الخميس، 30 يونيو 2011

المظاهرات تعود إلى ميدان التحرير في القاهرة

اشتباكات بين أهالي شهداء الثورة والشرطة توقع مئات الإصابات وتمتد للمحافظات

مناوشات بين المتظاهرين وقوات الشرطة في ميدان التحرير أمس (أ ف ب)
متظاهرون يحملون مصابا الى خارج ميدان التحرير أول من أمس (أ.ب)
أسفرت اشتباكات بين مواطنين مصريين وقوات الشرطة بدأت مساء أول من أمس (الثلاثاء) واستمرت حتى ظهر أمس، عن إصابة المئات وسط اتهامات متبادلة من الطرفين حول المتسبب في الأحداث.. وبينما دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة المواطنين إلى «عدم الانسياق وراء من يقومون بالأحداث المؤسفة»، طالب ناشطون من مختلف القوى رئيس الحكومة المصرية الدكتور عصام شرف ووزير الداخلية اللواء منصور العيسوي بالاستقالة الفورية، خاصة بعد إصدار الأخير أمرا بانسحاب قوات الأمن من ميدان التحرير فجر الأربعاء وعدم التعامل على الإطلاق مع المتظاهرين، إلا أن الاحتكاكات استمرت بين الجانبين.
وشهد ميدان التحرير مصادمات بين مواطنين وقوات الأمن المركزي بدأت منذ مساء الثلاثاء، تراشق خلالها الجانبان بالحجارة، قبل أن تقوم قوات الأمن باستخدام طلقات الخرطوش وقنابل الغاز المسيلة للدموع بصورة مكثفة. في الوقت الذي استخدم فيه المواطنون المحتجون الأحجار وقنابل المولوتوف الحارقة لوقف الهجوم عليهم، مما أسفر عن سقوط عشرات المصابين من الجانبين، جراء الاختناق أو الجروح والكدمات.

كما قامت فرق من القوات المسلحة والشرطة العسكرية بالانتشار والتمركز أمام وزارة الداخلية، وفي الشوارع الجانبية لتأمينها، واستطاعت فض المتظاهرين الموجودين حولها بطريقة سلمية. وأكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في رسالة له على صفحته على «فيس بوك» أن تلك الأحداث «لا مبرر لها سوى زعزعة أمن واستقرار مصر وفق خطة مدروسة ومنظمة يتم فيها استغلال دم شهداء الثورة بغرض إحداث الوقيعة بين الثوار والمؤسسة الأمنية في مصر لتحقيق هذه الأهداف». كما قال الدكتور عصام شرف، في مداخلة هاتفية مع التلفزيون المصري صباح الأربعاء، «إن هناك شيئا منظما لإفشاء الفوضى في البلاد»، مشيرا إلى أنه ما زال ينتظر التحقيقات للوقوف على حقيقة الأوضاع، ومعرفة المسؤول عما حدث ومعاقبته، مطالبا شباب الثورة بمعرفة أن هذه ثورتهم ويجب عليهم المحافظة عليها بجانب الحكومة والشرطة.

وأكد شرف أنه يتابع الموقف وأنه على اتصال دائم مع وزير الداخلية منصور العيسوي ونقلت وكالة أنباء «الشرق الأوسط» الرسمية، عن منصور العيسوي وزير الداخلية أنه أمر الشرطة بالانسحاب من ميدان التحرير وعدم التعامل على الإطلاق مع المتظاهرين. وأوضح العيسوي أنه سيقوم بنفسه بالتحقيق في أي تجاوز قد حدث من أي من أفراد الشرطة في التعامل مع المتظاهرين بميدان التحرير، كما التقى وفدا من ائتلاف شباب الثورة لبحث الموقف. إلا أن الاشتباكات لم تتوقف بين المواطنين وقوات الأمن بالشوارع المحيطة بميدان التحرير. اندلعت الأحداث في الثامنة من مساء أول من أمس حين منع رجال الأمن بمسرح البالون بالعجوزة (شرق الجيزة) بعضا من أسر شهداء ثورة «25 يناير» من الدخول إلى حفل استضافته وزارة الثقافة لتكريمهم، ليسفر الأمر عن مشاحنات واختلاط للأمور أسفرت عن إصابات بين الطرفين، إضافة إلى قيام قوات الأمن بمديرية أمن الجيزة بالقبض على بعض ممن حاولوا اقتحام المسرح.

وبينما قرر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود إحالة الملف برمته إلى النيابة العسكرية لتتولى التحقيق، وبيان أسباب حدوث الشغب والمتسببين فيه بالإضافة إلى تحديد حجم الخسائر والإصابات، علما بأن عدد المحالين إلى النيابة العسكرية بلغ 40 شخصا بينهم مواطن أميركي وآخر بريطاني. وصف الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة، الواقعة بأنها متعمدة ومعدة سلفا، وأن مجموعة من البلطجية الموجهين هم من قاموا بالهجوم على مسرح البالون وأنهم ليسوا من المكرمين، مبررا رؤيته بأنهم قدموا إلى المكان في حافلات جماعية حاملين العصي والهراوات، وبعضهم يحملون أسلحة بيضاء ونارية أيضا، إلا أن شهود عيان من النشطاء المؤازرين لأسر الشهداء أكدوا، على العكس، قيام مجموعة من البلطجية بالاعتداء على أسر الشهداء. ثم توجه أهالي الشهداء الغاضبون مع عدد من الناشطين نحو مبنى وزارة الداخلية احتجاجا على تعرضهم للضرب والاعتداء، فيما لحق بهم عدد آخر من أسر الشهداء من المعتصمين أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو، وقام المتظاهرون بالهتاف ضد وزارة الداخلية، قبل أن يقوم بعضهم برشق المبنى بقطع من الأحجار.

وتطور الأمر حين وصلت مجموعة من البلطجية قامت بالاعتداء على المتظاهرين بالعصي والأسلحة البيضاء، بحسب روايات شهود العيان. قبل أن تصل إمدادات أمنية، ممثلة في قوات الأمن المركزي معززة بـ6 مدرعات، إلى موقع وزارة الداخلية، لتدفع المتظاهرين إلى التراجع نحو ميدان التحرير، وسط اشتباكات عنيفة بين الجانبين.

وبحسب تصريحات وزارة الصحة، بلغت حصيلة المصابين في الأحداث التي وقعت في ميدان التحرير ومسرح البالون 1036 مصابا، من بينهم 46 مجندا وضابطان من الشرطة، وتم تحويل 120 منهم إلى المستشفيات وباقي المصابين قامت سيارات الإسعاف وفرق المسعفين الموجودة في مكان الحادث بتقديم الإسعافات اللازمة لهم، بينما أشار شهود عيان من ميدان التحرير إلى وفاة أحد المواطنين جراء إصابته في الرأس.

وأوضح الدكتور عادل عدوي مساعد وزير الصحة لشؤون الطب العلاجي أن 16 مصابا ما زالوا يتلقون العلاج بالمستشفيات، وأن الإصابات كانت تتراوح ما بين جروح قطعية وكدمات وحروق واختناقات بسبب قنابل الغاز المسيلة للدموع وحالات اشتباه ما بعد الارتجاج وإصابات بأجسام صلبة بالجسم والرأس وغيرها، وأن جميع المصابين بالمستشفيات حالتهم مستقرة.

من جانبها اختلفت القوى السياسية والوطنية في تقييمها للموقف، حيث طالب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية، وزير الداخلية بالاستقالة، مبررا ذلك بـ«فشله في حفظ الأمن وتسببه في انتشار البلطجية، وتعامله بعنف لا يليق مع أهالي الشهداء»، بحسب ما جاء في بيان نشره أمس على موقع «فيس بوك» الاجتماعي. وانتقد وصف وزارة الداخلية للمعتصمين بـ«البلطجية»، واعتبره وصفا غير مقبول. وفي رسالة قصيرة على موقع «تويتر»، علق الدكتور محمد البرادعي، المرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية، على الموقف قائلا «أطالب المجلس العسكري على وجه السرعة بتوضيح الحقائق، وأولها أسباب وملابسات استخدام العنف.. واتخاذ الإجراءات الضرورية لإنهائه». بينما علق حمدين صباحي، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة، على ذات الموقع قائلا إن «التعامل الأمني العنيف مع المتظاهرين وأداء الإعلام الحكومي، يعيدنا لأجواء ما قبل الثورة. لا بد من تحقيق فوري والإسراع بمحاكمة قاتلي شهداء الثورة».

لكن حسام الدين عمار المنسق العام لائتلاف شباب الثورة اتهم فلول النظام السابق بمحاولة الوقيعة بين الشرطة والشعب والإضرار بالأمن الداخلي للبلاد، خاصة في أعقاب إصدار محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حكما صباح أول من أمس بحل كافة المجالس المحلية على مستوى الجمهورية. وأكد عمار أن شباب الثورة اتجهوا عقب لقاء وزير الداخلية إلى ميدان التحرير للقاء المتظاهرين بالميدان وتوضيح حقيقة الفتنة المدبرة لإجهاض الثورة والوقيعة بين الشرطة والشعب.

