الجمعة، 17 يونيو 2011

الجيش والمدرسة الحربية بين الأمس واليوم

الجيش والمدرسة الحربية بين الأمس واليوم

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى نظم الجيش الفرنسي في الدول الخاضعة لانتدابه وحدات من مختلف الأسلحة، فبرزت الحاجة إلى ضباط ومترجمين واختصاصيين وطنيين بهدف تشكيل ملاكات لهذه الوحدات وتحضيرها لتصبح مستقلة. تم إنشاء مدرسة حربية في دمشق عام 1921 لإعداد وتدريب وتخريج ضباط لزوم الوحدات الجديدة. بقيت المدرسة الحربية في دمشق حتى العام 1932 حيث انتقلت بعدها إلى حمص.

كان ملاك المدرسة في تلك الفترة يتألف من قائد المدرسة وهو ضابط فرنسي، مساعده وهو ضابط لبناني أو سوري، ضباط مدربو السنوات ومساعدوهم من الرتباء: لبنانيون، سوريون وفرنسيون. وكان يتم التحاق وتخريج التلامذة في خلال شهر تشرين الأول من كل عام. وبعد فترة التدريب هذه، يتم تخريجهم وترقيتهم إلى رتبة ملازم بموجب مرسوم ويقام لهم احتفال على مستوى الدولة يترأسه غالبا رئيس الحكومة السورية، ويتسلم في خلاله الضباط المتخرجون شهادة آمر فصيلة في اختصاص (مشاة - خيالة - مدفعية - هندسة) أو شهادة كفاءة لرتبة ملازم. بعد التخرج يشكل الضباط المتخرجون بموجب مذكرة خدمة إلى مختلف وحدات الجيش، حيث يؤلفون فيها الملاكات اللازمة لأمرتها، ويسهرون على تدريبها وتنشأتها وقيادتها.

أما شروط الدخول إلى المدرسة الحربية في تلك الفترة فكانت كالآتي: - أن يكون لبنانيا أو سوريا من أب لبناني أو سوري. - أن يكون عمره ما بين 18 و 25 سنة في 31/12 لسنة الالتحاق (عازبا، مطلقا أو أرملا). - أن يكون حائزا على شهادة البريفيه. - أن ينجح في مباراة الدخول.

وفي 15 آب عام 1945 تم تسليم منشآت المدرسة الحربية في حمص إلى السلطات السورية، وانتقلت الوحدات اللبنانية والفرنسية إلى لبنان. التحق المدربون والتلامذة في ثكنة القبة في طرابلس ووضعوا إداريا في إحدى سرايا الكتيبة الثالثة المتمركزة هناك. ومنح التلامذة مأذونية لمدة 15 يوما وطلب إليهم الالتحاق بمخيم أقيم في بلدة كوسبا - قضاء الكورة في لبنان الشمالي.

في 25 أيلول انتقلت المدرسة إلى دير مار أنطونيوس في بعبدا، حيث بقيت لمدة سنة تقريبا. وفي 14 تشرين الثاني من العام 1946 انتقلت المدرسة من بعبدا وتمركزت في ثكنة شكري غانم في الفياضية وألحقت إداريا بمفرزة القيادة والإدارة.

وكانت الأبنية عبارة عن منشآت كان يستعملها الإنكليز قبل مغادرتهم لبنان. وبقيت المدرسة في موقعها هذا حتى يومنا هذا. وفي الحادي والثلاثين من كانون الأول سنة 1951 يوم ذكرى الجلاء، قام رئيس الجمهورية في حينه الشيخ بشارة الخوري بتدشين الأبنية الجديدة للمدرسة الحربية.

