصلت على ما تريده من هذا الملف، وإذا كان هناك من يراهن على أن سوريا، للتخلص من أزمتها الداخلية، وللحصول على شرعية وطنية، ستفتح الحدود، وستطلق مسيرات عودة من أراضيها نحو الأراضي المحتلة، وقد تدعمها بنيران جيشها، أو تسمح بحصول حرب ضد إسرائيل لتحقيق العودة بالقوة وحماية المدنيين الفلسطينيين، إذا كان هناك من يتخيل أن سوريا ستضحي بما لديها للوصول إلى ما لن تملكه، فهو يحلم، وهي أحلام خارج سياقات الحساب السياسي الدقيق الذي يجري عادةً في اجتماعات القيادات، وفي احتساب موازين القوى، والمصالح والأساليب والوسائل المتاحة. هي أحلام يقظة قد تصيبنا لشدة شوقنا الى تغيير واقع نكسات أنظمة الحكم في هذه المنطقة.
يبقى الفلسطيني اللاجئ وفي الداخل وحده، لا أحد معه، ولا حول ولا قوة له إلا من ذاته، ومع استمرار تراجع الأوضاع الذاتية للقوى الفلسطينية فهي تورث شعبها النكسات المتتاليات، وخاصةً أنها تجد ثقلها في الدول والأنظمة المحيطة بها، وتعيش حالات من الحصارات في الداخل وفي المخيمات وفي مراكزها في الخارج، وفي حركة قادتها، وتنظر إلى شعبها عاجزة عن الضغط حتى على منظمة الأونروا، التي تبتدع أساليب قهر الفلسطيني وتجريده من ذاكرته وخفض مستوى حياته في المخيمات.
أما الشباب الفلسطيني، فعمومه قادر على التضحية بنفسه، حاملاً الحجر أمام الحدود وفي مقابل بنادق الاحتلال، وبعضه يناقش كأنه خارج الحياة والواقع، بدل أن يفهم أن المسألة في موازين القوى، وبدل أن يستلهم من الثورات العربية صراخ «الشعب يريد تحرير فلسطين».

افداء عيتاني – الأخبار العدد ١٤٢٧ الجمعة ٣ حزيران ٢٠١١

0 تعليقات::

إرسال تعليق