الاثنين، 6 يونيو 2011

عبد ربه منصور يتسلّم السلطة بغطاء سعودي أميركي.. سيناريوهات ما بعد صالح

منصور إلى جانب صالح في القصر الرئاسي قبل أشهر (خالد عبد الله ــ رويترز)
غادر الرئيس علي عبد الله صالح على نحو درامي لم يكن متوقّعاً. ولم تُحدث هذه المغادرة فراغاً دستورياً، كما كان متوقّعاً بعد الحديث عن نقل صلاحياته إلى نائبه عبد ربه هادي منصور. وفيما لم تتخذ أحزاب المعارضة موقفاً واضحاً، تفرّغ شباب الثورة لإعلان فرحتهم برحيل بدا لهم مستحيلاً.

صنعاء | «هو في الطريق. سيصل الليلة. إنه قادم لتلقّي علاج طبي. نحن أقرب دولة ولدينا القدرات». عبارات مقتضبة وسريعة قالها مصدر إعلامي سعودي لوكالات الأنباء، قاطعاً الطريق أمام مصدر يمني رسمي يقيم في رئاسة الجمهورية بقي حتى ساعة متأخرة من ليل السبت ثابتاً عند تصريح يقول إن «الرئيس صالح بخير وبصحة جيدة، ولم يغادر إلى أي جهة خارج اليمن للعلاج».
لكن اتضح لاحقاً أنّ هذا التضارب في نهاية الأمر لم يكن سوى خطة لتأمين سلامة وصول علي عبد الله صالح إلى المملكة السعودية لتلقي العلاج من ثقل إصابات لحقت بجسده، جرّاء الهجوم الذي استهدف المسجد المُلحق بقصره الرئاسي، كان أبرزها «شظية طولها 7.6 سنتيمترات استقرت تحت قلب صالح مباشرةً».
وهو الهجوم الذي لم تقف، حتى اللحظة رواية واحدة ثابتة على ملابساته، حيث لم تصدر حتى الآن رواية تقول بما حدث على وجه الدقة، وما يمكن اعتماده روايةً رسمية يمكن الإمساك بها قرينةً بالإمكان السير عليها.
لكن حدوث كل هذا التضارب الرسمي جاء متزامناً مع حالة هدوء غير مسبوقة خلال الأسبوعين الماضيين عاشتها العاصمة صنعاء، واختفت فيها، إلى حد بعيد، أصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص المتبادل بين قوات صالح النظامية، والعناصر القبلية الموالية للشيخ صادق الأحمر.
وعلى نفس وتيرة الهدوء تلك أُعلن، عبر مواقع إخبارية تابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أنّ نائب الرئيس صالح، عبد ربه منصور هادي «قد بدأ ممارسة مهمّات رئيس الجمهورية». وعلى الفور توالت الأخبار التي تتحدث عن لقاءات عقدها نائب رئيس الجمهورية بالتزامن مع اتصالات هاتفية من أطراف إقليمية ودولية، من بينها اتصال جرى مع ولي العهد السعودي، الأمير سلطان بن عبد العزيز، وبُحثت خلاله الترتيبات القادمة لمرحلة ما بعد مغادرة علي صالح البلاد وتسليمه مهمّاته للأول، ما يعني وضوح تداخل دور سعودي أميركي في الخط البياني لكل تفاصيل يوم الجمعة الماضي.
ما يهم هنا من كل هذا أن ما قام به نائب الرئيس صالح هو من حيث الشكل أول إجراء دستوري يحدث في الجمهورية اليمنية منذ التمديد غير الدستوري لمجلس النواب اليمني بعد 27 نيسان الماضي. فقد مارس منصور صلاحياته بمقتضى ما أورده الدستور اليمني، الذي ينص في المادة 116 على أنه في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، أو عجزه الدائم عن العمل، يتولّى مهمّات الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد على ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس، تُجرى خلالها انتخابات جديدة للرئيس، وفي حالة خلو منصب رئيس الجمهورية ونائب الرئيس معاً يتولى