السبت، 18 يونيو 2011

لماذا تحركت القارات؟

لماذا تحركت القارات؟
تحرك القارات
في الحياة اليومية لا نلقي بالا إلى أن الأرض تحت أقدامنا تتحرك على الدوام، على الرغم من أن ذلك ما يحدث فعلا. قبل حوالي 30-40 سنة كان التفكير بأن القارات تتحرك بالضبط كما يتحرك جبل من الجليد على سطح البحر أمر غير ممكن وسيجازف من يقول بذلك في اتهامه بالجنون وهو أمر مفهوم، إذ أن القارات تظهر لنا راسية القرار، وهو اعتقاد من القوة انه ينعكس في الاعتقادات الدينية التي ترى أن الجبال أوتادا رواسي تمنع الأرض عن الحركة.
كون الجيلوجيين اليوم يعلمون أن القارات تتحرك كان مصدره نظرية بلاتيكتونيك أو نظرية حركة القارات. وكما هو الحال مع نظرية داروين التي تعتبر اليوم أساس علم البيلوجيا، فإن نظرية حركة القارات أصبحت هي التي تشكل الأساس الذي يلتف حوله علم الجيولوجيا. تقوم هذه النظرية على الانطلاق من أن القشرة الخارجية للأرض تتألف من أرصفة قارية تتحرك بالنسبة لبعضها البعض. هذه الحركة تفسر غالبية أحداث الهزات الأرضية وانبعاث البراكين ونشوء السلاسل الجبلية، وهي أقسام رئيسية في علم الجيولوجيا.

تحرك القارات
تتشابه نظرية حركة الأرصفة القارية مع نظرية التطور ليس فقط في كونهم أصبحوا النواة التي يقوم عليها العلم في مجالاتهم وإنما أيضا في كونهم واجهوا معارضة شديدة في بداياتهم امتدت لوقت طويل. فقط في ستينات وسبعينات القرن الماضي تمكنت نظرية حركة الأرصفة الأرضية من الحصول على الاعتراف بها، واليوم لا يوجد أي شك بصحتها. وعلى الرغم من ذلك لا زال هناك بدون حل: ما هي القوة المحركة التي قسمت القارة الأولى وحركتها في مختلف الاتجاهات؟

اليوم تقترح العالمة الأمريكية Vicky Hansen, من جامعة مينيسوتا دولوث، أن الحركة الأولى بدأت بسبب حادثة غير منتظرة حدثت قبل 2,5 مليون سنة. فيكي هادسين تشير إلى أن اصطدام مجموعة من النيازك في مناطق مختلفة من الأرض أدى إلى إطلاق كمية كبيرة من الحمم من داخل الأرض إلى السطح. هذا الأمر أطلق الأمر لعملية تسمى subduction, وهي عملية حاسمة في مجال حركة القارات.

تحرك القارات
عالم الأنواء والجيوفيزياء والفلكي الألماني Alfred Wegener, وضع منذ عام 1915 نظرية تحرك القارات وأشار فيها إلى أنهم كانوا في السابق قارة واحدة عظيمة. غير أن زملائه عارضوه بقوة. في ذلك الوقت كانت توجد نظريتين حول تطور الأرض إحداها تنطلق من أن وجه الأرض ثابت لا يتغير في حين أن الثانية تؤكد أن الأرض تبرد باستمرار ولذلك فهي تتقلص.

كلا النظريتين كان لديهم تفسير عن شكل الأرض وعن أسباب نشوء الجبال ، ولكن كلاهما كانوا في مأزق لأسباب مختلفة. كخطوة أولى على صحة نظرية ويغنير قدم تتطابق القارات مع بعضها كحجة على كونهم في الأصل كانوا قارة واحدة وعلى الأخص أمريكا الجنوبية مع الساحل الغربي لأفريقيا. وينغبير قدم حجج أخرى على صحة نظريته ومنها التشابه الجيولوجي بين القارتين حيث بالإمكان العثور على ذات المستحثات في كلا الطرفين كما انه توجد سلاسل جبلية على حافة كلا القارتين يتطابقون في تركيب البنية الجيولوجية، ذات الأمر نجده مع جبال سكوتلندا واسكندنافيا، وجزيرة شرق غرينلند مع شمال شرق أمريكا الشمالية. أشار وينغبير إلى أن هذا الأمر لا يمكن تفسيره إلا من خلال أن هذه المناطق كانت متلاصقة في السابق

ويغنبير عمل مع نظريته إلى أن مات عام 1930. احد الأسباب الذي أعاق الاعتراف بنظريته في فترة حياته كان بسبب عدم تمكنه الإشارة إلى الميكانيزم الذي يقف خلف حركة القارات. أحسن ما تمكن من اقتراحه هو تكاتف تأثير قوة جاذبية القمر مع القوة النابذة لدوران الأرض، على الرغم من انه نفسه لم يكن راضي عن هذا الاقتراح إضافة إلى أن العلماء رفضوه على انه غير ممكن.

التغير جاء في الثمانينات من القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية. بفضل اهتمام الماكينة الحربية وبمساعدة التكنيك الحديث بدء الجيلوجيين بوضع خريطة لقاع البحار. النتائج كانت مذهلة، إذ ظهرت سلاسل جبلية هائلة، تمتد آلاف الكيلومترات على طول الكرة الأرضية.

تحرك القارات
هذه السلاسل والتي أطلق عليها mid-ocean ridge "مرتفعات ظهر وسط المحيطات"، تميزت بامتلاكها لمنابع المصهورات القادمة من باطن الأرض في منظر مدهش. إضافة إلى ذلك اكتشف الجيلوجيين وجود منحدرات شديدة بين حدود القارات والتقاءها بالمحيطات، الأمر الذي يشير إلى أن القارات والمحيطات وحدات مختلفة من الناحية الجيولوجية. وأخيرا كشف المسح وجود شقوق عميقة والتي غالبا كانت موجودة عند قرب حدود التقاء القارة بالمحيط. هذه الشقوق يمكن أن تصل إلى عمق 11 كيلومتر. مع هذه الاكتشافات أصبح الجيلوجيين قادرين على تحديد مكان مركز الاهتزازات بصورة أكثر دقة. لقد ظهر أنهم يتركزون بالذات قرب مرتفعات ظهر وسط المحيطات وقرب الشقوق العميقة في أعماق المحيطات. ومن هنا توصلوا إلى أن ذلك يعني وجود حركة في القشرة الأرضية وبدورها تخلق الاهتزازات الأرضية.

هذه الاكتشافات قدمت بالطبع الكثير من المعطيات للمزيد من التفكير والاستنتاج. النجاح الحاسم جاء حوالي عام 1960 بعد البدء في إرسال البواخر من اجل حفر ثقوب في قيعان المحيطات. منذ عام 1968 وعلى مدى خمسة عشر عاما قامت الباخرة D/V Glomar Challenger بتحقيق مهمات لصالح مشروع أطلق عليه اسم Deep Sea Drilling Project.

تحت غطاء من قعر المحيط كان الباحثون يعثرون على الدوام مصهورات متبردة من نوع يسمى بازلت basalt. هذا النوع يحتوي على الكثير من المعلومات. الماغما تحتوي على معادن مغناطيسية وعند عملية تصلبها تبقى البلورات المعدنية متوجهة حسب جهة الحقل المغناطيسي الذي كانت تحت تأثيره في حالتها السائلة. بهذا الشكل فإن المادة المتصلبة تحتوي على " حقل مغناطيسي متحجر". ولكن نعلم أن الحقل المغناطيسي للأرض يغير وجهته عبر فترات متواترة تقريبا كل مليون سنة. هذا الأمر يستغل من قبل الجيلوجيين في العديد من الأشكال، مثلا لتقسيم الزمن الجيولوجي إلى فترات.

تحرك القارات
مثلا نعيش حاليا في فترة مغناطيسية طبيعية أطلق عليها اسم Brunhes, وبدأت قبل حوالي 700 ألف سنة بعد أن أعقبت فترة تسمى Matuyama, حيث كان الشمال والجنوب عكس ما هو عليه اليوم. هذا يعني أن تبدل موقع القطب المغناطيسي وتحجر هذا التحول في المجما المتبرد يمكن له أن يحدثنا عن عمر المجما المتحجرة، طالما كنا قادرين على تنظيمه حسب التسلسل الزمني لتحول موقع القطب المغناطيسي. الباحثين بدؤوا بتحليل المعادن المغناطيسية في البازلت ولدهشتهم عثروا على سلسلة غير منقطعة من العصر الحاضر إلى العصر الماضي على صورة متخصصة للغاية. الحقول المغناطيسية المتحجرة كانت متناظرة على ضفتي مرتفعات ظهر أعماق المحيطات. كلما اقتربنا من أعلى القمة كلما التقينا بالأكثر حداثة من الاتجاهات المغناطيسية في حين كلما ابتعدنا إلى الأطراف نعثر على الأقدم.

ولقد جرى اكتشاف انه حتى الأكثر قدما من أعماق قاع المحيطات هو حديث للغاية بالمعايير الجيولوجية ولا يزيد عن 200 مليون سنة بالمقارنة مع 3,8 مليار سنة لعمر جذور اليابسة القارية. هذا الاكتشاف جرى دعمه من القاع الجبلي القاري الذي وعبر العصور امتد ليغطي البازلت. هنا أيضا كانت التحاليل تشير إلى أن اتجاه الكريستالات المعدنية نحو الأقطاب توزع تناظريا على صفحتي " الظهر القاري" الذي يفصل بين الطرفين، وهنا أيضا كانت الأقسام الأقدم هي الأبعد عن السلاسل الجبلية في أعماق المحيط.

كل هذه الأمور مجتمعة تتكاتف لتؤكد شيئا واحدا: أن قاع المحيط كان على الدوام يتوالد في منطقة "ظهر سلاسل جبال أعماق المحيط" ومن ثم يجري ضغطهم إلى الجوانب في عملية دائبة لا تتوقف.

تحرك القارات
على هذه الخلفية أصبحت جميع القطع الضرورية متوفرة لرؤية الصورة العامة للنظرية الحديثة عن حركة الأرصفة القارية. اليوم نعلم أن الأرصفة القارية هي أجسام صلبة تتألف من القشرة العليا والطبقة العليا من الماجما، وكلاهم يتحركان فوق قسم آخر من الماجما أكثر حرارة وأكثر ليونة كالبلاستيك.

السبب الأكثر مباشرة لحركة الأرصفة القارية هي الحرارة في أعماق الأرض، حيث تسبب حركة لمادة باطن الأرض على شكل تيارات المصهورات الداخلية، التي ومن حيث المبدأ هي مادة صلبة ولكن بفضل الحرارة العالية والضغط العالي تصبح قادرة على الحركة. هذه التيارات تجبر المادة المنصهرة على التسرب عند نقطة ظهر سلاسل الجبال في قعر المحيط لتتجمد بسرعة نسبية بسبب الالتقاء مع الماء فتتحول إلى بازلت الذي بدوره وتحت ضغط المصهورات الجديدة يضطر إلى التنحي نحو الجوانب فيتوسع المحيط. بهذا الشكل تنشأ أرصفة ثقيلة نسبيا، إذ أن البازلت ثقيل بالمقارنة مع الأرصفة القارية.

تحرك القارات
عندما يقوم الرصيف البحري بالاصطدام مع رصيف قاري والمؤلف من مادة اخف، أو محتمل مع رصيف بحري آخر، فسيغوص تحت الآخر ليعود إلى الماغما تحت القشرة الخارجية. هذه هي عملية subduction التي توضح أسباب كون قاع المحيطات يافع بالمقارنة مع القارات اليابسة، حيث أن قاع المحيط على الدوام يعود إلى الماجما. غوص قاع المحيط تحت الرصيف الآخر يحدث قرب الشقوق العميقة الضخمة، وعندما يغطس الرصيف البحري يطلق هزة أرضية عنيفة. إضافة إلى ذلك ينصهر الرصيف جزئيا بسبب حرارة الاحتكاك الهائلة ويرسل الماجما إلى السطح. خلف الشقوق العميقة في المحيطات تنشأ أما سلاسل جبلية مثلا سلاسل أندرنا في أمريكا الجنوبية، أو تنشأ مجموعة من الجزر البركانية مثلا الفليبين.

على العكس تبقى القارات فوق الأرصفة القارية بسبب أنها اخف، وتنتقل حول الأرض كجزء من الأرصفة القارية المحمولة على تيارات الماجما. في بعض الأحيان يحدث أن القارات مع الأرصفة القارية أيضا تصطدم مع بعضها كما هو حال الهند، والتي تتزايد التحاما مع آسيا الأمر الذي يسبب صعود جبال هملايا .

تحرك القارات
حالات خاصة يمكن أن تنشأ عندما تتشكل تيارات جديدة في أعماق الأرض ويظهر تيار حار متجه إلى الأعلى تحت احد الأرصفة القارية مما يؤدي إلى انقسام الرصيف القاري ونشوء بحر جديد في مكان الانشقاق، تماما كما حدث في الانقسام الذي خلق البحر الأحمر، وكما يحدث الآن في شرق أفريقيا في منطقة Rifty Valley zone.

وكما نرى فإن الجيلوجيين يعرفون العملية التي تسبب حركة الأرصفة الأرضية. أيضا يعلمون أن هذه العملية مستمرة منذ بضعة مليارات من السنين، ولكن لا توجد نظرية عن كيف بدأ الأمر.

هنا تصبح الفرضية الجديدة للعالمة Vicky Hansen لا غنى عنها. تقول العالمة فيكي أن علينا أولا أن نتصور الأرض في حالتها الأولى قبل 2,5 مليار سنة. كانت الأرض في ذلك العهد تختلف عن الأرض اليوم على الأقل في نقطتين. الأولى أن النيازك كانت تهبط عليها كالمطر وهو أمر معروف لنا من الآثار التي تركتها النيازك على سطحي القمر والمريخ ومن خلال الموديل عن نشوء وتطور المجموعة الشمسية. النقطة الثانية أن الأرض كانت أكثر دفئا مما هي عليه الآن، هذا يعني أن القشرة الأرضية كانت في وضع التكون. هذه القشرة كانت من نمط واحد ولا تملك اختلافا أو تنوع في الكثافة كما هو الحال الآن بين الأرصفة القارية وهو أمر لا بد منه لنشوء الحركة القارية. في المادة المنصهرة تحت القشرة الأرضية لا بد أنه كانت توجد حركة تيارات التي تعتبر أصل الموجود حاليا. هذه التيارات يمكن أن تكون قد جعلت القشرة الأرضية الفتية ارق في مناطق طويلة.

إذا قام احد النيازك بالاصطدام في منطقة رقيقة من هذه المناطق وينشأ من هذا الاصطدام فوهة بقطر اكبر من ألف كيلومتر فإن هذا الأمر يكفي ليترتب عليه انطلاق عملية من العسير إيقافها. إضافة إلى أن الضربة يمكن أن تجعل القشرة الرقيقة أكثر رقة يمكن لها أن ترفع درجة حرارة المصهورات الأرضية موضعيا الأمر الذي يجبر الماجما على الصعود للأعلى. هذه الماجما تنفذ من خلال القشرة إلى السطح لتتجمد فتصبح قشرة كثيفة ثقيلة. إذا استمرت العملية تنشأ مركز انطلاق يبدأ من منطقة سقوط النيزك ويتطور إلى منطقة اكبر تذكرنا بأقسام من ظهور سلاسل قيعان المحيطات.

تسترسل فيكني هانسين في افتراضاتها عندما تشير إلى أن التوسع والانتشار يستمر ويضغط على القشرة الرقيقة في اتجاه جدران الفوهة النيزكية ليدفعها في كل الاتجاهات. ببطء وتحت تأثير تزايد الضغط الحثيث بدون انقطاع تتجه احد الأطراف إلى أسفل الجهة التي تضغط عليها والذي لم يمكنها إزاحته. بهذا الشكل ظهر غوص طرف تحت طرف آخر وبدأت عملية subduction. لاحقا يستمر مركز الانتشار بالتمدد على طول الخطوط الرقيقة من القشرة الأرضية ليصبح في النهاية نوع من أنواع " ظهر السلاسل في وسط الأعماق".

فيكي هانسين لا تجرؤ على تحديد وقت ابتداء هذه العملية الجيولوجية ولكنها تشير إلى أن الفترة لا تقل عن 2,5 مليار سنة. إضافة إلى ذلك تشير إلى أن افتراضها أعلاه يمكن أن يكون قد حدث عدة مرات وفي أماكن متفرقة. بمعنى آخر فإن subduction يمكن أن يكون قد نشأ في أماكن عديدة، ولكن الأهم أن هذه العملية عندما تبدأ يصبح من الصعب إيقافها ومن السهل انتشارها.

منذ تلك اللحظة قامت مناطق السوبديكشون بابتلاع أرصفة أعماق المحيط في حين أن القارات تنقلت من مكان إلى آخر على سطح الأرض، فتكون تارة في المناطق القطبية الباردة وتارة أخرى في المناطق الاستوائية الحارة لتعود إلى المناطق الباردة ويستمر التنقل حتى اليوم بفضل قوة الدفع القادمة من البزوغ اللانهائي لمنطقة "ظهر سلاسل أعماق المحيطات". هذا الأمر هو الذي يوضح أسباب أن مستحثات تعود لحيوانات ونباتات تعيش في المناطق الدافئة ومع ذلك نعثر عليها على جزيرة غرينلاند أو القطب الجنوبي. في بعض الأحيان يحدث أن القارة بكاملها تتعرض للانقسام وفي أحيان أخرى تصطدم القارات وتلتحم، وعلى الأقل ثلاث مرات في المليار والنصف سنة الأخيرة كانت جميع القارات مجتمعة في قارة واحدة تسمى بانغيا والأخيرة منهم بدأت بالانقسام قبل 250 مليون سنة.

بعد 250 مليون سنة أخرى ستعود القارات لتتوحد من جديد، حسب التوقعات الجيولوجية، ولكن هذه القارة أيضا ستتمزق وتتجدد الدورة. على المدى الأبعد، وهنا نتكلم عن فترة تصل إلى بضعة مئات الملايين من السنين ستموت الأرصفة الأرضية تماما وتتوقف.

تحرك القارات
في مجمل الصورة الجيولوجية فإن الأرض منذ نشوءها قبل 4,6 مليار سنة تبردت ولا زالت تتبرد ببطء. التبرد يجري غاية في البطء لكون انهيار الأشعة الذرية في المواد الأساسية لنواة الأرض يقوم على الدوام بتزويد الأرض بالحرارة مما يؤخر إنهاء العملية، ومع ذلك تبرد. شبكة التيارات الحارة للمادة المنصهرة في أعماق الأرض هي الطريقة التي تقوم الأرض من خلالها بالتخلص من الحرارة. عندما تتوقف هذه التيارات يوما ما، بسبب أن مصدر الحرارة انتهى، تتوقف الأرصفة الأرضية عن الحركة لتوقف مصدر الدفع.

لا زال من المبكر القول أن هذه الفرضية ستتدخل في كتب التدريس الجيولوجية، على الرغم من أن اغلب علماء الجيولوجيا رحبوا بها. تشير العالمة أن فرضية من هذا النوع يجري دراستها وتحليها على مدى فترة طويلة قبل أن يجري قبولها وتقارنها بالفرضية التي قالت أن القمر كان في البدء كوكب بحجم المريخ عندما اصطدم بالأرض ليفقد جزء من حجمه ويصبح تابعا للأرض. فيما بعد جرى العثور على العديد من المعطيات التي تؤكد هذه الفرضية لتصبح معترفا بها. فيكي هانسين تذكرنا أيضا بما جرى للعالم الفريد ويغنير عندما وضع نظريته عن وحدة القارات ورفضها الجميع، لتصبح اليوم النظرية الوحيدة المعترف بها في هذا الشأن. من هنا نرى أن الفرضيات لا بد لها أن تمر طريقا طويلا من المعارضة قبل أن تجد الاعتراف اللائق بها

اليوم تأتي معلومات جديدة تصب في مجرى تأكيد النظرية السابقة. هذه المعلومات تقول أن الأرض تملك نبض طول الفترة بينهم تصل إلى 15 مليون سنة، وهي عبارة عن تيارات قوية من الماجما تصعد إلى الأعلى أسفل نقاط البراكين (hotspot), في أعماق البحار. هذا الأمر أظهرته أبحاث نرويجية حديثة.

الباحث Rolf Mjelde, من جامعة بيرغن والباحث Jan Inge Faleide, من جامعة أوسلو استخدموا معطيات الموجات الصوتية التي جمعوها لتحديد سماكة الرصيف البحري بين إيسلندا وجزيرة غرين لاند. من المعلوم أن إيسلند تقع على " مرتفع ظهر وسط الأطلسي" وهو عبارة عن شق بركاني هائل تصدر عنه الماجما باستمرار وتدفع طرفي الرصيف البحري عن بعضهم إلى الجانبين. بذلك يعتقد أن إيسلندا تتموضع على قمة نقطة حارة من تيارات الماجما، حيث التيار يملك حرارة إضافية.

الدراسة الجيولوجية النروجية أظهرت أن التيارات المنصهرة تحصل على قوة إضافية كل 15 مليون سنة. في هذه الفترة يكون الرصيف المُتشكل سميك بشكل استثنائي لهذا السمك بالإمكان رؤية مناطق مختلفة السماكة ( سميكة- رقيقة)بطريقة متواترة وروتينية على طول الطريق بين إيسلند وجزيرة غرينلاند.

الاكتشاف كان مثير بسبب أن العلماء الأمريكيين كانوا قد اثبتوا وجود الظاهرة ذاتها حول نقطة حارة أخرى ( هاواي) في المحيط الهادئ، حيث تتشكل السماكات بذات التواتر المتطابق زمنيا مع تواتر آيسلند. هذا الأمر يشير إلى وجود نبضات متناظرة تؤثر على جميع أنحاء الأرض.

انطلاقا من كون هاواي وإيسلندا يقعان على مسافات بعيدة عن بعضهم، لذلك لا يمكن أن تكون الضربات النبضية مرتبطة بعملية أسبابها في الماجما السائلة ذاتها وإنما يجب أن تكون في مركز الأرض وتؤثر على الماجما من جميع الأنحاء بذات الوقت. إذا صدقت هذه النظرية سيكون الأمر ثوريا لنظرتنا إلى بنية باطن الأرض، إذ لا نملك اليوم أي نظرية تستطيع أن تفسر هذه النبضات. غير أن وجود هذه النبضات أمر لاشك فيه ويتوافق تماما مع نظرية توسع الأرصفة القارية وبالتالي تحرك القارات الدائم.

مصادر:
Metamorphism and Tectonics
When push comes to shove
mid-ocean ridge
Magma and Lava
PLATE TECTONICS
pangea
seismic model
magma-pulses
14/09; 16/09

2009/10/10

عندما كانت الأرض كرة من الثلج
كانت الأرض بكاملها يغطيها الثلج
قبل 716 مليون سنة كانت الأرض بكاملها يغطيها الثلج. هذه النتائج العلمية دعمت نظرية كانت موضع جدل تشير إلى أن الأرض ولمرات عديدة في الحقبة الجيولوجية كريوغينيوم cryogenium قبل ، 850 - 635 مليون سنة مضت، كانت مغطاة تماما بطبقة سميكة من الثلج بغض النظر عن بضعة فتحات على المسطحات المائية كانت الحياة قادرة على الاستمرار بالوجود فيها.

مؤيدي النظرية يدعون وجود علاقة بين الفترة الجليدية التامة وبين تطور أشكال الحياة المعقدة على الأرض. قبل المرحلة الجليدية لم يكن هناك وجود للحياة المتعددة الخلايا. من الواضح انه كان موجود الخلية وحيدة النواة المسماة eukaryot قبل هذه الحقبة الجيولوجية بوقت طويل ولكن لم تكن هناك يوكاريوت متعددة الخلايا كنبات أو حيوان. عند نهاية عصر الكريوغينيوم ظهرت أيضا الكائنات المركبة فجأة، ومن المحتمل أن العصر الجليدي هو الذي دفع التطور بهذا الاتجاه.

هذا العصر الجليدي الشامل The Sturtian استمر لمدة خمسة ملايين سنة على الأقل. والباحث Francis A Macdonald الجيولوجي من جامعة هارفارد الأمريكية هو شخصية رئيسية في المقال العلمي الذي نشرته مجلة الطبيعة والذي يحوم حول اكتشاف العصر الجليدي التام يرى أيضا العلاقة بين ظهور الحياة المعقدة وهذه الفترة للعصر الجليدي.

" يوجد تطابق في الزمن يمكن اعتباره مؤشر على وجود علاقة بين حصول التغير في خلية اليوكاريوت، مما أدى إلى ظهور عالم الحيوان، وبين العصر الجليدي التام، ولكن المستحثات لا يمكن تأريخها بدقة بحيث نكون غاية في الدقة"، يقول ماكدونالد.

العصر الجليدي التام لا بد أنه قضى على أغلب الأحياء، ولكن من الواضح أن قسم منهم تمكن من البقاء. هذا الأمر حصل على الأغلب في بقع متفرقة ومنعزلة، لأسباب مختلفة لم يصل الماء فيها إلى درجة التجمد وتوفر ضوء الشمس. من المحتمل أن ذلك بسبب براكين تمكنت من المحافظة على مناطق محدودة دافئة بما يكفي لتبقى الحياة وتتطور. أن المجموعات المنعزلة جغرافيا تأخذ توجهات تطورية خاصة ومنفصلة عن بعضها، وانه غالبا ينتج عنهم أنواع جديدة، ظاهرة معروفة في بيولوجيا التطور. ذلك يعني أن أنواع جديدة تشكلت في عصر الكريوغينويوم وعندما ذاب الثلج تمكنت هذه الكائنات من التلاؤم مع الظروف الصعبة لتصبح على أهبة الانتشار.

نظرية الأرض الثلجية تطلب مجموعة من الإجابات عن بضعة أسئلة. أولا لا بد أن يبرهن العلماء على أن الأرض بكاملها قد تجمدت. ثانيا لا بد من تفسير الأسباب التي جعلت الأرض باردة بحيث أن الجليد تمكن من الأرض. وفي الأخير لا بد من شرح الأسباب التي أدت إلى تحرر الأرض من قبضة الجليد. والنجاح الذي قدمته الدراسة الأخيرة له علاقة بالإجابة على السؤال الأول.

الجيولوجيون تمكنوا من تحديد عمر المعادن في الأحجار البركانية في كندا بدقة كبيرة. هذه المعادن تموضعت بين ترسبات فترة العصر الجليدي والتي كانت موجودة كسطح في احد البحار القديمة، وهذا يعني أن البحر كان متجمداً. ولكن قبل 716,5 مليون سنة كانت المنطقة لا تقع في أعالي الشمال كما هو الحال اليوم، إذ أن موقع القارات كان مختلفا وكندا كانت تقع قريبا من خط الاستواء تحديداً.

هذا الأمر نعلمه لأن الأحجار الكلسية في طبقات قاع المحيط الرسوبية تتشابه مع بيئة استوائية، كما أنه تم تحليل الحديد الموجود في بنية الجبل. عندما يتشكل الجبل فإن تأثير مغناطيسية الأرض يجعل الحديد ممغنط. وعندما تقوم القارات بالتحرك وتغير موقعها تبقى مغناطيسية الحديد. بمساعدة الطرق المغناطيسية (paleomagnet) يمكن لنا اليوم أن نجلي اللثام عن خط العرض الذي جرى نشوء الجبل عنده. عينات الجبل الكندي التي جرى تحليلها تدلل على أن التشكيل كان يبعد عن خط الاستواء بمقدار عشرة درجات على الأكثر. بمعنى آخر كان حتى منطقة خط الاستواء متجمدة في ذلك الوقت.

وإذا كان التجمد قد وصل عشرة درجات عن خط الاستواء لابد انه كان يحيط الأرض بكاملها، فعندما يصل الجليد إلى خط العرض 30 عن الاستواء تنهار الحرارة بسرعة بحيث يغطي الجليد الأرض بكاملها بسرعة حسب ما يقدمه لنا النموذج المناخي الذي يأخذ بعين الاعتبار مقدار الانعكاس المتزايد لأشعة الشمس بفضل تقدم الغطاء الجليدي.

بشكل طبيعي يجري امتصاص ثلث أشعة الشمس من قبل غطاء الأرض الجوي وقشرة الأرض. في المقابل ينعكس عن الأرض أشعة بحيث تصبح الحرارة متوازنة. عندما يتمدد الجليد من القطب باتجاه الاستواء تتزايد كمية الأشعة التي يجري عكسها. المساحات البيضاء تعكس 90% من الأشعة، مما يعني أن تزايد مساحتهم يؤدي إلى انخفاض في درجة الحرارة الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الثلج لتغلق الدائرة وفي النهاية تصبح الأرض بكاملها مغطاة بالجليد.

كيف تمكن الجليد من الاقتراب إلى خط الاستواء؟ الجواب على ذلك نجده في أمكنة تموضع القارات في ذلك العصر. قبل مليار سنة كانت جميع القارات متحدة في قارة واحدة تسمى رودينيا. Rodinia. بهذا الشكل كانت الكمية الأكبر من اليابسة بعيدة عن البحار ولذلك كان المناخ جاف. وعندما بدأت القارة بالتفتت والتحرك قبل 750 مليون سنة أصبحت القارات أصغر وازداد تماسهم بالماء مما رفع درجة الرطوبة وازدادت الأمطار.

الأمطار جعلت الجبال تتفتت وتنجرف وهذه العملية أدت إلى توحيد الكربون الجوي في الحجر الكلسي. وكما نعلم فإن للكربون دور كبير في رفع درجة الحرارة، ومع تقلص كميته تزداد برودة الجو وهذا هو السبب الذي أدى إلى انتشار البرد القطبي في اتجاه الاستواء الدافئ. انفجارات بركانية كبيرة يمكن أن تكون قد ساعدت على تسريع هذا التطور. نعلم أن الانفجارات البركانية التي كانت شائعة في السابق قادرة على إرسال كمية هائلة من الغبار إلى طبقات الجو العليا مما يمنع وصول أشعة الشمس ويؤدي إلى برودة عالمية.

وعدا عن هذه البراهين من كندا توجد العديد من الدلائل الأخرى على عصر جليدي شامل في الكروغينيوم. الجيلوجيين عثروا على العديد من طبقات العصر الجليدي في أماكن متعددة ومن بينها ناميبيا، أوستراليا، غرينلند سفالبارد والصين. إضافة إلى ذلك يظهر بوضوح أنه إلى جانب العصر الجليدي الشامل قبل 716 مليون سنة كان هناك عصر جليدي عملاق آخر قبل 635 مليون سنة. ويضاف إلى ذلك الدلائل على اختفاء الحجم الأكبر من الحياة في فترة هذين العصرين الجليديين والتي تمكنا من الوصول إليها من تحليل الكربون، حيث إيسوتوب الكربون 13 يشير إلى عدم وجود الكثير من الميكرو كائنات لإنتاج الكربون العضوي في فترة العصور الجليدية المعنية. بمعنى آخر لم يكن هناك الكثير من الأحياء.

وعندما يملك المرء نظرية عن أن الثلج كان يغطي الأرض تماما لا بد من امتلاك نظرية أخرى تفسر أسباب اختفاء هذا الثلج. والتفسير نجده في النشاطات البركانية. البرد لم يكن بإمكانه منع البراكين عن الاستمرار في ممارسة نشاطاتهم وقذف ملايين الأطنان من اللهب والغاز في الجو بما فيه غاز الكربون. على مدى بضعة ملايين من السنين ارتفعت نسبة الكربون في الهواء وبالتالي ارتفعت درجة الحرارة. بدأت الثلج يذوب وعند لحظة معينة ازداد الذوبان بسبب ازدياد الرقعة التي لا تعكس حرارة الشمس.

نظرية تقلص رقعة الجليد تجد تعضيدا لها في ملاحظات علمية. الجيولوجيون عثر على طبقات من الترسبات ذات محتويات حديدية يمكن أن تكون بسبب وجود طبقة ثخينة من الجليد في قعر البحار. في العصور الجليدية العظيمة تراكم الحديد في الماء لكونه كان منعزلا عن الأوكسجين ولذلك لم يتمكن من التأكسد. وعندما ذاب الجليد أصبح بإمكان الحديد أن يتأكسد ليشكل طبقات من الصدأ. وبالضبط فوق طبقات العصر الجليدي عثر العلماء على طبقة غير طبيعية من معدن الدولوميت. أن يظهر كطبقة ترسبية يعني تحولات دراماتيكية في التركيبة الكيميائية للبحر. ارتفاع الحرارة الكبير يمكن أن ينتج عنه تبخر عالي من البحر مما أدى إلى كميات كبيرة من الأمطار. الأمطار اختلطت بالكربون وأصبحت أمطاراً حامضية وبدورها أدت إلى تحليل أنواع معينة من الأحجار على اليابسة بحيث أن كمية كبيرة من الكالسيوم انشطفت إلى البحر. هذه المكونات ترسبت لتشكل نوع خاص من طبقات الترسبات الكلسية.

وعلى الرغم من أن العلم يدعم الآن نظرية عصور التجلد الشامل إلا أنه لا زالت هناك أسئلة كبيرة يجب الإجابة عليها ومنها ما هو دور العصور الجليدية في نشوء التنوع الأول في الحياة المعقدة للكائنات المتعددة الخلايا. من الواضح أن ediacarafauna (المجموعة الأولى للكائنات المركبة الخلايا) نشأت مباشرة بعد العصر الجليدي العظيم الأخير، حوالي قبل 570 مليون سنة إذ ظهرت على الفور في العصر الكامبري الذي بدأ قبل 540 مليون سنة مجموعة متنوعة من الكائنات رسخت الفروع الأساسية للتطور اللاحق لجميع الكائنات الحية اليوم.

22/11/2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق