الاثنين، 6 يونيو 2011

أبطال الفايسبوك

جيفري فيلتمان فعّال على نحو مدهش، وإذا قارنّاه بشبيبة الفايسبوك اللبنانيين والفلسطينيين، فسنقول إنه فعّال على نحو أسطوري. مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشوؤن الشرق الأدنى يجد متسعاً من الوقت لزيارة تونس ومصر وبنغازي والبحرين وبيروت، وفي بيروت يكفيه أن يلتقي بضعة أشخاص، كرئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وأن يعمّم على الكل أنّ الحدود من ناحية الجنوب يُفترض أن تبقى هادئة، وأن الأنظار يجب أن تتركز على الحدود الشمالية، وها هو الخامس من حزيران يمر كأنه لا نكسة ولا استعدادات، وكأنه لا شهداء في الخامس عشر من أيار، ولا من يُستشهدون.
بعد زيارة فيلتمان، يمكن القول إن الاشتباك الذي سبق أن وقع في العديسة بين الجيش اللبناني والعدو في الثالث من آب عام 2010 كان «مجرد خطأ تقنيّ».

السلطة السياسية المتمثّلة برئيس الجمهورية تتحمّل مسؤولية إمرة الجيش اللبناني، نظراً إلى استقالة الحكومة، ولم يكن متوقعاً من سليمان إلا الاستجابة بحماسة، وهو صاحب مأثرة تدمير مخيم نهر البارد، وتشريد 40 ألف إنسان. المفاوضات بين حزب الله ورئيس الجمهورية وصلت إلى جدار مسدود. عناد الرئيس مقابل محاولات ضغط ناعمة من الحزب. الجيش يتحمّل المسؤولية بدرجة أدنى من رئيس الجمهورية.

ربما يمكن لوم حزب الله، وحتى تحميله مسؤوليات أكبر من دوره، وتوجيه العديد من الاتهامات إليه، فقد اعتدنا الطلب من الحزب التصرف كأنه سلطة مطلقة، لكن موضوعياً يجب تحميل القوى الفلسطينية مسؤولية موازية بل أكبر من تلك التي يتحمّلها حزب الله، فهي في النهاية صاحبة القضية وممثلة لشعبها في المخيمات، وصاحبة المصلحة الأولى في التحرك، وخاصةً في الخامس من حزيران، حين ضاعت الأرض بعدما تمكنت الأنظمة العربية آنذاك من الإمساك بالملف الفلسطيني بمفردها، عازلةً القوى الفلسطينية والشعب، والمفتي أمين الحسيني، لكنّ الفصائل اليوم تعيش الخوف من الإمساك بالمبادرة. أما الشباب الفلسطيني المنقسم أكثر من انقسامات منظّماته، والموحّد حتماً تجاه قضيته في تحرير بلاده والعودة الى أرضه، فقد انفرز منه تجمّعان شبابيان: الأول عمل في مسيرة العودة في 15 أيار بإدارة ممثلين للفصائل، كانوا هم أيضاً يعملون بإدارة لجنة مخفية من حماس والجهاد وحزب الله، وتضم لجنة الشباب المستقلين.

لجنة الشباب هذه، التي شاركت في مسيرة العودة توهمت للحظات أنها بفضل الفايسبوك واجتماعاتها التي سادتها الفوضى أكثر من النقاش، استطاعت أن تحشد 35 ألف فلسطيني على الحدود، رغم أنها لم تتعب في توفير حافلة، ولا جمعت قرشاً واحداً. وهي اعتقدت أنها لمجرد إعلانها المضي في التحرك يوم الخامس من حزيران ستحتشد عشرات الألوف مجدداً، خارقةً كل التدابير الأمنية. الأنكى، أنها بعد اجتماعاتها المكثفة خلال الأيام الماضية، قررت أن تنصب خيمة على الحدود، وكفى، وأن تتجه إلى هناك عبر حافلات النقل العام، من دون تحضير أو إعداد. وكانت تنام في نعيم أحلام البطولة حين كان الجيش ليل أول من أمس يمنع الحافلات المدنية من التوجه إلى الحدود، في خطوة استباقية. بينما من هم أكثر وهماً كانوا مجموعة من الشبان الليبراليين الفلسطينيين، الذين يعتقدون على غرار زملائهم في لجنة الشباب أن النضال الفلسطيني يتمحور حول آرائهم السديدة، وأنه لا ضرورة للبحث في أساليب الضغط الفعالة على كل القوى، أو في تمركزهم وإنشائهم نواة صلبة ووزناً فعالاً قبل التوجه إلى مقارعة الفصائل والسلطة اللبنانية وقيادة تحركات على الحدود.

بمثل هؤلاء تتكرر النكسات إلى ما لا نهاية، وبداية التخلص منها تكون عبر أن يعي هؤلاء أنّ النضال الفلسطيني قام على حجم هائل من التضحيات، ويستمر بها، لكن أولاها تضحيات ذاتية، لا تحمل أوهاماً بطولية، وترتكز على العمل الحزبي والمباشر، لا على الفايسبوك وورش العمل، وأن من كان مستعداً يمكنه إعلان أيّ يوم بصفته يوماً للعودة، ويمكنه هزم سليمان وفيلتمان وإسرائيل، مقابل القدرة والاستعداد لدفع الثمن المناسب.

عدا ذلك فلكم كل أدوار البطولة على صفحات الفايسبوك.

فداء عيتاني: - الأخبار العدد ١٤٢٩ الاثنين ٦ حزيران ٢٠١١

0 تعليقات::

إرسال تعليق