الجمعة، 17 يونيو 2011

وشم الشباب... لوحات إعلانيّة متنقّلة

وشم الشباب... لوحات إعلانيّة متنقّلة
منهم من يستبشرون بها خيرا، آخرون يلجأون إليها بحثا عن التمايز، هي صرعة الوشم بألوانها وأشكالها تتربّع على أجساد الشباب وتتسلّل إلى مفاتن الشابّات، محوّلة إيّاها لوحات إعلانيّة متنقلة. فراشة، تنيني، إشارات حزبيّة، كتابات صينيّة... تعدّدت الرسومات واللغة واحدة: الوشم.

على رغم معارضة أهلها، لجأت بيا كرم إلى وشم جناحين على ظهرها منذ نحو عامين، اقتناعا منها "بأنّ الوشم يزيد شخصية الفرد رونقا وجمالا"، ويشكّل في الوقت عينه وسيلة تعبّر من خلالها عن "أفكارها المعاصرة في حرّية مطلقة". لا تنكر بيا أنّها وجدت في الوشم طريقة لإثبات الذات: "تزيد الرسومات التي يختارها المرء قوّة ومكانة في عيون الآخرين، فهي تسلّط الضوء على صلابة شخصيّته وجرأته".
بيا ومجموعة من أصدقائها يتّفقون على أنّ في "الوشم وسيلة للتفلّت من قيود المجتمع ومشاكله، لذا غالبا ما يختارون تزيين أجسادهم برسومات تعكس طموحاتهم وما يصبون إليه في المستقبل". ما يزيد بيا تعلّقا بالوشم "أنّه أبلغ من الكلام، فالصورة تساوي ألف كلمة".
كرم التي اختارت تزيين ظهرها بجناحين، تعتبر أنّ "الوشم الذي رسمته منذ عامين كان وليد آرائها المستقلّة" على رغم معارضة والدتها للوشم وتحمّل أوجاع الرسم لوحدها، تشير بيا إلى أنّ "الرسالة التي يوضحها الوشم أقوى من الكلام لأنّ الوشم نراه، ولكن الكلام نسمعه فقط".

للشعائر الحزبيّة حصّة

تختلف الأهداف والغايات التي يتوخّاها الشباب من لجوئهم إلى الوشم. يولي جورج أهمّية كبيرة لصليب القوّات اللبنانية: "إخترت وشم هذا الصليب الذي سرعان ما أصبح جزءا لا ينفصل عن هويّتي، ومعتقدي، وهو خير دليل إلى التزامي الأبدي وإخلاصي المتفاني لهذا الخط السياسي".
يجد جورج في الوشم وسيلة لمحاربة النسيان وتحدّيا للتاريخ: "لا شكّ في أنّ المرء يكنّ في الأساس اعتبارا خاصّا لرسم اختار أن يلتحم مع جسده ويعانق دمه، من هنا أستبعد ألّا يعبّر الوشم عن صاحبه".
حيال الحماسة التي يبديها بعض الشباب، تظهر فئة أخرى متردّدة، ومنها المُخرج إدوار مشعلاني الذي يفضّل "أن يحتفظ المرء بمعتقداته وشعائره الدينيّة وأيّ رموز أخرى لذاته، فيقول: "ماذا يفيد أن يعبّر المرء عمّا يؤمن به علنا؟ المسألة لن تقدّم أو تؤخّر في مسيرته الخاصّة". ويضيف: "لا بدّ من الاهتمام بأمور أعمق وأهمّ من رسومات تقلّل من قيمة جسد الإنسان".
بقناعة تامّة، تعبّر الطالبة أغنس الحلو عن رفضها القاطع الوشم، قائلة: "أجسادنا ليست ملكا لنا، كيف نرضى بتشويهها؟" وتضيف: "لا أجد في الوشم أيّ زيادة على جماليّة جسد الإنسان، لأنّ الروعة لا تتجلّى بالرسومات، بل بما يخرج من فم الإنسان وما يعبّر عنه من إبداع وتألّق". كما أنّها ترفض اعتبار أنّ الوشم يبني شخصيّة: فتقول: "إنّ المرء من يعطي للوشم قيمة ومعنى وليس العكس".
مع بدء موسم الصيف، يؤكّد منفّذ الأوشام أندريه أبي صالح الرواج الذي تلقاه هذه الظاهرة: " يلقى الوشم إقبالا هائلا من قبل الشباب، العشرات منهم من مختلف الأعمار والأجناس والأديان، يزورونني يوميّا لتنفيذ وشم معيّن كالشعائر الدينية: المسبحة، الصليب، الهلال، آيات إنجيليّة وقرآنيّة". أمّا عن الأماكن الأحبّ إلى قلوبهم، فيوضح: "غالبا ما تكون على أماكن ظاهرة أو حسّاسة من أجسادهم".
في هذا السياق، يلفت أندريه إلى أنّ عدد الزبائن يتزايد مع بداية موسم الصيف حتى نهايته". أمّا بالنسبة إلى الأسعار، فيقول أبي صالح: "بشكل عام، مقبولة، وغالبا ما تكون متجانسة وفق حجم الوشم، ألوانه ودقّة تنفيذه. لكن عموما تتراوح الأسعار بين 30$ و 200quot;.

رأي الطبّ

يعتبر الطبيب فؤاد عتيق أنّ "الوشم من أخطر الآفات التي يؤذي بها الإنسان جسده، لأنّها مكوّنة من مواد كيميائيّة مضرّة يمكن استخدامها لأهداف أخرى كطلاء السيّارات". لذا حذّر من "خطورة تلوّث دم المرء عند ثقب الجلد وتمازجه بالمواد المستخدمة". في هذا الإطار، يلفت عتيق إلى ضرورة التأكّد من نظافة الإبرة المستخدمة، "بعضهم يعمد إلى الوشم أكثر من مرّة بالإبرة ذاتها، ممّا يسرّع عمليّة انتقال الميكروبات والفيروسات التي سرعان ما تؤدّي إلى تحسّس جلدي والتهابات". على رغم المخاطر المحدقة بهذه الظاهرة، يتّفق عدد من الشباب على أنّ ما يزيد هذه الموضة رواجا في صفوفهم هو الغموض الذي يكتنفها، وحرّية التعبير المطلقة التي يتميّزون بها.
من الواضح أنّ ظاهرة الوشم القديمة - الجديدة تلقى رواجا على أبواب الصيف الحارّ، وعلى رغم صعوبة إزالته، مع كلّ التطوّر الحاصل في التقنيات المستخدمة لهذا الهدف كأنواع الليزر المختلفة، إلّا أنّه ما زال يلقى رواجًا كبيرًا، ويعتبر موضة العصر.
تتفشّى هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربيّة، فتسبغ عليها المزيد من الجمال بنظر البعض، أو تشوهها، كما يؤكّد آخرون. لذلك تبقى مسألة التقبّل أو الرفض محصورة لدى كلّ فرد بحسب إطار الحرّية التي يتمتّع بها في مجتمعه وبين ذويه.

رأي علم النفس

يعتبر الدكتور في علم النفس الاجتماعي ميشال سبع أنّ "الشباب في صورة عامّة لا يتردّدون في أن يحذو حذو المشاهير والفنّانين في إقبالهم على الوشم"، معتبرا "أنّ الهدف الأساسي هو لفت النظر في الدرجة الأولى إلى جانب إظهار الأماكن الحسّاسة ومفاتنهم".
ويوضح سبع أنّ معاني الوشم عبر التاريخ تبدّلت: "في الماضي كان الإنسان البدائي يطبع صورة الحيوانات التي يخاف منها على ذراعه أو على صدره، ظنّا منه بأنّها تكسبه قوّة. كما ارتبط الوشم بالديانات الوثنية التي انتشرت شرقا وغربا كحامل لرموزها الدينية وأشكال آلهتها، واستخدم الوشم كتعويذة ضد الموت والعين الشرّيرة، وللحماية من السحر. أمّا العرب فاستخدموه كوسيلة للتزيّن والتجمّل، وكرمز للتميّز في الانتماء إلى القبيلة".
في هذا السياق يوضح سبع " أنّ الوشم ظهر في أوج الحروب الصليبيّة، فالمسيحيّون كانوا يرسمون علامة الصليب على جباههم كي يتعرّفوا إلى بعضهم البعض، ومن ثمّ اتّخذ دلائل حزبيّة أثناء الحروب العالميّة الأولى والثانية مع النازيين والمارينز". مشيرا في الوقت نفسه إلى "أنّ رموز الوشم قد تطوّرت عند الصينيين الّذين ابتكروا مواد تثبّت الوشم على الجسم وتحول دون إزالته".
ويلفت سبع إلى "أنّ الموضة الحاليّة للوشم هي امتداد لحركة "hippy" الأميركيّة والأوروبية، وتقليد لبعض الجماعات السرّية كعبدة الشيطان"، محذّرا من لجوء البعض إليها "لإخفاء عقدهم النفسيّة وضعف شخصيّتهم".

ناتالي اقليموس- روي أبو زيد - الجمعة 17 حزيران 2011 - الجمهورية

0 تعليقات::

إرسال تعليق