كما أدان حزب «العدل» الليبرالي الأحداث، مؤكدا أن هناك أيادي خفية قد لعبت دورا في إشعال الفتنة وبدء المواجهة العنيفة. وعبر الحزب في بيان عن قلقه من أن تكون هذه الواقعة بداية لسلسلة من التحركات المنظمة لفلول النظام السابق لإجهاض الثورة.

وأصدرت حركة شباب «6 أبريل» بيانا قالت فيه إنه «إزاء ما حدث في الساعات الماضية في ميدان التحرير من تعامل أمني غير مفهوم أو مقنع (بزعم حجة التعامل مع من وصفوهم بالبلطجة عند مبنى وزارة الداخلية».. «تدعو الحركة قوات الأمن إلى الانسحاب فورا من ميدان التحرير وإخلائه بالكامل لحين انتهاء الأزمة، وإيقاف فوري لتصعيدها الأمني والمستمر حتى هذه اللحظة تجاه المتظاهرين في الميدان». ودعت الحركة الشعب المصري بكامل أطيافه وتياراته بالتوجه إلى ميدان التحرير للاعتصام فيه والمؤازرة، كما أعلنت أن المظاهرات التي كانت ستدعو لها يوم 8 يوليو (تموز) ستبدأ من الليلة (أمس) باعتصام مفتوح، وحذرت من أي محاولات رسمية أو غير رسمية لإعاقة الإنترنت أو اتصالات التليفونات الجوالة.

ودعا الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي الشباب والثوار الموجودين بميدان التحرير إلى ترك الميدان، حتى يمكن التمييز بين الثوار والبلطجية وفلول النظام السابق الموجودين في ميدان التحرير.

وقال حمدي خليفة نقيب المحامين إنه شكل لجنة لتقصي الحقائق من مجلس النقابة، للوقوف على تفاصيل وملابسات الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين والشرطة. كما قال الناشط السياسي الدكتور ممدوح حمزة إن أحداث العنف التي شهدها ميدان التحرير تعد رد فعل متوقعا على قرار محكمة القضاء الإداري بحل المجالس المحلية، مؤكدا أن ما يحدث هو محاولة مدروسة من بعض القيادات الأمنية الحالية والسابقة لإثارة الفتنة بين الشعب والشرطة وتوريط الجيش في النزاع.

بينما دعا الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، الأجهزة الأمنية إلى ضرورة التحرك بسرعة لضبط الأمن في جميع أنحاء البلاد.

في حين أكد أعضاء لجنة السلطات العامة بمؤتمر الوفاق القومي أن ما حدث بميدان التحرير من احتكاكات هي من أمور «البلطجة»، وأنها تعتبر «موقعة جمل جديدة» شارك فيها فلول الحزب الوطني المنحل. وربط الأعضاء بين حل المجالس المحلية وبين الاحتكاكات التي دارت بين الشرطة وبعض مدعي شباب الثورة. وتظاهر أهالي الشهداء بالإسكندرية أمام مسجد القائد إبراهيم بمنطقة محطة الرمل، في تجاوب لما حدث بميدان التحرير. وقرروا البدء في اعتصام مفتوح بطريق الكورنيش تضامنا مع الأهالي الذين تعرضوا للاعتداء على يد قوات الأمن المركزي، مهددين بالذهاب نحو مديرية أمن الإسكندرية.

وفي محافظة السويس، خرج مئات من أعضاء تكتل الحركات الشبابية بمحافظة السويس في مظاهرة طافت شوارع المدينة، للتنديد بما تعرض له المتظاهرون في ميدان التحرير، كما تظاهر العشرات من الناشطين في الإسماعيلية، ومئات في بورسعيد.

وفي جنوب سيناء، تم تشديد الإجراءات الأمنية في محيط مستشفى شرم الشيخ ومديرية أمن جنوب سيناء بالطور، تجنبا لحدوث أي مظاهرات احتجاجية تضامنا مع متظاهري التحرير، كما نظم مجموعة من النشطاء السياسيين في سوهاج بالجنوب مظاهرة تضامنا مع شهداء الثورة وأسرهم.

القاهرة: أحمد الغمراوي وأحمد يوسف الإسماعيلية: يسري محمد - الشرق الأوسط 30 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق