الثلاثاء، 3 مايو 2011

عدو لا وجه له


ليس من المبالغة القول إن تاريخ هذه الهجمات سوف يحفر في الذاكرة الجماعية للشعب الأميركي كما حفر تاريخ الهجوم ضد قاعدة بيرل هاربر الذي أدى إلى دخول أميركا في الحرب العالمية الثانية، وسوف يصبح حدا فاصلا بين ما سبقه من أمن نسبي للمواطن الأميركي، وما سيلحقه من مشاعر انعدام اليقين والقلق. ما يمكن قوله بكثير من الثقة هو أن الحياة في الولايات المتحدة لن تبقى على ما هي عليه بعد هذا الزلزال الإرهابي الأخير.

المشهد الإنساني الصاعق في نيويورك، وإلى حد أقل في واشنطن، سوف يبقى ماثلا أمام الأميركيين لوقت طويل: أفراد مذعورون يقفزون من الطوابق العليا لبرجي مركز التجارة الدولي، آلاف الجرحى الذين غطاهم الغبار الممزوج بالدماء يركضون في الشوارع على غير هدى، على خلفية عويل سيارات الإسعاف، وهي تسرع بين السيارات المحروقة، تحمل الضحايا الذين انتشلوا من تحت أطنان الإسمنت والحديد التي دفنت المئات وعلى الأرجح الآلاف تحت ركامها.

هذا المشهد الإنساني، لم يحجب الحقيقة السياسية المروعة أيضا والتي عكسها قرار الرئيس الأميركي جورج بوش بعدم العودة إلى البيت الأبيض من جولته في ولاية فلوريدا، وانتقاله إلى قاعدة عسكرية في ولاية لويزيانا، ثم إلى قاعدة أخرى في ولاية نبراسكا البعيدة لأن الشرطة السرية وغيرها من الأجهزة الأمنية لم تستطع ضمان أمنه في الساعات التي تلت الهجمات في قلب العاصمة واشنطن ويعتقد أن القلق من خلق الانطباع في البلاد وفي العالم من أن التفجيرات قد أثرت سلباً على الإرادة السياسية للحكومة الأميركية وشلت مؤسساتها، هو العامل الأساسي الذي دفع بالرئيس بوش لكي يقرر مساء الثلاثاء العودة إلى واشنطن، ليخاطب الأميركيين في خطاب متلفز ويؤكد لهم أن أميركا ستعاقب المسؤولين عن التفجيرات، وإنها لن تفرق بين منفذي الهجمات ومن يوفر لهم الملجأ.


الإرهابيون <<الجبناء.. الذين لا وجه لهم>> كما قال بوش حاصروا واشنطن، كما لم يحاصرها أي عدو خارجي من قبل، وأرغموا نائب الرئيس وقادة الكونغرس والوزراء البارزين إلى الانسحاب من المدينة واللجوء إلى أمكنة آمنة خارج العاصمة.

وحدها من بين جميع الديموقرطيات الغربية، الولايات المتحدة لم تشهد فوق ترابها الوطني حرباً دامية باستثناء الحرب الأهلية التي لا تزال الحرب الأكثر دموية في تاريخها. ولكن المدن الأميركية مثل واشنطن ونيويورك وشيكاغو ولوس أنجلس لم تقصف كما قصفت باريس ولندن وموسكو وبرلين. أجيال وأجيال من الأميركيين عاشوا في أمان من هذه الأخطار والويلات. وإذا زاد عدد الضحايا عن 2200 قتيل وهو عدد ضحايا هجوم بيرل هاربر، فإن ذلك يعني أن أميركا شهدت فوق أرضها أكبر كارثة عسكرية منذ معركة أنتيتام خلال الحرب الأهلية التي تعتبر اليوم الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة تجد نفسها الآن في مفارقة هائلة: القوة العظمى الوحيدة في العالم، والتي تسعى منذ وصول الرئيس بوش إلى الحكم إلى إقامة نظام دفاع صاروخي يقيها خطر هجمات الصواريخ التي تدعي أن بعض الدول <<المارقة>> يمكن أن تشنها ضد مدنها الكبرى، لم تستطع حماية أهم رموز هيبتها العسكرية ومكانتها المالية في نيويورك وواشنطن من صواريخ بشرية قامت بهجمات انتحارية في ثلاث طائرات مخطوفة، استخدم فيها مزيج من الأسلحة البدائية مثل السكاكين، والخبرات التقنية المتطورة التي مكنت الخاطفين من قيادة الطائرات إلى أهدافها بدقة مخيفة.

الأميركيون، ومن بينهم الرئيس بوش وغيره من المسؤولين والمحللين سارعوا إلى وصف الهجمات بأنها <<عمل حربي>> يقتضي رداً على المستوى الوطني. وهذه الدعوات تذكر بدعوات التعبئة العسكرية لتدمير اليابان بعد بيرل هاربر، ودعوات احتواء الاتحاد السوفييتي في بدايات الحرب الباردة، وتعبئة الجهود العلمية للفوز في سباق الفضاء بعد أن دشّن الاتحاد السوفييتي أول مركبة فضائية في نهاية الخمسينيات. وفي جميع هذه المواجهات السابقة، عندما وجدت أميركا أنها تواجه تحديا خارجيا ضخما، نجحت إما في هزيمته أو احتوائه. نيران وحرائق وضحايا نيويورك وواشنطن، سوف تصبح الرموز الأميركية الجديدة لتعبئة الأميركيين لشن الحرب المقبلة ضد <<الإرهاب>> بغض النظر عن الثمن. معظم عناوين افتتاحيات كبريات الصحف، ومقالات المحللين تحدثت عن <<الحرب ضد أميركا>> كما قالت <<نيويورك تايمز>> ودعت إلى تعبئة الصفوف في الداخل وبناء الائتلافات الدولية وتحويل قضية مكافحة الإرهاب إلى <<جوهر التخطيط الأمني القومي وعملياته>> كما قالت هذه الصحيفة. كما أن حالة الحرب هذه كما رأت افتتاحية صحيفة <<واشنطن بوست>> تقتضي وجود التزام وطني يحظى بدعم الحزبين <<لمهاجمة وهزيمة أعداء البلاد>>.

سوف تمر بضعة أيام قبل أن تستفيق الولايات المتحدة من صدمتها الأولية، وقبل ارتفاع الأصوات الداعية إلى الانتقام البارد والمتعمّد، ربما حتى قبل انتهاء التحقيقات الأولية. وعلى الرغم من عدم توجيه أصابع الاتهام على المستوى الرسمي إلى أي طرف حتى الآن، إلا أن التلميحات والتكهنات الأولى انحصرت بتنظيم أسامة بن لادن، الذي يرى الأميركيون أنه يواصل الحرب التي شنها ضدهم وتركت العديد من الضحايا في سفارتي دار السلام ونيروبي في 1998 والمدمّرة كول في ميناء عدن في تشرين الأول الماضي.. وإذا أظهرت التحقيقات بعض الأدلة، حتى ولو لم تكن دامغة، بشأن مسؤولية تنظيم بن لادن عن الهجمات، يتوقع المراقبون أن يقوم الرئيس بوش بتوجيه ضربات انتقامية عقابية هائلة، تكون متناسبة مع حجم النكسة الضخمة التي تعرّضت لها الولايات المتحدة بعد ثمانية أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض.

الأميركيون الذين توقعوا أن تأتيهم الهجمات الإرهابية من الخارج، والذين حذروا سفاراتهم ورعاياهم في الخارج من خطرها، وعبأوا مؤسساتهم العسكرية والاستخباراتية لدراسة هذا الخطر واحتوائه، صعقوا عندما جاءهم الإرهاب من الباب الخلفي واخترق دفاعاتهم الداخلية الضعيفة. الأميركيون سيتساءلون كيف يمكن احتواء خطر أسلحة التدمير الشامل لدى الدول <<الخارجة على القانون>>، بعد تعرض أميركا لهجوم استخدمت فيه طائرات ركاب مدنية كأسلحة تدمير شامل؟

ما يمكن قوله ببعض اليقين هو أن هجمات نيويورك وواشنطن، سوف تغيّر من نمط حياة الأميركي العادي، وتقيد من حرية تحركه وشعوره بالأمن، لأنه سيواجه تدابير أمنية متشددة وجديدة في المطارات، وسوف يكتشف إجراءات أمنية إضافية في مراكزه الفدرالية، والأهم من ذلك سيجد أنه لا المكانة الجديدة لأميركا كقوة عظمى وحيدة، ولا الدروع الفضائية التي يسعى بوش إقامتها، ستحميه من خطر عدو لا وجه له.

تسلسل الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة

شريط الهجمات التي تعرضت لها مدينتا نيويورك وواشنطن يوم الثلاثاء:

- 12:56 تغ: طائرة تصطدم بأحد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وتحدث فجوة كبيرة في الواجهة. وتنتشر سحابة دخان ضخمة من الطوابق العليا.
- 13:14 تغ: طائرة أخرى تصطدم بوسط البرج الثاني من مركز التجارة العالمي وتحدث انفجارا قويا بثته شبكات التلفزيون مباشرة. وكانت الطائرة الأولى وهي من طراز بوينغ 757 تقوم برحلة بين بوسطن ولوس أنجليس (رحلة رقم 11) وتقل 81 راكبا و11 من أفراد الطاقم. أما الطائرة الثانية وهي من طراز بوينغ 757 أيضا (رحلة 77) فكانت قادمة من واشنطن ومتجهة إلى لوس أنجليس وفيها 58 راكبا وستة من أفراد الطاقم.
واشتعلت طوابق عديدة من البرجين وتصاعدت منهما أعمدة كثيفة من الدخان في حين أخذت كتل الحطام تتساقط في الشوارع المجاورة وفي الساحة عند أسفلهما. وظل الحريق مشتعلا طوال ساعة في الطوابق العليا للبرجين مما منع رجال الإطفاء من التدخل، ثم بدأ البرج الأول ينفجر من الأعلى وانهار مخلفا سحابة هائلة من الغبار والدخان غطت جنوب مانهاتن برمته. وفي حين فرضت قوات الأمن طوقا أمنيا واسعا حول البرجين وأغلقت جميع مداخل جنوب الجزيرة, انهار البرج الثاني بفارق نصف ساعة عن الأول.
- 13:30 تغ: حصيلة أولية تتحدث عن سقوط ما لا يقل عن ستة قتلى وألف جريح.
- 13:40 تغ: الرئيس جورج بوش الذي كان يقوم بزيارة إلى ساراسوتا (فلوريدا) يعلن أن الأمر "يتعلق على ما يبدو باعتداء إرهابي".
- 13:50 تغ: إخلاء البيت الأبيض في واشنطن بعيد إخلاء وزارة الدفاع (البنتاغون).
- 13:53 تغ: إخلاء مبنى وزارة الخارجية الذي يقع في وسط واشنطن. كما أمرت قوات الأمن بإخلاء جنوب مانهاتن بكامله وطلبت من مئات الآلاف من العاملين في المنطقة أو المقيمين فيها بمغادرة المكان سيرا على الأقدام والتوجه شمالا. وأغلقت جميع الجسور والأنفاق التي تربط مانهاتن بأحياء نيويورك ونيوجيرسي الأخرى. وتوقفت حركة المترو الذي تعبر خطوط كثيرة منه تحت برجي مركز التجارة العالمي. وكانت شبكات الهاتف النقال وبعض خطوط
- 13:53 تغ: طائرة تجارية لشركة "أميركان إيرلاينز" تضرب مبنى وزارة الدفاع الأميركية بواشنطن على مستوى الطابق الأول.
- 14:00 تغ: سلطات الطيران المدني الأميركي تأمر بإلغاء جميع الرحلات التجارية في الولايات المتحدة.
- 14:42 تغ: وزير الخارجية الأميركي كولن باول الموجود في ليما, يلغي زيارته التي كان سيقوم بها الثلاثاء إلى كولومبيا ويعود إلى واشنطن.
- 14:50 تغ: شركة الطيران الأميركية "يونايتد إيرلاينز" تعلن في باريس أن إحدى الطائرات التي اصطدمت بمركز التجارة العالمية تابعة لأسطولها وهي من طراز بوينغ 737.
- 14:55 تغ: في واشنطن يعيق الحطام الحركة بوسط المدينة، وعدد كبير من المشاة يغادر منطقة البيت الأبيض.
- 15:17 تغ: رئيس بلدية نيويورك رودولف جولياني يطلب من النيويوركيين مغادرة جنوب جزيرة مانهاتن.
- 15:33 تغ: الإدارة الفدرالية للطيران المدني تعلن أنها "فقدت السيطرة" على طائرة أو عدة طائرات.
- 15:34 تغ: طائرة بوينغ 747 كانت تقوم برحلة بين شيكاغو ونيويورك تتحطم غرب بنسلفانيا بين نيويورك وواشنطن. وشركة يونايتد إيرلاينز تعلن إثر ذلك أن إحدى طائراتها تحطمت في بنسلفانيا.
- 15:38 تغ: شركة الخطوط الجوية الأميركية "أميركان إيرلاينز" تعلن بدورها عن خسارة طائرتين تجاريتين كانتا تقلان ما مجموعه 156 شخصا.
- 15:53 تغ: توقف رحلات السكك الحديد في شمال شرق الولايات المتحدة بين واشنطن وبوسطن.
-16:31 تغ: شركة يونايتد إيرلاينز الأميركية تعلن في باريس أنها فقدت طائرة ثانية من طراز بوينغ 767 (الرحلة يو آي 175).
الهاتف العادي قطعت مما جعل من الصعب على سكان نيويورك الاتصال بأسرهم وقد تملكهم القلق.
- 16:50 تغ: دعوة الحرس الوطني إلى تعزيز فرق الإغاثة وحفظ الأمن في نيويورك
- 17:30 تغ: الرئيس جورج بوش الذي توجه إلى لويزيانا بعد فلوريدا أعلن أن القوات المسلحة الأميركية في "حالة تأهب قصوى" ويتوعد "بملاحقة ومعاقبة المسؤولين عن الاعتداءات الإرهابية" في نيويورك وواشنطن.
- 17:50 تغ: رئيس بلدية واشنطن أنطوني ويليامز يعلن حالة الطوارئ في العاصمة الفدرالية لفترة غير محددة.
- 18:00 تغ: جميع أسواق البورصة الأميركية ستبقى مقفلة بعد الظهر.
- 19:20 تغ: الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان "يدين بشكل مطلق" الاعتداءات على الولايات المتحدة.
- 19:35 تغ: الاشتباه بتورط مجموعة أسامة بن لادن في الاعتداءات التي نفذت في الولايات المتحدة حسبما أعلن مسؤول أميركي طلب عدم كشف هويته.
- 19:36 تغ: الرئيس بوش يتوجه لأسباب أمنية "إلى مكان آمن" داخل قاعدة عسكرية في نبراسكا (وسط).
- 20:54 تغ: عمدة نيويورك رودولف جيولياني يعلن أن انفجار برجي مركز التجارة العالمي وانهيارهما أوقعا عددا مهولا من الضحايا من دون تحديد أرقام.
- 21:25 تغ: انهيار مبنى ثالث من 47 طابقا مجاور لمركز التجارة العالمي.
- 24:35 تغ: بوش يتحدث في كلمة متلفزة إلى الأميركيين عن وقوع آلاف القتلى، ويؤكد أن الولايات المتحدة لن تميز بين "الإرهابيين والذين يحمونهم". كما يعلن أن الأنشطة الفدرالية والاقتصادية ستستأنف بشكل طبيعي الأربعاء.

يوم من الإرهاب الأسود في أميركا

عاشت الولايات المتحدة أسوأ يوم في تاريخها منذ الهجوم الياباني على بيرل هاربر في عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية. فمنذ صباح يوم الثلاثاء، لم تتوقف وسائل الإعلام الأميركية وخاصة محطات التليفزيون عن بث أحداث كل من نيويورك وواشنطن.

فقد قامت طائرتان مدنيتان، ذكر أنهما مخطوفتان، بالاصطدام ببنايتي مركز التجارة العالمي في ضاحية مانهاتن بنيويورك وقامت طائرة ثالثة بالسقوط على مبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في ضواحي واشنطن العاصمة. فيما تحطمت الطائرة الرابعة في مكان لا يبعد كثيرا عن مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا.

وبعد ذلك قامت مصلحة الطيران المدني الأميركية بإيقاف حركة الطيران في البلاد. وأغلقت الحدود الأميركية مع جارتيها كندا والمكسيك لتصبح معزولة عن العالم.
مسؤولون أميركيون يشيرون بأصابع الاتهام لبن لادن

قال مسؤولون أميركيون إن هناك مؤشرات على تورط تنظيم القاعدة التابع لأسامة بن لادن في الحادث. وكان صحفي عربي قال إن بن لادن حذر بأنه وأنصاره سينفذون هجوما لم يسبق له مثيل على مصالح الولايات المتحدة لمساندتها لإسرائيل. بيد أن طالبان نفت تورطها وأسامة بن لادن بسلسلة الهجمات

وقال عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي إن من شبه المؤكد أن إسلاميين يقودهم بن لادن وراء الهجوم الذي تعرض له مركز التجارة العالمي في نيويورك.
وأضاف أنه يرجح وقوف جماعات موالية لبن لادن وراء الحادث.

وأوضح "تلقينا شخصيا معلومات بأنه يخطط لهجمات كبيرة للغاية على المصالح الأميركية، وتلقينا عدة تحذيرات من هذا القبيل. ولم نأخذها مأخذ الجد مفضلين أن نرى ما سيحدث قبل أن نعلن عنها".

وقال عطوان إن الشعور بالعداء لأميركا في الشرق الأوسط بلغ ذروته وإن الحكومات العربية المعتدلة أصبحت في موقف حرج بسبب ما ترى أنه انعدام الرغبة لدى بوش في قيادة محادثات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقال إن الحكومات العربية الأكثر اعتدالا كانت تناشد الإدارة الأميركية التدخل واستئناف رعايتها لمحادثات السلام ووضع حد للاعتداء الإسرائيلي لكن إدارة بوش خذلتها.
وذكر عطوان أن الولايات المتحدة إذا اقتنعت بأن بن لادن وراء الهجومين فربما ترد في أفغانستان حيث يعتقد أنه يختبئ. وقال إنه لن يفاجأ إذا أطلق الأميركيون صواريخ كروز على أفغانستان لأن بن لادن موجود فيها. وكان عطوان أجرى مقابلة مع بن لادن وله اتصالات وثيقة مع أنصاره
ونفى وزير خارجية حكومة طالبان الحاكمة في أفغانستان وكيل أحمد متوكل في مؤتمر صحفي عقده في كابل تورط حركة طالبان أو أسامة بن لادن بسلسلة الهجمات على مركز التجارة العالمي ووزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين.

وقال متوكل إن حكومة بلاده لا تؤيد الإرهاب وإرهاب الدولة وإنها ضد الجرائم التي تقترف بحق الإنسانية. ونفى أن يكون أسامة بن لادن على علاقة بالحادث قائلا إن بن لادن ليست له اتصالات بالولايات المتحدة.

وأكد متوكل أن حكومته لن تسلم بن لادن إلى الولايات المتحدة مهما حصل لأفغانستان. وأضاف أن الولايات المتحدة تتهم بن لادن لأن اسمه ورد عدة مرات في هجمات سابقة شنت ضد أهداف أميركية. وقال إن الوقت لم يحن بعد لتحديد اسم الجهة المسؤولة عن الحادث.

وأكد متوكل أن الدولة المنفذة للهجوم لابد أن تكون ذات إمكانيات أقوى بكثير من إمكانيات أفغانستان أو تنظيم القاعدة التابع لبن لادن.

وكان متحدث باسم حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان استبعد في وقت سابق أن يكون بن لادن مسؤولا عن الهجمات التي وقعت في الولايات المتحدة.

وقال عبد الحي مطمئن من مدينة قندهار بجنوب أفغانستان "ما حدث في الولايات المتحدة ليس مهمة يقوم بها أناس عاديون. قد تكون من عمل الحكومات.. أسامة بن لادن لا يمكنه عمل ذلك.. ولا نحن".

وأضاف "نحن لا ندعم الإرهاب.. وأسامة لا يملك القدرة.. ونحن ندين ذلك.. ربما يكون هذا من عمل أعداء من داخل الولايات المتحدة أو من عمل منافسيها الكبار.. أسامة لا يمكنه عمل ذلك"
وتطلب الولايات المتحدة القبض على بن لادن فيما يتعلق بتفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا عام 1998 في هجومين أسفرا عن مقتل 224 وإصابة أربعة آلاف آخرين.

وزعم متحدث مجهول لتلفزيون أبو ظبي في الخليج أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مسؤولة عن حادثي نيويورك لكن مسؤولا كبيرا في الجبهة الديمقراطية نفى أن يكون للحركة أي صلة بهما.

وأكد تيسير خالد عضو المكتب السياسي للجبهة في المناطق الفلسطينية أن الاتصال الذي تلقته قناة أبو ظبي غير صحيح قطعا.

وأضاف أن الجبهة الديمقراطية تعارض خطف الطائرات وتعريض أرواح المدنيين الذين لا علاقة لهم بالصراع في المنطقة للخطر.

ونفى الزعيم الروحي لحركة حماس أحمد ياسين أن يكون للحركة أي علاقة بسلسلة الانفجارات التي هزت مركز التجارة العالمي بنيويورك ووزارتي الدفاع والخارجية الأميركية بواشنطن.

وقال رئيس رابطة الكتاب السابق ورئيس تحرير صحيفة الوحدة الأردنية فخري قعوار إن "مجهولا يتحدث العربية بلكنة أجنبية تبنى في اتصال هاتفي مع الجريدة مسؤولية سلسلة الاعتداءات في الولايات المتحدة, وأكد أنها وقعت انتقاما لضحايا هيروشيما وناغازاكي".

وأضاف قعوار وهو نائب سابق أن المتحدث "لم يعط مزيدا من التفاصيل وبادر إلى إغلاق الهاتف". وأكد قعوار أن المتحدث أخذ هذا التبني على محمل الجد. يذكر أن الولايات المتحدة ألقت قبل 56 عاما قنبلتين ذريتين على هيروشيما في السادس من أغسطس/ آب وعلى ناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه مما أوقع مئات الآلاف من القتلى

صمت يوازي الفشل

أصابع الاتهام الموجهة إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية بالتقصير، تزايدت أمس وبرزت سلسلة طويلة عن دور الأجهزة، أو بالأحرى انعدام دورها، في توقع الهجمات على نيويورك وواشنطن.
مواقع الأجهزة الأمنية والعسكرية الأميركية على الإنترنت التي تعد بالعشرات، كانت أشد هدوءا مما ينتظر، على الرغم من أنه لا ينتظر من أجهزة الاستخبارات تقديم معلومات وافرة عن الهجمات بصورة لا تتوافق مع الطابع السري لنشاطها، لكن الغريب فعلا أن تغيب أي إشارة إلى الأحداث على مواقع هيئات تخصص موازنات كبيرة نسبيا للعلاقات العامة والإعلام.

وكالة الاستخبارات المركزية التي يتناولها القسم الأكبر من الانتقادات والاتهامات، لم يذكر موقعها التفجيرات، وحمل آخر تحديث لصفحة الأخبار على الموقع تاريخ آب الماضي. أما موقع مكتب التحقيقات الاتحادي فاكتفى بالإشارة إلى تخصيص موقع جانبي لتلقي المعلومات التي يمكن أن تفيد في تحديد هوية المهاجمين.

التناول الأوسع كان على شبكة <<ديفانس لينك>> التي تضم مواقع القوات المسلحة الأميركية بكل فروعها وهيئاتها. لكن اتساع هذا التناول يبقى نسبيا، إذ أنه اقتصر على عدد محدود من بيانات وزارة الدفاع تؤكد على استمرار العمل لرفع الأنقاض في مقرها الذي استهدفته إحدى الطائرات وإنقاذ الضحايا ودور الجيش في التخفيف عن المصابين وتقديم المساعدات لهم.
ومما تقدم يبدو أن أجهزة الاستخبارات التي اتهمت بالفشل في توقع الهجمات ربما تكون قد قررت إتباع سياسة التجاهل الكامل حتى ظهور خيوط في التحقيقات تقود إلى المذنب.

اللغط المحيط بأداء أجهزة الاستخبارات ربما لا يكون السبب الوحيد في الصمت المخيم على مواقعها، فكبرى وسائل الإعلام المتخصصة في تغطية الأحداث الساخنة، أصيبت بالإرباك وهي التي تعتمد على صحافيين متخصصين في استقصاء التطورات الميدانية، لذلك فباب التفسيرات يبقى مفتوحا أمام التكهنات حول أسباب الصمت.

إذا كانت مهنة الاستخبارات تتطلب قدرا من الصمت فإن الفشل في أداء هذه المهنة قد يضاعف أسباب السكوت.

مواقع:

وكالة الاستخبارات المركزية /http://www.cia.gov

مكتب التحقيقات الاتحادي http://www2.fbi.gov/

مركز الإنترنت للشكاوى من التزوير المخصص لتلقي المعلومات http://www.ifccfbi.gov/complaint/terrorist.asp

شبكة مواقع وزارة الدفاع /http://www.defenselink.mil

قيادة الاستخبارات وأمن القيادة في الجيش /http://www.vulcan.belvoir.army.mil

جهاز الأمن السري /http://www.treas.gov/usss

أخطر الهجمات التي شهدها العالم منذ 25 عاما

في ما يلي اخطر الهجمات التي شهدها العالم في السنوات ال25 الأخيرة:

13 آب/أغسطس 1978
مئتا قتيل في اعتداء على مبنى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت.

20 آب/أغسطس 1978

أكثر من 400 قتيل في اعتداء على دار للسينما في مدينة عبدان الإيرانية.

23 تشرين الأول/أكتوبر 1983

عمليتان بشاحنتين مفخختين في بيروت تضربان مقر مشاة البحرية الأميركية (241 قتيلا) ومركز قيادة الكتيبة الفرنسية (58 قتيلا) في القوة المتعددة الجنسيات المتمركزة في لبنان.
23 حزيران/يونيو 1985

طائرة من طراز "بوينغ 747" تابعة للخطوط الجوية الهندية في رحلة بين تورونتو وبومباي وعلى متنها 329 شخصا تتحطم في بحر ايرلندا. لمينج أي من الركاب. وتوصلت لجنة حكومية هندية للتحقيق إلى أن ناشطين من السيخ نفذوا الاعتداء.

21 كانون الأول/ديسمبر 1988

انفجار طائرة من طراز "بوينغ 747" تابعة لشركة الطيران الأميركية "بانام" في رحلة بين فرانكفورت ولندن ونيويورك فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية يسفر عن مقتل 270 شخصا هم ركابها ال259 وبينهم 189 أميركيا، و11 شخصا على الأرض.
توصل المحققون إلى أن الانفجار نجم عن عمل إرهابي.
10 آب/أغسطس 2001

حركة التمرد الأنغولية الحركة الوطنية من اجل استقلال أنغولا التام تنفذ عملية ضد قطار في إقليم كوانزا الشمالي.

قتل في هذا الهجوم 260 شخصا وجرح أكثر من مئة آخرين.

ستون عاما بين أكبر هجومين تعرضت لهما الولايات المتحدة

لا يشابه الكارثة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية اليوم في حجمها وتداعياتها إلا تلك التي حدثت قبل ستين عاما وبالتحديد في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 1941 حينما باغتت طائرات -من الأسطول البحري الياباني بلغ عددها 105 طائرات- وحدات الأسطول البحري الأميركي الراسي في ميناء بيرل هاربر في قاعدة بيرل هاربر البحرية بجزر الهاواي وقتلت 2280 جنديا وجرحت 1109 آخرين كما قتل في ذلك الحادث 68 مدنيا وتعطلت حوالي نصف السفن البحرية العاملة بالإضافة إلى ثلاثة طرادات وثلاث مدمرات وبعض القطع الصغيرة الأخرى.

وكان رد الفعل الأميركي عنيفا وسريعا فقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية الحرب على اليابان في اليوم التالي مباشرة واستخدمت لأول مرة القنبلة الذرية على هيروشيما ونغازاكي وقتلت ما يزيد عن 221893 يابانيا وكانت سببا في هزيمة اليابان وانتهاء الحرب عام 1945.
ثم توالت الهجمات بعد ذلك اعتراضا على سياسة الولايات المتحدة الأميركية في بعض الأماكن من العالم منها على سبيل المثال:

* ما تعرضت له في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 حينما احتجز بعض الطلاب الإيرانيين 52 أميركيا في السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوما قبل أن يطلق سراحهم بعد مباحثات سياسية تمت بين الإدارة الأميركية والخاطفين.

* وقد شهد عام 1983 ثلاث هجمات راح ضحيتها 273 أميركيا، ففي الثامن عشر من أبريل/ نيسان 1983 في بيروت وقعت عملية فدائية أودت بحياة 17 أميركيا من خلال تفجير سيارة مفخخة.
* وفي بيروت أيضا قتل 241 من البحارة الأميركيين إضافة إلى 58 من المظليين الفرنسيين في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 1983.

* وانتقلت الهجمات على الأميركيين إلى الكويت حيث فجرت سيارة مفخخة أمام السفارتين الفرنسية والأميركية هناك أدت إلى مقتل خمسة وجرح 86 آخرين وقد اتهمت جماعة شيعية في هذا الحادث.

* وفي العام التالي عادت بيروت إلى بؤرة الأحداث حيث أعلن في العشرين من سبتمبر/ أيلول 1984 عن مقتل 16 أميركيا وإصابة السفير الأميركي بجراح من خلال سيارة مفخخة انفجرت أمام ملحق السفارة الأميركية في بيروت الشرقية.

* وتعرضت طائرة أميركية من طراز بوينغ 727 في الرابع عشر من يونيو/ حزيران 1985 للاختطاف على أيدي جماعة لبنانية شيعية وقتل أحد أفراد طاقمها واحتجز على متنها 39 أميركيا لمدة 16 يوما إلى أن أطلق سراحهم بعد وساطة سورية.

* وفي عام 1985 كذلك قتل يهودي أميركي بعد اختطاف السفينة الإيطالية إيكيللي لاورو.

* وفي مطار كراتشي بباكستان اختطفت طائرة تابعة لشركة بان أميركان كان على متنها 358 راكبا وقتل أثناء محاولة إطلاق سراح المختطفين بالقوة 20 راكبا.

* ثم كانت الضربة الموجعة حينما انفجرت طائرة تابعة لشركة بان أميركان أيضا في الحادي والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 1988 فوق بلدة لوكيربي في اسكتلندا كانت متوجهة من لندن إلى نيويورك، وقتل في تلك الحادثة 270 شخصا من الركاب ومن أهالي البلدة التي سقط فوقها حطام الطائرة.

* وفي مبنى التجارة العالمي في نيويورك قتل ستة أشخاص عام 1993 وجرح ألف آخرون بعد تفجير وقع في مكان للانتظار أسفل المبنى واتهم فيه ستة إسلاميين من بينهم الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية في مصر وقد حكم عليهم بالسجن مدى الحياة.

* وكانت حادثة تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما في التاسع عشر من أبريل/ نيسان 1995 والذي راح ضحيته 168 وجرح 500 آخرون، وقد وجهت التهمة في البداية إلى العرب والمسلمين لكن ثبت بعد ذلك أن الجاني جندي سابق في الجيش الأميركي يدعى تيموثي ماكفاي الذي نفذ فيه الحكم بالإعدام قبل ثلاثة أسابيع.

* وقتل خمسة أميركيين في انفجار مبنى تابع للقوات الأميركية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية في الثالث عشر من نوفمبر/ تشرين الأول 1995.
* وفي العام التالي (1996) وفي المملكة العربية السعودية أيضا قتل 19 أميركيا في مساكن الخبر في مدينة الظهران وجرح في ذلك الحادث مئات آخرون.

* وكانت التفجيرات التي تعرضت لها سفارتا الولايات المتحدة في نيروبي بكينيا ودار السلام في تنزانيا في توقيت واحد عام 1998 وسقط فيها 224 قتيلا وجرح آلاف آخرون ووجهت أصابع الاتهام آنذاك إلى المعارض السعودي المقاوم للوجود الأميركي بالخليج أسامة بن لادن رغم نفي الأخير صلته بالحادث.

* أما الهجوم الأخير الذي تعرضت له الولايات المتحدة قبل الكارثة التي منيت بها اليوم فقد كانت مياه ميناء عدن في اليمن مسرحا له حيث انفجر قارب مفخخ بالمدمرة الأميركية يو إس إس كول وأدى إلى مقتل 17 بحارا في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الثاني عام 2000، اتهمت الولايات المتحدة فيها كذلك أسامة بن لادن ولا تزال تحقيقاتها جارية حتى الآن.

* وأخيرا في اليوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وفي سلسلة من الهجمات المنظمة استعملت فيها طائرات مدنية مختطفة تابعة لشركة أميركان إيرلاينز أصابت أماكن حيوية مثل مبنى التجارة العالمي الذي دمر برجاه بالكامل والذي يعتبر رمزا للاقتصاد الأميركي، ووزارة الدفاع (البنتاجون) التي تعتبر كذلك رمزا للقوة الأميركية مما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة لم يتم حصرها بعد.

البنتاغون.. حصن أميركا الذي انهار

استهدف أحد الانفجارات التي هزت الولايات المتحدة مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الذي يعتبر أحد أكبر المباني الإدارية في العالم إذ يعمل فيه ما لا يقل عن 23 ألف موظف من العسكريين والمدنيين. وقد انهار جزء كبير من هذا المبنى نتيجة الانفجار.

وتبلغ مساحات مواقف سيارات موظفي البنتاغون حوالي مائتي أكر تكفي لإيواء 8770 سيارة في 16 موقفا. أما مساحة مكاتب البنتاغون فتبلغ 3.705.793 مترا مربعا. وتنشر مكتبة البنتاغون أكثر من ثلاثمائة ألف مطبوعة و1700 مجلة بمختلف اللغات
وقد بنيت وزارة الدفاع الأميركية خلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية على أرض يباب تلقى فيها النفايات. وقد انتهى بناء الوزارة في 15 يناير/ كانون الأول عام 1943. وبلغت كلفة البناء التقديرية آنذاك 83 مليون دولار

يضم مبنى <<البنتاغون>> الذي اشتعل أمس الأول بعد أن هزه انفجار، في واشنطن، مقر وزارة الدفاع الأميركية.

شُيد البنتاغون الذي يدل مظهره على التقشف بلونه الرمادي ويعمل فيه 25 ألف شخص، خلال الحرب العالمية الثانية ليبقى لفترة طويلة أكبر مبنى في العالم. وهذا المبنى أكبر بثلاث مرات من مبنى <<إمباير ستايت>>، بينما ما زال إلى اليوم صاحب الرقم القياسي في أكبر سقف لمبنى واحد في العالم.

وفي البنتاغون المرتبط بالتأكيد بالبيت الأبيض، تتقرر السياسة الدفاعية للولايات المتحدة، وفيه تعمل هيئة الأركان وأجهزة سلاح الجو الأميركي والبحرية وسلاح المشاة الأميركيين.
ومع أن المبنى يبلغ عمره أكثر من خمسين عاماً، فهو ما زال يضم عدداً من الأسرار في قطاعات مغلقة أو تحت الأرض. وفي هذه القطاعات فروع لوحدات الاستخبارات والغرفة التي يعقد فيها وزير الدفاع وأبرز مساعديه اجتماعات حساسة حول مواضيع دقيقة ويطلق عليها اسم <<الدبابة>>.

ويؤكد الطيارون أنه من الصعب أيضا ضمان الأمن المطلق داخل الطائرات.
وأوضح طيار آخر "في أوروبا، يسهل الدخول إلى قمرة القيادة. فالقانون الدولي يفترض أن يقوم المضيف بتفقد القمرة كل ربع ساعة للتأكد من حسن سير الأمور. وفي الولايات المتحدة يتم إغلاق باب القمرة ويتصل المضيف بالطيار حتى يفتح له الباب".

ويضيف "في الحال الأخيرة، إذا طلب المضيف فتح الباب وهو تحت التهديد، لا يمكن للطيار أن يعرف ذلك وسيفتح الباب. وعلاوة على ذلك، فإن وضعية الطيار لا تتيح له الدفاع عن نفسه".
ويقول غي فيرير "كل شيء هش داخل الطائرة. بدفعة كتف يمكن الدخول إلى القمرة. إذا تم التفكير في وضع أبواب وجدران مصفحة في الطائرات، قد يستغرق الأمر عشر سنوات".