مباحثات تسلم القوات الخاصة المفاوضات المعقدة

أدت صدمة 22 تشرين الثاني / نوفمبر 1943، إلى إذعان فرنسا للتحولات الدستورية، كما حددها البيان الوزاري للحكومة، وأقرها البرلمان اللبناني، في جلسته الشهيرة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر. ولكن الطموح الفرنسي إلى عقد معاهدة مع الحكومة اللبنانية، أو تحصيل موافقتها على مشروع معاهدة، شأن معاهدة 1936، بحيث يبقى لفرنسا من خلالها، موقع ممتاز في الجمهورية اللبنانية، يسمح لقواتها بالبقاء في قواعد عسكرية على الأراضي اللبنانية. وقد شكل هذا الطموح الفرنسي، خلفية اللقاءات والمداولات الرسمية اللاحقة بين فرنسا، من جهة، ولبنان وسوريا، من جهة ثانية، والتي كانت تبحث في آلية استرجاع المصالح المشتركة. ففي 22 كانون الأول / ديسمبر 1943، تم التوصل مع فرنسا، إلى اتفاقية حول تسليم هذه المصالح، إلى الحكومتين اللبنانية والسورية. فقد تم الاتفاق في تاريخ هذا اليوم (22 كانون الأول / ديسمبر)، بين الجنرال كاترو مفوض الحكومة الفرنسية، وبين ممثلي الحكومتين اللبنانية والسورية، على تسليم هاتين الحكومتين الصلاحيات التي تمارسها السلطات الفرنسية باسميهما. وستنقل بحسب هذا الاتفاق، المصالح المشتركة وموظفوها، إلى الدولتين اللبنانية والسورية، مع حق التشريع والإدارة، والأساليب المتعلقة بانتقال هذه الصلاحيات، ستكون موضوع اتفاقات خاصة. وكان الاتفاق بدون قيد أو شرط. وقد شكلت تلك الاتفاقية، مصدر تفاؤل في لبنان على صعيد نقل السلطات. لكن هذا التفاؤل، ما لبث أن تلاشى، بسبب رفض الجنرال كاترو، التخلي عن "القوات الخاصة". وكان تبرير فرنسا، وإصرارها على الاحتفاظ بالقوات الخاصة، يظهر جهارا بالقول "إنه يمثل السلاح الوحيد المتبقي لها من أجل الحصول على معاهدة مرضية". وكان هذا الأمر مبعث قلق في لبنان وسوريا. إذ من المؤكد أن الفرنسيين، سيكونون قادرين على خربطة الأمور، ما داموا يسيطرون على القوات الخاصة والأمن العام.

وفي موازاة هذا القلق، كان هناك قلق آخر: "أن تنسحب القوات البريطانية في نهاية الحرب لتحل محلها قوات فرنسية، الأمر الذي يمكن فرنسا من أن تفرض على لبنان وسوريا معاهدة تلحق الأذى باستقلالهما".

مفاوضات

استمرت المفاوضات أشهرا بعد ذلك، حتى منتصف 1944. واستمر ربط تسليم القوات الخاصة بتوقيع معاهدة، واستمر في الوقت عينه "رفض السياسيين المحليين قبول أي صلة بين مصير القوات الخاصة وإبرام المعاهدة التي تجنبوا أي التزام بشأنها".

وفي مرحلة من مراحل المفاوضات (آذار / مارس 1944)، اقترح الجنرال كاترو نفسه "أن يأخذ السوريون واللبنانيون الجنود المحليين العاملين تحت القيادة الفرنسية، على أن يصير التسليم بشروط يتفق عليها الطرفان، بدلا من أن ينشىء كل من سوريا ولبنان جيشا خاصا له، وقد بلغت المفاوضات نقطة وضعت فيها أسس اتفاق ما ارتضاه السوريون واللبنانيون، ولكنهم عادوا واصطدموا بتعليمات وردت من "لجنة الجزائر الوطنية الفرنسية".

ومع وصول اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، إلى باريس بقيادة الجنرال شارل ديغول، واعتراف الحلفاء بها في تشرين الأول / أكتوبر 1944، وبسيطرتها على ممتلكاتها وراء البحار، عاد الجنرال شارل ديغول إلى إثارة مسألة المعاهدة مع كل من لبنان وسوريا، طالبا من بريطانيا الوفاء بتعهداتها، التي كانت قد قطعتها ل"لجنة التحرير الوطني" بتأييد هذه المطالب.

في المقابل، ظل الموقف اللبناني من المعاهدة، مستقرا ثابتا، بالرغم من جهود الحكومة البريطانية، بشخص الجنرال سبيرز، سفيرها في بيروت، في التوسط لدى الحكومة اللبنانية، فلقد كان الجواب الدائم "إن لبنان دولة مستقلة، وهو لا يرغب في عقد معاهدة مع أي دولة من الدول قبل انتهاء الحرب واجتماع مؤتمر الصلح، وبعدئذ يفتح باب البحث في المعاهدات التامة ومن دون أي مركز ممتاز".

وفي الطرف الفرنسي، كانت الأمور تدور كذلك حول محور متشدد، بخاصة وأن معظم المصالح المشتركة، كانت قد انتقلت إلى السلطتين اللبنانية والسورية. فلم يبق في أيدي الفرنسيين، غير القوات الخاصة وجيوش الشرق الخاصة، اللتين عقد الجنرال شارل ديغول العزم عليهما، للحصول على معاهدة، تتمكن فرنسا عبرها من تحصيل مركز ممتاز. ففي 6 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن مجلس الوزراء الفرنسي، رفضه الاستجابة لطلب حكومتي بيروت ودمشق، تسليمهما القوات الخاصة، قبل موافقتهما على المعاهدتين المطلوبتين.

تسلم الحكومة وحدات من القناصة اللبنانية

اقتضت توازنات اللعبة السياسية الداخلية في لبنان، إجراء تعديل وزاري، بدا وكأنه جاء ترضية معنوية للفرنسيين. ما شجع فرنسا، في المباحثات المقترحة مع الحكومة اللبنانية، على توقيع بروتوكول في 15 حزيران/يونيو 1944، ينص على أن تضع السلطات الفرنسية، وحدات من القناصة اللبنانية، معززة بمفرزة من المصفحات، تحت تصرف الحكومة اللبنانية المباشر، على أن يجري استبدال هذه المجموعة، مرة كل أربعة أشهر. وقد جرى التسليم فعلا، في 17 حزيران/يونيو 1944، بحفلة عرض عسكري، أقيمت في الملعب البلدي في بيروت، وحضرها من الجانب اللبناني، رئيس الجمهورية والوزراء. ومن الجانب الفرنسي، المندوب العام القائد الأعلى لجيوش الشرق، الجنرال بينيه وأركان حربه. سلم في أثنائها رئيس الجمهورية، العلم اللبناني، إلى الزعيم فؤاد شهاب قائد اللواء الخامس الجبلي. فرفرف هذا العلم، لأول مرة بصورة رسمية، فوق رؤوس الجنود اللبنانيين، الذين كانوا يشكلون هذه المجموعة، وأصبح بمقدورهم أن يتفيأوا ظله طوال قيامهم بخدمة الحكومة اللبنانية. وقد شكلت هذه الوحدات اللبنة الأولى في بناء صرح الجيش اللبناني.

المطالبة الشعبية والبرلمانية بالجيش

الظاهرة الجديدة، اللافتة في الحركة الشعبية والسياسية الدائرة آنذاك، كانت في 29 كانون الثاني / يناير 1945، مع نزول طلاب لبنان إلى الشوارع، حاملين الإعلام، ومطالبين بتسلم الجيش، وجعله لبنانيا. وقد لاقت هذه الدعوة استجابة عامة، بخاصة، وأن إضرابا عاما قد أعلن عنه في بيروت، فتجمع المواطنون في شوارع المدينة وساحاتها، تحت شعار تسلم الجيش، والذي تداولوا أمره عبر عشرات الآلاف من المناشير. هذا نص أحدها: "نريد الجيش، يا طلبة لبنان، يا عماد لبنان، بالأمس في تشرين الثاني/نوفمبر ثارت الأمة لحقها المغتصب وكنتم في ثورتها صوت الحق ففازت الأمة وفزتم، واليوم يعود الصوت الحق فيدعوكم إلى المطالبة بالجيش رمز كل استقلال وسياجه الوحيد، أضربوا، أظهروا للعالم نهار الاثنين أن الدماء التي غلت في تشرين لا تزال تجري حارة في العروق، سجلوا في التاريخ شهر كانون كما سجلتم قبل شهر تشرين، لا حرية ولا استقلال إلا بالجيش".

وبالفعل "استيقظت بيروت في الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي على إضراب عام، وعلى الطلبة من كل المعاهد العلمية، يجتمعون في شارع بلس - قرب الجامعة الأميركية، ويسيرون إلى القصر الجمهوري في محلة القنطاري حيث وقفوا هناك وأنشدوا النشيد الوطني هاتفين للجيش. فأطل عليهم وزير الخارجية هنري فرعون، وقال مخاطبا:"إن الحكومة ستطالب بالجيش ولن يهدأ لها بال حتى يعود ضباطنا وجنودنا إلينا.إن الحكومة التي لي شرف تمثيلها، وضعت نصب أعينها تحقيق جميع مطالب البلاد الاستقلالية وعلى رأسها جيشنا الباسل".

تجاوبت المدن اللبنانية كافة، مع أجواء بيروت ومع تطلعاتها. وقد واكب البرلمان اللبناني هذه التحركات الشعبية. فعقد في اليوم التالي جلسات طارئة، كان محورها الجيش اللبناني وضرورة تسلمه. وتنقل "البشير" عن مداخلات لعادل عسيران وحبيب أبو شهلا والدكتور صراف، وأميل لحود والأمير مجيد أرسلان وجورج عقل والنائب محمد مصطفى وأديب الفرزلي وكمال جنبلاط، الذي تقدم باقتراح يطلب فيه من نواب المجلس المطالبة بالجيش. وكانت ختام المداخلات، كلمة لرئيس الحكومة، الرئيس عبد الحميد كرامي الذي قال: "إن كل دولة ليس لها جيش لا يكتب لها عيش..." وقد ذكر أنه رصد للجيش في الميزانية 5 ملايين ليرة، على أن يزاد المبلغ إذا دعت الحاجة".

وختم البحث بشأن الجيش، بالاقتراح الآتي: "إن المجلس النيابي يرغب من الحكومة في أن تطالب الجانب الفرنسي بما بقي من المصالح وفي مقدمتها الجيش".

ليبانون فايلز - 31-07-2010

الجيش اللبناني ماضيا وحاضرا ومستقبلا

في الكلية العسكرية بحمص (سورية)، كان الجدل بين الضباط اللبنانيين يصل إلى حدود التضارب بالكراسي. كان الضابط فؤاد شهاب يُخَطِّئ يوسف العظمة. رأى شهاب المنحدر من أسرة مارونية كانت مسلمة، أن إقدام الشهيد العظمة على مواجهة الجيش الفرنسي الزاحف من لبنان إلى سورية، كان بمثابة انتحار عديم الجدوى، لعدم تكافؤ الجيشين.

كان الفرنسيون يستخدمون الضباط اللبنانيين والسوريين من خريجي كلية حمص، في «جيش الشرق» الرديف للقوات الفرنسية المحتلة. ومن هذا الجيش، تم تشكيل الجيشين السوري واللبناني (1945) بعد الاستقلال.

قوَّض الضباط السوريون الديمقراطية السورية الوليدة في انقلابات كلاسيكية مدمرة. أما زملاؤهم اللبنانيون فقد آثروا الالتزام بالديمقراطية اللبنانية الطائفية. ولم يكن سوى فؤاد شهاب أول قائد للجيش اللبناني (13 سنة). واقعيته المحافظة أرست هذه المؤسسة العسكرية، كقلعة مساندة لهيمنة المارونية السياسية على لبنان.

كان فؤاد شهاب، في حذره وتحفظه، أذكى من الرئيس كميل شمعون. راقب العسكري انتقال المشرق العربي من العصر الإنجليزي إلى العصر الأميركي. سقط شمعون (الإنجليزي) بثورة سنية / درزية حالت دون تجديد أو تمديد ولايته. ولم يكن أمام الأميركيين (الذين نزلوا في لبنان 1958) سوى مساندة شهاب للوصول إلى رئاسة الجمهورية.

كان شهاب ديغول لبنان الذي جنب لبنان مآسي اجتماعية وسياسية كبيرة. ساير شهاب عبد الناصر في سياسته العربية، في مقابل عدم إزعاج الناصريين لنظام شهاب في لبنان. نزاهة شهاب المطلقة لم تحل دون استخدامه المخابرات العسكرية (المكتب الثاني) في ضبط الأمن والساسة. لكن الزعماء الموارنة نجحوا في عدم التجديد له. على المستوى الاجتماعي نسي هؤلاء أن شهاب أرسى مبدأ العدالة الاجتماعية، عندما أسس نظام التأمينات الاجتماعية لمئات ألوف العمال والعاملين، فيما كان خصمه ريمون إده يباهي بأنه صاحب قانون «الشقق المفروشة» الذي استفاد منه كبار الممولين وأصحاب العقارات.

تمكن فؤاد شهاب من تأجيل الحرب المدنية نحو عشر سنين. لكن ضباط مخابراته ارتكبوا خطأ كبيرا بالسماح لقائد الجيش إميل بستاني بعقد اتفاق مع الفلسطينيين (1969) سمح لهم بحمل السلاح داخل المخيمات وخارجها. ثم ما لبثوا أن تورطوا في الحرب الأهلية (1975).

تميزت المرحلة الأولى من الحرب بتدخل عسكري سوري (1976). ثم باجتياح عسكري إسرائيلي (1982). وإنزال أميركي / فرنسي في أعقابه. أجبر الإسرائيليون قيادة عرفات على مغادرة لبنان. لكن الحرب الأهلية فرطت عقد الجيش اللبناني. تفرق ألوية طائفية. كان الفضل للميليشيا الدرزية في إنقاذ سنة بيروت من هيمنة لواء مسيحي ثم لواء شيعي.

سارعت القوات السورية إلى العودة إلى بيروت لحرمان وليد جنبلاط من نصره الكبير، فيما أوكلت إلى شيعة «أمل» نبيه بري تأديب المخيمات الفلسطينية التي عاد رجال عرفات إلى التمترس فيها.

كان مقتل الرئيس بشير الجميل الذي جاء به العصر الإسرائيلي فرصة مناسبة للصعود السياسي والعسكري لنجم ضابط ماروني عنيد وشجاع. نجح العماد ميشال عون الذي أصبح قائدا للجيش (1984) في صد هجوم درزي / فلسطيني مدعوم سوريا، على جبهة «سوق الغرب».

وحال عون دون الوصول إلى قصر بعبدا مقر الرئاسة المارونية، وتهديد بيروت الشرقية (المسيحية). وكان للسلاح الأميركي، ثم العراقي، دور كبير في تعزيز قوامه.

فرض عون هيمنته على الرئيس أمين الجميل. لكن ما لبث أن اصطدم جيشه بالميليشيا المسيحية التي يقودها سمير جعجع، هزم المسيحيون أنفسهم بأنفسهم. خسروا الحرب. سقط زعماؤهم الثلاثة (الجميل. عون. جعجع).

