الاثنين، 2 مايو 2011

النظام السوري لا يريد تقديم تنازلات ومخاوف غربية على إسرائيل .. غياب الموقف الدولي الواضح من سورية يعكس خوفا من مرحلة ما بعد الأسد


 سورية ليست ليبيا، بشار الأسد، الرئيس السوري يقوم بقمع المتظاهرين ويحاصر مدنا، لكن الغرب لا يعرف كيفية التعامل معه.
يتساءل عدد من المعلقين، ويقولون إن الآمال الكبيرة التي بدأ بها عام 2011 بعد الحرية لتونس ومصر تحولت إلى جثث في شمال أفريقيا وصور عن محاصرة مدن في سورية التي أصبحت في عين الاهتمام الإعلامي، حيث قتل حوالي 900 منذ بداية الأحداث قبل أسابيع.
ومشكلة الغرب مع سورية غياب المعارضة مثل المعارضة في بنغازي، ونظام الأسد وجيشه يقومان بقمع المعارضة في ظل إجراءات أمنية مشددة، وهي نفسها التي يمارسها النظام منذ أربعة عقود. ويقول مقال في صحيفة 'إندبندنت' نقلا عن مسؤول غربي أنه كان إذا أراد عقد نقاش بدون أن يتعرض للتنصت هو زيارة مدينة ساحلية سورية واخذ قارب لكي يكون قادرا على التحدث بحرية.
وقالت الكاتبة جوان سميث التي نقلت عن الدبلوماسي في مقال لها في 'إندبندنت أون صاندي' إنها سألت طلابا جامعيين في قهوة في مدينة حمص عن السياسة فقالوا لها إنهم لا يتحدثون في السياسة حيث نقل مخبر، فيما بعد الحديث العابر هذا، حيث منعت من الحديث أمام الطلاب ولكنها لم تمنع من إلقاء محاضرة في مكتبة الأسد التي تقول إن جهازا آخر من المخابرات كان يشرف عليها.
وقالت الكاتبة أنها عندما التقطت صورة عام 2002 لكل من بشار الأسد وتوني بلير أمام مقر الحكومة البريطانية، سألت أحد مسؤولي حكومة العمال قائلة أن الصورة هذه تعطي الأسد مشروعية سياسية، ولكن المسؤول كان عصبيا وأجاب 'هل هذا صحيح'. ومع أنها لا ترى ضرورة لتدخل الناتو، لكنها تدعو إلى اتخاذ عقوبات كما حدث يوم الجمعة، ولكنها تعترف بأن العقوبات بطيئة في التأثير. ودعت أيضا إلى نهاية ما تقول عنها السياسة الواقعية التي أدت بالغرب للتعامل مع حكام قتلة مثل القذافي والأسد، وطالبت بتوفير هواتف نقالة دولية للمتظاهرين لخرق التعتيم الإعلامي.

أسد الأمس واليوم

وفي تقرير نشرته صحيفة' أوبزيرفر' من إعداد بيتر بيمونت أشار فيه إلى مشكلة التعامل مع سورية التي يقوم بها الرئيس الأسد بقمع المتظاهرين، وذكر الكاتب بلقاء مع الأسد عام 2002. في ذلك اللقاء لم يكن مضى على بشار الأسد سوى عامين في الحكم، وبدا في اللقاء مرتاحا حينئذ وسأل أسئلة متعددة.


وتحدث عن الإصلاح وناقش العلاقات مع الولايات المتحدة. وعنونت الصحيفة اللقاء بعنوان الثورة في سورية التي قال أنها ترسل أمواجا صادمة في كل أنحاء المنطقة. وكان ذلك اللقاء قد رتب أولا مع أسماء الأسد زوجة الرئيس لكن احد مساعديه دعاه لشرب قهوة مع الرئيس نفسه، في لقاء غير رسمي. وقال أن صورة الأسد تلك كانت وراء تشجيع الحكومة البريطانية لدعوته في زيارة رسمية للندن، بناء على اعتقاد انه مختلف عن والده حافظ الأسد. ويضيف أن صورة الأسد تلك تتناقض مع الأفعال الإجرامية التي تمت باسمه خلال الأسابيع الماضية والتي أدت إلى قتل المئات ومحاصرة مدن وبلدات. ويضيف قائلا إن لا أحد يعرف الآن الأسد وماذا يمثل وما هي قوته.

القمع بدلا من الحوار

ولكن تصرفات نظامه لا تختلف عن أي نظام قمعي فعندما أعلن عن يوم الغضب الجمعة الماضية وهو اليوم الذي دعمه إخوان سورية، اخذ الأسد ورقة من كتاب مبارك والقذافي وأرسل جنوده ودباباته ووضعها في أكثر من خمسين موقعا في البلاد. ومع أن التظاهرات تحدث كل أسبوع إلا أن تصرفات الجمعة الماضية من قبل النظام تظهر أنه لم يعد نظاما يريد تقديم تنازلات مع أن النظام وقبل أسبوع أو أكثر قد تبنى لغة القمع التي صارت تعلو الآن على التفاوض والحوار. فيما انتشرت شائعات عن خلافات داخل المؤسسة العسكرية وتقارير غير مؤكدة من المعارضة تتحدث عن انشقاقات داخل الجيش، فيما قدم عدد من نواب الصف الثاني استقالاتهم من حزب البعث. وفي الوقت الذي ألقى فيه النظام اللوم على عناصر أجنبية لكن الملصقات وما يرد في إعلام الدولة يحذر من انه لو سقط النظام فالفوضى هي التي ستحل محله ومعها حرب أهلية. ويشير إلى ما قام به 'شبيحة' النظام من إطلاق النار على مسيحيين في اللاذقية محذرة إياهم من قيام السنة بالسيطرة على البلاد، مع أن السنة هم غالبية أهل سورية. والسؤال الذي يطرحه التقرير انه مع تبني الأسد أساليب القذافي ودول القمع الأخرى إلا أن رد الفعل العالمي يظل مختلفا. ولاحظ المراقبون أن اسم الأسد غاب عن قائمة الذين جمدت أمريكا أموالهم وفرضت عقوبات عليهم وغاب كذلك عن الإجراءات التلويح بعملية عسكرية ضد النظام الذي يملك على خلاف ليبيا جيشا منظما ومسلحا بشكل جيد بأصدقاء أقوياء ممثلين بإيران.
ويرى مسؤولون ومراقبون أن سورية مهمة في المعادلة الإقليمية أكثر من ليبيا. ويتساءل الكاتب عن غياب قطر التي قادت الحملة ضد النظام الليبي من مداولات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي اجتمع من اجل مناقشة الوضع السوري. ويضيف التقرير إلى أن نجاح الدولة البوليسية التي أقامها والده تعتبر مسألة شخصية والتي يقدمها على أنها 'ضرورة' لمنع انحدار البلاد نحو حرب أهلية وعليه فإن ما ستكشف عنه التطورات في سورية سيكون مهما للغرب.

أهمية سورية

ويقارن الكاتب بين ليبيا التي اغضب قائدها وجلب العداء له من كل الأنظمة العربية وسورية التي على الرغم من فقرها وانسحابها من لبنان عام 2005 مهمة في معادلة المنطقة. ومع أن المسؤولين لا يسمون الأشياء بأسمائها عندما يتحدثون عن سورية تعيش فوضى فستؤثر حتما على إسرائيل وبشكل اقل على العراق ولبنان. وإضافة إلى الموقع الجغرافي فسورية مضيفة لقوى المعارضة الفلسطينية خاصة حماس التي نفى مسؤولوها أنهم يخططون للخروج من سورية، مع أن مراقبين يرون في عقد المصالحة بين حماس وفتح تعبيرا عن مخاوف من خسارة الراعي السوري. وهناك أيضا علاقتها مع إيران وحزب الله الذي يتزود بالأسلحة عبر سورية، والعلاقة القوية مع إيران إضافة إلى تواجد مئات الآلاف من العراقيين في سورية والاتهامات الموجهة للأخيرة بالسماح للمتطوعين للمرور عبر أراضيها إلى العراق. ويرى جوشوا لانديز المحاضر في جامعة أوكلاهوما أن سورية هي ميدان الصراع في المنطقة، فمن ناحية تقدم نفسها على أنها مركز العروبة والوحدة العربية والعلمانية ومن ناحية أخرى تعتبر دولة مفككة تحكمها أقلية دينية. وعليه فان انعكاسات الأزمة على البلاد بدت ملامحها مع وصول دفعات من المهاجرين السوريين إلى لبنان، فيما تخشى دول الجوار مثل تركيا من موجات مهاجرين فيما أعلنت قبرص القريبة عن مخاوفها من هجرات وقدرة الجزيرة على استيعاب من سيهربون منهم عبر البحر.

من سيخلف الأسد؟

وبعيدا عن إشكاليات الحراك السكاني والهجرات وتأثر دول الجوار، فما يخيف المراقبين هي المرحلة التي ستلي الأسد ومن سيقود البلاد، ففي الوقت الذي ظهرت فيه معارضة في ليبيا تخوض حربا أهلية مع النظام، فيما حمى الجيشان التونسي والمصري الثورة فمنظور الحرب الأهلية غير مستبعد. وهو الخيار الذي لا يستبعده السوريون أنفسهم حيث نقلت 'أوبزيرفر' عن محلل سوري في دمشق قوله أن لا احد يتنبأ بما سيحدث لو سقط الأسد. وما زاد من هذا العنف هي الشائعات التي تحدثت عن مواجهات بين فرق الجيش في درعا التي بدأت فيها الانتفاضة. من كل هذا يفهم الخلاف الدولي حول ما يجري في سورية وحول شخصية الأسد التي لا تزال أقلية ترى فيه إصلاحيا، وترى الأقلية انه يمكن إقناع الأسد للمضي في طريق إصلاح حقيقي وهذا ما يفسر غياب اسمه عن قائمة العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد أركان نظامه. وهناك من يرى أن هذا الافتراض قائم على فكرة تأثير الأسد مع أن المؤسسة الأمنية أقوى منه. فيما يرى آخرون أنه قوي ولا يزال قادرا على ضم شمل النظام مع أنه لم يعد بعثيا، خاصة أن حزب البعث في ظله أصبح مهمشا.

مبدأ اللا عنف

وفي غياب الموقف الدولي الواضح بدأت أصوات تدعو إلى أن تعتمد أمريكا على مبدأ اللا عنف في التعامل مع الربيع العربي. ففي مقال رأي كتبه اندرو باسيفتش المحاضر في جامعة بوسطن، في 'لوس أنجليس تايمز' قال فيه إنه أن أرادت الولايات المتحدة أن تعم الديمقراطية العالم العربي بدلا من القهر والإجبار فعليها أن تضرب المثال الذي يحتذى به. وقال الكاتب أن الموقف الذي اتخذته أمريكا من ليبيا بدعوى الأخلاقية وحماية المواطنين يختلف عن موقفها من البحرين مما يجعلها محلا للاتهام بالنفاق. وفي ضوء هذا الموقف القائم على معايير مزدوجة تساءل الكاتب فيما أن كانت واشنطن قادرة على تشكيل موقف من الربيع العربي، إستراتيجية إيجابية متناسقة مع قيمها بدلا من إنتاج حفر عميقة. وقال إن الإجابة صحيحة وهي تبني مبدأ اللا عنف، لغاندي ومارتن لوثر كينغ.
ويعتقد الكاتب أن هذا الموقف ممكن ومجد من خلال كشف القناع عن الأنظمة الاستبدادية ونزع الزيف عنها، كما أن المدخل مهم لان أمريكا لا تؤثر على الأحداث التي تجري في العالم العربي، وللعرب في النهاية أن يقرروا شكل الحكم الذي يرغبون به: إسلامي أم ليبرالي. وذكر الكاتب أن أمريكا ولسنوات استخدمت الحرب في الوقت الذي كانت تتحدث فيه عن السلام. وأكد أن الدم في الشرق الأوسط وإسالته تقود إلى دم أكثر وأن أمريكا أمام فرصة تاريخية لتصحيح إستراتيجيتها لا يلعب العنف فيها أي دور.

القدس العربي اللندنية - GMT 0:00:00 2011 الاثنين 2 مايو

0 تعليقات::

إرسال تعليق