الاثنين، 6 يونيو 2011

هل يعود الموارنة عام 2011 إلى ما قبل العام 1711؟

تكاد أن تمرّ مرور الكرام هذا العام الذكرى المئوية الثالثة لحدث تأسيسيّ تاريخيّ لعب دوراً مفصلياً في نحت الفكرة الكيانية اللبنانية.
عنينا بهذا الحدث معركة عين دارة سنة 1711 التي انتصرت فيها الحزبية القيسية مدعومة من الأمير حيدر الشهابي على الحزبية اليمنية بقيادة آل علم الدين. ساهمت هذه المعركة في تطوير الشخصية الاجتماعية السياسية المميزة للجبل اللبنانيّ حيث أخرجته الأحادية الطائفية إلى الثنائية الطائفية. وإذا كانت المعركة جرت أساساً داخل الطائفة الدرزية إلا أنّ نتيجتها التاريخية سمحت بصعود الطائفة المارونية وتمدّدها ديموغرافياً وسياسياً وثقافياً طيلة القرن الثامن عشر. ومن هذه الناحية كانت "1711" هي القابلة التاريخية التي مهّدت السبيل إلى تثبيت الوعي الجماعيّ الكيانيّ للطائفة المارونية في "المجمع اللبنانيّ" عام 1736.
قد يكون نافراً التذكير بمعركة عين دارة في مكان مفترض أن يكون للمتابعة السياسية اليومية. ليس في ذلك أدنى شكّ، إلا أنّنا نزعم أنّ وراء ذلك أموراً ثلاثة.
الأوّل أنّ إحياء الذكرى المئوية الثالثة لتلك الواقعة التأسيسية أهمّ من دوّامة "تقدّم تعثّر تسارع تباطؤ جمود معاودة" التشكيل الحكوميّ.
والثاني، أنّ العروج على هذا الحدث التأسيسي بابٌ للطرق على المسألة الكيانية. وهنا المفارقة، فقد بلغنا من الاستعصاءات الذروة. استعصاء السلاح الخارج على الدولة والميثاق والقانون. استعصاء أمر تشكيل الحكومة. استعصاء الحوار الوطنيّ. استعصاء احترام الأسس الجوهرية للنظام البرلمانيّ القائم على الفصل والتكامل بين السلطات. استعصاء الضمانات الإقليمية للاتفاقات التي أنتجت حلولاً توفيقية للبنان، سواء كان اتفاق الطائف أو صلح الدوحة.
إلا أنّه ورغم كل هذه الاستعصاءات، ورغم أنّ البلاد منقسمة منذ خمس أو ست سنوات بين حزبيتين ائتلافيتين، هما 8 و14 آذار، بالشكل الذي يمكنه أن يذكّر بحدّة الانقسام بين الحزبيتين القيسية واليمنية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلا أنّه ليس ثمّة "حسم" ممكن على طريقة معركة عين دارة. فالحسم في عين دارة كان حسماً توحيدياً للكيان اللبنانيّ، نقله من كيانية تنمو في إطار أحادية طائفية، إلى كيانية ثنائية طائفياً، بالشكل التمهيديّ للثنائية المسيحية الإسلامية في القرن العشرين، وفي ظلّ لبنان الكبير فـ"الجمهورية اللبنانية".
في المقابل، فإنّ تغنّي فريق 8 آذار بالعنف المسلّح القادر على الحسم لم يسهم إلا في جعل المسائل الخلافية مستعصية أكثر فأكثر، ثم ساهم في جعل كل المسائل خلافية، دون أن يكون بإمكان المشروع الهيمنيّ الفئويّ الذي يقوده فريق 8 آذار أن يفرض معادلته بالشكل الحاسم، ودون أن يكون بإمكان المتضرّرين من هذا المشروع أن يردّوه على أعقابه.
أمّا الأمر الثالث، فيتّصل بالمسألة المارونيّة. معركة عين دارة سنة 1711 حرّرت المسألة المارونية. سمحت للطائفة بأن تتجاوز الوجود الذمّي الطرفيّ لصناعة الوجود الكيانيّ التاريخيّ، ما احتاج لتاريخ صعب، عنيف في مفاصل عديدة، لكنه تراكميّ بمجمله، هو تاريخ النشأة الثنائية التعدّدية للفكرة الكيانية ثم الاستقلالية اللبنانية. لولا نتائج معركة عين دارة لما عظم التمازج الديموغرافيّ بين الموارنة والدروز برعاية من الشهابيين السنّة ثم المتنصّرين سرّاً، ولما كان لبنان هو لبنان.
يفترض بـ"المئوية الثالثة" أن تطرح نفسها إذاً على مكونات الجبل اللبنانيّ التاريخية بشكل أساسيّ. فأخطر ما يكون هو إعادة هذه المكوّنات إلى ما قبل لحظة "1711"، والعيش كلّ في ربعه، بتحصيل مكسب إداريّ هنا أو حماية عقار هناك، تحت حراب مشروع ولاية الفقيه، وعلى أساس غضّ النظر في أي من المسائل التي تعني بناء الدولة - الأمّة اللبنانية، تلك الدولة التي كانت معركة عين دارة إحدى اللحظات التمهيدية الضرورية لها.
لقد تطوّرت الفكرة اللبنانية بعد معركة عين دارة، وتطوّرت معها الطائفة المارونية، وكان أفق ذلك في القرن التاسع عشر هو الانتساب إلى مسيرة تحرّر الشرق من جهة، ومسيرة الاتصال بمقدّمات الحداثة السياسية والثقافية الغربية من جهة أخرى. فهل تكون الحلول المقترحة على مكوّنات الجبل اللبنانيّ، وتحديداً الموارنة، اليوم، هي بخلاف ذلك؟ انكفاء عن طرح المسألة الكيانية (أيُّ كيان قابل للعيش نريد وكيف ولماذا؟) وانكفاء عن طرح المسألة الشرقية " (أيُّ شرق نريد، كيف ولماذا؟)
وإنّه التحدّي بالنسبة إلى الموارنة اليوم.
فأن تكون "مارونياً - تاريخياً" يعني أن تنطلق في مقاربتك للقضايا من عمق تاريخيّ، أي من عمق أسست له معركة عين دارة من جهة والمجمع اللبناني الماروني من جهة أخرى. إنّه العمق الذي مهّد السبيل لطرح المسألة الكيانية اللبنانية، ومن ثمّ لطرح دور هذه المسألة الكيانية في إطار المسألة الشرقية بشكل عام. وهنا لا بد من تثمين ما طرحه النائب السابق فارس سعيد قبل يومين في مقالة له بجريدة "النهار" تحت عنوان "حتى لا يقال ربيع العرب خريف الموارنة".
وأن تكون "مارونياً لا تاريخياً" فيعني ذلك أن تكون مارونياً "متحفياً" أو قل مارونياً "ليتورجياً بيولوجياً" خارج السياسة والتاريخ، وبدلاً من طرح المسألة الشرقية من موقع كيانيّ، يصار إلى طرح مسألة "مسيحيي الشرق" كما لو كانوا "كائنات متحفية" تسوّغ لوجودها بدعوى الشهادة الرمزية على ماضي الحضارات التي سادت ثم بادت في المنطقة، ليس إلا!

وسام سعادة - المستقبل - الاثنين 6 حزيران 2011 - العدد 4018 - شؤون لبنانية - صفحة 2

0 تعليقات::

إرسال تعليق