مهمّات الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس النـواب. وإذا كان مجلس النواب منحلاً تحلّ الحكومة محل رئاسة مجلس النواب لممارسة مهمات الرئاسة مؤقتـاً، ويُنتخَب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يومـاً من تاريـخ أول اجتمـاع لمجـلس النـواب الجديــد، لكن من الواضح أن كل ما قاله نص المادة لا ينطبق بأي حال من الأحوال على الحالة القائمة، ووضع عبد ربه منصور هادي الذي بقي في منصبه نائباً للرئيس صالح منذ عام 1994 بتعيين شفهي ولم يصدر في شأنه قرار جمهوري. وهي حالة بدت، في أول الأمر متماشية مع تصريحات نشرتها مواقع إخبارية محلية، نقلاً عن مصادر في المعارضة أن هذه الأخيرة قد هددت باتخاذ إجراءات حاسمة في حال عدم تسلم نائب الرئيس مهمّات الرئيس خلال أربع وعشرين ساعة، كما قالت إنها ستعمل جاهدة على عدم عودة الرئيس صالح من رحلته العلاجية، لكن كل هذا لاقى نفياً من رئيس اللجنة التحضيرية لمجلس الحوار الوطني محمد سالم باسندوة، الذي أكد لـ«الأخبار» عدم صحة كل ما نُشر على لسان ناطقين باسم المعارضة، مضيفا إن «أحزاب المعارضة اليمنية ما زالت تتدارس الوضع من أجل التوصّل إلى قرارات تتماشى مع حساسية وضع البلد الحالي». ويبدو من الواضح، على الرغم من هذا النفي أنها لم تنتبه لعدم دستورية نقل سلطات الرئيس إلى نائب غير شرعي، وهو نقل يؤكد إصابة الرئيس صالح بعجز دائم لم يُحدَّد نوعه، لكنه واضح من نص المادة الدستورية التي تقول بظروف نقل السلطة، وهو نقل نهائي لا رجعة فيه إلى حين عقد انتخابات رئاسية مبكرة خلال ستين يوماً.
لكن في المقلب الآخر، ظهرت أسئلة كبيرة عن شباب الثورة اليمنية وأين هم الآن. قيل كلام عن فرصة قوية لاحت لهم جيداً لاستعادة ثورة ظهر أن سلميتها ومدنيتها قد تسربتا منهم بعد وقوع اشتباكات آل الأحمر وقوات صالح.
وفي الواقع فإن شباب الثورة اليمنية وقفوا منذ لحظة إعلان مغادرة صالح، الذين أصر حزب المؤتمر الشعبي العام على أنه سيعود بعد انتهاء علاجه، على أرضية لحظة تاريخية من حياتهم ولو كانت على هيئة نصف انتصار. فالثورة لم تنجز مهمتها بعد. غادر الرئيس علي عبد الله صالح ولم يتنحّ أو يسقط مباشرةً تحت هدير حركتهم المستمرة طوال أربعة أشهر، وعليه لم يعيشوا مثل تلك اللحظات التي عاشها أقرانهم في تونس والقاهرة، التماهي مع لحظة قراءة بيان التنحي في حالة مبارك أو إعلان الهروب في حالة بن علي، لحظة لم تُكتب لهم وإن كان في خبر مغادرة صالح أكثر من دافع وسبب لإعلان فرحتهم بما تحقق، وهو كثير بالقياس على ما كان يقال هنا وهناك، عن استحالة تنفيذ أيّ فعل ثوري في بلد معقّد بتركيبته المناطقية والقبلية كاليمن. وكل هذا جيد، لكن يبدو من المُلّح عليهم أن يبحثوا لأنفسهم عن دور مؤثر في سياق التطورات الحاصلة، لعل من أهمها تنفيذ ما جاء في سياق أهداف ثورتهم، وأبرزها التأسيس لدولة مدنية بعيداً عن تسلط الذهنية القبلية. وما لم يحدث هذا الفعل على نحو عاجل فإنهم سيجدون أنفسهم مكتفين بتوجيه الشكر إلى شظية طولها 7.6 سنتيمترات استقرت تحت قلب الرئيس صالح مباشرةً، وأجبرته على الرحيل.

جمال جبران: الأخبار العدد ١٤٢٩ الاثنين ٦ حزيران ٢٠١١

0 تعليقات::

إرسال تعليق