الثلاثاء، 24 مايو 2011

سليمان يودّع نصف الولاية الرئاسية متسلّحاً بالتفاؤل: واجبات تحقّقت وعثرات برزت.. والصيغة هي التحدي

Free Image Hosting at www.ImageShack.us
سليمان خلال جلسة القسم العام 2008 (م. ع. م)
غداً في الخامس والعشرين من أيار، وهو عيد المقاومة والتحرير، يتمّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان السنة الثالثة من ولايته الرئاسيّة الدستوريّة الّتي تمتدّ لستّ سنوات، وهو إذ يطوي النصف الأوّل من عهده، فإنّه ما يزال عازماً ومصمماً على وضع الخطوط العريضة من خطاب القَسَم موضع التنفيذ، كخارطة طريق إلى «الجمهوريّة الثالثة».

من يجالس رئيس الجمهورية في هذه الأيام، يشعر كم أنّ هذا الرّجل الجبيلي المترعرع في صلب جغرافيا الوحدة الوطنيّة ومؤسسة الانصهار الوطني (الجيش) يضع نصب عينيه نموذج الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، ويتوق إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة بما يماثل تلك الدولة الّتي أرسى بنيانها العهد الشهابي.

ويكفي للدلالة على هذا النفس الشهابيّ أن سليمان وخلال تولّيه قيادة الجيش، كرّم فؤاد شهاب بما يليق بالراحل عبر معرض يروي سيرته ومن خلال إطلاق اسمه على كليّة القيادة والأركان في الجيش اللبنانيّ.

هذا النهج الشهابيّ الّذي انقطع سياقه عشية الحرب الأهليّة، وتحديدا في نهاية الستينيات، يجهد رئيس الجمهوريّة لإعادة تكريسه، لكن ظروف النصف الأوّل من الولاية لم تسمح بتوفير الظروف لإعادة صياغة المؤسسات وجعلها أكثر شفافية والتصاقاً بهموم المواطنين، بدليل أن ثلث النصف الأول من الولاية، أي بحدود السنة، ذهب تحت عنوان تصريف الأعمال، من دون إغفال التأثيرات السلبية للانقسام السياسي المتمادي طائفيا وسياسيا ومذهبيا، وفي الوقت نفسه، الاشتباك الجاري في المنطقة، لكن لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّه في ظلّ واقع عدم الاستقرار السياسيّ، فإنّ العهد السليمانيّ في سنواته الثلاث أمّن الصمود لمؤسسات الدولة بالرغم من كلّ ما طالها من ظلم واعتراها من وهن.

ويمكن تحديد ما اعترض النصف الأوّل من الولاية من معوّقات وعثرات أدّت إلى إبطاء مسيرة الدولة وأبرزها:

1- استهلاك نحو سنة من أصل ثلاث لتشكيل ثلاث حكومات متعاقبة وآخرها لم تبصر النور حتى الآن.

2- التناقضات والتجاذبات والمناكفات ضمن الحكومة الواحدة وخلال جلسات مجلس الوزراء بفعل الانقسام السياسيّ وانعدام الثقة بين الأفرقاء المنضوين في الحكومة الواحدة.

3- بروز إشكاليّات دستوريّة لم تسمح لرئيس الجمهوريّة في غياب الصلاحيّات الفاعلة من أخذ القرارات والأمور باتجاه الحسم بعد استنفاد إمكانيّات التواصل.

ويندرج في خانة الإيجابيّات أمور عدة أبرزها:

- إنّ السنوات الثلاث من العهد، هي السنوات المتتالية الوحيدة منذ العام 1973 الّتي شهدت استتباباً للأمن والاستقرار في لبنان في غياب أي دعم خارجيّ.

- تمكّن لبنان من درء العدوان الخارجيّ، وتمثّل ذلك في المضي بمحاربة الإرهاب وتفكيك شبكات التجسس الإسرائيليّة وتجنّب الارتدادات السلبيّة للأزمات الإقليميّة من جهة وللأزمة المالية العالمية من جهة ثانية..

- تحسين موقع لبنان ودوره على الساحة الدوليّة لا سيّما على صعيد الحضور اللبنانيّ في العالم، وأبرز إنجازين تمثّلا في إقامة علاقات ديبلوماسيّة منجزة مع سوريا، والفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن والتواصل بصورة أفضل مع الاغتراب اللبنانيّ.

- إدارة الحوار الوطنيّ، الّذي مكَّن الأقطاب الأساسييّن في البلد من كسر الجليد في العلاقات الشخصيّة وفي مقاربة الملفّات الخلافيّة والتقدّم خطوات في مسألة تحديد الخطوط العريضة للإستراتيجية الوطنيّة للدفاع.

- احترام الاستحقاقات الدستوريّة وإنجاز الانتخابات النيابيّة (2009) والبلديّة (2010) في مواعيدها.