وإضافة إلى ذلك فإن الباب المصفح والمغلق بحيث يسد المدخل إلى القمرة قد يكون خطيرا في حال وقوع حادث، أو أصيب الطيار بوعكة أو شيء آخر.
ويقول طيار آخر "ربما ينبغي وضع رجل امن مسلح في القمرة يكون مزودا بأمر إطلاق النار في حال لزم الأمر لحماية الطيار".

ويتفق الطيارون على أنه من غير الضروري أن يكون الخاطفون محترفين حتى يصدموا طائرة بمبنى بحجم برجي مركز التجارة العالمي، عندما تكون الطائرة في الجو.
ويقول غي فيرير "ما إن تصبح الطائرة في الجو لا يعود التحكم بمسارها صعبا. لا يحتاج المرء إلى شهادة طيار ليقوم بذلك، ليس امرأ خارقا. تكفي عشرون ساعة في أي نادي للطيران لتعلم قيادة طائرة صغيرة".

ويؤكد طيار آخر أن "السيطرة على طائرة في الجو ليس امرأ شديد الصعوبة. يمكن تعلم قيادة طائرات بوينغ عبر الإنترنت من خلال برامج محاكاة التحليق. وما إن تصبح الطائرة في الجو وتكون حيثيات التحليق قد ضبطت، لا تعود هناك حاجة سوى للتوجه قدما نحو هدف كبير، ليست هناك حاجة لأن يكون الطيار متدربا على قيادة مقاتلة ليحقق هدفه".

ويضيف مدرب طيار وطيار سابق في شركة "أوتا" طلب كذلك عدم الكشف عن اسمه أن كل شيء يتوقف على توقيت عملية السيطرة على الطائرة. ويوضح "في حال سيطر الإرهابيون على الطائرات في وقت مبكر، وهو ما اعتقده، فهذا يعني أنهم محترفون أو على الأقل هم على دراية كافية في مجال الطيران".

صنع في أميركا: بن لادن من بطل "كيسنجر" إلى إرهابي "بوش"

ارتبط اسم أسامة بن لادن بظاهرة الأفغان العرب التي صنعتها لعبة أمم كبرى لا تقل في حجم أطرافها إقليمياً ودولياً وما أنفق فيها من أموال عن تلك اللعبة التي ترتب عليها تفكك الاتحاد السوفيتي، وكلتا اللعبتين تجمعهما عدة قواسم مشتركة، إذ أن البطل الرئيسي فيهما هو "رامبو" الشهير بالاستخبارات المركزية التي قرر قادتها فجأة عام 1979 أن يكونوا حماة للإسلام ومدافعين عنه حتى ولو كان ذلك في أفغانستان، فساهموا مع عدة جهات رسمية وخاصة في إذكاء المشاعر الدينية لدى الملايين من أبناء العالم العربي واستثمار هذا الأمر في الدعوة للجهاد ضد العدو الشيوعي الذي احتل أفغانستان وتدفقت الأموال والأسلحة من الغرب "والغيورين على الدين " وشارك الجميع في تهيئة مناخ الهوس واستلاب أدنى درجات العقل والمنطق لدرجة أن رأى العالم العربي رجلا فلسطينياً مثل عبد الله عزام يحشد كل طاقاته وقدراته ويوظف كل علاقاته وخبراته في "الجهاد" ضد الغزو الروسي لأفغانستان وكانت فلسطين بلاده المحتلة وأرضه المغتصبة هي الأولى بهذا الجهد وذلك الجهاد، لكن في ظل تدشين وعى جديد يقوم على النفخ في النعرات المذهبية تارة والطائفية أو العرقية تارة أخرى تبدلت مفاهيم الوطنية والمواطنة لتحل محلها منظومة جديدة من المعايير فأصبح الدين أحد أدوات جهاز الاستخبارات الأميركي الذي أصبح بذلك المسلك الوريث التاريخي لخبرات أجهزة الاستعمار البريطاني التي سبق لها أن زرعت الأشواك والألغام الطائفية والمذهبية في مستعمراتها السابقة قبل أن تحمل عصاها وترحل من العالم العربي أو من الهند أو غيرها، والحديث عن عبد الله عزام ضروري باعتباره الأب الروحي لأسامة بن لادن وهو أيضاً أول من أقنعه بالسير في هذا الطريق الذي تفوق فيه على أستاذه، وهذا بدوره يسوقنا للحديث عن شخص آخر ربما يجهله الكثيرون وهو "أحمد بن عرفان" أستاذ عبد الله عزام والمؤسس الفكري والحركي الأول للأصولية الأسيوية التي ظلت تفرز فيما بعد جماعات متطرفة بدءاً بالحزب الإسلامي الأفغاني مروراً بجبهة مورو وانتهاء بعصابات الطالبان، وكان عرفان قد تزعم في مطلع هذا القرن عدة آلاف من أتباعه الخارجين من عباءة المودودي الفقهية ودفعهم تحت رايته لصراع تضافرت فيه المشاعر القومية بالمشاعر الدينية ضد الهندوس والبوذيين، وكاد أن يحقق حلمه بتأسيس كيان سياسي مستقل آنذاك لولا اشتعال الصراع بين رجال القبائل الأمر الذي أودى بما حققه من انتصارات، وأقحمه دائرة الحرب الطائفية والقبلية وانتهز الإنجليز الفرصة فأججوا نيران الفتنة بينهم حتى تحطم الجميع.

* ونعود إلى عام 1979 ميلادية حينما انبرى الجميع يناشد المسلمين في كافة بقاع الأرض للمشاركة مع إخوانهم الأفغان في الجهاد المقدس ضد الكفار الروس وتوافدت أعداد غفيرة من الشباب العربي بعضهم حسن النية وأغلبهم من الضالعين في الإرهاب ، ولسبب أو آخر سمحت لهم السلطات الباكستانية بإنشاء معسكرات على أرضها، وبالقرب من حدود أفغانستان وقدمت لهم كل التسهيلات من الأسلحة والمؤن والتدريب ووفرت لهم الحماية القانونية والسياسية أيضاً، ولأن الطريق إلى الجحيم محفوف بالنوايا الطيبة فقد اندفع الشباب إلى هناك حيث كان يتم استقبالهم فيما يسمى "بيوت الضيافة" وهى بيوت أعدت خصيصا لاستقبال القادمين الجدد إلى ساحة الجهاد وهى فكرة تحقق عدة أهداف في آن واحد منها التحقق من ولاء القادمين الجدد وتحديد قدرة كل منهم على حدة، وضمان عدم اقتحامهم غمار العمليات العسكرية حتى تتم تهيئته فلا يصطدم بالحقائق المفزعة بشكل مفاجئ، ولا يكتشف ما يدور بداخل المعسكرات ثم يقرر العدول أو التراجع.

* وأبرز بيوت الضيافة التي أعدت لاستقبال الشباب القادمين من الأقطار العربية عامة في بيشاور هما بيتان اثنان، الأول يعرف "بيت الأنصار" والثاني يعرف "بيت القاعدة"، وقد أنشأهما شخصان أحدهما من قيادات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وهو الفلسطيني عبد الله عزام والثاني هو أسامة بن لادن واللذان يشكلان حلقة الوصل بين جماعة الإخوان والجماعات الراديكالية الأخرى في الجبهة الأفغانية، وسنأتي لدورهما بالتفصيل فيما بعد

وبيت الأنصار عبارة عن بناية مكونة من طوابق ثلاثة يحيطها سور مرتفع له باب حديدي ويتكون الطابق الأرضي من عدة غرف أعدت لتكون مكاتب للمسؤولين عن إدارة البيت أو الاتصال بالفصائل الأخرى في المعسكرات أو الجبهة الأفغانية، أما الطابقان الثاني والثالث فأشبه بالنزل أو "البنسيون" الذي يضم غرفا كثيرة متراصة وبها حمام جماعي ملحق بها، وبداخلها عدة أسرة وشرفة وهناك مطبخ كبير مشترك، وبيت القاعدة يشبه إلى حد كبير بيت الأنصار ويختلف عنه بأن عدد الغرف به أقل من الآخر، ويستقبل بيت الأنصار الشباب القادمين في الشهور الثلاثة الأولى من وصولهم حيث يجرى تدريبهم رياضيا في الصباح وفى المساء يتلقون المحاضرات ويحضرون الندوات التي تؤصل داخلهم مفاهيم التطرف والإذعان ومنطق السمع والطاعة

* وبعد أن ينهى الفرد هذه المدة في بيت الأنصار ينظر في أمر كل منهم على حدة وعادة يذهب إلى بيت القاعدة وهى مرحلة انتقالية بين حياة المعسكرات والجبهة الحقيقية وتستغرق عادة فترة زمنية لا تتجاوز شهرا حيث يتم تدريب الفرد على الأسلحة بأنواعها الخفيفة والدفاعية والهجومية وفك وتركيب أجزائها والتعامل مع المفرقعات والقنابل اليدوية وقواعد الحرب الخاطفة من شارع لآخر ومن موقع لغيره، وبعد ذلك يتم ترحيل الشاب إلى المعسكرات كل "حسب جنسيته"، وسنكتفي هنا بالحديث عن معسكر المصريين الذي قام بإنشائه والإشراف عليه حينئذ محمد شوقي الإسلامبولى ومصطفى حمزة ويعرف بمعسكر "صدى" ويقع على قمة جبل داخل الأراضي الأفغانية وتبلغ مساحته حوالي أربعة كيلومترات مربعة تقريبا وبداخله قرابة خمسين مخيما ومخزن للأسلحة والذخائر والمفرقعات بأنواعها، ومخزن آخر للأغذية وثالث للمهمات ورابع يستخدم كخزان للوقود وحينما يصل الفرد للمعسكر يتم صرف ملابس القتال له وهى عبارة عن جاكيت طويل وبنطلون قصير وحزام جلدي عريض وعمامة للرأس وجراب للسلاح والذخيرة، ومن الجدير بالذكر هنا أن عمر عبد الرحمن لم تفته هذه الفرصة بدون فتوى فقد شرع بضرورة أن يتدرب الشباب على استعمال السلاح وحرب المدن وطرق القتال والدفاع ما دام قد قرر الالتحاق بالجهاد في أفغانستان وأن رفض هذا التدريب أو التواني فيه يحرم الفرد إذا أصابته المنية من شرف الشهادة ويعتبر قتيلا لا يرتفع لمنزلة الشهداء (فالاستشهاد مرهون بالاستعداد )على حد تعبير فتوى إمام الإرهاب وهى إحدى فتاواه الخاصة بالجهاد وما ينبغي عمله في الجبهة الأفغانية.
غايته الحقيقية مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين من خلال شخص الفلسطيني عبد الله عزام الذي لعب دوراً بالغ الخطورة في حياته كما سيأتي فيما بعد، ولا سيما أثناء الحرب الأفغانية حينما عهد إليه بأمر استقدام قوافل المتطرفين من كل صنف ولون إلى أفغانستان ولو كلفه الأمر إنفاق ملايين الدولارات من جيبه الخاص لتمويل عملية التسفير من وإلى بيشاور ليجاهدوا الكفار والمشركين ليس في أفغانستان وحدها بل في كل بقاع المعمورة.. من السودان إلى الشيشان00ومن الجزائر إلى البحرين.. ومن هامبورج إلى نيويورك وواشنطن.

* وفى البداية فإن أسامه سليل الأسرة الثرية الذي لم يكن يعرف سوى لغة الأرقام والحسابات المصرفية وعمليات البناء والمقاولات شأنه في ذلك شأن بقية أفراد أسرته الذين كانوا قد أسسوا معاً فرعا لمؤسسة "بن لادن" في فيلا بالقاهرة تحمل رقم 19 شارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين الراقي بالقاهرة،ولكن مع بداية الغزو السوفيتي لأفغانستان والحملة الدعائية الضخمة لدعم المجاهدين بزغ نجمه في أعقاب افتتاحه بيت ضيافة في جدة أطلق عليه اسم "بيت الأنصار" وأطلق على القادمين إليه "المهاجرين".

وعن الوصول إلى بيت الأنصار - وحسب ما رصدته أجهزة الأمن حينئذ – فقد كان يتم من خلال عدة طرق كلها تبدأ بأسامة بن لادن الذي تفرغ لرعاية آلاف القادمين من كل البلدان العربية والإشراف على عملية تسفيرهم إلى بيشاور.

كل الطرق تؤدى إلى بيشاور

* الطريق الأول الذي كان يمر بفرع مؤسسة بن لادن في العديد من العواصم العربية، والتي كانت تقوم بتسفير أعداد كبيرة من العمال للعمل في شركات المقاولات التابعة للمؤسسة، ويندس وسط هذه الأفواج من العمال عناصر من المتطرفين الهاربين من متابعة أجهزة الأمن التي كانت ترى في رحيلهم حينئذ فرصة للتخلص منهم وكما تشير المعلومات فإن إحدى تأشيرات الدخول كانت جماعية وتم من خلالها تسفير 200 عامل معظمهم من العناصر المتطرفة المنتمين لتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية وغيرهما.

* أما الطريق الثاني فقد كان من خلال مكاتب الإغاثة في العديد من البلاد العربية أيضاً والذي لم يكن معترفاً بمعظمها رسمياً من جانب السلطات لاعتراض أجهزة الأمن بها على أنشتطها داخل البلاد وقتئذ، وقيامه بتسفير أعداد من المتطرفين إلى الخارج للعمل في مكاتب الإغاثة في بيشاور، والتي وصل عددها على مستوى العالم 112 مؤسسة بين مستشفيات ومراكز طبية، كما أن مؤسسة بن لادن - وعبر مكاتب الإغاثة -كانت تدعم 15 مؤسسة صحية عالمية كلها تعمل في بيشاور وتقبل المتطرفين القادمين للجهاد للانخراط في صفوفها، وقد بلغ عددهم حينذاك أكثر من 700 عربي و 200 مصري على رأسهم محمد شوقي الإسلامبولى الذي صدر بحقه فيما بعد حكم قضائي بالإعدام في القاهرة، والذي كان يعيش في جلال أباد داخل أفغانستان وقد بلغت ميزانية مكاتب هيئة الإغاثة حينئذ 45 مليون ريال سعودي وفقا لاعترافات أحد المتهمين عقب عودته من بيشاورعام1994

* ويبقى الطريق الثالث الذي يمر من خلال بيت الأنصار في بيشاور - والذي أسسه أسامة بن لادن والشيخ الفلسطيني عبد الله عزام - يمر بمكتب رابطة العالم الإسلامي في مصر، والتي كان يرأسها حينئذ الدكتور عبد الله عمر نصيف، والذي ظل يحاول الحصول على ترخيص لمباشرة نشاط رسمي داخل مصر وقد رفضت أجهزة الأمن المصرية منحه الترخيص رغم إلحاح الشيخ وائل جليدان مسؤول الرابطة في بيشاور على فتح مكتب القاهرة للمساهمة في تسفير المزيد من الشباب - ولهذا الأخير باع طويل في رعاية الإرهاب كما سيتضح فيما بعد -وكان قد ترك دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية ليتفرغ لإقامة مكاتب الرابطة وغيرها في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي.

* ووفقاً لما رصدته أجهزة الأمن المعنية وقتئذ فإن فلم يكن ما تنفقه مؤسسة "بن لادن" لرعاية المتطرف الواحد أثناء سفره إلى بيشاور يزيد على 300 دولار فقط يحصل منها المتطرف على 180 دولارا قبل سفره من فرع المؤسسة في القاهرة أو غيرها من العواصم العربية، والباقي يحصل عليه عند المغادرة وقبل أن تقله الباخرة إلى جدة، حيث يتسلمهم مندوبو "بيت الأنصار" ، وفى اعترافات شريف حسن أحمد مسؤول التسليح والمتهم الثامن في قضية "العائدين من أفغانستان" يؤكد: "أن المندوبين كانوا يسحبون منا جوازات السفر المصرية ويعطوننا بدلا منها وثيقة سفر عليها شعار مؤسسة بن لادن بعد عشرة أيام نقضيها في بيت الأنصار الذي يعج بالوافدين من كل الجنسيات، ولم يكن يسمح لنا بمغادرة المكان إلا على المطار الدولي مباشرة وبوثيقة سفر تحمل اسم كنية مثل "أبو حازم" مثلاً وهى كنية مصطفى حمزة أو "أبو خالد" وهى كنية محمد شوقي الإسلامبولى وهكذا ، لكن يبقى السؤال الأهم وهو : ماذا كان يفعل هذا البن لادن بهؤلاء المتطرفين في بيشاور ؟ 00هذا ما سنحاول الإجابة عليه في السطور القادمة.
فالحقيقة المفزعة أن الإحساس بالخطر القادم من أفغانستان كان -كالعادة- متأخراً، وبالتحديد عقب إلقاء القبض على صفوت عبد الغنى متهماً في حادث اغتيال رفعت المحجوب وحينذاك استشعرت الأجهزة خطورة هؤلاء العائدين من بيشاور لما أحاط بتنفيذهم لعملية الاغتيال من ملابسات تنم عن حنكة في التخطيط، ومهارة في الأداء، واحتراف غير مألوف أو متوقع من جانب الجناة.

مأسدة الأنصار:

* فحينما سأل المحقق صفوت عبد الغنى عن دور - المدعو - أسامة بن لادن في الجبهة الأفغانية ابتسم صفوت للمرة الأولى ومضى يحكى عن ذلك الشاب السعودي الذي يمتلك مع أشقائه مؤسسة ضخمة ولم تكن اهتماماته تتجاوز متابعة سباق الهجن وشراء الخيول العربية حتى حدث الغزو السوفيتي لأفغانستان فسافر إلى "لاهور" بعد 17 يوما فقط من الغزو وقابل أمير الجماعة الإسلامية بباكستان وسلمه مائة ألف دولار أمريكي وبعدئد توالى حضوره متبرعاً حتى عرف أماكن تواجد قادة المجاهدين الأفغان فتقابل معهم.

* وكان في هذه الأثناء الشباب العربي يتوافدون من معظم البلاد العربية إلى بيشاور فرادى حتى استأذن "بن لادن" حكمتيار الذي توطدت صلته به في تنظيم التواجد العربي هناك وذلك بإنشاء مكتب لاستقبال هؤلاء العرب ووقع الاختيار على الإخوانى الفلسطيني عبد الله عزام لإدارة هذا المكتب، ورغم تخبط سيره في بداية الأمر إلا أنه كان نقطة البداية لذلك الدور الفعال الذي أداه المتطرفون العرب الذين عرفوا فيما بعد "بالأفغان العرب".

* نعود للاعترافات التي أدلى بها المتهمون في قضية "العائدين من أفغانستان" والذين رسموا من خلال اعترافاتهم الملامح الحقيقة لدور بن لادن الغامض فيقول أحدهم وهو المتهم شريف حسن (أعدم بعد إدانته قضائياً) أمام النيابة العامة:

(استأجر أبو عبد الله -كنية بن لادن- منزلا كبيراً مكوناً من عدة طوابق في إحدى ضواحي بيشاور، وقام بتجهيزه بالمفروشات والأثاث ثم أنشأ مكتبة ضخمة فقد كان يهتم بتثقيف هؤلاء القادمين للجهاد، وكان ينفق على الكتب وحدها نصف مليون روبية أي ما يساوى حينئذ خمسة وعشرين ألف دولار أمريكي وأوكل إدارة وتنظيم أمور المكتب إلى أخيه المجاهد الشيخ عبد الله عزام الذي شكل عدة لجان وهى اللجنة العسكرية والتي تختص بالتدريب العسكري وتعليم فك وتركيب واستعمال الأسلحة ودراسة طوبوغرافيا الأراضي الأفغانية وكان يشرف على هذه اللجنة عدد من الإخوة الأفغان التابعين لحزب حكمتيار الذين يعرفون جغرافية البلاد وطبيعة القتال فيها، ثم اللجنة الإدارية التي تتولى إدارة شئون الشباب العربي من ملبس ومأكل وإقامة وندوات وقد تعاقب على رئاسة هذه اللجنة عدد من الشخصيات التي لم يعرف الشباب إلا أسماء الكنية لهم مثل أبو هاجر العراقي، وأبو أسامة الفلسطيني وأبو داود الأردني وأبو محمد السوداني، وحينما تكررت الشكوى من سوء إدارتهم جميعا حسم الشيخ أسامة الأمر بقدومه شخصياً للإقامة بشكل دائم في بيشاور بدلا من التردد جيئة وذهاباً إلى الجبهة الأفغانية، ولم يكن من المقبول أن يظل مكتفياً بدور الممول فحسب، بل رأى أن يتجاوز ذلك إلى حد القيام بمشروعات ميدانية من شأنها أن تحول الوجود العربي من حالة الشتات والعمل الفردي إلى إقامة جبهة عربية كاملة وبدأ بإنشاء معسكر بمنطقة متاخمة للحدود الأفغانية هو معسكر(صدى) الذي خصص للتدريب الأولى السابق على الالتحاق بالجبهة، ثم أنشأ معسكرا آخر داخل الأراضي الأفغانية هو معسكر (جاجي) الذي اختار موقعه بشكل جيد بين سلسلة من الجبال والكهوف تفاديا للقصف الجوى في الوقت الذي لم يكن لديه أسلحة مضادة للطائرات حينئذ، أما الذي حدث في أكتوبر عام 1986فقد توجه بن لادن وعبد الله عزام والقائد الأفغاني حكمتيار إلى لاهور وهناك تقابلوا مع شخص أمريكي - عرفنا فيما بعد أنه موفد من قبل المخابرات الأميركية لدعم المجاهدين الأفغان ضد السوفيت، ولم يكن في ذلك بأس حسبما أفتى لنا العلماء - والذي عرض عليهم أن يزودهم بالأسلحة الدفاعية والهجومية والذخيرة مقابل نفقات الشحن فقط التي أبدى (أبو عبد الله) استعداده التام لتحملها وهكذا تدفقت شاحنات مؤسسة بن لادن تحمل أطناناً من الأسلحة والذخائر بالإضافة لمعدات الحفر والبلدوزرات اللازمة لإنشاء الطرق في الجبال وحفر الأنفاق والخنادق وأيضا مولدات الكهرباء الضخمة لتزويد المعسكرات بالطاقة الكهربائية ورأت "مأسدة الأنصار" النور كأول كيان عربي عسكري متكامل، وفى الوقت نفسه تدفقت أعداد غفيرة من الشباب العربي إلى بيشاور بفضل الله تعالى وجهود إخوة مخلصين في كل الأقطار العربية من ناحية، والدور الذي لعبه أخ سعودي آخر هو وائل جليدان والمكنى "بأبي الحسن المدني" من ناحية أخرى والذي قام بعدة جولات مكوكية لمعظم العواصم العربية لدفع نفقات سفر الشباب إلى المأسدة وكانت السلطات الأمنية حينئذ لا ترى غضاضة في رحيل هؤلاء الشباب إلى بيشاور، بل ربما رأت أن هذه هي الوسيلة المثلى للتخلص منهم.

* وفي هذا التوقيت كانت بذور الخلافات بين الفصائل الأفغانية قد بدأت تظهر على الساحة وتتشكل على النحو الذي وصل لحد الاقتتال، فحينما كان رأى قلب الدين حكمتيار وأنصاره أن هؤلاء العرب بما لديهم من أموال وأسلحة وبعض الخبرات العسكرية السابقة - كالشباب السوري والمصري - أنهم جواد رابح يستحق الرهان عليه ؛ بينما كان حزب برهان الدين رباني وقائد قواته حينئذ "سازنور" يبديان تحفظاً شديداً تجاه مشاركة العرب ودور أسامة بن لادن بل ويرفضان تماما مشاركتهم مؤكدين أن هؤلاء العرب غير منظمين ولا يريدون سوى الاستشهاد وأن أهداف بن لادن محاطة بغموض ما، ولذلك لجأ الرجل إلى صديقه حكمتيار الذي أفهمه بأن حسم هذا اللغط يقتضى أداء مهمة جهادية محددة يثبت فيها رجاله العرب قدرتهم على القتال وكانت المجموعة الأولى قد أنهت تدريباتها في معسكر صدى وتم ترحيلهم إلى معسكر جاجي المعروف بـ - المأسدة - لدخول أول مواجهة عسكرية وقد حضر خصيصاً لهذا الغرض القائد الأفغاني عبد رب الرسول سياف موفداً من قبل برهان الدين رباني للوقوف على مدى كفاءة وأداء العرب القتالي وقد كونوا كتيبة أولى أسموها "الخرساء" لالتزامهم الصارم بمبدأ السمع والطاعة وتولى قيادتها أبو عبد الله شخصيا وكانت تضم مائة وعشرين شخصا قسموا إلى مجموعتين واحدة متقدمة يقودها محمد شوقي الإسلامبولى - المكنى بأبي خالد - وأوكل لها عملية الاقتحام والثانية مساندة ويقودها السوري أحمد الزهراني- المكنى بأبي برهان- وتتولى حماية الماسدة وقصف القوات الحكومية بالصواريخ أرض - أرض للتغطية على هجوم الأولى).

وتتوالى الاعترافات المثيرة فيضيف المتهم الثاني في ذات القضية قائلا:

* كنت ضمن مجموعة أبى خالد وكانت العملية الأولى ولحظات الوداع بين الإخوة مؤثرة وكلنا شوق للاستشهاد وفى السادسة مساء كان مقررا أن نقوم باقتحام موقع أطلقنا عليه "أم الخنادق" وقبل وصولنا هناك فوجئنا بالألغام التي وضعها العدو تنفجر في الشباب بينما انهمرت علينا النيران من رشاش "جرينوف" في الوقت الذي كان تسليحنا يقتصر على البندقية الكلاشينكوف والقناصة والمدافع الصغيرة والقنابل اليدوية وقد استمرت عملية الالتحام حتى الصباح ومع بزوغ الشمس أصدر لنا أبو عبد الله "بن لادن" أوامره عبر الجهاز اللاسلكي بالعودة والانسحاب وحينما عدنا وقد فقدنا بعض الإخوة امتعض الشيخ سياف وقرر لنا صراحة أننا لا نصلح إلا لحرب المدن -أي الكر والفر- وانصرف ولكن أبو عبد الله رفع من معنوياتنا وطلب أن نعاود الكرة تحت إشراف شخصي لحكمتيار الذي اشترط أن يجتاز الإخوة العرب دورات تدريبية على يد عدد من الأفغان التابعين له، وانتهز بن لادن هذه الفرصة لتطوير المأسدة فأصبحت - حتى انتهينا من التدريب - تتكون من غرفة للقيادة أطلق عليها "مركز بدر" ثم غرفة الزيكوياك - وهى مدافع مضادة للطائرات كان قد نجح الشيخ أسامه في الحصول عليها من الأميركان - ثم " غرفة الطائف" التي تضم مستودعاً للأغذية والملابس ويشرف عليها أبو الحسن المدني وأخيراً"غرفة سراقة" وهى كنية السعودي "صالح الغامدي" الذي يشرف عليها وتضم مستودعاً للأسلحة والذخيرة ثم سافر بن لادن إلى السعودية وعاد بعد أسبوعين وهو يحمل لنا البشرى بحصوله على أسلحة متقدمة مثل مدافع الهاون 82 والمدفع 12 B.M والرشاش "بيكا " وقواذف صاروخية أر بى جي وكاسحات ألغام صغيرة وكميات هائلة من الذخائر والقنابل الهجومية والدفاعية.

* المهم بدأت الجولة الثانية والتي ستقرر مدى قدرة العرب وقيادة أبى عبد الله على القتال المنظم وكانت معركة جلال أباد التي تعتبر المعركة الأولى التي سيخوضها بقواته بعد إعادة التدريب والتسليح وفى مواجهة شبه نظامية لا تعتمد على طريقة الكر والفر بل تدور حول إحدى أهم المدن الأفغانية والقريبة من العاصمة "كابول" وتمثل أهمية قصوى للجانب الحكومي والسوفيتي آنئذ ؛ وقد قام بن لادن بتوزيع 18 مركزاً حول المدينة وتفوق على المجاهدين الأفغان أنفسهم بفضل إمكانياته الأفضل في وسائل النقل والأسلحة والذخيرة التي بلغت حينئد ثلاثين شاحنة كبيرة محملة بالذخيرة مما مكنه من القيام بعمليات قصف مدفعي منظم ومكثف ضد تجمعات الجيش الحكومي والقوات السوفيتية وقد تعلم هذه المرة أن يبدأ بالاستطلاع فكون مجموعة استطلاعية برئاسة سوريين ومصريين لدراسة مواقع تجمع العدو وتسليحه ونقاط هجومه تمهيداً لبدء العمليات القتالية وكان بن لادن قد أحضر معه عدداً من الهنود والباكستانيين للقيام بعمليات معاونة كالطبخ وتضميد الجرحى وحشو الأسلحة بالذخيرة حتى يتفرغ الإخوة للقتال وبدأت معركة "جلال أباد"..

وما زلنا مع الاعترافات والحكايات..

(بعد عملية الاستطلاع قرر أبو عبد الله "بن لادن" أن يتخذ من جبل "ثمر خيل" مركزاً للقيادة وقام بتوزيع الفصائل في مواقع مأمونة بين شعاب الجبال وداخل كهوف المنطقة الوعرة المحيطة بجلال أباد وتم تحصين المواقع تفادياً للقصف الجوى وبدأت مع الفجر عمليات الهجوم على قرية "أداه" التي تعتبر المدخل الغربي لجلال أباد ووضعت خطة لتوزيع الشباب على مجموعة للمسيرة ويقودها السوري نضال أبو دجانة وكنيته (أبو الدرداء) ومجموعة للميمنة ويقودها اليمنى طارق فضلى وهو نجل آخر سلاطين الفضلية في اليمن، وأخيرا مجموعة المقدمة التي يقودها "أبو طلال القاسمي" وهو كنية لطلعت فؤاد قاسم بينما رافق أيمن الظواهري بن لادن للوقوف على سير العمليات والإشراف على علاج الجرحى باعتباره طبيباً،وبدأت مجموعة الميسرة بالاصطدام بسرب مكون من ست دبابات تعاملوا معها بالمدافع أر بى جي، بينما قامت مجموعة الميمنة بدك الموقع براجمات الصواريخ وقامت مجموعة طلعت قاسم باقتحام مركز القيادة الرئيسي وأسروا الدبابات الست من طراز ت 62 والتي استطاع بعض السوريين والمصريين استعمالها بعد فترة وجيزة من تدريب الأفغان لهم عليها ولكن القوات الحكومية والسوفيتية عاودت الهجوم عليهم بالنيران الكثيفة من الطائرات وأطلقوا على مواقعهم صواريخ سكود الروسية وهى صواريخ متوسطة المدى تطلق على المدن - قبل التعديل العراقي عليها لجعلها بعيدة المدى - واشتبكت معهم قوات بن لادن براجمات الصواريخ لكنهم لم يصمدوا أمام طائرات وصواريخ الروس فأمرهم بن لادن بالانسحاب إلى منطقة خلفية هي "طورخيم" ثم اجتمع بالشباب العربي وخطب فيهم قائلا "من المحتمل أن يكون نجاح العدو في هجومه علينا بسبب معاص ارتكبناها ولا بد من الاستفادة من الأخطاء التي وقعنا فيها"، ثم وضع تخطيطا جيدا للقتال يأخذ بأساليب الإخفاء والتمويه وتأمين الأسلحة والمعدات وكان الأخوة قد اكتسبوا خبرة قتالية شدت إليهم أنظار قادة الأفغان من ناحية أخرى بوصفهم قد أصبحوا قوة لا يستهان بها).

* انتهت الاعترافات حتى هنا لكن دور أسامه بن لادن لم ينته حتى الآن بل انتقل إلى مواقع أخرى وتحالف مع آخرين ولم يزل مقيماً في جبال الهندكوش داخل الأراضي الأفغانية حيث أعلن عن إقامة ما أسماه "بالإمارة العربية " لأعوانه من الأفغان العرب مستغلا في ذلك صلاته بحركة طالبان التي تمكنت من الاستيلاء على السلطة مؤخراً في أفغانستان، ويتردد على السودان قبل أن يبعده حكامها استجابة للضغوط السعودية، وعلى إثر إبعاده يتهم حلفاء الأمس في جبهة الإنقاذ السودانية بتدبير محاولتين فاشلتين لاغتياله مما أضطره للعودة إلى أفغانستان مرة أخرى، وها هو يدخل لندن ويغادرها سالماً غانما بطريقة غامضة ليقيم المؤتمرات ويعقد الصفقات الأكثر غموضا.

* الآن فهو على حد تقارير غربية من بينها تقرير صحفي لمراسل "الأندبندنت" البريطانية (روبرت فيسك) الذي التقى به في إمارته الواقعة في المناطق الجبلية الوعرة المتاخمة لمدينة جلال أباد حيث يتمتع بحماية حركة طالبان ويعاونهم بهؤلاء المغامرين من أتباعه الذين جعل منهم قوة عسكرية يعول عليها الأطراف المتصارعون بعد أن انفض موسم العنف "الشرعي" في أفغانستان وحمل الإخوة السلاح في وجوه بعضهم البعض لم يعد لهؤلاء العرب سوى دور المرتزقة لصالح بن لادن الذي يقول عنه الصحفي البريطاني أنه يدير شئونه باستخدام الكمبيوتر وأجهزة اتصالات حديثة مؤكداً أنه يتلقى خدمات إخبارية سواء عن طريق الصحف التي ترد إليه بشكل منتظم من لندن وبعض البلدان العربية أو عن طريق شبكة الإنترنت.

* ويبقى أتباعه ومريدوه الذين لا زالوا ينادون بعضهم البعض بأسماء الكنية التي ذكرها المصدر نفسه فهذا أبو عبيدة وذاك أبو دجانة وثالث أبو صهيب ورابع أبو ذر وخامس يدعى أبو الدرداء وهكذا لم يبق أمامهم في القريب سوى محاولة العودة إلى بلادهم بعد أن خبروا فنون القتال وخاضوا أشرس حروب العصابات وعاشوا لحظات الخطر وذاقوا بعضا من لحظات النصر فلماذا لا يعاودون الجهاد ضد مواطنيهم- وهم الكفار في فقههم وفكرهم -بعد أن أتموا دورات تدريبية مجانية مقدمة كمنحة من رجل الأعمال صاحب المؤسسات الذي هبط عليه الوحي فجأة يأمره بالرحيل إلى أفغانستان لينفق الملايين ويخوض المعارك، ويتحالف بعض الوقت مع السودان وبعضه الآخر مع الطالبان ومعظم الوقت مع الشيطان، ويدلى بأحاديث لصحف لندن ومحطات التلفزيون العالمية (كان آخرها لقاء أجراه مراسل الـسي إن إن) ليعلن فيه عن قيام إمارة للأفغان العرب في جبال الهندكوش.

بن لادن وأميركا:

لم تعرف لبن لادن قبل عام 1993 مواقف عدائية صريحة تجاه الولايات المتحدة وربما لا نزيد حينما نشير إلى فتوى صدرت عن حكمتيار صديقه حينئذ تقضى "بجواز الاستعانة بالأميركيين وغيرهم من المشركين والكفار ما دام ذلك سيحقق صالح الإسلام والمسلمين "، هذا فضلا عما تواتر من أنباء في تلك الآونة عن دور وساطة لدى الحكومة الأميركية قام بها بن لادن لصالح الترابي الذي كان قد منع من تردده على الولايات المتحدة ورفضت الخارجية الأميركية تجديد تأشيرة دخوله البلاد، وكان قد اعتاد على القيام بجولات دورية بين أوساط المهاجرين العرب لحشد المزيد من الأنصار وجمع التبرعات "لمشروعه الحضاري الإسلامي"، وبعد نجاح بن لادن في مسعاه منح الترابي التأشيرة وزار الولايات المتحدة للمرة الأخيرة وبعدها توطدت الصلة بين الترابي وبن لادن حتى قرر هذا الأخير الإقامة الدائمة بالسودان وتحويل كافة أنشطته التجارية أو حتى الإرهابية هناك وبالفعل قام بالبدء في تنفيذ مشروع استصلاح لمساحات هائلة في منطقة الجزيرة الخصبة، ونفذ طريقاً أطلق عليه طريق "التحدي" حضر حفل افتتاحه عدد من قادة الأحزاب والجماعات الأصولية العرب من بينهم قيادات من حزب العمل المصري والجبهة الإسلامية الأردنية وغيرهم، وبلغت ديون الحكومة السودانية لبن لادن حينئذ أكثر من مائتي مليون دولار وتنامي دوره ونشاط مجموعته التي بلغ عددهم في تلك الآونة أكثر من خمسة آلاف شخص من مختلف الدول العربية الأمر الذي بات يشكل خطراً جسيماً على علاقات النظام السوداني سواء بالدول العربية التي تستهدفها تلك الجماعات، أو بالولايات المتحدة التي استشعرت الخطر بعد تفجيرات معسكراتها في الخبر والدمام أو حتى داخل أميركا على النحو الذي حدث في تفجيرات مركز التجارة العالمي.

وترى مصادر دبلوماسية غربية رفيعة أن المساعدة التي قدمها جهاز الاستخبارات الأميركية(سي أي إيه) سواء في تهيئة الأجواء أمام بلورة ظاهرة الأفغان العرب عامة أو لشخص أسامة بن لادن على وجه الخصوص منذ الثمانينات قد ساهم في نشأة تلك الحالة الإرهابية ذات الطبيعة العابرة للحدود وليس في بلد بعينه، كما ترجع المصادر ذاتها الأمر إلى تلك المعركة التي قام بها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان كانت لها انعكاساتها السلبية في وقت تستعد فيه واشنطن للقيام بحملة طويلة ضد الإرهابيين المتمركزين في أفغانستان حيث يقيم حلفاؤهم السابقون وفى مقدمتهم ابن لادن، ويشرح المصدر دبلوماسي غربي أنه "خلال الثمانينات قدمت الولايات المتحدة بشكل عشوائي مبالغ مالية إلى كل مجموعة تؤكد محاربتها الجيش الأحمر دون الاكتراث بمعتقداتها" أو الجهة التي تمثلها. وأضاف المصدر أيضاً أن "من بين نتائج تلك المساعدات ظهور حالة بن لادن الذي جند بدعم مادي ولوجيستي من الولايات المتحدة, آلاف الأصوليين الإسلاميين العرب لقضية لم تكن في حسابات الأميركيين".

وهكذا اجتذب (الجهاد) ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان في 1979 آلاف المتطوعين المسلمين الذين قدموا من الخارج للدفاع عن قضية تحرير أفغانستان وتدفقوا إلى معسكرات أقيمت في الجبال الوعرة. وبدلا من أن تشرف مباشرة على هذه العمليات قامت الولايات المتحدة بإرسال الأموال والمساعدات العسكرية ومن بينها صواريخ (ستينغر) المضادة للطائرات، بواسطة أجهزة الاستخبارات الباكستانية التي دعمت إقامة المخيمات. وشرح أحد المراقبين أن (سياسة عدم التدخل المباشر التي اعتمدتها الولايات المتحدة فيما أصبح يعرف "بالحرب بالوكالة" سمحت لأشخاص مثل بن لادن وآلاف من أتباعه العرب بالحصول على مساعدات من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الأميركية بسهولة كما ساهم أيضاً في إقامة قواعد عسكرية متطورة في أفغانستان التي أصبحت ملاذاً آمناً لتلك القنابل الموقوتة).

وتعتبر مصادر دبلوماسية واستخباراتية في باكستان المجاورة أن الكثير من تلك القواعد لا يزال فعالا وأن المتطرفين الذين قدموا من دول مثل الجزائر واليمن والكويت وكشمير والسودان لا يزالون يتلقون الأسلحة والتدريبات. وأفادت هذه المصادر أن المخيمات تركزت في محيط مدينة خوست على بعد حوالي 120 كلم جنوب كابول و20 كلم من الحدود الباكستانية وبالقرب من مدينة جلال أباد الشرقية (120 كلم شرق كابول). ومنذ الانسحاب السوفيتي في 1989 وبعد اكتسابهم الخبرات الميدانية في أعقاب الحرب الأفغانية عادوا للظهور مرة أخرى في عدة مناطق مشتعلة من العالم مثل البوسنة وكشمير(الهند) والجزائر وأذربيجان والشيشان، وأصبحت أفغانستان بعدما مزقتها الحرب الأهلية وتناساها المجتمع الدولي, الملجأ المثالي الذي سمح بتكاثر تلك الجماعات الإرهابية، ويلاحظ عدد من المراقب العسكريين أن (الوحش المزعوم الذي دخلت الولايات المتحدة الحرب معه هو شيء ساهمت في صناعته ويبدو أنه ليس من السهولة تدميره) خاصة وأن الطالبان التي تعتبر أنها أسست الدولة الإسلامية الأولى منذ انتهاء الخلافة الراشدة في صدر الإسلام تصر على التأكيد أن بن لادن ليس متورطا في تلك التفجيرات التي وقعت في أميركا، كما تنفي وجود مخيمات لتدريب الإرهابيين في أفغانستان، هذا في الوقت الذي ترفض فيه طالبان مجرد مناقشة فكرة تسليم بن لادن ما لم تقم أدلة مقنعة لها على تورطه في عمليات واشنطن ونيويورك، أو حتى عرضت عليها صفقة الاعتراف الأميركي"وبالتالي الدولي" مقابل تسليم صديق الأمس الذي أصبح عدو اليوم ، وتبرر طالبان ذلك بالقول بأن تسليمه يتعارض مع تقاليد الضيافة الإسلامية والأفغانية وهو قول من السخف للحد الذي لا يستحق حتى مجرد التعقيب عليه.

هجمات أميركا.. التداعيات الداخلية والخارجية

هجمات الطائرات على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأميركية في واشنطن يوم الثلاثاء 11 أيلول / سبتمبر 2001 تعتبر حادثاً تاريخياً ومفصلياً بكل المعايير، فمن ناحية تاريخية ومن زاوية الخسائر البشرية والمادية... تعتبر أضخم وأجرأ هجوم مُعادٍ للولايات المتحدة يتم في داخل أراضيها منذ قيام الاتحاد الأميركي، ولا يقترب من هذه الهجمات على مستوى العنف وعدد القتلى إلا الهجوم الذي شنّه سلاح الجو الياباني على سفن الحربية الأميركية إبان الحرب العالمية الثانية في ميناء بيرل هاربر في كانون الأول / ديسمبر 1941.

سمات الهجمات الأخيرة

غير أن الهجمات الحالية تتميز بخصائص بالغة الأهمية هي ما تضفي عليها صفة" المفصلية التاريخية"... وهذه السمات هي:

1- أن المُنفّذ ليس دولة ذات سيادة يمكن تحديدها ومعادية للولايات المتحدة بما يُوفّر إمكان شَنّ حرب أو ضربات ثأرية ضدها كما كان الحال بعد الضربة اليابانية... حيث قصفت هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية، وطوكيو بالقنابل الكروية الحارقة... الأمر الذي أدى إلى مقتل مئات الألوف من المدنيين.

2- تعتبر وسيلة التنفيذ - باستخدام طائرات مدنية مُحمَّلة بالركاب للهجوم على أهداف محددة مسبقاً - جديدة وغير مسبوقة في تاريخ أعمال العنف والإرهاب في العصر الحديث.

3- هناك عدم تناظر مفرط في بساطة الأسلحة المستخدمة، وهي سكاكين عادية تستخدم في خطف طائرات، ومقدار الدمار الهائل الذي خلفته العملية سواء من ناحية عدد القتلى أو الخسائر المادية، فضلا عن التأثيرات الاقتصادية المختلفة.

4- أن هذه الهجمات جاءت مفاجئة تماماً في شكلها وطبيعة تنفيذها لكل المخططين الأمنيين والإستراتيجيين، وخارج إطار كل المُخططات الأمنية والإستراتيجية الأميركية والغربية، كانت هذه الخُطط دائماً تضع كل السيناريوهات المختلفة، مثل وجود عدو ذي قدرة عسكرية هائلة كالاتحاد السوفييتي قادر على إلحاق الأذى بالولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، أو مجموعة دول تعتبرها الولايات المتحدة "مارقة"... يُمكن أن تعتدي على المدن الأميركية بالصواريخ البعيدة المدى، أو بتفجيرات ضد مصالح أميركية في الخارج، أو منظمات تعتبرها الولايات المتحدة "إرهابية" تستهدف منشآت أميركية، كل تلك السيناريوهات وضع مقابلها إجراءات مضادة ووقائية وتطوير عمليات استخباراتية واسعة النطاق لإحباط أي عملية تأتي مِن أيٍّ منها، غير أن هجمات نيويورك وواشنطن جاءت من خارج إطار كل التوقعات والحسابات.

وبسبب تميّز هذه التفجيرات وضخامة آثارها سياسياً، اقتصادياً، معنوياً، أمنياً ونفسياً... ستكون انعكاساتها عميقة سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها... ويُمكن التوقف عند بعضها.

أولاً: التأثيرات الداخلية

الأثر الأول: سيكون على صعيد "عقيدة الأمن القومي الأميركي" Doctrine of American National Security. فهذه العقيدة تطورت في العقود الماضية على تصور "تهديدات إستراتيجية" من نوع مختلف تحوم حول وجود عدو خارجي يهدد الأرض الأميركية أو المصالح الأميركية، وعلى شكل دولة أو دول يمكن تحديد عنوانها ويمكن الرد عليها في حالة نشوب عداء متبادل. وفي السنوات الأخيرة تم تطوير هذه العقيدة بعض الشيء لتتضمن "مخاطر"، أي أقل من "التهديد الإستراتيجي"، وهذه "المخاطر" قادمة أساساً إما من قبل دول أو منظمات لا تشكل تهديداً إستراتيجياً للولايات المتحدة لكن بإمكانها الإضرار بمصالحها سواء داخل أو خارج الأرض الأميركية. أما الآن فإن هذه الهجمات تقلب تلك الرؤى حيث يتبدى أن هناك منظمات أو مجموعات من الأفراد قد تكون قادرة على تشكيل وتنفيذ "تهديدات إستراتيجية" ضد الولايات المتحدة تشل الحركة السياسية والاقتصادية وتضرب في قلب وزارة الدفاع, وتضطر الرئيس الأميركي للاختفاء وإدارة البلاد من "مكان آمن" ربما تحت الأرض. ومن هنا فإننا سوف نرى بالتأكيد انقلاباً في الفكر الأمني والإستراتيجي الأميركي يضع على المحك كل أنماط التفكير السائدة بما فيها مشروع الدرع الصاروخي الذي تأسس وفق الرؤية التقليدية لتصور التهديدات والمخاطر.

الأثر الثاني: متعلق بتثوير النقاش بين التيار "الانعزالي" في السياسة الخارجية الأميركية والتيار "التدخلي". ورغم أن هذا النقاش يدور -وسوف يحتدم أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة- في داخل أميركا نفسها, فإن تأثيراته سوف تكون خارجية، لذا فإننا سنناقشه بشكل أوسع أدناه تحت عنوان التأثيرات الخارجية.

الأثر الثالث: الاتجاه إلى تكثيف "آليات الأمن الداخلي" بما يعنيه ذلك من تشديد الرقابة على حركة الناس خاصة في المرافق الكبرى والمزدحمة, وزيادة نشر كاميرات المراقبة في المناطق العامة. وهذا التطور يسير في اتجاه عام في المدن الغربية وينمو ببطء لكنه الآن سيتسارع بالتأكيد بحيث تكون أجهزة الرقابة قادرة على رصد وتصوير أي حادث في أي مكان في المدن الرئيسية. وهذا التطور يقلق كثيراً من منظمات حقوق الإنسان وكثيراً من علماء الاجتماع حيث يتحول المجتمع إلى رهينة لكاميرات المراقبة, ويفقد الأفراد الشعور بالخصوصية في ظل مراقبة دائمة. ويذكر هنا أن أحد علماء الاجتماع قد ألف كتاباً مؤخراً عن تنامي هذه الظاهرة في الدول الغربية سماه "مجتمع كاميرات المراقبة".

الأثر الرابع: سيكون على صعيد الجاليات العربية والمسلمة تحديداً، فسوف تعاني هذه الجاليات من قيود إضافية, ومراقبة لصيقة لنشاطاتها, بل وإغلاق لبعضها أيضاً. فمن المعتاد أن ينظر كثيرون في دوائر صناعة القرار في واشنطن - خاصة بتأثير من اللوبي الصهيوني - إلى مسلمي الولايات المتحدة وجمعياتهم كمحاضن للجماعات المتطرفة. وفي السنوات الأخيرة عانت هذه الجمعيات من حملات تشويه كبيرة, ثم عانت الجالية المسلمة عموماً من حملات تشويه أوسع (مثلاً عرض الفيلم سيء الصيت جهاد في أميركا لليهودي ستيف إيمرسون عشرات المرات في محطات تلفزة قومية ومحلية). لكن الأمر الأهم من التشويه هو الانحياز القانوني ضد الجالية في التشريعات كما كان واضحاً في تشريع قانون الأدلة السرية الذي صمم ضد المشتبه بهم من المسلمين حيث يحاكمون من دون أن يعرفوا أو يعرف محاموهم تفاصيل الأدلة التي تجرمهم. ثم أخيراً وقبل أيام من هجمات الطائرات تعرضت المؤسسات الإسلامية الأميركية لحلقة جديدة من التحريض شملت هذه المرة مئات المواقع لجمعيات إسلامية وعربية وفلسطينية على الإنترنت حيث أغلقت تلك المواقع من قبل مكتب التحقيقات الفدرالية. والآن من المتوقع أن يزداد الضغط على الجالية المسلمة سواء ثبت أن الجناة مسلمون أم غير مسلمين, على الصعيدين:

• الأول, التشويه التعميمي عبر تحريض الرأي العام الذي حصل ومازال يحصل بربط الحادث من لحظة وقوعه بـ "الإرهاب الإسلامي".

• الثاني الإجراءات القانونية التي تقيد عمل وحركة جمعيات ومؤسسات تلك الجالية.
الأثر الخامس: المتوقع هو زيادة التطرف المسيحي وتطرف الجماعات الانعزالية واليمينية. فهناك عشرات الجمعيات والمنظمات الأميركية المعادية -أو على الأقل المناهضة- لطبيعة النظام الأميركي, إما لأسباب دينية أو بيئية أو مناطقية أو عنصرية الخ. والكثير من هذه الجماعات تكره الأجانب وخاصة المسلمين, وتطالب إما بطردهم أو الحد من وجودهم. وإذا ما ثبت أن الهجمات المذكورة قام بها عرب ومسلمون فإن ذلك سوف يصب الزيت على نار تطرف هذه الجماعات بشكل أكيد, وسوف يزداد العداء للمسلمين بشكل كبير.

ثانياً: التأثيرات الخارجية

سوف تترك تداعيات الهجمات بصمات واضحة على نمط وتوجهات السياسة الأميركية الخارجية ونظرتها إلى العالم وترتيب الأولويات وكذا تصنيف قوائم الحلفاء والأعداء.
الأثر الأول: أول قضية سوف تخضع للنقاش, وإلى درجة سجالية عالية كما هو المتوقع, هي مدى الانخراط أو الانسحاب من قضايا وشؤون ومناطق العالم وأي من هذين النمطين يحقق المصلحة الأميركية القومية بدرجة أعمق وأدق. وهناك على الدوام مدرستان في السياسة الأميركية الخارجية, واحدة تتبنى نظرية التدخل والانخراط التام في شؤون العالم وقضاياه باعتبار أن موقع ومكانة الولايات المتحدة ومصالحها القومية تنتشر في طول وعرض العالم, وهذا الأمر لا يوفر لها ترف الانسحاب من مواقع النفوذ وعدم التأثير في مسارات السياسة الإقليمية في مناطق العالم المختلفة. وتنتشر هذه الرؤية في أوساط الديمقراطيين. في المقابل هناك مدرسة الانسحاب والتوقع الداخلي التي تقول إن تدخل الولايات المتحدة في مناطق العالم المختلفة جر ويجر عليها عداء كثير من الشعوب, ولا يحقق مصالح للولايات المتحدة تتناسب مع الثمن الذي تدفعه من جراء ذلك. وبالتالي فإن الدعوة التي يتبناها أصحاب هذا الرأي تقول بأنه على الولايات المتحدة خفض مستوى انخراطها في شؤون العالم الإقليمية إلى أقل حد ممكن. وتنتشر هذه الرؤية بشكل عام في أوساط الجمهوريين, وهي تسيطر على الإدارة الأميركية الحالية بقيادة جورج بوش الابن.

وقد يقفز البعض إلى الاستنتاج السريع بأن أثر هذه الهجمات سوف يكون مباشراً لصالح التيار الانعزالي ويدعم رؤيته. لكن قليلا من التأمل يشير إلى أنه ليس من السهولة بمكان على الإدارة الحالية أن تتبنى هذه السياسة لأقصى حد, بل ربما كان العكس هو الصحيح, أي أن أثر هذه الهجمات سوف يكون في اتجاه يدفع إدارة بوش لمزيد من الانخراط غير الطوعي في مناطق لم تكن راغبة بأن تنخرط فيها في حقبة ما قبل الهجمات. ومبرر هذا هو أن "مكانة قوة الولايات المتحدة" (Power Prestige) تعرضت لضربة تاريخية لم تشهد لها مثيل من قبل حيث هوجمت في عقر دارها وتم توجيه ضربات إلى رموز القوة فيها الدفاعية والسياسية والاقتصادية، وأن كرامة الولايات المتحدة وصورتها قد اهتزتا حيث اختفى الرئيس "في مكان آمن" وارتبكت الأجهزة وفشلت وكالة الاستخبارات الأميركية ومكتب التحقيقات الفدرالية في توقع ومنع الهجمات.

كل ذلك سوف يفرض على الولايات المتحدة محاولة طويلة لإصلاح الأضرار الجسيمة التي حدثت في صورتها –الدولة العظمى القاهرة في عالم اليوم- وهي أضرار أكبر بكثير من الأضرار المادية. وإصلاح هذه الصورة يفترض تدخلاً وانخراطاً في العالم وليس مزيداً من الانعزال لأن الانعزال قد يفهم على أنه انسحاب من الميدان وهزيمة معنوية وسياسية أخرى. ويفيدنا منطق السياسة الذي تتبناه الإمبراطوريات والدول الكبرى بأن مهمة "المحافظة على مكانة القوة" تأخذ أولوية قصوى في المنعطفات التاريخية التي تمر بها تلك الدول, وخاصة عندما تشعر بأن مكانتها صارت محط شك واختبار.

إضافة إلى ذلك فإن هناك دوافع عملية من المرجح أن تدفع الولايات المتحدة لاستبعاد خيار الانعزال، ومن هذه الدوافع أن السنوات القادمة سوف تشهد بالتأكيد تطور منظومات استخباراتية معولمة تهدف إلى مكافحة "الإرهاب المعولم", وهذا يتطلب بالتالي تعزيز التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة التي سوف تكون المعنية الأولى بهذا الشأن, وبقية دول العالم سواء على شكل منفرد أم تجمعات إقليمية أم منظمات دولية. لكن يبقى أن الولايات المتحدة قد تنجح في فصل مسارات سياستها الخارجية عن بعضها البعض, فتكون "تدخلية / تعاونية" مع بقية دول ومنظمات العالم في المجال الأمني والاستخباراتي, لكنها تكون "انعزالية / انسحابية" في مجالات السياسة والاقتصاد والقانون الدولي. ويعتمد نجاحها في تبني سياسة مسارات منفصلة كهذه على مدى قبول المجتمع الدولي والدول الكبرى الأخرى وكذا التجمعات الإقليمية لهذه السياسة التي هي بمعنى ما تفرض على العالم التعاون مع الولايات المتحدة أو عدم التعاون معها بحسب الرغبة والمصلحة الأميركية الصرفة, وهو أمر من الصعب تصوره خاصة في ضوء التوترات الحاصلة أصلاً في السياسة الدولية (بين الولايات المتحدة من جهة, والصين وروسيا وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي) بسبب سياسة جورج بوش الانفرادية في شؤون عديدة مثل الدرع الصاروخي والانسحاب من معاهدات البيئة وحظر الأسلحة البيولوجية وغيرها.

الأثر الثاني: وهو أثر مباشر للهجمات حيث ستؤدي إلى تدعيم التعاون الاستخباراتي بين دول العالم الكبرى, وإخضاع كثير من مفاصل الحركة الدولية -خاصة في مجالات التنقل والسفر وتأشيرات المرور والإقامة والشحن والاتصالات- لموجة إضافية من المراقبة اللصيقة. وهذا سوف تكون له انعكاسات عديدة على مستوى إضافة أعباء جديدة على الميزانيات الأمنية, أو إعاقة المبادلات التجارية, أو إضفاء أجواء أمنية في الدول الغربية.

الأثر الثالث: ويتعلق بالجاليات العربية والمسلمة في أوروبا تحديداً، إذ من المؤكد أن وضع هذه الجاليات سوف يتعرض إلى مضايقات وقيود جديدة بسبب زيادة نظرة العداء إلى هذه الجاليات واعتبارها مصدر تهديد أمني. ويرى كثير من الغربيين أن الوجود الإسلامي الكثيف في أوروبا الغربية - حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد المسلمين يصل إلى 15 مليوناً - هو مجرد قنبلة موقوتة في قلب أوروبا وأشبه بحصان طروادة. ونظراً لوجود العديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتبنى خطابا عدائيا وعنيفا إزاء الغرب الذي تعيش بين ظهرانيه فإن الإعلام الغربي يركز عليها ويساهم في إيجاد صورة نمطية تؤثر في الرأي العام الغربي الذي يعتقد أن هذه الجماعات باعتبارها الأكثر ضجيجاً هي التي تمثل ملايين المسلمين في الغرب.

الأثر الرابع: هو أن هذه الهجمات سوف توفر غطاء دبلوماسياً للولايات المتحدة -قد يمتد لفترة من خمس إلى عشر سنوات- لتبني سياسات متطرفة والقيام بعمليات أو إجراءات إقليمية ودولية لم يكن بالإمكان قبولها في حقبة ما قبل الهجمات. وإذا تذكرنا أن السياسة الأميركية, خاصة في السنوات الأخيرة, لم تكن تتردد في انتهاج أي سياسة انفرادية أو متطرفة من دون أن يكون هناك مبرر تسوقه للعالم كما يوفر لها مبرر الهجمات الآن, فإنه بإمكاننا أن نتوقع سياسة أميركية استعلائية وصارمة ولا تأبه ببقية دول العالم.

خلاصة ذلك كله هو القول بأن أميركا ما بعد هجمات الطائرات ضد نيويورك وواشنطن في سبتمبر/ أيلول 2001 سوف تكون مختلفة تماماً عن أميركا ما قبل الهجمات. إنه حادث سوف يؤرخ به كمفصل زمني بين مرحلتين، ليس في طبيعة سياسة ونهج الولايات المتحدة وحسب, بل وربما في طبيعة ونمط العلاقات الدولية, وتحديداً علاقات الغرب بالعالم الإسلامي.
10 مليارات خسائر شركات الطيران بسبب الهجمات

في هذه الأثناء قالت الرابطة الدولية للنقل الجوي (إياتا) إن شركات الطيران العالمية تواجه خسائر كبيرة نتيجة للهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة تتمثل في ضياع إيرادات محتملة قيمتها عشرة مليارات دولار وارتفاع التكاليف.

وقال وليام غيلارد المتحدث باسم إياتا التي تضم في عضويتها 266 شركة للطيران إن الشركات قد تواجه أيضا خسائر قياسية هذا العام في أعقاب الهجمات.

وكانت الهجمات قد تسببت في وقف أعمال نحو أربعة آلاف شركة طيران من بين شركات الطيران التجارية في العالم وعددها 12 ألفا. وتقول إياتا إن حجم سوق الطيران يبلغ نحو مليار دولار يوميا.
وأضاف المتحدث "قبل أسبوع كنا نتحدث عن خسائر في حدود 2.8 مليار دولار في الرحلات الدولية المنتظمة هذا العام. وما من شك في أن الخسائر ستكون أكبر.

من ناحية أخرى واصلت أسهم شركات الطيران العالمية انخفاضها اليوم بينما توقع المستثمرون مزيدا من الخسائر بعد الهجمات المدمرة التي شهدتها الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي.
وقال المحللون في مؤسسة شرودرز سالومون سميث بارني إن من المرجح أن يكون للهجمات "أثر أشبه بالكارثة على ربحية شركات الطيران الأوروبية".

وخفضت المؤسسة تصنيفها لصناعة الطيران في أوروبا بأسرها وتوقعت ثلاثة أثار سلبية للهجمات هي انخفاض الطلب على السفر جوا بنسبة 20% في البداية وارتفاع أسعار الوقود وتزايد مخاطر حدوث كساد عالمي.

إعداد: سمير . م . أبو شقرا - مجلة: الشاهد - (نشر بعض منه بعد الاعتداءات مباشرة). - حرر في: Sep 11 2007, 05:15 PM

0 تعليقات::

إرسال تعليق