الاثنين، 6 يونيو 2011

فلسفة العالم والنفس عند ابن رشد

شخصيّة (ابن رشد) غنيّة عن التّعريف بها، حسبها ما قاله العديد من الفلاسفة والمفكّرين الغربيّين قَبل الشرقيّين فيها ، فقد مضى البعض منهم إلى نعت (ابن رشد) بأنّه: "ملك العبقريّة الّتي شرحت مؤلّفات (أرسطو)، وبأنّه: "أعظم شارحٍ للفلسفة الأرسطية في العصور الوسطى"، ولعلّ من بين أهمّ المشكلات الفلسفيّة الّتي تطرّق إليها مشكلتا العالم والنّفس، اللتان تكشفان عن النّزعة العقلانيّة الفلسفيّة في فلسفته بوضوحٍ تام، الأمر الّذي أكسبه أهميّة فلسفيّة في تاريخ الفكر الفلسفي العالمي على مدى الأيّام والعصور. من هنا سنتناول هاتين المشكلتين بشيء من التفصيل نرجوا أن نوفّق إليه.

أولا ً- مشكلة العالم (أدلة قدم العالم):

يقدّم (ابن رشد) أربعة أدلة عقلية على قدم العالم هي: (دليل العلة، ودليل الزمان، ودليل الإمكان، ودليل المادة) سنأتي على ذكرها بالتفصيل.

الدليل الأول (دليل العلّة):

"يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً" (1) معللاً ذلك بقوله: " لأنا إذا فرضنا القديم ولم يصدر منه العالم مثلاً فإنما لم يصدر لأنه لم يكن للوجود مرجِّح، بل كان وجود العالم ممكناً إمكاناً صرفاً، فإذا حدث بعد ذلك، إما أن يتجدّد مُرَجّح، أو لم يتجدد، فإن لم يتجدد مرجِّح، بقي العالم على الإمكان الصرف كما كان قبل ذلك. وإن تجدد مرجِّح انتقل الكلام إلى ذلك المرجِّح، لِمَ رجَّح الآن، ولم يرجِّح قبل؟ فإما أن يمر الأمر إلى غير نهاية، أو ينتهي الأمر إلى مرجِّح لم يزل مرجِّحاً " (2)

لقد توصل (ابن رشد) إلى أن علّة العالم وهو الله قديم، لا ابتداء له ولا انتهاء، فهو العلّة وأنّ العالم معلول، والحال أن الله علّة العالم قديم، فالعالم معلوله قديم حسب إجماع الفلاسفة المؤيدين لهذه الحجة (3) على اعتبار أن المعلول يتبع العلّة، والعلّة وهي الله قديمة، فالمعلول وهو العالم إذاً قديم، لعلّة التبعية من جهة واستحالة تراخي فعل الفاعل عن وجوده من جهة ثانية، وبالتالي فالعالم غير متراخ في وجوده عن الله مما يعني أنه قد يم، وإمكانه قد يم أيضاً، إذ يستحيل أن يُخلقَ العالم من عدم ، لأن العدم سمي عدماً لامتناعــه عن الوجود، وبالتالي فإن إمكان وجوده موجود لدى الله أزلياً مما يعني أنه أزلي قديم، والحال أن الله قديم وقدرته وإرادته قديمتان، وكل الشروط الضرورية لصدور العالم منه قديمة.

فجلّ ما ورد في الدليل الأول عن قدم العالم أنه يستحيل تجدد إمكان العالم ويستحيل تجدد مرجِّح للخلق، ويستحيل تغيّرٍ في الله القديم، ويستحيل إيثار وقت حادث لإيجاد العالم، فصدور حادث من قديم مستحيل، فالعالم قديم، لامتناع جواز تراخي العالم عن فعل الله ـ من وجهة نظر (ابن رشد) ـ وإن أجيز تراخيه عن إرادة الفاعل فحسب وفقاً لقوله: "وتراخي المفعول عن إرادة الفاعل جائز، وأما تراخيه عن فعل الفاعل فغير جائز"(4) .

وبالتالي فأن فعل اللهأن فعل الله علّة العالم، قديم، فالعالم مفعوله قديم لعلّة استحالة التّراخي في الوجود بين العالم ومرجِّحه، كما يستحيل أن يفنى ما كان وجوده وجوداً محضاً، يقول (ابن رشد): "فالوجود ضد الفناء وليس يمكن أن يوجد الضدان لشيء من جهة واحدة، ولذلك ما كان موجوداً محضاً لم يتصور عليه فناء وذلك لأنه إذا كان وجوده يقتضي عدمه فسيكون موجوداً معدوماً في آن واحد، وذلك مستحيل" (5) وهذا يعني أن العالم بصفته معلولاً لعلّة لا تفسد، فحاله حالها في الأزلية والأبدية، فلا يطرأ عليه فساد أو فناء، أي أن يصير إلى عدم بعد أن كان موجوداً، أو أن يصدر من عدم إلى وجود، لأن ما يطرأ على وجوده بالكلية عدم، يستحيل صدوره إلى الوجود مطلقاً.

ومن البراهين التي يسوقها (ابن رشد) في هذا الدليل، هو وجوب عدم وجود مبدأ لأفعال الفاعل كالحال في وجوده ، لأنه إن كان هناك مبدأ فهذا يعني أن فعل الفاعل ممكن لا ضروري. يقول (ابن رشد): "لكن القوم لما أدّاهم البرهان إلى أن ههنا مبدأً محركاً أزلياً ليس لوجوده ابتداء ولا انتهاء، وأنّ فعله يجب أن يكون غير متراخ عن وجوده لزم أن لا يكون لفعله مبدأ كالحال في وجوده، وإلاّ كان فعله ممكناً لا ضرورياً… فلزم أن تكون أفعال الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده، ليس لها مبدأ كالحال في وجوده.. وإذا كان ذلك كذلك لزم ضرورة أن لا يكون واحد من أفعاله الأولى شرطاً في وجود الثاني، لأن كل واحد منها هو غير فاعل بالذات وكون بعضها قبل بعض هو بالعرض، فجوَّز ـ الحكماء ـ وجود ما لا نهاية له بالعرض لا بالذات، بل لزم أن يكون هذا النوع مما لا نهاية له أمراً ضرورياً تابعاً لوجـود مبدأ أول أزلي" (6) ،

أي أن أفعال الفاعل بالعرض تتناهى في التسلسل إلى وجود مبدأ أول أزلي مثل إنسان يكون إنساناً عن آخر إلى ما لا نهاية له، كوناً بالعرض ، أما بالذات فلا تسلسل للأفعـال لأنه لا مبادئ لوجودها كالحال في وجود الفاعل الذي لا مبدأ لوجوده،وعليه فإن فعـل الفاعل قديم قدم وجوده ، وفعل الفاعل لا يحيط به الزمان ولا يساوقه زمان محدود، لأنه غير متراخٍ عن وجوده، يقول (ابن رشد): " فكيف يمتنع على القديم أن يكون قبل الفعل الصادر عنه الآن فعل، وقبل ذلك الفعل فعل، ويمر ذلك في أذهننا إلى غير نهاية ، كمـا يستمر وجوده أعني الفاعل إلى غير نهاية؟ فإن من لا يساوق وجوده الزمان، ولا يحيط به من طرفية، يلزم ضرورة أن يكون فعله لا يحيط به الزمان،ولا يساوقه زمان محدود،وذلك أن كل موجود فلا يتراخى فعله عن وجوده، إلا أن يكون ينقصه من وجود شيء، أعني أن لا يكون على وجوده الكامل أو يكون من ذوي الاختيار، فيتراخى فعله عن وجوده، وعن اختياره… ومن يضع أن القديم لا يصدر منه إلا فعل حادث ، فقد وضع أن فعلـه بجهة ما مضطرّ وأنه لا اختيار له من تلك الجهة في فعله" (7).

لذا ينتزع (ابن رشد) صفات النقص والاختيار والجبر عن الموجود وفعله، فقال بكمال الموجود وكمال أفعاله، فهو الموجود الفاعل الأزلي وأفعاله أزلية الوجود مثله، فالأفعال تعود إلى فاعلها، والمعلول إلى علّته، فالله علّة العالم قديم، والعالم معلوله قديم.

إن القول بقدم العالم،هو قول عن ارتباط المعلول بالعلّة لدى (ابن رشد)لذا يبطل الفلاسفة القائلون بهذا القول حجّة أن العالم حادث ، أحدثته العلّة من عدم في زمن متأخر على وجودها. والقول باستحالة أن يكون العالم حادثاً، يعني أن العالم قديم لا محالة. يطرح الغزالي سؤالاً يتعلق بحجّة قدم العالم: " لِمَ لم يحدث العالم قبل حدوثه؟ … وإذا قلنا أن العالم موجود واستحال حدوثه فإن هذا يؤدي إلى القول بقدمه لا محالة" (8) وهذا هو دليل الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وإذا قيل بإرادة أزلية بالنسبة لله، فإن هذا يؤدي إلى أن تكون طبيعة هذه الإرادة هي الوجود لا الإمكان، وعليه فإن ردَدنا العالم إلى تلك الإرادة الأزلية فإنما نَرُدُّهُ إلى الوجود الأزلي لتلك الإرادة وهذا دليل آخر على قدم العالم، لأنه إذا سُلّم بأن العالم معلول وأن علّته إرادة الله الأزلية وجب أن يكون وجود العالم قديماً مثل علّته لعدم تراخيه في الوجود عنها ولعلّة ارتباط المعلول بالعلّة ضرورة، وِفق رأي (ابن رشد) المبني على أن العلّة إذا وجدت وجد المعلول ضرورة، وهذا ينفي وجود التغيّر والتجدد وأن معاندة هذه المقدمات تعد خطبية أو سوفسطائية… فهذا المحرّك ضرورةً أزلي التحريك والمتحرك عنه أزلي ضرورة (9) والمحرك من وجهة نظر (ابن رشد) هو الله والمتحرك هو العالم، وفي هذا إظهارٌ للنـزعة العقلانية في فكر (ابن رشد).

الحادث خلق معلول للعلّة:

لقد كان (ابن رشد) على وعي تام بخشية بعض علماء الكلام من القول بقدم العالم خشية أن يؤدي إلى إنكار لوجود الله، فرد على ذلك مبيناً أن الله علّة العالم، ولا يعني كون العالم قديماً مثل الله، أنه لا علّه له مثله أيضاً، إن العالم قديم وله علّة هي الله، وأن الله علّة وليس معلولاً لعلّة، فهو أزلي قديم… وبالتالي فإنّ القديم ـ ويَقصد العالم ـ يمكن أن تكون له علّة، من هنا فهو حادث، بمعنى أنه معلول وإن كان قديماً زماناً، بمعنى أن حدوثه قد تم منذ الأزل … فهو حدوث أزلي لا زماني كما هو الحال عند (الغزالي) والقائلين بأن العالم حادث زماناً، وعليه فإن (ابن رشد) يستخدم لفظة "الخلق" بدلاً من(الحدوث) إذ يشير "الخلق" إلى معنى العلّة أكثر مما يشير إلى معنى الإيجاد في زمان، أي أن الخلق حتى يتم لا بد من وجود خالق هو الله، و (ابن رشد) اختار معنى الحدوث بمعنى المعلولية لا بمعنى البدء الزماني وهذا النوع من الحدوث يمكن تسميته بالحدوث الذاتي، وهو كما عرّفه الجرجاني: "كون الشيء مفتقراً في وجوده إلى الغير ، أما الحدوث الزماني فهو كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً، والحدوث الأول في نظر (الجرجاني) أعم مطلقاً من الثاني" (10) ويرى (ابن رشد) أن هناك العديد من آيات القرآن في ظاهرها تدل على أن الخلق ليس من عدم كما أنه ليس في زمان، بل هو خلق قديم ليس من عدم كما أنه ليس في زمان، بل هو خلق قديم، لأن الزمان والوجود أزليان، أو بتعبير أخر هو " أن نفس الوجود والزمان مستمر من الطرفين " ويرى (ابن رشد) أن المهم بالنسبة للعقيدة هو معرفة أن العالم، له علّة هي الله فيقول: " أعلم أن الذي قصده الشرع من معرفة العالم هو أنه مصنوع لله تبارك وتعالى ومخترَع له…" (11). وليس في ذلك مشكلة عند (ابن رشد) وإنما المشكلة تتعلق في تقريره أنّ العالم مصنوعٌ مخترَعٌ، موجودٌ أزليٌ، وأنّ الصانع، أو المخترع أو الموجد، أو العلّة أو الفاعل هو الله الأزلي، وأنّ الزمان أزلي أزلية العالم، لأنه مرتبط جوهرياً بالمتحرك الذي هو العالم نفسه، وعليه فإن إطلاق اسم الحدوث على العالم يجب أن يدل على أن العالم محدث أزلياً، كنتيجة لفعل الله المتعلق به، عندها يمكن القول أنـّه محدث منذ الأزل أو محدث قديم الحدوث " (12).

العالم حادث بصورته قديم بمادته:

أمّا معنى الخلق فهو أن "الفاعل إنما يفعل المركب من المادة والصورة، وذلك بأن يحرك المادة ويغيرها، حتى يخرج مّا فيها من القوة على الصورة إلى الفعل " (13) وهنا يبدأ فعل الله في المادة المعلولة له أصلاً، فيؤثّر فيها ويُخرج منها، مركبات جديدة ، مادتها قديمة معلولة لله، وصورها حادثة، وبهذا المعنى تكون الأرض والسماء والهواء والماء والتراب والأجساد، وما إلى ذلك من المركبات، مخلوقة من المادة القديمة، بفعل الله فيها، وإخراجه لها كمركبات حادثة في الزمان،مما يرفع التعارض بين القول بقدم مادة العالم وقوله تعالى :"وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء00" (14). فالفاعل عند (ابن رشد) هو مخرج ما بالقوة إلى الفعل، وهو يشبه الاختراع من جهة أنه يُصيّر ما بالقوة إلى الفعل، ويفارق الاختراع بأنه ليس يأتي بالصورة من لا صورة (15) وكما هو الحال عند (أرسطو) من أن الخلق هو إخراج ما بالقوة في المادة إلى الفعل، وهو ليس خلقاً من عدم بالطبع، وهذا النمط من الخلق مستمر ومتصل منذ الأزل إلى الأبد، مما يعني أن مادة العالم المخرج منها ـ أو المحدث منها ـ بعد أن كان موجوداً بالقوة إلى موجود بالفعل بواسطة الفاعل قديمة،فهو المحدث من ناحية الصورة، القديم من ناحية المادة، فالمادة مرتبطة بالله في الوجود وما الزمان إلا شكل لحركة المادة، ولا وجود له إلا مع الحركة، وعليه فالمادة المنتجة للحركة هي خارج الزمان، إذاً لا وجود لزمان متقدم على الله والعالم، وهذا ما يدلل على صحة القول بقدم العالم وأزليته. وبما أن العلّة أزلية لا تفسد فإن معلولها أزلي لا يفسد كحالها، الأمر الذي يفضي للقول بأن ما لا يفسد فإنه خالد إلى الأبد، فالله لا يلحقه فساد، فهو أزلي أبدي، وحال مادة العالم كحاله لا يلحقها فساد منذ الأزل وإلى الأبد، أما ما يفسد ويتغير فهو الأعْراض والصور والكيفيّات فحسب.

العالم أزلي أبدي بمادته:

إن القول بأبدية العالم مرتبط بالقول بقدم العالم ـ بالأزلية في الوجود ـ إذ أن ما ليس له ابتداء فليس له انقضاء…وأمّا أن يكون شيء له ابتداء وليس له انقضاء فهذا ليس بصحيح إلا إذا انقلب الممكن أزلياً… ومن يقول إن الزمان يمكن أن يكون غير متناه في المستقبل ولا يمكن أن يكون غير متناه في الماضي، لم يلزم الأصل المعروف بنفسه في ذلك، وهو أن ماله مبدأ فله نهاية، وما ليس له نهاية، فليس له مبدأ " (16) ثم أن المادة والأصول لا تنعدم وإنما تنعدم الصورة والأعراض الحالة فيها.

يرى (الفلاسفة) ومعهم (ابن رشد) أن العالم لا تعدم جواهره، لأنه لا يعقل سبب معدم لها، وما لم يكن معدماً ثم انعدم، أن يكون إرادة القديم سبحانه، يفضي إلى استحالة، لأنه إذا لم يكن مريداً لعدم وصار مريداً فقد تغير وهذا مستحيل لأنه يتنافى مع كماله المطلق وعدم تقدم الحركة والزمان عليه (17).

وصفوة القول في الدليل الأول على قدم العالم، هو أن مادة العالم قديمة، أزلية، أبدية، وأن العالم لم يخلق من عدم، وأن مادته معلولة للعلّة متعلقة بها، غير متراخية في الوجود عنها، فلا خلق من عدم ولا وجود للعدم المحض في نظرية (ابن رشد) عن قدم العالم، سوى للمادة، والإمكانات، والفعل، والله، فالعالم محدث من حيث الصورة قديم من حيث المادة، إذاً فلعلّةِ تبعية المعلول للعلّة واستحالة تراخيه عنها، واستحالة الفناء على الوجود المحض مع عدم وجود مبدأ لأفعال الفاعل، ثم رد العالم إلى إرادة أزلية والّذي هو ردٌ إلى الوجود الأزلي لتلك الإرادة، فإنه يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً.

الدليل الثاني (دليل الزمان):

يقوم هذا الدليل على فكرة الزمان، وفيه استحالة تقدم الله على العالم، إذ أن القائل: " بأن العالم متأخر عن الله تعالى، والله تعالى متقدم عليه ليس يخلو: إما أن يريد به أنه متقدم بالذات لا بالزمان، كتقدم الواحد على الاثنين وكتقدم العلّة على المعلول، ومثل تقدم حركة اليد مع حركة الخاتم، وحركة اليد في الماء مع حركة الماء، فإذا أُريد بتقدم الباري سبحانه على العالم هذا، لزم أن يكونا حادثين، أو قديمين ،واستحال أن يكون أحدهما حادثاً والآخر قديماً، وعليه فإما أن يكون متقدماً بالنسبة لا بالزمان مثل تقدم الشخص ظله ـ فإذا كان متقدماً تقدم الشخص ظله، فالباري قديم والعالم قديم ـ وإما أن يكون متقدماً بالزمان ـ مثل تقدم البنّاء على الحائط ـ وإن كان متقدماً بالزمان وجب أن يكون متقدماً على العالم بزمان لا أوَّل له، فيكون الزمان قديماً (18).

فإذا كان قبل الزمان زمان فلا يُتَصَوَّر حدوثه، لأن الحادث لا بد أن يتقدمه عدم (19) وإذا كان الزمـان قديماً فالحركة قديمة لأن الزمان لا يفهم إلا مع الحركة ، وإذا كانت الحركة قديمة فالمتحرك بها قديم والمحرِّك لها ضرورة قديم (20) فالقول بقدم الزمان وتقدمه على العالم نفي للقول بحدوث العالم وتقدم العدم عليه من جهة، ومن جهة ثانية لا وجود للزمان إلا مع المادة المتحركة وهذا يعني أن المادة والزمان المتعلق بحركتها هما موجودان أزليان في وحدة واحدة معلولة لعلّة قديمة هي الله، والتي يستحيل تقدّمها أو فصلها عن تلك العلّة في الوجود.

استحالة تقدم الله على العالم:

إذاً يستحيل تقدم الله على العالم ، سواءٌ كان تقدماً بالذات أو بالزمان، أما بالذات فلعلّة وجود المعلول مع العلّة، ولأن العلّة والمعلول متلازمان في الوجود، فلا علّة بلا معلول كما لا معلول بلا علّة، ولا تراخٍ للمعلول عن العلّة، فإما أن يكونا حادثين وأما أن يكونا قديمين، ولأن الله قديم، فمعلوله العالم قديم. وأما بالزمان - فمستحيل - لأن الزمان متأتٍّ بفعل الحركة، فلا زمان من دون حركة، ولا حركة دون متحرك، والمتحرك معلولٌ لعلّة قديمة محرّكة هي الله، فهو قديم مثله، فالحركة إذاً قديمة قدم المتحرك لتعلّقها به، وعليه فالزمان قديم شأنه شأن الحركة والعالم وفي ذلك رد الزمان إلى العالم.

ويورد (ابن رشد) برهان (أرسطو) على قدم الزمان فيحدد الآن بأنه الحاضر والحاضر هو وسط بين الماضي والمستقبل، فتصور آن ليس قلبه ماضٍ محال، فلكل قبل قبلٌ، وكل زمانٍ مسبوقٌ بزمان إلى ما لا أول له، فالزمان قديم والعالم قديم، قبل كل آن ليس كالنقطة بداية الخط، فالزمان قديم، ولا زمان دون عالم، أي دون حركة ومتحرك - والمتحرك هو العالم - فالعالم قديم، يقول (ابن رشد): " كل متحرك له محرك كل مفعول له فاعل، وأنّ الأسباب المحركة بعضها بعض لا تمر إلى غير نهاية، بل تنتهي إلى سبب أول غير متحرك أصلاً " (21).

إن الوجودَين وجود الله ووجود العالم قديمان غير أن أحدهما ليس في طبيعته الحركة وهذا أزلي لا يتصف بالزمان وهو الله ، والآخر في طبيعته الحركة ، وهذا لا ينفك عن الزمان وهو العالم. أما الذي ليس في طبيعته الحركة ولا التغير، فقد قام البرهان على وجوده عند كل من يعترف بأن كل متحرك له محرك، وقد قام البرهان أيضاً على أن الذي ليس في طبيعته الحركة هو العلة في الموجود الذي في طبيعته الحركة، وأما الذي في طبيعته الحركة فموجود معلوم بالحس والعقل (22).

إذاً فالزمان من لواحق الموجود الذي هو العالم وهذا العالم هو مبتدى الزمان ونهايته لأن الزمان وهو قدر الحركة ليس حادثاً مسبوقاً بعدم، مما يعني أنه غير متأخر عن العالم في الوجود، فوجوده مع العالم وجودٌ أزلي ليس له بداية، وليس له نهاية لتعلقه بالعالم الأبدي الذي لا يفسد لكونه معلولاً للعلة الأزلية الخالدة (الله) فهو أزلي أبدي، يقول (ابن رشد): "فالموجود الذي في طبيعته الحركة ليس ينفك عن الزمان، وأما الموجود الذي ليس في طبيعته الحركة فليس يلحقه الزمان أصلاً " (23) وعليه فإن الزمان قديم مع العالم، وهو ليس متقدم على العالم ولا متأخر عنه، والعالم ليس متأخراً عن الله في الوجود ولا متقدماً عليه لأنه معلول والمعلول لا يتقدم العلّة وإنما يوجد معها، فهما أزليان أبديان أحدهما علّة وهو الله، وليس في طبيعته الحركة ولا يتصل به زمان، والآخر وهو العالم، ومن طبيعته الحركة ولا ينفك الزمان عنه، فعلّة قدم العالم لعلّة قدم الزمان هي في الأصل تقوم على رد الزمان إلى العالم القديم وعدم جواز انفصاله عنه ذلك أن وجود الموجودات المتحركة فيلحقها الزمان ضرورة كما يقول (ابن رشد) (24).

الدليل الثالث (دليل الإمكان):

يقوم هذا الدليل على فكرة الإمكان وفيه: " وجود العالم ممكن قبل وجوده إذ يستحيل أن يكون ممتنعاً ثم يصير ممكناً، وهذا الإمكان لا أول له، أي لم يزل ثابتاً، ولم يزل العالم ممكناً وجوده، إذ لا حال من الأحوال يمكن أن يوصف العالم فيه بأنه ممتنع الوجود، فإذا كان الإمكان لم يزل، فالممكن على وفق الإمكان أيضاً لم يزل، فإن معنى قولنا أنه ممكن وجوده، أنه ليس محالاً وجوده، فإذا كان ممكنا وجوده أبداً، لم يكن محالاً وجوده أبداً، وإلا فإن كان محالاً وجوده أبداً بطل قولنا أنه ممكن وجوده أبداً، وإن بطل قولنا أنه ممكن وجوده أبداً بطل قولنا أن الإمكان لم يزل ، وصح قولنا أن الإمكـان له أول، فإذا صح أنه له أولاً، كان قبل ذلك غير ممكن، فيؤدي إلى إثبات حال لم يكن العالم فيه ممكناً، ولا كان الله تعالى عليه قادراً (25) ، إذاً القول بأن العالم كان ممكن الوجود هو قول صحيح عند (ابن رشد)، لأنه لو كان ممتنع الوجود لأفضى إلى تعطيل قدرة الله على الإيجاد لكونه ممتنعاً،أما كون الله قادراً على فعل كل شيء فليس أمامه ممتنعاً أو مستحيلاً، فالتسليم بوجود إمكان العالم قبل وجوده هو تسليم بأزليته، لأنه لم يتقدمه عدم بل يستحيل تقدم العدم عليه وإنما تقدَّمه إمكان موجود، يقول (ابن رشد): " فإن من يسلّم بأن العالم كان قبل وجود ممكناً إمكاناً لم يزل، يلزمه أن يكون العالم أزلياً.. فواجبٌ أن يكون أزلياً، لأن الذي يمكن فيه أن يقبل الأزلية لا يمكن فيه أن يكون فاسداً، إلا لو أمكن أن يعود الفاسد أزلياً، ولذلك يقول الحكيم إن الإمكان في الأمور الأولية هو ضروري.."(26).

إن للإمكان علاقة بالمادة التي ينتمي إليها فليس له وجود مع العدم، لذلك وقف (ابن رشد) مع الفلاسفة القائلين بأن الإمكان يستدعي وجود مادة خارج النفس بقوله :" أما أن الإمكان يستدعي مادة موجودة فذلك بيِّن فإن سائر المعقولات الصادقة لا بد أن تستدعي أمراً موجوداً خارج النفس إذ كان الصادق كما قيل في حدّه: " إن الذي يوجد في النفس على ما هو عليه خارج النفس فلا بدَّ في قولنا في الشيء، أنه ممكن أن يستدعي هذا الفهم شيئاً يوجد فيه هذا الإمكان " (27).

أما القول بأن الإمكان لا يقتضي وجود الممكن وحصره فقط في إطار العقل وحده (28) فهذا قول لا أساس له من الصحة عند (ابن رشد) فالإمكان هو إمكان لشيء وبالتالي الاستدلال على عدم رد الإمكان إلى مادة خارج النفس بحجة مغلوطة هي أن الممتنع وهو ضد الإمكان، لا يستدعي موجوداً في الواقع، وهو قول مغلوط تماماً، يقول (ابن رشد): "وأما الاستدلال على أنه لا يستدعي معقول الإمكان موجوداً يستند إليه بدليل أن الممتنع لا يستدعي موجوداً يستند إليه، فقول سوفسطائي، ذلك أن الممتنع يستدعي موضوعاً مثلما يستدعي الإمكـان ، وذلك بيّن لأن الممتنع هو مقابل الممكـن، والأضداد المتقابلة تقتضي ولا بد موضوعاً، فإن الامتناع هو سلب الإمكان، فإن كان الإمكان يستدعي موضوعاً، فإن الامتناع الذي هو سلب ذلك الإمكان يقتضي موضوعاً أيضاً، مثل قولنا إن وجود الخلاء ممتنع " (29) وخلاصة دليل قدم إمكان العالم هو في نهاية المطاف ردٌّ لإمكان قدم العالم إلى موضوع قدم العالم الموجود في الواقع خارج النفس وجوداً موضوعياً، فإذا كان العالم قديماً وحاله قديماً، فإن الإمكان المتصوَّر فيه قديم قدمه لا محالة وهذا دليل ثالث على قدم العالم.

الدليل الرابع (دليل المادة):

يقوم الدليل على تقدم المادة على الحادث فمادة الحادث متقدمة على الحادث نفسه: ويقصد بالحادث هنا، الصّور والأعْراض والكيفيّات التي تظهر عليها المادة.

وحجة الدليل: " إن كل حادث فالمادة التي فيه تسبقه، إذ لا يستغني الحادث عن مادة، فلا تكون المادة حادثة وإنما الحادث الصّور والأعْراض والكيفيّات على المواد… فلم تكن المادة الأولى حادثة بحال " (30).

إنّ حاصل هذا القول أنّ كل حادث فهو ممكن قبل حدوثه وأنّ الإمكان يستدعي شيئاً يقوم به، وهو المحل القابل للشيء الممكن، وذلك أن الإمكان الذي من قِبل القابل ليس ينبغي أن يعتقد فيه أنه الإمكان الذي من قبل الفاعل … ويشترط في إمكان الفاعل إمكان القابل " (31) والحادث ممكن الوجود لذاته، لأن ممتنع الوجود لا يوجد قط، وواجب الوجود لذاته لا يعدم قط، فإمكان وجوده حاصل إذاً قبل وجوده، وإمكان الوجود لا بد له من محل يضاف إليه ليصبح متحققاً ظاهراً بالفعل وهذا المحل لا يكون إلا في المادة، فيضاف إليها، فتتّصف عندئذ بالإمكانات التي اكتسبتها فيمكن لها وقتئذٍ أن تُحدث كيفياته كقابلية أنواع من المادة للحرارة والبرودة مثلاً " (32).

يحدد (ابن رشد) علاقة إمكان الحادث بالمادة التي تسبقه، من الافتراض بأن الفاعل إذا كان ممتنعاً، وإذا لم يكن أن يكون الإمكان المتقدم على الحادث في غير موضوع أصلاً ولا أمكن أن يكون الفاعل هو الموضوع ولا الممكن، لأن الممكن إذا حصل بالفعل ارتفع الإمكان فلم يبق إلا أن يكون الحامل للإمكان هو الشيء القابل للمكن وهو المادة (33).

والحادث من جهة تعلّقه في موضوع لا بد وأن ينتهي إلى المادة التي يتكوّن منها، والتي هي قديمة حاملة له أزلياً وغير ممتنعة عليه، فهو قديم من ناحية المادة، حادث من ناحية الكيفيّة والصّورة والعرَض الأمر الذي يجعل منه حادثاً،وانتقال الحادث من حال إلى حال يعني أنه عرضة للتغير، وما هو عرضة للتغير هو فاسد لا محالة من حيث صوره وأعراضه وكيفياته التي يتبدى بها، أمّا من حيث المادة الموجودة فيه فلا تفسد، فهي قديمة أزلية، وكونها لا تفسد فهي لا تَعْدَمُ قط، بل تستمرُّ في الوجود مع الكيفيات والصور والأعراض التي تطرأ عليها استمراً أبدياً، وهذا دليل آخر على القول بقدم مادة العالم التي تتقدَّم على الصورة والأعراض والكيفيات الحادثة عليها. وتلك هي أدلّة قدم العالم التي دافع عنها (ابن رشد) في وَجه (الغزالي ) والقائلين بحدوث العالم، دليل العلة، ودليل الزمان، ودليل الإمكان، ودليل تقدم مادة الحادث على الحادث نفسه، هذه القضية الأولى التي أثرت في الفكر الأوروبي الفلسفي واللاهوتي وكان لها أثر واضح في خلق بعض الشروط التي سمحت بولادة حركة الإصلاح الديني الأوروبي لاحقاً. أما المشكلة الثانية التي كان لها أثرٌ مماثل فهي مشكل النفس.

ثانياً ـ مشكلة النفس:

ينقسم الكلام عن النفس عند (ابن رشد) إلى ثلاثة أقسام يتعلق أولها بعدم جواز فناء النفس أو بخلودها، ويرتبط ثانيها بالعلاقة بين الوحدة والكثرة، بينما ينصب ثالثهـا على تصور (ابن رشد) للمَعاد الإنساني بعد الموت.

خلود النفس:

يعترف (ابن رشد) بأن مشكلة النفس من أعقد المشكلات الفلسفية على الحل، بسبب الإبهام الذي يكتنفها بقوله: "فالكلام في أمر النفس غامض جداً وإنما اختصّ الله تعالى به من الناس العلماء الراسخين في العلم، ولذلك قال سبحانه وتعالى مجيباً في هذه المسألة الجمهور عندما سألوه، بأن هذا الطَّوْر من السؤال ليس هو من أطوارهـم في قوله سبحانه:) ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً( (34) وأما تشبيه الموت بالنوم ففيه استدلال ظاهر في بقاء النفس من قِبل أن النفس يبطل فعلها في النوم ببطلان آلتها، ولا تبطل هي، فيجب أن يكون حالها في الموت كحالها في النوم لأن حكم الأجزاء واحدٌ دليلٌ مشتركٌ للجميع لائق بالجمهور في اعتقاد الحق للعلماء على السبيل التي منها يوقف على بقاء النفس (35). وذلك بـيّن من قوله سبحانه وتعالى: ) الله يتوّفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( (36)

يتضح من هذه النصوص استحالة الفناء على النفوس البشرية، بعد مفارقتها للجسد في( نظر ابن رشد) مؤيداً قول الفلاسفة الذي أورده (الغزالي) في كتاب (تهافت الفلاسفة) من أنّ " النفوس الإنسانية يستحيل عليها العدم بعد وجودها وأنها سرمدية، لا يُتَصوَّر فناؤها" (37) ويورد (ابن رشد) حجج الفلاسفة على ذلك بقوله : "للفلاسفة على أن النفس يستحيل عليها العدم بعد الوجود دليلين أحدهما: أن النفس إن عُدِمت لم يخل عدمُها من ثلاثة أحوال إما أن تُعدم مع عدم البدن، وإما أن تُعدم من قبل ضدٍّ موجود لها أو أن تُعدم بقدرة القادر، وباطل أن تُعدم بعدم البدن، فإنها مفارقة للبدن، وباطل أن يكون لها ضد فأن الجوهر المفارق ليس له ضد، وباطل أن تتعلق قدرة القادر بالعدم على ما سلف" (38)

ولتوضيح ذلك نقول: إنه يستحيل فناء النفس بفناء البدن إذ أن البدن ليس محلاً لها وإنما هو آلة تستعملها النفس بواسطة القوى التي في البدن، وفساد الآلة لا يوجب فساد مستعمل الآلة، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، إن للنفس فعلاً بغير مشاركة البدن، وفعلاً بمشاركته، أما الفعل الذي لها بمشاركة البدن ـ التخيل والإحساس والشهوات والغضب ـ فلا جرم يفسد بفساد البدن ويقوى بقوّته، وأما فعلها بغير مشاركة البدن، فهو فعل بالذات، وهو إدراك المعقولات المجردة عن المواد، ولا حاجة في كونها مدركـة للمعقولات إلى البدن ولم تفتقر في قوامها إلى البدن (39) فلا مَحَلَّ لها فيه، وهي بفعلها هذا لا تفسد بفساد البدن ومفارقتها له، فبقاؤها سرمدي بقاء العلة والمعلول، وأما القول بعدم النفس المفارقة بضدّ يطرأ عليها فهو قول باطل لأنها جوهر والجواهر لا ضد لها، وكل جوهر ليس في محل فلا يتصور عدمه بالضد،إذ لا ضد لما ليس في محل، فإن الأضداد هي المتعاقبة على محل واحد، وبالتالي لا ينعدم في العالم إلا الأعراض والصور المتعاقبة على الأشياء التي محلها المادة، والمادة جوهر لا ينعدم قط، فجميع الحواس تفسد بفساد البدن، والبدن نفسه ينعدم بفساده فيتحول إلى صور وأعراض جديدة محلها المادة نفسها، أمّا النفس العاقلة فهي جوهر لا محل له فلا تنعدم بالضد لعلة عدم وجود محل لها، وأما انعدامها بقدرة القادر فقول باطل، لأن القدرة تتعلق بوجود شيء بينما العدم ليس شيئاً حتى يتصوَّر وقوعه بالقدرة (40)، إذ لا وجود له على الإطلاق وبالتالي يستحيل فناؤها، إذاً القول بفناء النفس بعد الموت هو قول باطل حسب رأي الفلاسفة و(ابن رشد)، وعليه فالنفس الإنسانية العاقلة هي نفس خالدة باقية.

من ناحية أخرى لم يتوسع (ابن رشد) في الدفاع عن حجج الفلاسفة حول موضوع النفس وبعث الأجساد، فيكتفي بتلخيص الأفكار التي يوردها (الغزّالي) في النفس ولا يسوق عباراته نفسها - أي عبارات الغزالي - جرياً على عادته في المسائل الثماني عشر السابقة وأبرزها تلك المتعلقة بقدم العالم، ولعلّه لم يستفض في الحديث عن النفس لأن الحديث عنها معقد جداً، لذلك يتناولها بحذر شديد ويسوق بعض ما قيل عنها، كالقول: بأنها ذات غير جسمانية، ولا هي في جسم، حيةٌ، عاملةٌ، مريدةٌ، قادرةٌ، متكلمةٌ، سمعيةٌ، بصيرةٌ، وهو اعتقادٌ لدى (المعتزلة) أولاً و (الأشعرية) ثانياً، إلا أن (الأشعرية) دون (المعتزلة) اعتقدوا بأن هذه الذات هي الفاعلة لجميع الموجودات بلا وساطة… فهؤلاء وضعوا مبدأ الموجودات نفساً كليّة مفارقة للمادة من حيث لم يشعروا (41) لاعتقادهم بأن هذه الذّات الحيّة، العالمة، المريدة، السّميعة، البصيرة، القادرة، المتكلّمة، موجودة مع كل شيء وفي كل شيء أي متصلة به اتصال وجود (42) بمعنى أنها في علاقة مركّبة تجمع بينها وبين الأشياء الأمر الذي أوقعهم في بعض العثرات الناجمة عن هذا الفهم، منها أن تسليمهم بأن العلاقة التي تربط بين النفس والأشياء هي علاقة وجود لا انفصام فيها، يتعارض مع قولهم بأن مبدأ الموجودات نفساً كلّيّةً مفارقة للمادة، كذلك تصنيفهم للموجودات إلى موجودات حية وأخرى جامدة ثم إنكارهم للأفعال الصادرة عن الموجودات التي هي جمادات، وحصرها على الموجودات الحية، هو إنكار للأفعال الصادرة عن الأمور الطبيعية (43) وتعارضٌ مع مبدئهم القائل بأن النفس موجودة مع كل شيء وفي كل شيء وبأنها حَيّة عالمة قادرة مريدة… الخ (44) .

فيأخذ على الأشعرية قولهم (بوجود النفس مع كل شيء وفي كل شيء في علاقة مركبة) ومن ثم اعتبارهم لها ذاتاً فاعلةً لجميع الموجودات بلا واسطة، مع تقريرهم بأن النفس ذاتٌ غير جسمانية، وأنه ليس بين النفس وهذا الوجود فرق إلا أن النفس هي في جسم، وهذا الموجود هو نفس ليس في جسم، فإنه بالضرورة أن يكون ما كان بهذه الصفة مركّب من ذات وصفات، وكل مُركَّب فهو ضروري يحتاج إلى مُرَكِّب، مما ينـزع صفة الخلود عنه وفقاً لقول (ابن رشد) بأنّ: " المُكَوَّن ليس شيئاً غير المركَّب، فكما أن لكل مفعول فاعلاً، كذلك لكل مُركَّب مُركِّباً فاعلاً، لأن التركيب شرط في وجود المركَّب" (45) وبالتالي يستحيل ما كان مركَّباً أن يكون علّة لوجوده، لذلك كانت (المعتزلة) أقرب إلى الحق من (الأشعرية) من وجهة نظره، بتقريرهم كون الشيء موجوداً، وواحداً، وأزلياً، وغير ذلك..، ومذهب الفلاسفة في المبدأ الأول، هو قريب من مذهب المعتزلة (46) كما يقول (ابن رشد) نفسه.

إن قول (ابن رشد) بخلود النفس وبقائها ليس معزولاً عن آرائه الفلسفية في الله والعالم، وعن إنكاره لوجود العدم المحض، وتسليمه بوجود الله والعالم وجــوداً أزلياً

أبدياً، وأنّ النفس العاقلة هي نفس خالدة لا تفسد كونها صادرة عن العقل الهيولاني الذي لا يفسد أبداً، والذي تصدر عنه نفوس أفراد النوع الإنساني التي وإن تعددت بتعدد أفراد النوع الإنساني ، إلا أنها تبقى واحدة من حيث الجنس المشتقة منه كما سيظهر لدى تناولنا لموضوع النفس في علاقته بالوحدة والكثرة.

النفس بين الوحدة والكثرة:

يعتقد (ابن رشد) بأن النفس الإنسانية واحدة بالصورة مصدرها الهيولى، وأما الكثرة التي تلحقها فهي من قبل المواد الموجودة فيها، الأمر الذي أوقعه في اختلاف شديد مع التفسير الذي يرجع النفوس الفردية المتعددة إلى نفس واحدة هي (آدم)، وليس إلى الهيولى التي قال بها هو نفسه مما أدى إلى حدوث خصومات شديدة مع رجال الدين مسلمين ومسيحيين. يقول (ابن رشد) : " وأما وضع نفوس من غير هيولى كثيرة بالعدد، فغير معروف من مذهب القوم لأن سبب الكثرة العددية هي المادة عندهم، وسبب الاتفاق في الكثرة العددية هي الصّورة، وأما أن توجد أشياء كثيرة بالعدد واحدة بالصورة، بغير مادة فمحال، وإنما يفترق الشخص من الشخص من قبل المادة " (47) وعليه فإن عامل الكثرة في النفس هو المادة المتعلقة بها، ولو انتزعت المادة عنها لانتفت الكثرة فلم يتبقّ إلا الوحدة أي الصورة النوعية للنفس، وإن انقسام النفس إلى أنفس متجانسة إلى ما لا حصر له من الأنفس لا يفقدها سمة الوحدة ولا يدخلها في حالة من التمايز بحال من الأحوال، ولأن التمايز الحقيقي من وجهة نظر (ابن رشد) هو تمايز في المادة المتعلقة بالنفوس الفردية، والنفوس الفردية ليست إلا أجزاء من جنس واحد، لدى أفراد النوع الإنساني بأكمله، وما تمايز الأفراد بعضهم عن بعض إلا من قبل الأجساد والعناصر المتكوّنة منها، الأمر الذي يجعل من علم (عمرو) بشيء علماً خاصا به لا يعلمه (زيد) لأن مراكز القوى الحاسّة والعاقلة وغيرها في جسد (عمرو) ليست هي عينها لدى (زيد).

لقد ميز (ابن رشد) بين النفس المفارقة وهي النفس النوعية الواحدة وبين النفس المخلّقة، أي النفوس الكثيرة المتعددة بتعدد أفراد النوع الإنساني، إذ أن النفس المفارقة هي نفس واحدة لدى جميع الأفراد، وهي نفس عاقلة، وأما النفس المخلّقة، فهي متعددة بالعدد بتعدد أفراد النوع الإنساني، وتدخل في علاقة حية مع الأجساد الموجودة فيها. وإذا ما فسدت تلك الأجساد، فحال النفس تصبح معطلة عن الفعل لافتقادها إلى الآلة التي تعمل بواسطتها، لكنها لا تَعْدَم بل يمسكها الله إليه أو إنها تنعتق من علاقتها بالجسد لتبقى في الهيولى خالدة خلود الهيولى ذاتهـا ، أو بمثلٍ تشبيهي أن النفس الفردية المفارقـة تعـود للاندماج بالنفس الكلية الواحدة. ويسوق ( ابن رشد) بعض الحجج المؤيدة للكثرة في النفس وتمايزها بين الأفراد بتمايز الأجساد الموجودة فيها، كحجج (ابن سينا) في هذه المسألة بقوله: "فإن المختار عند (ابن سينا)، أن تكون النفس متعددة بتعدد الأبدان، لأنّ كون النفس واحدة من كل وجه في جميع الأشخاص تلحقه محالات كثيرة منها: أن يكون إذا علم زيد شيئاً علمه عمرو، وإذا جهله عمرو جهله زيد، إلى غير ذلك من المحالات التي تلزم عن هذا الوضع، وأما القول بأنها إذا نزلت متعددة بتعدد الأجسام لزم أن تكون مرتبطة بها، فتفسد ضرورة بفساد الأجسام" (48). أي أن النفس الإنسانية يستحيل أن تُفهم في علاقتها بالوحدة والكثرة بمعزل عن الأبدان التي توجد فيها، وأن النفس المفارقة للأبدان لا بد وأن تعود إلى مادتها الروحانية اللطيفة عودة الجزء إلى الكل من وجهة نظر (ابن رشد)، وحتى يقرب (ابن رشد) طبيعة العلاقة بين الوحدة والكثرة في النفس فإنه يسوق تشبيهاً تمثيلياً آخر لها، بالضوء ومصدره "فكما أن الضوء ينقسم بانقسام الأجسام المضيئة، ثم يتحد عند انتفاء الأجسام كذلك الأمر في النفس مع الأبدان" (49).

وحاصل القول: أن النفس واحدة بالنوع متعددة بالعدد بتعدد الْمَحال التي تتواجد فيها وما أن تفسد تلك الْمَحال حتى يبطل ذلك التعدّد فتبقى الوحدة النوعية الكلية للنفس بقاء أبدياً، ولعل قوله تعالى: ) يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي ( (50) دليل على وحدة النفس على الرغم من دخولها في أعداد كثيرة من الناس.

المَعاد:

يعتقد ابن رشد بأن عودة الأنفس إلى الأبدان بعد الموت، هي عودة تختلف عن الحال التي كانت فيها الأنفس مع الأبدان قبل الموت، ذلك أن الأبدان بعد الموت يطرأ عليها الفساد والتغير، مما يعني أنها لن تعود إلى عين الحال التي كانت عليها قبل الموت وإنما ستعود على شبه الحال التي كانت عليها قبل الموت، أما مصير النفوس فيتحدد تبعاً للأحوال التي كانت عليها قبل الموت ، فإن كانت التقـوى هي الغالبـة عليـها فإن الله سيحسن جزاءها وإن كان الفجور هو الغالب عليها فإن الله سيعيدها إلى أجساد شقيـّة تتألم فيها بأشد المحسوسات أذى وهي النار. يقول (ابن رشد): " إن الله اخبرنا بأنه يعيد النفوس السعيدة إلى أجساد تنعم فيها الدهر كله بأشد المحسوسات نعيماً وهي الجنة، وأنه يعيد النفوس الشقية إلى أجساد تتألم فيها الدهر كله بأشد المحسوسات أذى وهي النار، أما تمثيل المعاد للجمهور بالأمور الجسمانية فهو أفضل من تمثيله بالأمور الروحانية، فهو أحث على الأعمال الفاضلة " (51) ،وعليه فإن الأجساد التي يعيد الله الأنفس إليها، ليست هي عين الأجساد التي كانت في الحياة الدنيوية، إذ أن الأجساد عند موتها تفسد وتتحلل إلى عناصر تدخل في التربة، فمنها ما يتحول إلى عناصر يتغذى بها النبات وينتقل بعد ذلك إلى الحيوان والإنسان، مما يعني استحالة عودة الأجساد المعدومة لعين ما عُدِمت عليه لأنه إذا كان ذلك كذلك فإن الأجساد الميتة تصبح مشترِكة مع الأجساد اللاحقة عليها المتغذية بها في التركيب المادي، وإنّ فصل مركبات الأجساد عن بعضها في محاولة لإعادة الأجساد لعين ما كانت عليه سَيُلحق تغيراً محتوماً على تلك الأجساد إلى حد تفقد فيه كثيراً من عناصرها الماديّة، وبالتالي فإن " المرجَّح إزاء ذلك هو أن يعيد الله الأجساد المعدَمة من مادة مثيلة للمادة التي كانت عليها وليس عينها" (52).

وعليه يمتنع عودة الشخص من كل جهة، فليس يمكن أن يعود الشخص، والنفس تتخذ جسماً آخر غير جسمها الحالي لأن هذا الجسم يفنى بالتراب ولا يعود من غير أسباب (53)، الأمر الذي اعتبره رجال الدين من المسلمين والمسيحيين يشكل تحدياً آخر ينضاف إلى آرائه الفلسفية في قدم العالم، فقدم العالم إنكار صريح من جانب (ابن رشد) للقول بأن العالم مخلوق من عدم وفي أوقات مختلفة ، كما هو الحال عند (الغزالي) و (ألبرت) و (توما) والقول ببقاء النفس النوعية الواحدة إنكار لقول الوحي ببقاء النفس الفردية وتهيئـتها لحساب اليوم الآخر، والقول بعودة أجساد الأشخاص لمثل ما كانت عليه هو إنكار صريح لقدرة الله في بعث من في القبور بأنفسهم وبحواسهم عينها، كي تشهد عليهم فيما كانوا يفعلونه في الحياة الدنيوية. ولعل (ابن رشد) كان أكثر صراحة في تناوله لمشكلة قدم العالم، منه في مشكلة النفس، لأن المجاهرة الفلسفية بأمور النفس لا تخلو من مخاطر كبيرة لا يقوى على احتمال نتائجها، فاقتصر على ذكر بعض ما قاله الفلاسفة، مع إشارات تعَبّر عن مواقفه إزاء بعض المسائل المتعلقة بها لكون الحديث عنها يكتنفه الغموض كما جاهر بذلك في (تهافت التهافت) (54) بقوله: " وقد رأيت أن أقطع ههنا القول في هذه الأشياء والاستغفار من التكلم فيها، ولولا ضرورة طلب الحق مع أهله، وهو كما يقول جالينوس رجلٌ واحدٌ خيرٌ من ألف، والتصدي إلى أن يتكلم فيه مَن ليس من

أهله-ويقصد بهم العلماء الراسخون في العلم-ما تكلمت في ذلك من علم الله بحرف" (55) على أية حال فإن ما قدمه (ابن رشد) من آراء فلسفية في بحثه لمشكلتي العالم والنفس، سيجد آثاره المباشرة وغير المباشرة على التغيرات التاريخية الهامة في المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى، كولادة حركات الإصلاح الديني إذ وجدت الظروف مواتية لقيامها، بفعل حركة الجدل العقلي الواسعة بين علماء اللاهوت والفلاسفة الرشديين، إزاء فلسفة (ابن رشد) بعامّة،وفلسفته في العالم والنفس بخاصّة، الأمر الذي جعل العقل يشغل مكان الصدارة، فهو الحكم الذي يحَتكم إليه الخصوم من رجال الدين والفلاسفة على حد سواء، بعد أن ظل مقيداً لقرون من الزمن أمام سلطة اللاهوت بوصفها (سلطة للوحي) لا يجرؤ إنسان على إبداء الرأي بها أو الاعتراض عليها، فلم يكن بالإمكان وقتئذ حدوث تلك التغيرات في ظل تلك الظروف ومنها قيام حركات الإصلاح الديني على الصورة التي قامت عليها فيما بعد بخاصة تلك التي ظهرت بزعامة (مارتن لوثر) و(جون كالفن) في القرن السادس عشر، إلاّ بعد أن أسهمت الرشدية في خلق بعض الشروط الضرورية لولادتها.

الهوامش

(1)_ ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، تحقيق د. سليمان دنيا، ط1، دار المعارف، القاهرة، 1964، ص56، والغزالي، أبوحامد، تهافت الفلاسفة، تحقيق وتقديم سليمان دنيا ط7، دار المعارف القاهرة، 1987،ص90
(2)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص.ص56،57
(3)_ أنظر، قمير، يوحنا، ابن رشد والغزالي التهافتان،ط2 دار المشرق، بيروت، 1986، ص.ص17،18
(4)- ابن رشد ، تهافت التهافت، القسم الأول، ص64، وانظر، قمير، يوحنا، ابن رشد والغزالي التهافتان، ص18
(5)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول ،ص.ص236،237
(6)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص79
(7)- المصدر نفسه ، ص .ص180،181
(8)- أنظر ، الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص.ص90 ،92
(9)- ابن رشد، كتاب السماع الطبيعي، تحقيق، جوزيف بويج، المعهد الإسباني العربي للثقافة، مدريد،1983، ص146
(10)- أنظر، د. الخضيري، زينب محمود، أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى ، د ار الثقافة، القاهرة، 1983م، ص222، و الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1938م، ص73، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمعجم الفلسفي، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية،القاهرة،1983،ص70
(11)- ابن رشد، مناهج الأدلة في عقائد الملة، تقديم وتحقيق د. محمود قاسم، مطبعة مخيمر، القاهرة، 1955، ص194
(12)- انظر ،د. الخضيري، زينب محمود، أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، ص 223
(13)- ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة، الناشر، موريس بويج، بيروت، 1938،ص149
(14)- القرآن الكريم، سورة هود ، آية 6
(15)- ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة، ص149
(16)- أنظر، ابن رشد، كتاب السماع الطبيعي، ص41
(17)- أنظر ، العراقي، محمد عاطف، النـزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، د ار المعارف بمصر، القاهرة 1968، ص123
(18)- أنظر ، ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص.ص.ص34،135،136
(19)- المصدر نفسه، ص151
(20)- المصدر نفسه، ص136
(21)- أنظر ، ابن رشد، تهافت التهافت،القسم الأول، ص.ص.ص 153،154،139، وانظر، قمير، يوحنا، ابن رشد والغزالي التهافتان ، ص2
(22)- أنظر ، ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص 138
(23)- المصدر نفسه، ص 139
(24)- المصدر نفسه، ص150
(25)- الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة ص118، و ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص.ص181،182
(26)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص182
(27)- المصدر نفسه،ص.ص 188، 189
(28)- أنظر،الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص118
(29)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول ،ص189
(30)- المصدر نفسه، ص185
(31)- المصدر نفسه، ص185
(32)- الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص119
(33)- ابن رشد ، تهافت التهافت، القسم الأول ،ص186
(34)- القرآن الكريم، سورة الإسراء،آية85
(35)- أنظر،ابن رشد،تهافت التهافت، القسم الثاني ،تحقيق د.سليمان دنيا،ط3،دار المعارف،القاهرة،1981،ص.ص833،834
(36)- الآية 42، سورة الزمر، القرآن الكريـم
(37)- أنظر، الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص274
(38)- ابن رشد، تهافت التهافت،القسم الثاني، ص.ص858، 859
(39)- أنظر ، الغزالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ص274
(40)- أنظر ، المصدر السابق، ص275
(41)- أنظر ، ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الأول، ص.ص357، 358
(42)- أنظر، المصدر نفسه، ص358
(43)- أنظر ، المصدر نفسه، ص360
(44)- أنظر، المصدر نفسه، ص358
(45)- المصـدر نفسـه ، ص 367
(46)- أنظر، المصدر نفسه، ص368
(47)- ابن رشد، تهافت التهافت،القسم الأول، ص . ص 88، 89
(48)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الثاني، ص.ص 859 ،860
(49)- المصدر نفسه، ص861
(50)- الآيات ، 27،28،29،30، سورة الفجر ، القرآن الكر يم
(51)- ابن رشد، تهافت التهافت،القسم الثاني، ص870
(52)-أنظر،د. بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، ج1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط1،بيروت،1984،ص.ص33، 34
(53)- أنطون، فرح، ابن رشد وفلسفته، الإسكندرية ، 1903، ص51
(54)- ابن رشد، تهافت التهافت، القسم الثاني، ص833
(55)- المصدر نفسه، ص874

الدّكتور سامي الشيخ محمد - سوريا - درعا - تاريخ النشر : 2005-12-30 - alwatanvoice.com

0 تعليقات::

إرسال تعليق