- تحقيق معدّل نمو مرتفع، وجذب المزيد من السياح والمصطافين والمستثمرين والودائع المصرفيّة إلى لبنان.

- إقرار آليّة نموذجيّة للتعيينات تؤمّن الحدّ الأدنى من تكافؤ الفرص وترفد الإدارة بدم جديد.

لقد قدّم رئيس الجمهوريّة صيغة العيش المشترك على أنّها التحدّي اللبناني الأبرز في الألفيّة الثالثة، وأنّ على الدول العربيّة والإسلاميّة كما على المجتمع الدولي تحدّي إنجاح الصيغة اللبنانيّة، واستحوذ هذا الموضوع على حيّز كبير من كلام سليمان مع قادة ورؤساء وملوك عرب وأجانب، مؤكداً في الوقت نفسه، أنّ المشاركة الإلزاميّة للطوائف في السلطة ميزة لبنانيّة انطلاقاً من الديموقراطية التوافقية التي تحفظ حقوق جميع مكونات الوطن، وهذا الأمر أضحى حاجة عالمية في يومنا الحالي.

والمهمّ بالنسبة لرئيس الجمهوريّة هو «التقيّد باتفاق الطائف، الّذي أصبح دستوراً، نصاً وروحاً»، وليس صحيحاً على الإطلاق أنّه طلب تعديله، «إنّما الصحيح هو الدعوة المستمرّة لاستكمال تنفيذ بنوده والبحث عن حلول للإشكاليّات الدستوريّة الّتي أظهرت الممارسة الحاجة لتوضيحها وتفسيرها بما يحقّق التوازن بين الصلاحيّات من جهة والمسؤوليات من جهة ثانية».

واذا كان التجاذب السياسيّ قد عرقل الانطلاق نحو الإصلاحات المطلوبة على غير صعيد بما يؤدّي إلى إطلاق عجلة الدولة بقوّة، وفي مقدّمها قانون انتخاب عصريّ وحديث يؤمّن سلامة التمثيل وصحّته وتطبيق اللامركزيّة الإداريّة، والإنماء المتوازن، إلى القوانين الإصلاحيّة الاقتصادية وصولاً إلى الاغتراب ودوره الفاعل على الصعيد الوطنيّ، لكن رئيس الجمهورية، يبقى متمسكاً بالنفس الإصلاحي وهو الذي تحدّث صراحة عن وجوب وضع آلية لتنفيذ ما ورد في اتفاق الطائف حول تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، سعياً الى تجنيب لبنان خطر الانقسام الطائفي والمذهبي المدمّر.

ليس من المنطق السياسيّ «الاكتفاء بأخذ الحصّة كقوى سياسيّة والانكفاء عن المشاركة في تحمّل المسؤولية الوطنية، وهذا يفترض أيضاً موقفاً صريحاً وعملياً ضدّ التعطيل والاستئثار بمعنى أنّ الأكثريّة لا يمكنها الاستئثار والأقليّة لا يمكنها التعطيل» يقول رئيس الجمهورية على عتبة دخول النصف الثاني من الولاية الرئاسية..

لا ينفكّ رئيس الجمهوريّة عن بثّ التفاؤل «فوضع لبنان جيّد مقارنة بما يحصل في محيطنا، فالتغيير السياسيّ حصل في لبنان بصورة هادئة وعلى أسس ديموقراطيّة، ولكن المهمّ أن تبقى روح الميثاق الوطنيّ هي السائدة»، فالوقائع الجديدة تفرض المزيد من الأعباء على رئيس البلاد، «لأنّه الوحيد الّذي أقسم اليمين على الدستور والمؤتمن عليه نصّاً وروحاً وتطبيقاً، ممّا يجعله، خصوصاً عند حدوث المتغيّرات، أن يؤمّن التوازن قدر المستطاع بما يمنع طغيان فريق على آخر أو هيمنة جهة سياسيّة على أخرى».

ثلاث سنوات تطوي صفحتها الأخيرة لولوج النصف الثاني من الولاية الدستوريّة من دون اضطرابات أمنيّة وفي ظلّ الحرص على الاستقرار والسلم الأهلي، «الكثير من الظروف الصعبة تحيط بنا ولكن بالإيمان وراحة الضمير نستطيع المتابعة إلى النهاية السعيدة المرجوّة».

هذا ما يسمعه من يلتقي الرئيس سليمان، فالجهد سيستمرّ لتحقيق الواجبات على قاعدة أن الحكم استمرارية لا كلما انتقلت المسؤولية إلى آخر ينسف ما بناه السلف، فهذه عادة قبيحة تسكن المؤسسات اللبنانية التي اعتادت أن تبدأ دائماً من الصفر، يجب الإقلاع عنها نهائياً.

(غداً الجزء الثاني: سليمان في عيون خصومه)

داود رمال - السفير 24 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق