الخميس، 16 يونيو 2011

تاريخ الأقباط في السودان سماحة التعايش وجزالة العطاء

* رفعت الحكيم: كنيسة مطرانية الخرطوم بناها المهندس المسلم حمزة فيما بنى جبران القبطي جامع فاروق.
* البابا كيرولس تبرع بخمسين جنيهاً وهو يشهد وقائع انتخاب أول جمعية قبطية سودانية قبل مئة عام في الخرطوم.

ونحن نخطط لإنجاز هذا التقرير إسهاماً منا في التوثيق لطائفة الأقباط ، بحثنا عن أي مخطوط أو كتاب يؤرخ لتاريخ الأقباط في السودان فلم نجد.
ربما تقاصر سعينا، فمن غير الممكن إلا يكون هناك بحث يوثق لمسيرة شعب، ولم نجد بداً من الروايات الشفاهية التي اصطدمت هي نفسها بكون رواتها في حالة تعبد وانقطاع وصيام بعد حلول الجمعة الحزينة أو العظيمة عليهم، حسب التعاليم الدينية لطائفة الأقباط.
حين لجأنا للدكتور صفوت فانوس متا، الأستاذ بجامعة الخرطوم ليحدثنا عن " أهلنا " الأقباط، باعتباره أحد المحللين اللصيقين بالصحافة، وصديق " الرأي العام" منذ سنوات طوال، استبشر بالفكرة مستعيناً بالأستاذ وليم زكريا بشارة، مدير قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم.
من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ بعينه لدخول الأقباط في السودان الذي لم يأخذ شكلاً منظماً في عهد الدويلات والممالك في الفترة التي سبقت الأتراك في السودان، ربما لأنه لم تكن هنالك دولة منظمة يسهل التعايش في كنفها من قبل طائفة منظمة أتت من دولة مركزية اكتملت أركان مؤسساتها الدينية والسياسية لحد بعيد..
استوطن الأقباط الخرطوم في فترة ما قبل المهدية، وكان ارتباطهم بها ارتباطاً مهنياً يتعلق بالتجارة وسرعان ما رحل بعضهم إلى أم درمان للاستفادة من الميزة النسبية الذي يوفره مشرع أبوروف، الميناء الثاني للخرطوم الكبرى بعد الإسكلا، حيث التجارة المنسابة عبر النيل شمالاً.
هذا الافتراض، يبرره وجود بقايا كنيسة قبطية في المكان الذي بنى عليه الهيئة القومية للكهرباء وقبور بعض منتسبي الطائفة من كهنة وقساوسة وشعب حسبما قال لنا الأستاذ رفعت الحكيم، أحد المهتمين بتاريخ الأقباط في السودان.
أول استيطان قبطي في العصر الحديث، كان في فترة الحكم الثنائي، المصري التركي للسودان حيث أقامت عائلات قبطية كبيرة في الخرطوم لم تجد عنتاً في الانضمام لدواوين الدولة الناشئة باعتبارهم متعلمين ابتداء في وقت عزّ فيه المتعلمين.

الأقباط والمهدية:

يعتبر مجيء المهدية وبالاً على الأقباط وإن بدا الدكتور صفوت فانوس مخففاً لوطأتها عليهم باعتبارها ثورة سودانية خالصة كانت لها معتقداتها وأهدافها ومشروعاً لدولة قطرية مركزية، لكن الأقباط لم ينجووا من قسوة الخليفة عبد الله التعايشى الذي جمعهم في هجرة غير طوعية كما قال وليم زكريا بشارة، إلى أم درمان ليسكنهم في المسالمة أو المسلمانية ليمارس عليهم عسفاً لإدخالهم الإسلام.
عقب زوال الدولة المهدية عاد منهم من عاد إلى المسيحية وبقى بعضهم الآخر على إسلامهم وفي بعض الأسر تقاسم الأشقاء، الإسلام والمسيحية في تعايش وسلام وإن عادت بعض الأسر إلى الخرطوم لمطالبة السلطات بحقوقها المسلوبة وممتلكاتها التي ساوت بها المهدية الأرض مثل عائلة نخلة الشهيرة.
يقول الأستاذ رفعت الحكيم، إن أقدم كنيسة قبطية في السودان موجودة في وادي حلفا حيث تم إنشاءها في العام 1902م ويبرر قدمها لقرب وادي حلفا من مصر حيث لا يفصلها سوى النيل وتبعاً لذلك، سهولة انتقال الأقباط إليها ومن ثم دخولهم إلى السودان.

مطرانية الخرطوم:

تعتبر الكنيسة المطرانية للأقباط الأرثوذكس في الخرطوم قبالة شرطة المرور، من الكنائس القديمة - بعد الكنيسة التي تلاشت قبالة حدائق الحيوان - حيث وضع حجر أساسها في العام 1904م البابا كيرولس الخامس، الذي عاد مرة أخرى في قافلة من الجمال لافتتاحها في العام 1909م كما قال رفعت الحكيم..

ازدهار الأقباط:

عندما سألت الأستاذ وليم زكريا بشارة، عن الفترة التي ازدهر فيها الأقباط، قال إن الازدهار عموماً يرتبط بالاستقرار السياسي وقبول الآخر واحترام الحريات. ولم ينس وليم أن يذكر إسهام الأقباط في بناء الدولة الحديثة في السودان لان الأقباط إذا حلوا ببلدٍ، أول ما يفكرون فيه، إنشاء مدرسة لتعليم أبناءها.. أبنائهم وأبناء المنطقة التي يحلون فيها وللدلالة على ذلك، ذكر رفعت الحكيم أن الأقباط لمّا تنامت مدارسهم، أرسلوا في طلب بعثة من مصر لامتحان أبناءها في الخرطوم، بدلاً عن سفر الطلاب إليها... وفي أول امتحان يجرى في السودان كان التلميذ يومها عبد الحميد صالح أول الدفعة وهو الآن الدكتور عبد الحميد صالح السياسي والنطاسي الشهير، ومن المفارقات التي تؤكد سماحة التعايش القبطي السوداني أن الدكتور عبد الحميد صالح كان في نفس الدفعة التي خرّجت الأنبا دانيال، مطران الخرطوم الراحل وكان رفيقاً له وصديقاً.

أقباط السكة حديد:

ارتبط الأقباط تاريخياً بالأمانة والنزاهة والدقة وربما يبرر هذا ولعهم بالحسابات ومسك الدفاتر، ومدينة عطبرة تشهد على ذلك فكان عمل الأقباط في إداراتها المختلفة ابتداءاً من قيادة القطار وانتهاءاً بالبوستة فكان مألوفا أن تمد يدك بمظروف في طيه رسالة "لحبيب بعيد" ليضع عليه القبطي طابعة البريد ويختمها بابتسامة ودودة..!
صفوت فانوس الذي كان جده مراجعاً قانونياً ذكر الطرفة التي تقول إن الرئيس الأسبق نميري زار وزارة المالية يوماً وطلب بعض المعلومات فتلكأ بعض الموظفين فاستشاط نميري غضباً وضرب المنضدة بقبضته قائلاً:
- حتشوفو شغلكم واللاّ حسع املاها ليكم أقباط..؟!

أقباط وزراء:

حين سألت وليم زكريا، متى نجد وزيراً قبطياً ضحك وقال:
- والله غايتو صفوت فانوس قرّب يبقى وزير..!
يعتبر الدكتور موريس سدرة أول وزير قبطي في الحكومة السودانية وهو شقيق اللواء شرطة لويس سدرة الذي يعود الفضل له في إنشاء المعمل الجنائي وإدارة الكلاب البوليسة وهناك ميدان شهير يحمل اسمه تخليداً له داخل كلية الشرطة..
في حكومة التكنوقراط التي عينها الرئيس نميري عقب طرده الشيوعيين، شغل الدكتور وديع حبشي منصب وزير الزراعة حيث كان يعمل وكيلاً للوزارة قبلها.. وفي آخر أيام نميري، شغل منير إسحق منصب وزير الزراعة في حكومة الخرطوم الإقليمية.

تعداد الأقباط:

يقدر صفوت فانوس تعداد الأقباط مابين عشرين ألفاً إلى ثلاثين، 80% منهم في الخرطوم لأن الأقاليم أصبحت طاردة على حد قوله ونزح سكانها إلى العاصمة، وصار عليهم، ما صار على الأقباط أنفسهم.
وشهدت أعوام 90 - 91 من حكم الإنقاذ، هجرة واسعة للأقباط إلى المهجر، كندا - استراليا وانجلترا بعد أن كشرت الإنقاذ بأنيابها وتعاطت خطاباً حاداً فهاجرت كفاءات علمية نادرة في شتى المجالات كما قال د. صفوت. لكن رفعت الحكيم يقول إن هجرة عكسية بدأت الآن على استحياء صوب السودان من المهجر وربما تزداد لاحقاً تبعاً لمؤشر الانفراج السياسي وقبول الآخر.

اتحاديين وأمة:

تاريخياً ارتبط أقباط أم درمان بالحزب الاتحادي ولا يحتاج الأمر لتفسير حتى أن وديع جيلي موسى كان عضواً بالمكتب السياسي للحزب.. لكن " الاتحادي زاتو وين حسع"؟ هكذا تساءل وليم زكريا وهو يستعرض مشاركة الأقباط في المكونات الحزبية قائلاً إن كانت فلسفة الدولة أن تبنى السودان على الواقع ألتعددي فالأقباط حتماً مشاركون وإلا فالانعزال أسلم.
في حزب الأمة، اشتهر فكري عازر بإسهامه البيِّن في إنفاذ سياسات الحزب ودوره الوطني المشهود.
بقى أن نقول: إسهام الأقباط في الحياة السودانية لا يحتاج إلى بيان، فهم نسيج السماحة وجزالة العطاء وركن من أركان فسيفساء التنوع السوداني الذي يحتاج أن نذكر معه حكمة الإنجيل: (كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب )...

أمير الشعراني ، في 14 مارس 2008

0 تعليقات::

إرسال تعليق