الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الإسلاموفوبيا: مسؤوليتا الضيف والمضيف

اختلفت وتعددت النظريات والإيديولوجيات حول "الأمة" و"بناء الأمم" بدءا من فلسفة ابن خلدون مرورا بالفكر القومي والرأسمالي والاشتراكي والشيوعي، وأخيراً لا آخراً، فلسفة الفكر الأصولي الذي تسيطر عليه الأفكار والقناعات العنفية لبناء الأمة. هذا الفهم الخاطئ للإسلام لا يفرّق بين مسلم ومسيحي. فهموا الإسلام بعد أن سبقتهم أفكار وأحزاب إسلامية، كالإخوان المسلمين إلى الجماعة الإسلامية إلى كثير من الحركات التي مرت في عالمنا الإسلامي، والتي رفضوها وأصروا على "حد السيف" مهما كانت النتائج. جاهدوا في أفغانستان ضد الإلحاد السوفياتي، وذلك من خلال تكفير من لا يؤمن بإيمانهم.
هذه الموجة الإسلامية التي تمثلها "القاعدة" وامتداداتها وفروعها، ابتدأت في أفغانستان وامتدت إلى الجزائر ومن ثم إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي، ثم إلى اليمن وباكستان ولم ينسوا مصر! ليس المهم التقوى والالتزام بمبادئ القرآن، دستور الدين الحنيف، بل الأساس هو الولاء لتأويلاتهم وإلى تفاسير أمرائهم التي تحجّر العقل والفكر والقلب معا، وتختلط فيها الأوهام البعيدة عن الأديان السماوية وما انزل الله في قرآنه الكريم. وذلك من حيث إباحة القتل لأغراض سياسية مغلفة بالدين، مع الإصرار على محو المسيحيين من التاريخ ومن الجغرافيا أيضا، متجاهلين ما أتى به القرآن العزيز. يقول سبحانه تعالى: "لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" و"لا إكراه بالدين".
"إن الذين هادوا والصابئون والنصارى، ومن آمن بالله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ويخرجوكم من دياركم أن تبروا وتقسطوا إليهم".
"ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا إنا نصارى...".
هذا ما أوصى به القرآن الكريم واستمرت هذه الدعوة منذ فجر الإسلام وحتى أيامنا هذه. هذا الإسلام كان يألفه الغرب ويعترف بوجوده في بلاده، بل ويحترم شعائره.
نعم لقد كانت هناك بعض التفاعلات والانتقادات للدين الإسلامي الشريف، وذلك بين وقت وآخر، ولكن لم يكن الغرب يعلن الحرب عليه. مثلا صموئيل هنتنغتون رائد نظرية "صراع الحضارات" يقول "صراع الغرب في عالم ما بعد الحرب العالمية... صراع مع الإسلام وإن حدود عالم الإسلام هي حدود دامية". ولقد ازدادت هذه الانتقادات بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول.
لقد درست وعملت في الغرب وتحديدا في ألمانيا الغربية، وذلك ما يقارب العشر سنوات. كان ذلك قبل أربعة عقود حيث كان عدد المهاجرين العرب والأتراك، أقل بكثير منه اليوم. نعم كانت هناك بعض الصعوبات التي لا مجال لإنكارها أو تجنبها، تقف دون التأقلم والعيش المشترك، وهذا ما دفع أكثر الأجانب للابتعاد عن الاختلاط. وهنا قد يتساوى الفريقان في المسؤولية: الضيف والمضيف، وإن كانت المسؤولية تقع أحيانا على الأجنبي، الذي يريد من الألماني أن يتأقلم مع عاداته وأفكاره. ولكن حفاظا على الحقيقة فإنني اعتبر أنه لم يكن هناك كراهية ولا حقد وتحديدا لا خوف.
منذ ذاك الوقت لم نر تصريحاً من مسؤولين ألمان وتحديداً من القيادات الحاكمة ينتقد الأجنبي، بل أن الجامعات أنشأت مكاتب للأجانب لتسهيل أمورهم. وهنا أود أن أعود إلى تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ردا على بعض الانتقادات الصحافية للمهاجرين المسلمين فهي تخاطب الشعب الألماني داعية إياه للتعوّد على مشهد المساجد في حياته اليومية "لأن الجالية المسلمة هي حقيقة يجب أن نفهمها ونتقبلها، فألمانيا ليست قادرة على الاستغناء عن دورهم في تحريك عجلة الاقتصاد".
كان ذلك منذ وقت غير بعيد. واليوم علينا أن نستمع إلى تصريح السيدة المستشارة نفسها في اجتماع للشباب الديموقراطي المسيحي (الحزب الحاكم) لمناقشة الوجود الأجنبي الذي أصبحوا يخافونه بل الذي أصبح يقلق الألماني، ربما أكثر من المشكلة الاقتصادية المسيطرة على الغرب. تقول ميركل: "لقد كانت فكرة الألمان أنهم يستطيعون العيش مع العمال الأجانب سعيدين جنباً إلى جنب، مجرد وهم. أوهمنا أنفسنا أن هؤلاء العمال لن يكونوا عبئاً علينا. وأنهم لن يبقوا هنا، ولكن لم تكن هذه الحقيقة، ثم قررنا أن نعتمد فكرة التعدد الثقافي وأن نجرّب أن نعيش سعداء مع بعضنا، ولكن هذه التجربة فشلت فشلا ذريعاً".