في التسعينات، أحكمت سورية قبضتها على لبنان. لكي تفرض الاستقرار والأمن، أنهت «حرب الرهائن» بين المخابرات الإيرانية والغربية. أوكلت إلى العماد إميل لحود إعادة بناء الجيش اللبناني كدرع للشرعية اللبنانية التي استعادت عافيتها بفضل اتفاق الطائف في السعودية (1989). واكب النفوذ السياسي السعودي الصاعد دور الشرطي السوري. غير أن المصادفة تشاء أن ينشأ خلاف حول ميزانية الجيش وحكومات الحريري المتتابعة المدعومة سعوديا. كان التمديد للحود (الذي أصبح رئيسا) ثلاث سنوات أخرى بمثابة كارثة على نفوذ الحريري الأب. اختلف مع سورية. أقصي عن الحكم. ثم ما لبث أن اغتيل في عام 2005. كان لحود رئيسا صادقا في مجاهرته بعروبة لبنان. لكن اعتماده المطلق على نظام الأسد الأب اضطره إلى التحالف مع حليفيه في لبنان (حزب الله. حركة أمل) ضد خصومهما من دروز وسنة وموارنة. في ظروف الاستقطاب هذه، كان لا بد من الإتيان برئيس أكثر حيادا وتعقلا. وهكذا، تم انتخاب قائد آخر للجيش رئيسا (العماد ميشال سليمان).

في حروبه مع إسرائيل، تسبب حزب الله بمقتل 1200 شيعي كانوا ضحايا الهمجية الجوية الإسرائيلية. كما تسبب بإنزال قوات دولية في الجنوب للفصل بين ميليشيا الحزب والقوات الإسرائيلية. فانكفأ الحزب إلى الداخل اللبناني، مستغلا وهج نصره بطرد القوات الإسرائيلية (2000) ثم بصموده في حرب 2006، في إلقاء ظلٍ سلاحي مهدد وثقيل، على اللعبة الطائفية التقليدية.

أدَّبَت القوات السورية مرارا ميليشيا حزب الله. لكن بعد انسحابها عسكريا من لبنان (2005)، لم يتمكن الجيش اللبناني من منع تجاوزات حزب الله الخطيرة: الاعتصام في وسط بيروت. محاصرة سراي الحكومة (مقر رئيس الحكومة السني). شل الحركة الاقتصادية والسياحية. اجتياح بيروت السنية عسكريا (2002) الذي ما يزال مهيمنا أمنيا عليها. بل لم تستطع المخابرات العسكرية والمدنية حل لغز الاغتيالات المروعة التي أعقبت اغتيال الحريري، على الرغم من نجاحها الكبير في تفكيك شبكات التجسس والعمالة لإسرائيل.

معظم الحروب الحديثة نشأت نتيجة للخلاف على رسم الحدود. كان الاشتباك الأخير بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي نتيجة لتحفظ لبنان على «الخط الأزرق» الذي رسمته الأمم المتحدة في عام 2000. كان الخط لصالح إسرائيل. كان يختلف عن حدود لبنان الأصلية مع فلسطين. الإسرائيليون يدمرون البيئة. يقتلون الأشجار. يجرفون الخضرة في لبنان والضفة.

الحق على الطليان الذين دفعوا الجزية لطالبان في أفغانستان. القوات الإيطالية، حرصا على سلامتها، ترفض منع ارتكابات إسرائيل على الأرض المتنازع عليها في لبنان.

أما العرب فقد اخترقوا صمت جيوشهم بدوي التصفيق للجيش اللبناني. هل بات هذا الجيش الصغير جيش المواجهة الوحيد مع إسرائيل؟! في حالة إجبار إيران حزب الله على الاشتباك مع إسرائيل، ردا على هجوم إسرائيلي على إيران، فالجيش اللبناني يبدو مضطرا لمساندة الحزب.

في الماضي، قام الجيش بدور «شرطي البلدية» الذي يفصل بين الطوائف المتناحرة. في الحاضر، يبدو المستقبل لغزا عسكريا محيرا: إن حارب الجيش إسرائيل مع حزب الله، وَبَّخته أميركا وفرنسا اللتان تقولان إنهما تسلحانه ضد حزب الله. وإسرائيل توبِّخهما على تسليحه. إن وقف الجيش على الحياد في الحرب، سحب حزب الله عسكر الشيعة من صفوفه.

غسان الإمام - الشرق الأوسط - الثلاثـاء 29 شعبـان 1431 هـ 10 أغسطس 2010 العدد 11578

0 تعليقات::

إرسال تعليق