الاثنين، 6 يونيو 2011

علي مملوك.. تاريخ غامض في جهاز أكثر غموضا عينه بشار على رأس المخابرات في انقلاباته الأخيرة

كشف تقرير تفصيلي عن زوايا مخفية من تاريخ رئيس إدارة المخابرات السورية الجديد، اللواء علي مملوك الذي تم تعيينه في الأوان الأخير في إطار "الانقلاب" الذي قاده الرئيس السوري بشار الأسد، غداة انفضاض المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم في سورية، وكان عين المملوك خلفا على رأس هذه الإدارة التي تحمل اسم أمن الدولة، خلفا للواء هشام الاختيار (بختيار)، المنحدر من أصول فارسية تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث تم تعيين هذا الأخير عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث، ورئيسا لمكتب الأمن القومي فيها.
وحسب التقرير الذي تلقت (إيلاف) نسخة منه، فإن اللواء علي مملوك (60 عاما) يعد واحدا من أكثر ضباط المخابرات السورية غموضا بالنسبة للشعب السوري وللمراقبين، في الداخل والخارج، وكان أول ذكر له في وسائل الإعلام، وفي أدبيات المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان، في 20 يوليو (يوليو) 2002، على لسان حركة المعارضة السورية الناشطة وهي " المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية " حين نشر المجلس قائمة تتضمن 76 اسما من أسماء ضباط المخابرات السورية مرفقة بموجز لأخطر الجرائم التي تورطوا بارتكابها، مباشرة أو مداورة، ضد حقوق الإنسان في سورية ولبنان.
وكان المجلس طالب حينذاك بمحاكمة هؤلاء الضباط أمام القضاء الدولي. وفي تقريره الجديد الذي خص به الحديث بالتفاصيل عن خلفيات الضابط مملوك، فإن المجلس الوطني للحقيقة والعدالة يقول "من المؤكد أن ملف اللواء علي مملوك الذي أعددناه ملف غير كامل ويحتاج إلى مزيد من الترميم، لكنه يظل الملف الوحيد المتوفر حول هذا الضابط الذي احتل على مدى أكثر من ربع قرن مهمات حساسة جدا في فرع المخابرات الجوية الذي تم تغيير وضعه الإداري في السلم التراتبي للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة ليصبح "إدارة المخابرات الجوية"على قدم المساواة مع الإدارات الأخرى التابعة لرئاسة الأركان.
ويشير الملف إلى أن اللواء علي مملوك ينحدر من لواء إسكندرونة الذي اغتصبته تركيا في العام 1939 بالتواطؤ مع فرنسا إبان انتدابها على سورية، وتخلت عنه دمشق بموجب اتفاقية أضنة الأمنية السرية في أكتوبر (تشرين الأول) 1998، التي جاءت على ذكر الاتفاق المتعلق بلواء إسكندرونة في ملحقها الثالث الذي لم تتم الإشارة إليه في ديباجة الاتفاقية، وكانت أسرة اللواء مملوك من أوائل الأسر التي هجرت اللواء طوعا أو هجّرت منه قسرا إلى حلب واللاذقية ودمشق.
وقال المجلس الذي صعد في الأعوام الأخيرة من بياناته التي تكشف أدق الأسرار عن الداخل السوري، وخاصة أجهزة الاستخبارات ودورها في سورية ولبنان وعمليات الاغتيال، قال إنه علم بأن توجيهات من دوائر رسمية عليا صدرت فور تعيين اللواء مملوك في منصبه الجديد إلى بعض الصحافيين الذين يراسلون صحفا عربية تصدر في لندن والخليج، أن يضمّنوا تقاريرهم المتعلقة بخبر تعيينه معلومة تقول بأن "اللواء علي مملوك دمشقي أصيل وينحدر من حي العمارة في دمشق القديمة.

الخولي وأركان حربه

وفي التفاصيل الأخرى، فإنه بعد استيلائه على السلطة في العام 1970، عهد الرئيس السوري الراحل الفريق حافظ الأسد إلى اللواء محمد الخولي بمهمة بناء فرع المخابرات الجوية (إدارة المخابرات الجوية لاحقا). وقد كان علي مملوك، رغم صغر رتبته آنذاك، واحدا من الضباط الأوائل الذين اصطفاهم الخولي لتأسيس جهاز للمخابرات الجوية يتمتع بمؤهلات وكفاءات بشرية وتقنية عالية.
وكان من بين أهم الضباط المؤسسين للجهاز، بالإضافة للخولي، كل من:
ـ إبراهيم حويجة ( ينحدر من ناحية عين شقاق في منطقة جبلة. وهي بلدة متاخمة لبلدة محمد الخولي ـ بيت ياشوط). ومن أبرز المهمات التي أوكلت لحويجة لاحقا مهمة اختراق " القوات اللبنانية " برئاسة سمير جعجع وقيادة عملية الانشقاق التي تولاها إيلي حبيقة. كما وتعتبر عملية شق حزب الكتائب اللبناني، أو بالأحرى تنظيم انقلاب داخلي في الحزب بقيادة كريم بقرادوني وجماعته ضد آل الجميّل، مهمة أخرى من أبرز المهمات التي أوكلت للواء حويجة، وأصبح كريم بقرادوني، حسب المجلس الوطني للحقيقة والعدالة، رجل المخابرات الجوية الأول في لبنان بعد أن "أنهى علاقته الوثيقة والمعروفة بإسرائيل" وهناك معلومات قوية جدا تؤكد أن جهاز الأمن الخاص بكريم بقرادوني ضالع بشكل كبير في اختطاف رفيقه بطرس خوند من قبل المخابرات الجوية ونقله إلى سورية، ويقول المجلس "هذا الأمر الذي يمكن أن يفسر تلك العبارة التي طالما رددها بقرادوني والقائلة: " فكروا فيه ( أي ببطرس خوند) كما لو كان في نقاهة وسوف يعود إلينا قريبا".
ـ مفيد حماد (شقيق زوجة الخولي)، وقد أوكل له عدد من العمليات الخاصة الخارجية لعل أهمها عملية الاستطلاع في الأردن التي مهدت لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران على يد "سرايا الدفاع " التي كان يقودها رفعت الأسد، والتي فشلت فشلا ذريعا وتم اعتقال قائدها العقيد عدنان بركات وبقية أفراد مجموعته الإرهابية من قبل المخابرات الأردنية.
ـ ياسين محمد ياسين (من قرية قرقفتي ـ ريف منطقة بانياس الساحلية)، وإن تكن مسؤوليته في سلاح الجو قد طغت على مهماته الأمنية.
ـ عز الدين إسماعيل (ويدعى أحيانا، عز الدين حمرة )، وهو ينحدر من قرية بسطوير في منطقة جبلة وهو متزوج من شقيقة الضابطين الشهيرين هاشم معلا ( العميد المتقاعد من القوات الخاصة، والمسؤول عن ارتكاب مجازر جماعية في حلب وجسر الشغور فضلا عن حمانا في لبنان ) ومحمود معلا (رئيس أركان الحرس الجمهوري).
ـ هيثم سعيد، وهو من ريف السلمية، ورئيس مكتب محمد الخولي لسنوات طويلة، ويعرف عن هذا الرجل أنه كلف في الثمانينات باغتيال أكرم الحوراني في باريس. كما ويعرف عنه أنه كان " المدير التنفيذي " لعملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق صلاح الدين البيطار في باريس أيضا.
ـ عبد الكريم النبهان، رئيس فرع المخابرات الجوية في المنطقة الوسطى ( حمص) لاحقا.

الطائرة الرئاسية

ويتابع تقرير حركة المعارضة القول إنه حين أسس جهاز المخابرات الجوية، كانت المهمة الأساسية الموكلة إليه، إن لم نقل الوحيدة، هي أمن سلاح الجو السوري، وفي المقدمة أمن " الطائرة رقم 1 " في هذا السلاح إذا جاز التعبير. أي الطائرة الرئاسية، وكل ما يستتبع ذلك من جوانب أمنية ولوجستية تتعلق بالرئيس الأسد لا سيما أثناء سفره خارج القطر، إضافة لبعض العمليات الخاصة في الخارج، سواء منها المتعلقة بأمن سلاح الجو مباشرة ( أمنيا وتقنيا)، أو تلك المتعلقة بشخصيات سياسية معارضة.
ويقول المجلس الوطني إن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن عملية اغتيال إيلي حبيقة قد نفذت من قبل هذا الجهاز، خصوصا "إذا علمنا أن الأمن الخاص لإيلي حبيقة، ومنذ أن دبر اللواء حويجة عملية انشقاقه عن جعجع وحتى تصفيته، كان من جهاز المخابرات الجوية السوري".

ويتابع التقرير "وبسبب طبيعة المهام الخاصة التي أوكلت لهذا الجهاز، من الصعب الحديث عن دور بارز له، على الأقل من ناحية الكم لا النوع، في عمليات القمع الداخلية التي اضطلعت بها المخابرات العسكرية بالدرجة الأولى، والمخابرات العامة بالدرجة الثانية والأمن السياسي ( التابع لوزارة الداخلية ) بالدرجة الثالثة. وقد ظل دور المخابرات الجوية " ملتبسا " دوما لجهة علاقتها بالحياة السياسية الداخلية، وإن يكن من المؤكد لدينا أن اللواء محمد الخولي كان وراء إنشاء عدد من الدكاكين السياسية خلال الثمانينات، لعل أبرزها حزب كريم الشيباني، الذي يحمل اسم "الحزب الوطني الديمقراطي "، مع الإشارة إلى أن الشيباني ينحدر من قرية " عين قيطة " وهي عمليا حارة من حارات بلدة محمد الخولي " بيت ياشوط "، وأن الخولي كان وراء تعيين الشيباني عضوا في " مجلس الشعب" خلال الفترة 1986 ـ 1990. والملاحظ أن إغلاق "دكان" الشيباني قد تزامن مع خروج الخولي من الحياة العامة".

أفعال المخابرات الجوية

ويمكن القول إن أكبر عملية قمعية أسندت للمخابرات الجوية ضد المعارضة السياسية هي العملية التي قادها ضد " حزب التحرير الإسلامي " مطلع التسعينات الماضية، والتي أسفرت عن تفكيك البنية التنظيمية لهذا الحزب واعتقال حوالي المائتين من قياداته وكوادره المؤهلة تأهلا علميا عاليا ( أطباء، مهندسون، محامون.. إلخ ). وكانت إناطة هذه المهمة بالمخابرات الجوية دون غيرها من الأجهزة لسبب أقرب ما يكون إلى " المصادفة " منه إلى أي التخطيط المسبق ، إذ إن أول من اعتقل من كوادر حزب التحرير الإسلامي كان ضابطا في سلاح الجو. وبعدها كرّت السّبّحة.
وهناك عرف متبع في سورية يقوم على أن الجهاز الأمني الذي يكتشف قضية، أو تنظيما معارضا، يسند إليه أمر متابعتها إلى آخرها، فيما تقوم الأجهزة الأخرى بمساعدته إذا تقاطع نشاطها في مرحلة من مراحل المتابعة مع الجهاز الذي اكتشفها. أما القضايا السياسية الأخرى التي تولت المخابرات الجوية الاضطلاع بها فكانت قضايا أقرب إلى " الفردية "، إذا ما استثنينا قضية " المحاولة الانقلابية " الوهمية التي فبركها هذا الجهاز في العام 1986 كفخ لاصطياد الضباط المشكوك في ولائهم. وقد تمت العملية بالتنسيق مع اللواء أحمد عبد النبي قائد الفرقة السابعة آنذاك، الذي قام بدور الطعم المسموم.
ويقول المجلس الوطني للعدالة والحقيقة ينبغي أن نضيف أيضا، ولو على صعيد ممارساته القمعية الخارجية البارزة، لكن غير المعروفة إلا على نطاق محدود، عملية مطاردة أتباع الجنرال ميشيل عون ( المدنيين، لا العسكريين ) فيما كان يسمى "بيروت الشرقية " ومحيطها بعد أن دخلتها القوات السورية ، وبشكل خاص مناطق المتن والضبية والأشرفية وعين سعادة وبيت مري وبرمانا و " المونت فيردي" . وقد تمت هذه العملية بدعم كبير من عناصر جهاز الأمن الخاص لحزب الكتائب ـ جناح بقرادوني، الذين عملوا مع المخابرات الجوية السورية كدلاّلين أو كـ " كلاب شمّامة "، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إبراهيم حويجة أسس مركزا هاما له في منطقة حرش تابت ـ سن الفيل في بيروت منذ العام 1978. وقد تولى هذا المركز جميع العمليات المشار إليها أعلاه "وليس مصادفة أن القيادي الكتائبي بطرس خوند قد اختطف من هذه المنطقة بالذات في أيلول /سبتمبر من العام 1992 ".
ويتابع القول: لا شك بأن الكثيرين سينظرون إلى تولية علي مملوك منصب مدير المخابرات العامة بوصفها نقلة نوعية تتيح لهذا الرجل أن يكون عضوا في " الحلقة الذهبية " التي تصنع القرار في سورية. وبغض النظر عن دقة ذلك أو عدمها، ينبغي القول إن العصر " الذهبي " للواء مملوك كان خلال فترة رئاسته لفرع التحقيق في المخابرات الجوية الذي اضطلع بارتكاب جرائم نوعية ربما لم يرتكبها أي جهاز آخر في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك أجهزة صدام حسين. ونعني بذلك اختبار الأسلحة البيولوجية والكيميائية على عشرات المعتقلين السياسيين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين الذين أنكر وزير الداخلية الأردني عوني يرفاس قبل بضعة أيام، وجودهم في سورية.

التحقيق في المزة

وكما هي الحال في بقية أجهزة المخابرات السورية الأخرى، أسست المخابرات الجوية منذ البداية " فرع تحقيق" خاصا بها. وقد تقرر أن يكون مركزه داخل مطار المزة العسكري في ضواحي دمشق الجنوبية الغربية. ومن اللافت أن جهاز أمن " سرايا الدفاع " المنحلة، التي كان يقودها رفعت الأسد، هي الجهاز الآخر الذي أقام فرع تحقيق داخل المطار العسكري نفسه، فضلا عن فرعه الآخر الذي أقامه في معسكرات القابون، حين كان الرائد سليمان جيد رئيسا للجهاز. وكان هذا التجاور الجغرافي داخل حرم المطار فرصة لتوثيق العلاقات بين الجهتين ولتعاونهما، فضلا عن الفرصة الأخرى المتمثلة بتقاطع المهمات الأمنية للجهتين فيما يتصل بأمن الجنرال الراحل حافظ الأسد، حتى العام 1984. ويمكن القول إن تلك الفترة كانت بداية " التعارف" وتوثيق العلاقة بين علي مملوك وضباط "سرايا الدفاع". وهي العلاقة التي تعززت من خلال " صديقهما المشترك " المتمثل بتجار دمشق الذين يعتبرون مملوك " دمشقيا أصيلا "، وثمة معلومات، غير مؤكدة، تقول بأن علي مملوك " ما يزال يحتفظ بعلاقة غير معلنة مع رفعت الأسد، تتم رعايتها باستمرار على أيدي رجلي الأعمال الدمشقيين وليد جلمبو وفاروق جي ".
وتقول الحركة المعارضة السورية إن اللواء علي مملوك يعتبر واحدا من أكثر ضباط المخابرات وحشية في سورية. وهو يصنف من حيث الوحشية في قائمة هشام اختيار ( بختيار) ومصطفى التاجر ويحي زيدان وعبد المحسن هلال. أي في زمرة الضباط الذين تدفعهم ساديتهم إلى ممارسة التعذيب بأيديهم مباشرة حين يصلون إلى استعصاء في عملية التحقيق مع ضحاياهم.

من أرشيف مملوك

ويكشف المجلس الوطني للحقيقة والعدالة عن بعض المعلومات من أرشيف اللواء مملوك، الموجود لدى " المجلس " ومنها الآتي:
أولا ـ وسائل التعذيب التي استخدمها علي مملوك في فرع التحقيق بمطار المزة وأبرز ضحاياها:
ـ الرينغ، أو الحلقة: وهي عبارة عن أكرة معلقة في السقف ، ذات أخدود على محيطها، شبيهة بتلك التي تستخدم لحركة الحبل الذي يرفع دلو الماء من البئر.
يتم تقييد المعتقل من رسغيه خلف ظهره بوساطة " الكلبشة " أو وسيلة أخرى. وبعد ذلك يجرى تعليق القيد بأحد طرفي حبل يتدلى من " الرينغ " المعلق في السقف. وهذا الحبل حر الحركة والانزلاق في الأخدود المحيط بـ " الرينغ "، صعودا وهبوطا. بعد ذلك يقوم أحد عناصر المخابرات، أو أكثر من عنصر (وذلك تبعا لوزن المعتقل الذي يخضع للتعذيب)، بسحب الحبل من طرفه الآخر كما لو أنه يسحب ماء من بئر. الأمر الذي يؤدي إلى رفع المعتقل عن الأرض. وبالنظر لأن المعتقل يكون مقيدا من الخلف وليس من الأمام، أي عدم وجود أي إمكانية لحركة الساعدين إلى الأعلى من مفصلي الإبطين، فإن مجرد رفع السجن عن الأرض، ولو لبضعة سنتيمترات قليلة، يتسبب بآلام رهيبة في المفصلين عند الكتف. وفي كثير من الأحيان تحصل عملية أشبه ما تكون بفسخ الدجاجة، خصوصا إذا كان السجين ذا وزن كبير أو إذا سحب الجلاد الحبل بسرعة ( بطريقة النتر ).
ومن أبرز المعتقلين الذين استخدمت معهم هذه الطريقة وكان علي مملوك مشرفا على تعذيبهم شخصيا: رئيف داغر (مواطن لبناني سلمه حزب الله للمخابرات الجوية السورية. وتعرض للتعذيب بهذه الأداة بتاريخ 18 أيلول / سبتمبر 1990) ؛ ضرار عبد القادر (مواطن لبناني اختطفته الجبهة الشعبية بقيادة أحمد جبريل وسلمته للمخابرات الجوية في حزيران / يونيو 1986، ويعتقد أنه تابع لحركة الشيخ سعيد شعبان في طرابلس . عذب بهذه الوسيلة في تموز / يوليو من العام نفسه) ؛ كلود حنا خوري (رقيب في الجيش اللبناني من الموالين للجنرال ميشيل عون. عذب بهذه الطريقة في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 1990) ؛ الدكتور فؤاد طالباني ( ابن عم الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني. اختطف من مطار دمشق بينما كان عابرا بطريقة الترانزيت قادما من لندن. جرى تعذيبه بهذه الطريقة في شهر آب / أغسطس 1989 لإجباره على الاعتراف بأنه ذاهب لمقابلة صدام حسين بأمر من جلال الطالباني . وبعد أن فشل مملوك في انتزاع الاعتراف الذي يريده منه وضع عنقه على الحافة المعدنية لمدخل غرفة التحقيق وظل يفرك عنقه بحذائه جيئة وذهابا إلى أن كسر فقرات رقبته. وقد أصيب بشلل نهائي في طرفيه العلويين والسفليين، فضلا عن تيبس وتخشب رقبته بزاوية حادة جدا مع كتفه الأيسر. وقد شاهده العشرات من معتقلي سجن صيدنايا العسكري ، وتحديدا الجناح أ / يسار في الطابق الثالث، حين نقل من السجن بتاريخ 2 نيسان / أبريل 1992 إلى مكان مجهول. واللافت أن " المجلس " حين اتصل بحزب جلال الطالباني قبل سنتين (من خلال سيدة في هولندة هي شقيقة الوزيرة الكردستانية نسرين برواري) من أجل استكمال التحقيق بشأن وضع الدكتور فؤاد، أعطوا إجابة غامضة لم نفهم منها أي شيء. فتارة كانوا يقولون إنه توفي في السجن وسلمت لهم جثته، وتارة كانوا يقولون بأنه توفي بعد إطلاق سراحه !. لكن ما هو مؤكد أن ثمة صفقة ما قد أبرمت بين جلال الطالباني من جهة وحافظ الأسد وأجهزته الأمنية من جهة ثانية لعدم إثارة الموضوع إعلاميا، ولكي تتم لفلفة القضية بهدوء. ويرى " المجلس " أن السيد جلال الطالباني وحزبه " الاتحاد الوطني الكردستاني "، خصوصا بعد تغير الظروف وأصبح رئيسا للعراق، مطالب بتوضيح مصير المغدور الدكتور فؤاد وطبيعة الصفقة التي جرت لطمس القضية.
ـ المرج: وهو عبارة عن لوح سميك من الخشب مرصّع بحصى من الصوان مدببة وحادة. ويتم إجبار المعتقل على المشي عليه أو الهرولة فوقه. وعند محاولته التوقف يتم ضربه بالكابل الرباعي ( الفولاذي المخصص لنقل الكهرباء ذات التوتر العالي ) من قبل عدد من العناصر المحيطين بلوح الخشب، وذلك لإجباره لاإراديا على الحركة فوقه ومنعه من الخروج عنه. ومن أبرز المعتقلين الذين عذبوا به، إضافة لمن ذكرت أسماؤهم سابقا، كل من: عصام الكعدة ( مواطن لبناني اختطفته حركة أمل بقيادة نبيه بري وسلمته للمخابرات السورية في العام 1983 . ولا نعرف بالضبط كيف وجد طريقه إلى فرع التحقيق في المخابرات الجوية في العام 1989، الذي نقله في آذار / مارس من العام نفسه إلى معتقل خان أبو الشامات السري )؛ الياس ميشيل عبد النور (مواطن لبناني لا نعرف حتى الآن كيف وصل إلى فرع التحقيق المذكور حيث شوهد فيه بتاريخ 12 آذار / مارس 1984 وتم تعذيبه لعدة أشهر اختفى فيها أثره بعد ذلك، ليظهر من ثم في المقر الجديد للمخابرات الجوية في ساحة التحرير بالقرب من حي باب توما في دمشق أوائل نيسان / أبريل 1989).
ثمة معلومات أخرى لدينا تتعلق بالمواطن السوري فخر زيدان تفيد بأنه تعرض للتعذيب بوسائل من هذا القبيل. إلا أننا لم نستطع التيقن منها. وفخر زيدان (المنحدر من ريف محافظ طرطوس) سبق له أن اعتقل من قبل المخابرات الجوية على ذمة البعث الديمقراطي برفقة زوج ابنة عمه، غالب حسن محمد، الذي كان يعمل في نقابة عمال المطابع بجريدة "الثورة" الرسمية. وقد حاولنا مرارا وتكرارا الحصول منه (أي من السيد فخر زيدان) على ما لديه من معلومات تتعلق بالتعذيب في المخابرات الجوية، والتي كان شاهد عيان عليها، إلا أنه رفض الإدلاء بأي معلومات رفضا قاطعا.
ويقول المجلس المعارض: وليست هاتان الوسيلتان أداتي التعذيب الوحيدتين اللتين استخدمهما اللواء مملوك وجلادوه حين كان رئيسا لفرع التحقيق في المخابرات الجوية. فهناك الوسائل " التقليدية " الأخرى المعروفة كالدولاب وبساط الريح والحرق بأعقاب السجائر والضرب بالكابل الفولاذي الرباعي .. إلخ. وقد أشرنا إلى هاتين الأداتين حصرا لاعتقادنا أنهما من ابتكارات مملوك وإبداعاته وحده دون غيره، إذ ليس لدينا أي قرينة تثبت أنهما استخدمتا في مراكز اعتقال أخرى، سواء تابعة للمخابرات الجوية أو غيرها.

أسلحة كيميائية

ثانيا ـ علي مملوك وقضية اختبار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية على المعتقلين السياسيين، حيث بصفته رئيسا لفرع التحقيق في المخابرات الجوية، لعب علي مملوك دورا أساسيا في فرز العشرات من المعتقلين السوريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين إلى معتقل " خان أبو الشامات " السري التابع للمخابرات الجوية من أجل إخضاعهم لاختبار أسلحة كيميائية وبيولوجية.
وطبقا لمعلومات مؤكدة فإن مملوك كان عضوا في اللجنة العليا التي أشرفت على هذه الجريمة، والتي ضمت وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس وأحد مستشاريه للشؤون العلمية ، فضلا عن خبراء من مركز البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع والذي ترأسه في حينها الدكتور واثق شهيد وخلفه اللواء علي ملاحفجي (القائد الأسبق للقوى الجوية والدفاع الجوي)، وأطباء تابعين لإدارة الخدمات الطبية العسكرية وضباط من المخابرات الجوية.

وكان الدور الأخطر الذي لعبه مملوك في هذه الجريمة هو انتزاعه اعترافات خطية من المعتقلين لديه تتضمن نصا على الشكل التالي: " أنا السجين (.....)، وبعد أن تبلغت حكم الإعدام الصادر بحقي، أعرب بملء إرادتي ودون إكراه عن استعدادي للتطوع من أجل اختبار عقاقير طبية لصالح مصانع إنتاج الأدوية، سواء منها التي تملكها وزارة الصحة أو تلك التابعة لوزارة الدفاع، أو أي جهة حكومية أخرى..".

ويقول المجلس المعارض إنه يتابع هذه القضية منذ سنوات، وقد أصدر عددا من التقارير والتصريحات الخاصة بذلك منذ أن كشف عن وجود معتقل " خان أبو الشامات " السري التابع للمخابرات الجوية، والذي يقع بالقرب من البلدة السورية المعروفة بالاسم نفسه شمال شرق دمشق.

قضية بطل الجمهورية

ثالثا ـ علي مملوك وقضية بطل الجمهورية العميد عصام أبو عجيب والطيار الهارب النقيب بسام العدل، ويقول المجلس إنه كان سباقا إلى الكشف عن قضية العميد الركن عصام غالب أبو عجيب رئيس أركان فرقة الدفاع الجوي الجنوبية عند اعتقاله في العام 1989. وأشار المجلس في تقاريره المتعلقة بذلك إلى أن العميد " أبو عجيب" من مواليد بلدة القدموس، منطقة بانياس، 1945 . وأنه يحتفظ بالعديد من أوراقه التي دون فيها شهادته بعد نقله إلى سجن صيدنايا العسكري ربيع العام 1992، وقبل وفاته متأثرا بظروف الاعتقال الوحشية التي تعرض لها في زنزانته الانفرادية بمقر المخابرات الجوية المشار إليه أعلاه.

ويروي المعارض السوري نزار نيوف في مقالة له حول هذه القضية، حيث يشير إلى أن العميد أبو عجيب اعتقل بأمر من الرئيس السوري حافظ الأسد بعد أن أبدى في أحد الاجتماعات العسكرية عالية المستوى احتجاجه واستنكاره لجريمة الاختبارات المشار إليها، وكشف عن اختراق أجنبي خطير لأمن سلاح الجو أدى إلى هرب النقيب الطيار بسام العدل الذي كان صديقا لعلي مملوك ويلعب معه القمار في شقق خاصة بالدعارة والقمار بحي المزرعة في دمشق.

وحين صدر أمر الاعتقال بعد تقرير رفعه فيه اللواء إبراهيم حويجة وعلي مملوك لحافظ الأسد، لم يقم علي مملوك بإرسال عناصره لاعتقال العميد أبو عجيب، بل ذهب هو شخصيا، بالنظر للحقد الأعمى الذي كان يكنه للراحل الكبير. وحين اقتاده من منزله في الطابق الرابع من البناية التي كان سكنها في حي البرامكة (خلف مقر نادي تشرين الرياضي) رفض السماح له حتى بتبديل ملابس نومه.

ويقول المجلس: وطيلة وجوده في فرع التحقيق بمطار المزة (قبل نقله لمقر المخابرات الجوية)، مارس علي مملوك أبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي على العميد أبو عجيب، وليس أقلّها إعطاء الأوامر للمجرمين الذين يعملون تحت إمرته بنتف شعره وشعر شاربيه بخيوط من النايلون، وصب الماء البارد عليه، وتبول بعضهم فوق فراشه من فتحة في سقف زنزانته.. "وهو الضابط الذي أبلى في حرب أكتوبر بلاء عز نظيره، والمثقف الذي يحمل إجازتين جامعيتين، والشاعر المبدع المرهف، والموسيقار الذي يجيد الإبداع على العديد من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية "، وحين توفي عمدت أسرته إلى تشييعه يوم جمعة كي لا يتسنى لأي من أركان النظام المشاركة في جنازته، فقام وزير الدفاع مصطفى طلاس بالاتصال بزوجته السيدة زهراء الأصفهاني " معاتبا " إياها لأنها لم تخبر القيادة بوفاة زوجها لكي تقوم بواجب التكريم ، مضيفا: " إن الراحل يحمل وسام بطل الجمهورية، وهو فقيد كبير للوطن، وتقتضي الأصول أن يشيع بمراسم عسكرية تليق به ". لكن السيدة التي أذهلتها هذه الوقاحة، لم تملك من أمرها إلا أن أغلقت سماعة الهاتف بوجهه، وأخذت تجهش بالبكاء على رفيق حياتها الذي وصل الفجور بهم إلى حد قتله والمطالبة بتشييعه بمراسم عسكرية.

مقال نيوف

ويقول نزار نيوف في جريدة (أخبار الشرق، 9 نيسان / أبريل 2005): "... والجدير بالذكر أن العميد عصام غالب أبو عجيب أحد أشهر ضباط صواريخ الدفاع الجوي في سورية (يحمل وسام بطل الجمهورية على إسقاطه 43 طائرة إسرائيلية في حرب تشرين / أكتوبر 1973، حسب إحصاءات الخبراء السوفييت، و21 طائرة حسب إحصاءات الجيش السوري، إذ لم تكن كتائب الدفاع الجوي قد زودت بعد بتلك الأجهزة التي تحدد بدقة أي كتيبة أو سرية هي التي أصابت الأهداف)، وقد كان رئيسا لأركان فرقة الدفاع الجوي المسؤولة عن حماية سماء جنوب سورية حين اعتقل ـ بأمر من حافظ الأسد شخصيا، وبطلب عاجل من قائد المخابرات الجوية في حينه اللواء إبراهيم حويجة ـ بعد هروب الطيار العدل.وقد نفذ أمر الاعتقال العميد علي مملوك رئيس فرع التحقيق في الجهاز الأمني المذكور حين اقتاد العميد أبو عجيب من منزله في حي البرامكة بدمشق وهو في ملابس النوم. وكان ما تحدث به العميد عصام في اجتماع عسكري ـ قيادي كبير عن ظروف وملابسات هروب بسام العدل، فضلا عن أسباب أخرى لا مجال للكشف عنها الآن، وسأعمل على نشرها بالتفصيل في أقرب وقت ممكن (إذ إن قسما من أوراقه الخاصة موجود معي كأمانة)، دافعا من دوافع اعتقاله. وقد أخبرني العميد عصام، وكان قائدي في مرحلة من مراحل خدمتي العسكرية، قبل أن يصبح صديقي إثر تمزيقه تقريرا أمنيا رفعه بي قائد كتيبتي في اللواء 55 العقيد محسن جميل قبيلي(في قرية الحجّيرة قرب دمشق )، وقبل أن يصبح فراشه ملاصقا لفراشي في سجن صيدنايا العسكري مطلع العام 1992، أن بسام العدل هرب بتواطؤ من ضابط كبير جدا في أعلى هرم النظام السوري (اللواء...) كان على صلة بالمخابرات الأميركية. وأكد لي العميد عصام " أن بسام العدل جرى تجنيده في الخارج من قبل السيدة (...) حين كان في دورة تدريبية للتحويل من قيادة ميغ 21 إلى ميغ 23. وقد تبعته هذه السيدة إلى سورية، وتم اكتشاف أمرها من قبل المخابرات الجوية السورية، وتم اعتقالها. إلا أنه أفرج عنها بعد عدة أيام بتدخل من حكومة بلادها. وبعد أيام قليلة من الإفراج عنها، هرب بسام العدل بطائرته "! وأكد لي العميد عصام أنه " أخبر القيادة بأمر هذه السيدة والدور المسند إليها، وطلب منهم اعتقال بسام العدل ". ثم عاد وأثار هذا الموضوع مع أعلى المستويات، خصوصا حين اكتشف أن أوامر من جهة معينة في أعلى هرم النظام قد أعطيت لضباط الرمي في ألوية وكتائب الدفاع الجوي التابعة لفرقته في المنطقة الجنوبية بعدم إطلاق النار عليه حين اكتشف من قبل الرادارات، رغم طيرانه على مستوى منخفض جدا فيما بين الجبال والوديان باتجاه فلسطين، ورغم أنه كان يطير منفردا دون سربه. علما بأن التعليمات الدائمة في الدفاع الجوي تنص على إسقاط الطائرات الصديقة (السورية) حين تتجاوز خطا معينا قريبا من الجبهة مع إسرائيل أو من الحدود المشتركة مع الدول الأخرى، خصوصا إذا لم تكن قيادة العمليات الجوية قد أعطت الدفاع الجوي توجيهات أخرى مسبقا، وإذا كانت الطائرة المعنية تحلق خارج سربها، أي منفردة "! وكان العميد عصام (أبو مجد) قد أطلق سراحه في العام 1995 بعد انهيار وضعه الصحي الناجم عن اعتقاله في زنزانة انفرادية، وتوفي في مثل هذه الأيام من العام 2000 بعد أن انفجر قلبه بسبب المعاملة الإجرامية التي لجأ إليها النظام في إذلاله وإهانته وهو الجدير بأن تقام له النصب التذكارية في الساحات العامة. والجدير بالذكر أن العميد عصام قد أبدع خلال حرب أكتوبر، حين كان برتبة نقيب وقائدا لكتيبة كفادرات (سام 6 المحمولة على مدرعات)، نظرية في علم رمي الصواريخ أرض ـ جو، لا تزال تدرّس حسب علمي في أكاديمية فرونزا العسكرية الروسية وكليات غربية أخرى. وطبقا لاختصاصيين غربيين درسوا التكتيكات العربية في الحرب المذكورة، فإن العميد عصام أبو عجيب في سورية والفريق محمد علي فهمي (قائد الدفاع الجوي المصري آنذاك) يعتبران الضابطان الأكثر تميزا في أداء سلاح الدفاع الجوي منذ الحرب العالمية الثانية".
في الأخير، يقول المعارض نيوف المنفي في باريس حاليا "يبقى أن نشير إلى أن الراحل العظيم عصام أبو عجيب، المولود في بلدة القدموس في العام 1945، والضابط الذي لم يمنعه تشيّعه وإيمانه العميق من أن يصادق علمانيا ليبراليا مثلي، شاعر وموسيقار فذ ربما لن يكون له غرار في الجيش السوري خلال سنوات طويلة، خصوصا بعد أن دمره حافظ الأسد وحوله إلى ميليشيا انكشارية تقوم استراتيجتها العسكرية وعقيدتها القتالية على نقطة واحدة: القتال دفاعا عن النظام حتى آخر مواطن سوري! ".

نصر المجالي من لندن: إيلاف GMT 4:00:00 2005 الثلاثاء 21 يونيو

0 تعليقات::

إرسال تعليق