لم يكن المتحدث شخصاً عادياً، ولمناسبة عادية، ولم يكن من النازيين الجدد، بل هي ابنة ألمانيا الشرقية. لم يكن معلقاً عنصرياً أو كاتبا أو صحافيا. والأكثر من ذلك أن محاضرتها لم تأت من فراغ أنها في سياق موجة عارمة كاسحة من الإسلاموفوبيا التي تجتاح أوروبا اليوم مهددة وجهها الذي لطالما كانت تتباهى به أمام العالم وتحديداً انفتاحها على العالم الإسلامي والعربي خصوصاً. وليت هذا بقي محصوراً بشخص أو بحزب يميني كالحزب الديموقراطي المسيحي، فالكتابات والانتقادات أصبحت تملأ إعلام الغرب المكتوب والمرئي والمسموع. لقد بلغت حدّ أن يكتب أحد كتّاب أحزاب اليسار (الحزب الديمقراطي الاشتراكي) كتاباً يعبّر فيه عن الندم الكبير لسكوته طوال السنوات الأخيرة وهو المعروف بعدم عدائه للشرق وللإسلام. أما عنوان الكتاب فهو "هكذا تحفر ألمانيا قبرها" والكتاب يُقرأ من عنوانه.
كل ذلك يجب ألاّ ندعه يمر، كما تعوّدنا، ونقول أنها أقلام مأجورة أو استعمارية الخ... بل يجب أن نتحدث عن الأسباب الحقيقية التي أوجدت هذا المناخ المعادي في أوروبا التي كانت فخورة ولو رسمياً وإعلاميا ببعدها من التحجر، بل كانت إلى جانب العرب في أكثر الأحيان، ومنفتحة على استقبال اليد العاملة الإسلامية. كل ذلك أصبح يهدّد الفرصة التي توفرها هذه المجتمعات لأبنائنا للاندماج وللإفادة في مجالات خاصة اقتصادية، لا تتوافر في البلدان التي قدم منها المهاجرون.
قد يكون صوت ألمانيا الأعلى بين القادة الأوروبيين، مع أن الألمان يخشون اتخاذ مواقف كهذه خوفاً من وصفهم باللا سامية. ولكن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الأوروبية مثل هولندا وفرنسا والنمسا وغيرها تصب في المنحى ذاته، إلا وهو الخوف ثم الخوف من الشرق والإسلام ورفض المظاهر والعادات والتقاليد الإسلامية التي لا تنسجم مع الثقافة الأوروبية، ابتداء من الحجاب وتحديداً النُقاب، إلى السلوك العائلي من تعدد زوجات، ومخالفة القوانين المرعية... الخ.
نتساءل لماذا الآن وبهذه الشدة والكراهية؟ قد يتسرع البعض ويقول إسرائيل. نعم إسرائيل ولكن نحن هل نعتبر أنفسنا مسؤولين؟ فلا عجب أن كان لإسرائيل يد ولكن من العار أن ننفذ ما تتمناه إسرائيل دون أن ندري.
وقفة تأمل وجدانية، لنرى ما هي أسباب هذه الكراهية: الثقافة، قصة قديمة، الحجاب هو كذلك، وأيضا مخالفة القوانين المرعية. لنقلها بصراحة وأمل، ولو كان خائباً، وتمنٍ وان كان مستحيلاً، ورجاء ولو كان ساذجاً. لنطلب من أخوتنا وأبناء ديننا أن يفكروا معاً وبإخلاص في الحالة التي وصل إليها المسلم خارج وطنه: الاقتصادية والمعنوية والوطنية... وما هي المصلحة، وأن نتهيأ معاً، من خلال ديننا الحنيف، لقتال إسرائيل "الشر الأكبر". لنرحم الضحايا، مسلمين كانوا أم مسيحيين. وعندما أقول المسيحيين فإنني أشدد على أهميتهم ولا أقول براءتهم لأن المسلم الذي يُقتل بقنبلة أو برصاصة أو بحريق كالمسيحي. الله سبحانه وتعالى أرسل الكتاب لخير البشرية ولخدمة الإنسان في حياة كريمة. إلى "القاعدة" نقول تعالوا نقرأ القرآن معاً: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً أليماً"
"وأن أحد من المشركين استجارك فأجره وأبلغه مأمنه حتى يسمع كلام الله"
"ومن يقتل نفساً من غير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً".
إن تصعيد الهجوم القديم الجديد، لـ "القاعدة"، يستدعي من كل منا أن يتساءل لماذا الآن؟ ولا أقول كان عفوياً أن يُذبح المسيحيون جماعياً ويحرقوا. هو عمل غير مخطط له؟ إرسال المتفجرات في الطائرات وتفخيخها؟ أضف إلى ذلك الطرود المفخخة التي يعرف الذين أرسلوها أنها لن تصل إلى القادة المرسلة إليهم، بل هي بذلك تفخخ، أو تزيد تفخيخ، التعايش بين الأوروبيين المقيمين والأجانب، وذلك لاستدراج الغرب إلى موقف أو ثأر يؤجج الكراهية مع العالم الإسلامي. وتحديداً أو استطراداً مع القضايا العربية والقضية الفلسطينية خصوصاً.
بعد كل ذلك تجد "القاعدة" الفرصة لتتكلم من جديد عن "الحروب الصليبية" وضرورة الجهاد ضدها، وتستنفر كل خلاياها النائمة لمحاربة الغرب كأن لم يعد يكفينا الوضع العربي المأسوي ومشاكلنا اليومية والحياتية. وكأن فلسطين لم تكن - وكأن العراق الذي عانى ودفع ثمن الاحتلال الأميركي، عليه أن يدفع أبناءه، مسلمين ومسيحيين، ثمناً إضافيا - ونحن في لبنان نعاني ما نعانيه، وفي بلد التعايش والمصير المشترك ننظر بخوف وربما بـ "فوبيا" أكبر مما هي في الغرب، من أن يجعلوا أرضنا أرض جهاد لطرد المسيحيين الذين نحميهم بجفون أعيننا. 

بقلم علي الحسن (اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي - المسيحي) النهار 25 نوفمبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق