الثلاثاء، 28 يونيو 2011

لبنان بلد النور والطائفية

منذ أكثر من سنتين، كنت في بيت صديق لبناني في بيروت، وكان حديثنا حول الانقسامات الطائفية في لبنان. وكيف أنه وبالرغم من الحروب التي عانى منها الشعب اللبناني وانتشار التعليم، استمر الانتماء الطائفي المحدد الرئيسي للتوجهات السياسية للأفراد والجماعات. الأحزاب السياسية في هذا البلد تعطي لنفسها أسماء موحية بالأمل مثل "التقدمي الاشتراكي"، "المستقبل"، "أمل"، "حزب الله"، "الوطني الحر"، لكن قاعدتها الشعبية لا تتجاوز الطائفة التي ينتمي إليها رئيس الحزب.
هذا وقد جذبني الحديث إلى أن أستعيد مع صديقي بعض الذكريات من "تجربتي اللبنانية" عندما كنت طالبا في الجامعة الاميركية في أول السبعينات، وكيف أن الطلاب رغم أنهم كانوا في حرم جامعي يشهد له بالتميز وارتقاء وعي طلابه، إلا أنه وفي معظم الأحيان كان الانتماء الطائفي المحدد الأهم للرؤى والتوجهات السياسية لطلابه. وذكرت لصديقي بأني كنت ناقدا قديما لهذه الاصطفافات الطائفية، وقد نشرت مقالا في الصحيفة الطالبية للجامعة، انتقدت فيه تصويت الطلاب في الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس الطلبة وفقا لانتماءاتهم الطائفية. وأظهرت رغبة بأن أستعيد نسخة من مقالي حول هذا الموضوع الذي نشرته تقريبا عام 1972، وكنت آنذاك في السنة الجامعية الأولى. وطلبت من زوجة صديقي والتي كانت تسمعنا وتشاركنا الحديث، وتعمل أستاذة في الجامعة الأميركية مساعدتي في البحث عن عدد المجلة الطالبية التي نشر فيها هذا المقال. فالأعداد موجودة في مكتبة الجامعة، لكن البحث عن مقال صغير فيها قد لا يكون سهلا.
وبعد أسبوع، أخبرتني زوجة صديقي، وهي تناولني نسخة من المقال، أنها لم تكن تتوقع أن تعثر عليه بهذه السهولة. وعلق عليه صديقي بعد أن قرأه قائلا: "أنه صالح للنشر غداً!". وكان المقال يحمل عنوان: "جامعتنا والعشائرية". وقد ابتدأ المقال الذي نشر في مارس 1972 بالتالي:
إنه لمن الجميل أن ننعم بالنظم الديموقراطية، ونعيش في ظل حريات وحقوق تمنحنا إياها هذه النظم، ولاسيما حق انتخاب ممثلين عنا يشرعون لأصحاب السلطة. وجامعتنا حمدا لله ديموقراطية إذا كانت الظروف مناسبة. ولكن يبدو أن العشائرية المتأصلة في الإنسان العربي يصعب التخلص منها. بل هي من القوة بمكان حتى أنها قادرة على أن تلوي الديموقراطية، أكثر الأساليب الاجتماعية تقدما. ولا أقصد بالعشائرية معناها العرفي التقليدي، وإنما مفهوما طالما التصق بالكلمة ألا وهو العصبية. وقد تكون هذه إقليمية أو طائفية. وقد تكون هذه مقبولة في المجتمع العربي الواسع المتأخر، ولكنها ليست مقبولة أبدا في حرم جامعتنا الذي يحوي النخبة العربية (انتهى الاقتباس).
هذا هو لبنان، بلد النور والتنوير والجمال الذي يصر كذلك على أن يكون رائدا في التمترس الطائفي. فتجربة الحروب والمعاناة والتهجير والهجرة غيرت الأفراد لكنها لم ترتقِ بالوعي. وبالأحرى لم تغير حتى الأفراد، بل مات الآباء فبرز الأبناء قادة سياسين. واختزل رأي السنة بـ"تيار المستقبل" وأمواله. إلى درجة أن الأقل حظا في قائمة الحريري أو "تيار المستقبل" يهزم سليم الحص في الانتخابات النيابية لضعف نفوذه المالي. والنخبة والمثقفون من الشيعة يهجرون الجنوب خوفا من "حزب الله" وأيديولوجيته.
هذا في بلد النور والجمال، فكيف هي أحوالنا في البلاد التي يصل فيها النور ضعيفا والصوت خافتا؟ ومتى يصبح مثل هذه المقالات "غير صالحة للنشر غداً".

بقلم حامد الحمود - الكويت (Hamed.alajlan@gmail.com) - النهار 1 شباط 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق