الثلاثاء، 24 مايو 2011

شرطان للتشريع في ظل حكومة تصرف الأعمال: تحديد الظرف الاستثنائي.. وتحديد جدول أعماله

ما تزال إشكالية انعقاد المجلس النيابي في جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف الأعمال قائمة رغم دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجنة الإدارة والعدل وهيئة مكتب المجلس لاجتماع مشترك لمناقشتها. من الملاحظ أن وجهات النظر، التي صدرت لمقاربة هذه الإشكالية، استندت أو انطلقت في تحليلها من المادة 69 ـ دستور التي تحدد حالات تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، وجاء في البند الثالث منها ";عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة";. وطالما أن المجلس في دور انعقاد عادي أساساً حتى نهاية شهر أيار الحالي عملاً بأحكام المادة 32 ـ دستور، فإن الإشكالية هي هل إن المجلس يمكن أن يشرِّع في أي دور انعقاد عادي أو استثنائي في ظل حكومة تصريف الأعمال؟
ما يبرر هذه الإشارة أن القاعدة في فتح دورة استثنائية لا تنشأ إلا بصدور مرسوم يصدره رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء وفق المادة 33 ـ دستور، ولهذا فإن اعتبار المجلس في دور انعقاد استثنائي عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 69 هو استثناء للقاعدة مما يقتضي تفسيره بالنطاق الضيق عملاً بأصول التفسير. وأول ما يستوقف في المادة 69 النص على أن المجلس يصبح في دورة انعقاد استثنائية ";حتى تأليف الحكومة ونيلها الثقة";. ألا يفسح هذا التحديد القول إن ماهية دورة الانعقاد الاستثنائية هذه قد تحددت. فالقاعدة في فتح الدورات الاستثنائية تبعاً للمادة 33 ـ دستور نصت على وجوب أن يتضمن مرسوم افتتاح الدورة الاستثنائية ";افتتاحها ـ أي تاريخ بدئها واختتامها وبرنامجها";. ولم يحصل حتى اليوم أن صدر مرسوم يقضي بفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي من دون أن يتضمن جدول أعمالها. ولأن القاعدة رسمتها المادة 33، على أساسها يتوجب تفسير ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 69. فلا يمكن التسليم بأن الدورة الاستثنائية الحكمية التي تنشأ بفعل اعتبار الحكومة مستقيلة يمكن أن تفسر بأن ماهيتها، أي جدول أعمالها، يكون أوسع مدى من الشروط التي جاءت بها القاعدة لافتتاح الدورات الاستثنائية. قد يكون ذلك مقبولاً جدلاً لو أن ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 69 اقتصر على النص على أن يكون المجلس في دور ";انعقاد استثنائي"; من دون ذكر مهلة انتهاء تلك الدورة التي تحددت بـ";حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة";، أما وقد جاء هذا التحديد في النص فهذا يعني أن جدول أعمال الدورة الاستثنائية الحكمية للمجلس عند اعتبار الحكومة مستقيلة تحدد بـ";حتى تشكيل الحكومة ونيلها الثقة"; من دون أي أمر آخر. وهنا يمكن القول إن المشترع الدستوري قد ميّز بين انعقاد المجلس في دورة استثنائية عادية تفتح بموجب المادة 33 ـ دستور وبين انعقاد المجلس في حالات استثنائية عملاً بأحكام الدستور، ودائماً كان في الحالة الثانية التي لا تستوجب فتح الدورة بمرسوم عملاً بالمادة 33 يكون الانعقاد لغاية محددة حصراً. وهذا ما يتبين بما جاء في المادة 73 التي جاء فيها إذا لم يدع المجلس لانتخاب رئيس الجمهورية في المواعيد المحددة ";فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس";، وبالمادة 33 التي ألزمت المجلس بالاجتماع فوراً لانتخاب رئيس الجمهورية إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة أو استقالة أو...";، ويعتبر المجلس في مثل هذا الاحتمال هيئة انتخابية (المادة 75) كما أن المادة 73 لا تتيح للمجلس عند اجتماعه في اليوم العاشر إلا انتخاب الرئيس... وهكذا. وما يجب أخذه بالاعتبار في المادة 69 ـ دستور أن البند الثالث منها، الذي يحدد واحدة من الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة، كان عند ";وفاة رئيس الحكومة"; فإذا اعتبرت الحكومة مستقيلة بوفاة رئيسها يعتبر المجلس في دور انعقاد استثنائي ";حتى تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة"; وفق نص الفقرة الثالثة من المادة. فإذا كان للمجلس أن يشرِّع في ظل حكومة تعتبر مستقيلة فمن يوقع مع رئيس الجمهورية القوانين التي تصدر عن جلسة تشريعية تنعقد في مثل هذه الحالة في ظل ما جاء في الفقرة الرابعة من المادة 64 ـ دستور والمادة 54 ـ دستور التي أوجبت أن يشترك في التوقيع على مراسيم الإصدار رئيس مجلس الوزراء. هل يمكن للمجلس أن يشرّع توقيع رئيس متوف بمفعول رجعي؟ أن هذا السبب لاعتبار الحكومة مستقيلة يمكن أن يفسر ماهية دورة الانعقاد الحكمي الواردة في المادة 69 خصوصاً في ظل عدم وجود نائب لرئيس الحكومة محدد الصلاحيات ومنها الإنابة بالتوقيع على القوانين التي يحيلها المجلس للإصدار والنشر عندما يكون رئيس الحكومة متوفى. والمسألة الأهم التي أغفلها أكثر الذين قاربوا الإشكالية المطروحة هي قراءة المادة 69 من دون الالتفات الجدي لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو المبدأ الذي استولد منه النظام البرلماني الديموقراطي أصلاً. فهذا المبدأ لم يطبق أصلاً عملاً بقواعد قانونية موضوعة مسبقاً إنما ظهر وتكون ووضعت نصوصه وأصوله لقوننة مسار عملي، بمعنى أن تطبيق المبدأ جاء قبل وضع قواعده وقد تكرس ذلك في بريطانيا من خلال ما عرف بقانون ";الحواجز والموازنات";، وهذا يعني أن السلطات الدستورية وإن كانت مستقلة في ذاتها إنما هي مختلفة في هيئاتها ومتعاونة في ممارسة وظائفها واختصاصاتها لأن ";سلطان الدولة في الأصل لا يتجزأ"; فالفصل يكون في الوظائف فقط والغاية من ذلك الحؤول دون تمركز السلطات بيد هيئة واحدة، الأمر الذي اعتبره مونتسكيو في ";روح الشرائع"; نافياً لوجود الحرية وسبيلاً للطغيان. لهذا فإن أي تفسير للمبدأ يجب أن يكون لمصلحة مشاركة السلطات مع بعضها وفق النصوص الموضوعة، وليس لمصلحة أي تفسير آخر. وقد أخذ الدستور اللبناني بهذا المفهوم عندما لم يكتف بالنص على اعتماد مبدأ الفصل، إنما أوضحه في المقدمة عندما استتبعه ";بالتعاون والتوازن بين السلطات";، الذي جاء قريباً من مفهوم ";الحواجز والموازنات"; الذي شكل الصورة الأولى لمبدأ الفصل. وهذا أيضاً يجب أخذه بالاعتبار عند قراءة الفقرة الثالثة من المادة 69 ـ دستور، كونه يدخل في الأساس ودائماً عندما تسقط المسؤولية تسقط معها الصلاحية، فالسلطة لا يحدها إلا السلطة. ولكن... إن هذه المقاربة للمادة 69 ـ دستور وإن كانت تجنح لاعتبار أن التشريع في ظل حكومة تصرف الأعمال غير جائز تصطدم أو يحد من مفاعيلها إمكان وجود ظرف استثنائي ما يستوجب التشريع انسجاماً مع المصالح الوطنية، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك يمكن الإشارة منها إلى الظرف الاستثنائي الذي فرض تمديد ولاية المجلس المنتخب سنة 1972 ثماني مرات متتالية امتدت على مدار 16 سنة فمثل تلك القوانين التي صدرت للتمديد مستغربة في أي نظام إلا أنها كانت مبررة بالأسباب الموجبة التي جاءت في المشروع المعجل المكرر الذي أقر سنة 1976 وقد جاء فيها: ";إن الظروف الأمنية الراهنة التي تمر بها البلاد لا تمكن من إجراء انتخابات نيابية، وبما أن ذلك يؤدي إلى فراغ دستوري في السلطة التشريعية ويستلزم البحث عن مخرج يحفظ دعائم الشرعية والدستورية في البلاد... وضعت الحكومة مشروع القانون المعجل المرفق";. ومن المعلوم أن الظرف الاستثنائي لا ينشأ عن حالة أمنية فقط إنما عن حالات أخرى تفرض المصلحة الوطنية مواجهتها من دون تأخير، وتحديد هذه المصلحة وكما الظرف الاستثنائي ليس صلاحية حكومية فقط إنما من مجلس النواب أيضاً وربما أولاً. ولذلك يمكن لمجلس النواب أن يشرِّع في ظل حكومة تصرف الأعمال إذا ما توافر شرطان هما: أولاً، تحديد الظرف الاستثنائي والآثار المترتبة على عدم مواجهته. ثانياً، أن يقتصر التشريع على المشاريع والاقتراحات التي تدخل في إطار الرؤيا لمواجهة الظرف مباشرة أم غير مباشرة.

أحمد زين - السفير 24 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق