الثلاثاء، 7 يونيو 2011

لبنان الجبهة الوحيدة الهادئة... ما الذي تغيّر؟

كان لافتا أن تبقى الجبهة اللبنانيّة الجنوبيّة وحدها هادئة، فيما ينفجر الغضب الفلسطيني في الجولان وأطراف الضفّة الغربية وغزة ومعابرهما، تزامُنا مع استنفار وقلق إسرائيليّين لم تشهدهما الدولة العبريّة من قبل، فيسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى أمام عدسات التلفزيون والفضائيّات العربية والدوليّة.
بالأمس القريب كانت كلّ هذه الجبهات هادئة، ولبنان يشتعل وحيدا، فما الذي تغيّر؟
يبدو للوهلة الأولى أنّ الجواب على هذا السؤال ليس صعبا. والقول – ببساطة البسيط - إنّ مجرّد أن تقف المؤسّسة العسكرية في لبنان على قرارها الحاسم بمنع أيّ تحرّك يحرجها والقوّات الدولية، متسلّحة بمضمون القرار الدولي 1701 الذي يتحكّم بالمنطقة الممتدّة من مجرى نهر الليطاني إلى الخط الأزرق فسيصغي إليها الجميع من فلسطينيّين ولبنانيّين من دون نقاش. ولكن هل إنّ هذه النظريّة هي الوحيدة التي أنتجت الهدوء، وأنّ الخطة الوقائيّة التي اعتُمدت منعت حصول أيّ خلل في الجنوب؟.
هذا ما حصل - إذا تمّ تسطيح ما جرى واعتمدنا ما هو معلن من مواقف - وتحديداً على مستوى العلاقة بين الجيش اللبناني ومِن خلفه السلطة السياسيّة التي ينتسب إليها، بعيدا من الاصطفاف الداخلي في لبنان من جهة، والمنظمات الفلسطينية من جهة أخرى.
فإلى الخطّة الأمنيّة التي وضعها الجيش اللبناني ومعه القوّات الدوليّة المعزّزة، لا يمكن لأيّ عاقل أن يتناسى أو يتجاهل التجاوب الفلسطيني معها إلى الحدود القصوى، وبشكل معلن لا يحمل أيّ لبس. وهو أمر لطالما كان مفقودا في لبنان منذ قيام "فتح لاند" مسنودة على مضمون "اتفاقية القاهرة" التي أباحت لهم الأرض والحدود وسماء المنطقة وأرضها والحجر والبشر.
أمّا اليوم، فالواقع متغيّر، فـ"السلطة الفلسطينيّة" أنجزت و"حكومة حماس المقالة" اتفاقا لم يكن أحد يحلم به برعاية سلطة عسكريّة مصريّة، وبدون أيّ رعاية عربيّة أخرى على أنقاض سلسلة من الاتّفاقيات التي لم تترجم، فبقيت حبرا على ورق من "وثيقة مكّة" قبل عامين، إلى "اتفاقية الدوحة". فيما العالم العربي منشغل بأموره الداخلية ويتحسّس بعض الحكّام رؤوسهم يوميّا للتثبّت أنها ما زالت فوق أكتافهم.
على هذه الخلفيّة، انتظمت العلاقة بين الطرفين الفلسطينيّين وانعكست وضوحا وهدوءا في علاقاتهما مع العالم العربي ولبنان بشكل خاص، ليس لسبب سوى أنّه الوحيد الذي ما زال بمنأى عن الثورات الشعبيّة التي أطاحت بالرؤوس الكبيرة التي تلاعبت ما فيه الكفاية بالفصائل الفلسطينيّة وأباحت مصالحهم وقودا في صراعات داخليّة وعربيّة ودوليّة، إلى أن حصل ما حصل من تونس وليبيا ومصر على الساحل الأفريقي شمالا إلى اليمن والبحرين في بحر الخليج العربي، إلى عمق الشرق الأوسط، وتحديدا في سوريا.
ويعترف المراقبون أنّ كلّ هذه المستجدّات فرضت واقعا جديدا انصرف فيه الفلسطينيّون إلى ترتيب بيتهم الداخلي، بمعزل عن مواقف بعض الأنظمة العربية التي فوجئت بما حصل، والضغوط الخارجية الإسرائيلية التي رفضت تفاهما فلسطينيّا – فلسطينيّا كانت ترغب بألّا تراه ولا تعيشه، ولو للحظة واحدة فكان ما كان.
ولذلك كلّه يقوّم المعنيّون بأمن الجنوب، منذ صباح أمس الاثنين ما جرى في لبنان و"دول الطوق العربي" فيقرأون سريعا في الوقائع سلسلة من الملاحظات التي لا بدّ من التوقف عندها ومنها:
- انشغال الأنظمة العربية بأمورها الداخليّة جعلت الفلسطينيّين المقيمين في لبنان قيادة وشعبا يتحسّسون حجم الإحراج الذي يمكن أن يقع على لبنان من خلال أيّة انتكاسة أمنيّة يتسبّب بها تحرّك ميداني على الحدود مع إسرائيل التي تبحث عن حجّة تخرج بها إلى عمل عسكري تريده في ظلّ انهيار الأنظمة العربيّة وانشغال قادتها بحماية رؤوسهم أو البحث عن وسائل لملء الشاغر منها، ولا يقوى لبنان على تحمّل تبعاته لوحده.
- اعتبار الفلسطينيّين في لبنان أنّ ذكرى 15 أيّار تعنيهم أكثر من 5 حزيران، فمشروع العودة هو مشروعهم، لا التوطين مع احترامهم وتقديرهم لما قدّمه لبنان إلى اليوم، ولا بدّ من أن يلتزموا ما تقول به السلطات اللبنانيّة والقوى العسكرية بشكل خاص، فأمنهم من أمن لبنان ليبقى لبنان إلى جانبهم في مشروع العودة، ولبناء جسور من الثقة لا تهتزّ على وقع الخطوات غير المحسوبة بدقّة.
- يريد الفلسطينيّون أن يبقى حقّ العودة سلاحا مدنيّا في مواجهة إسرائيل، وما حصل في مارون الرّاس كان أفضل مثال، وقد يكون تكراره مناسبة يفتقد من خلاله الفلسطينيّون دعما وتفهّما لبنانيّا ودوليّا في آن، وهم بحاجة إليهما في المرحلة الراهنة لعبور المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة، ولا مصلحة، لا لبنانيّة ولا فلسطينيّة، في تحوّل مواقفها إلى الوجهة المعاكسة.
وأخيرا، لا بدّ من الإشارة إلى قراءة فلسطينيّة سريعة لما جرى، فيلمّحون إلى أنّ الظروف السياسيّة في سوريا سمحت بما حصل هناك، ولا ينكرون، فيقولون إنّ ما حصل تأريخ لمرحلة جديدة لم نستشعرها في سوريا إلى الأمس القريب. ويتوقّفون هنا ليقولوا: إلى الحزن والأسى على من افتقد شابّا أو طفلا في الجولان، يستشعر القادة الفلسطينيّون الحاجة والأولويّة، في ظلّ ما تشهده الساحات العربيّة، إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنيّة" فلسطينيّة تمسك بزمام الأمور، وتؤول إليها كلّ الملفّات العالقة في الداخل والخارج في آن.
ويتباهى أحد قادتهم بالقول للّبنانيين: "إنّ التجربة اللبنانية الحكوميّة لن تتكرّر في الضفّة والقطاع"، فالاتّفاق وشيك والنظام الأساسي للسلطة - وهو الدستور الفلسطيني بالمعنى الدولي للكلمة - يحدّد مُهَلا دستوريّة إلزاميّة، فأمام الرئيس المكلّف مدّة أربعة أسابيع لتأليف حكومته، ولا يحقّ له التجديد أو التمديد بطلب من الرئيس، سوى لأسبوعين فقط... وبعدها يمكن ان تتوجّه الأنظار إلى هموم أخرى. 

جورج شاهين - الثلاثاء 07 حزيران 2011 - الجمهورية

0 تعليقات::

إرسال تعليق