الأربعاء، 11 مايو 2011

الدور المركزي لمقام النبي شعيب (ع) في حياة الدروز في فلسطين

الدور المركزي لمقام النبي شعيب (ع) في حياة الدروز في فلسطين

يتمتع مقام النبي شعيب (ع) في حطين بأهمية بالغة في حياة المواطنين الدروز في إسرائيل منذ سنوات طويلة وقد لعب دورا مركزيا وكبيرا في تقرير مصيرهم وفي المحافظة على وجودهم منذ القدم وما زال. ولا يوجد في البلاد مكان ديني أو إداري له هذه الأهمية مثل المقام وقد تحوّل مع الوقت إلى رمز وشعار للدروز بصورة عامة ولدروز إسرائيل بصورة خاصة. وإذا بحثنا عن الأسباب نجد أنها تعود للعوامل التالية:

 المقام هو أقدم موقع ديني درزي في البلاد , فقد ذكرت المصادر التاريخية أن المقام بني في عهد صلاح الدين الأيوبي, أي بعد إنتشار الدعوة بحوالي مائة سنة فقط, وهو قائم منذ ذلك الوقت. وكان في فترات مختلفة بشكل أو بآخر, هدفا دينيا مرموقا ومقصدا للحجاج والزوار والمؤمنين. وكان الدروز يتوافدون على المقام في مراحل متعددة من التاريخ, مما يثبت أنه المكان المركزي منذ القدم. وقد زادت أهمية المقام طبعا بعد أن تم ترميمه عام 1882 من قبل الرئاسة الروحية آنذاك وبمبادرة من الرئيس الروحي الشيخ مهنا طريف. وبعد هذا التاريخ تحول المقام إلى موقع مركزي في حياة الدروز ليس فقط في فلسطين, وإنما في المنطقة كلها, التي يتواجد فيها دروز وذالك طوال كل أيام السنة وخاصة في أيام الزيارة التقليدية في نيسان. ومع أنه توجد أماكن دينية مقدسة بجانب القرى الدرزية أو في داخلها, إلا أن مقام النبي شعيب (ع) ظل طوال الوقت الأهم والأكثر زيارة ورواداً.


 النبي شعيب عليه السلام هو من أهم الشخصيات الدينية لدى الموحدين الدروز:

يحظى سيدنا شعيب عليه السلام, بمكانة مرموقة في أوساط الطائفة الدرزية الدينية وغير الدينية. فمكانته عند رجال الدين معروفة ومكانته كبيرة عند القسم غير المتدين من أبناء الطائفة, فبالإضافة إلى كونه شخصية دينية مرموقة, هو كذلك شخصية تاريخية, لعبت دوراً في حوادث الأيام, خاصة في الدور الكبير الذي قام به مع النبي موسى عليه السلام, حيث دعمه وأرشده وعلّمه اصول الإدارة, وتنظيم صفوف شعبه, كما انه كان معه حينما تسلم الوصايا العشر ونزلت عليه النبوءة. ويذكر التاريخ كذلك موقفه من شعب مديَن, الذي خالف أصول المعاملات التجارية, ودعوته إلى الصدق والأمانة في البيع والشراء, ومواقفه الاخرى بين الشعوب التي عاش فيها. ويحظى النبي شعيب عليه السلام, بقدسية عند كافة الطوائف والأديان, وبمكانة تاريخية هامة عند رجال التاريخ والفكر, وهذا المركز الرفيع يؤثر على تعلق الدروز به وبمكانته وبمنزلته وتهافتهم على زيارة المقام الشريف.

 موقع المقام الجغرافي بعيدا عن أي استيطان درزي:

يقع المقام بالقرب بحيرة طبريا, ولا يوجد بجواره اي قرية درزية, وأقرب قرية منه هي قرية المغار. ولهذا الموضوع أهمية حيث ان المقام لا يخضع لتأثير او سيطرة قرية معينة, مما يجعل تواجده مرتبطاً بتلك القرية بالحصر. هذا طبعاً لا ينقص من قيمة اي مقام موجود في قرية, لكن معظم المقامات الموجودة في القرى, تقع غالبا في وسط القرية, وهذا يجعل الناس يختصرون زيارة هذه المقامات, لئلا يزعجوا سكان القرية او بسبب عدم توفر أماكن وقوف سيارات كافية او لوجود حساسيات أخرى. أما مقام النبي شعيب عليه السلام, فهو موجود في منطقة محايدة, ويشعر كل درزي ان هذا المقام له ويشعر فيه براحة واطمئنان.

 إتخاذ المقام بعد قيام الدولة محور كل نشاط متعلق بالطائفة:

بعد قيام الدولة, استعاد فضيلة المرحوم الشيخ أمين طريف, النهج الذي كان متبعاً قبل قيام الدولة, لإجراء زيارة سنوية للمقام في الخامس والعشرين من نيسان من كل عام. وقد بدأ هذا النهج عام 1884 حينما قام المرحوم الشيخ مهنا طريف الرئيس الروحي للطائفة آنذاك بترميم المقام بعد ان جمع التبرعات من كافة القرى والتجمعات الدرزية, ولمّا تمّ تجهيز المقام دعا الدروز آنذاك لتدشينه في الخامس والعشرين من شهر نيسان, وتحول هذا التاريخ إلى زيارة سنوية دائمة. وفي أواسط الثلاثينات طالب سكان قرية حطين المسلمون والأوقاف الاسلامية, بالإستيلاء على المقام, وقد أدار الحملة القضائية, المرحوم الشيخ سلمان طريف, بمساندة المرحوم الشيخ امين طريف, وتوصّل الأمر إلى المفتي أمين الحسيني, وإلى تدخل سلطان الأطرش وإلى محكمة طبريا. ولم يُبتّ في الأمر حتى قامت دولة إسرائيل, وحصل فضيلة الشيخ أمين طريف على الرخص والجوازات التي تثبت ملكية المقام للطائفة الدرزية. وقد دعا فضيلة الشيخ رؤساء الدولة للاشتراك في الاحتفال السنوي وبذلك رسّخ مركزية المقام في حياة الدروز في إسرائيل.

 تحوّل المقام إلى رمز عند الدروز الغير متدينين:

في عشرات السنوات الاخيرة أصبح مقام النبي شعيب عليه السلام جزءا لا يتجزأ من حياة كل فرد من افراد الطائفة في البلاد. المتدين يزوره للقيام بالشعائر الدينية والدعاء والصلوات والغير متدينين يزورنه قدسية وخشوعاً وإيماناً منهم أنه يرعاهم ويحميهم. والمثقفون يزورونه لأنهم يعتبرونه رمزاً لكيانهم ووجودهم وأهليتهم للانتماء للطائفة الدرزية. والجنود الدروز يحلفون بجواره اليمين العسكرية التي تؤهلهم لخدمة الطائفة والوطن. والطلاب الدروز يقومون فيه بمشاريعهم في نطاق الكشافة والتراث لأنه يمثل الوجود الدرزي بأكمله. وهكذا فكل شريحة من شرائح المجتمع الدرزي تجد فيه المثل الأعلى والنبراس الذي يضيء سبيلها ويشجّعها على التقدم والبقاء.

 عدم تسلط أي قرية أو عائلة أو فئة على الطائفة:

تشرف على إدارة المقام اليوم الرئاسة الروحية وتقوم بحصر أموال التبرعات لجنة دينية خاصة بمساعدة مراقب حسابات متخصص بالموضوع وتقوم بواجبها هذا بين الفينة والاخرى تحت رقابة من يرغب بذلك وتوضع الأموال التي توجد في الصندوق حالا في البنك لحساب وقف سيدنا شعيب. وحسابات الوقف الداخل والخارج مفتوحة أمام الجمهور لكل من يريد الاطلاع عليها. والرئاسة الروحية تنظم شؤون المقام وترتب موضوع الزيارات فيه واستقبال الضيوف من كل مكان وهي تفسح المجال طبعا لجميع أبناء الطائفة الدرزية ان يزوروه وأن يقوموا بإيفاء النذور طبعا بمراعاة الآداب العامة والأصول والتقاليد.

 الترميمات الجديدة التي أقيمت فيه جعلته رمز فخر واعتزاز لجميع أبناء الطائفة:

لقد قام فضيلة الشيخ موفق طريف في السنوات الاخيرة بإكمال ما بدا به فضيلة المرحوم الشيخ امين طريف وبإجراء ترميمات واسعة النطاق وبأعمال تطوير جذرية وهامة في تاريخ المقام. فقد اضاف إلى البناية الأصلية القائمة منذ ثمانمائة سنة قاعة كبيرة ومرافق جديدة مبنية من الحجر وبتقنية عالية حيث أصبح المقام من أجمل المؤسسات الدينية في العالم. وفي الساحة العامة تم تعبيد مساحات كبيرة منها وإقامة طاولات لخدمة الزوار وترتيب الساحة بشكل ينظم وجود عدد كبير من الزوار في لحظة معينة ويستطيع عدد كبير جداً من أبناء الطائفة من مختلف القرى أن يحضر إلى المقام وأن يدعو إليه من يشاء وأي عدد يشاء ويمكن أن يحدث ذلك في وقت مركّز ولا يؤثر واحد على الآخر بل هناك اتساع في المساحة ورحابة صدر عند المشرفين والمسؤولين. ولكن على الراغبين بإيفاء نذر في المقام الشريف تنسيق ذلك مع المشرف على المقام. لقد زار المقام في الآونة الأخيرة عدد كبير من الضيوف من الخارج وأعجبوا في نقاوته وطهارته وأشادوا بالتخطيط المناسب الذي يفسح المجال أمام عشرات الاف الزوار ان يتواجدوا فيه في نفس الوقت ويمنح الزائر الفرد الشعور الطيب بأنه موجود بأيادٍ أمينة. هذا وتستمر الرئاسة الروحية في ترميم المقام لتجعله تحفة هندسية فنية رائعة وهذا يلاقي صدى عند أبناء الطائفة الدرزية الواعين الذين يعتزون بالمقام ويفتخرون به وهم مستعدون على التضحية بكل غالٍ وثمين من أجله.

العمامة - 02 يناير 2010


120 سنة على بداية الزيارة السنوية التقليدية لمقام النبي شعيب (ع) في حطين

عندما أشرف بناء المقام على الإنتهاء, في نهاية عام 1884, اجتمع أعيان بلادنا للتشاور حول موعد الإفتتاح, وبعد التشاور, استمرّ رأي المجموعة الساحقة منهم, على أن يكون موعد الإفتتاح والتدشين, في تاريخ الخامس والعشرين من شهر نيسان عام 1885. وقد تمّ اختيار هذا التاريخ لأسباب عدّة أهمها :
 في شهر نيسان, وبما أن الطائفة الدرزية, الأغلبية الساحقة منها, تعمل في الزراعة, يكون الفلاح منتظراً حصاد مزروعات الشتاء, وبانتظار زرع مزروعات الصيف. لهذا, فموعد الإفتتاح لا يعيق المزارع.
 شهر نيسان يُعتبر شهر الخير والبركة، الأرض تغطيها حلة خضراء, تكفل طعاماً وفيراً للحيوانات التي شكلت وسيلة النقل الوحيدة آنذاك، ولهذا لا حاجة لتأمين طعام لها, لأن طعامها الأعشاب, ولا تحتاج لمزيد عن ذلك. يُضاف الى ذلك, أن طرق المواصلات آنذاك كانت, وخاصة بذلك الوقت, مليئة بالبرك والمستنقعات, والتي زوّدت المسافرين حاجتهم وحاجة حيواناتهم بما يحتاجونه من الماء.
 لا شك أن موعد التدشين, اختير بدقة من حيث لا يتعارض مع المواعيد الأخرى لزيارة باقي الأماكن المقدسة في سوريا ولبنان. ومن الجدير ذكره, أنه وقبل تحديد الموعد, تمّ إعلام الزعامة الدينية الدرزية السورية واللبنانية, وأخذ موافقتهم.
 تمّ استشارة السلطة العثمانية, والحصول على موافقتها ليوم التدشين. وتكفلت برعاية وحماية الإحتفال ورضاها بالموعد وتأييدها للمناسبة.
وبناءً على ذلك, تجمهرت واجتمعت الحشود الدرزية في الموعد المحدد آنذاك, وكان اجتماعاً ضخما,ً شاركت به الزعامة الدينية الدرزية عامّة في سوريا ولبنان وبلادنا، وعجّ المقام الشريف بالعمائم البيضاء والملابس الزرقاء التي تميّز بها رجال الدين الدروز. وفي هذا الإجتماع الحاشد, وبعد الإطّلاع على ما أُنجِز به هناك, ثم الصلاة في الخامس والعشرين, احتشدت الوفود هناك, وخطب المرحوم الشيخ مهنا طريف, بما يليق الخطاب في المناسبة والمكان, واستعرض أمامها مجرى العمل, وما تمّ انجازه, وما تمّ صرفه من الأموال التي جُمعت, وما تبقى عجزاً ولم يسدّد بعد. وكان لهذا الخطاب صدى كبير في آذان السامعين, وبعد التشاور, تمّ عرض المقترحات الآتية على مسمع من الجموع الحاشدة وهي:
 إقامة صندوق في المقام الشريف, ليشكل صندوقا للحسنات والتبرعات من الزائرين, وتنفيذ ذلك في الحال.
 إقرار يوم الخامس والعشرين من نيسان من كل عام, زيارة رسمية للمقام الشريف, يجتمع بها أبناء التوحيد لتلاوة الصلاة, والتبارك بزيارة الحجرة الشريفة, وبحث مشاكل الطائفة الدرزية وإيجاد حلول لها.
 التأييد المطلق للشيخ مهنا طريف, كوكيل معتمد على جميع الأوقاف الدرزية في بلادنا, وتجديد العهد له بمهمة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية, وممثلاً شرعياً لدروز بلادنا في كل المهمات.
لاقت هذه المقترحات الثلاثة تأييداً شبه كامل من الوفود المجتمعة, واستمرّ الحال هكذا, حيث اجتمعت الحشود الدرزية في كل عام, من نفس التاريخ, في باحة المقام للإحتفال. وبعد مرور أربع سنوات من التدشين, أي في عام 1889, قضت الحكمة الربّانية بوفاة المرحوم الشيخ مهنا السيد, وانتقاله الى جوار ربه. أمّا الزيارة فاستمرت على حالها, وكما تقرر لها على يد المرحوم الشيخ طريف طريف, الذي تمّ تعيينه خلفاً لأخيه الأكبر في الزعامة الدينية, والإشراف المباشر على الأوقاف الدرزية في بلادنا. وقد صدر فرمان عثماني رسمي, بتعيينه قاضي مذهب للطائفة الدرزية في بلاد صفد ومنطقة بيروت. وجدير بالذكر انه من حيث التقسيم الإداري للدولة العثمانية, ونظراً لتمركز ابناء الطائفة الدرزية في المنطقة الشمالية لبلادنا, والتي دُعيت آنذاك بلاد صفد, اعتبرت بلاد صفد تابعة لولاية بيروت. واستمرّ أبناء التوحيد في زيارة المقام الشريف في الموعد المحدد باستمرار، لكن وفي الحرب العالمية الأولى, وما رافقها من نكبات ومظالم, وانعدام الأمن والأمان, انقطع ابناء التوحيد في سوريا ولبنان, من زيارة المقام الشريف لفترة من الزمن. ويمكن القول ان الزيارة كانت تُقام عندما تسمح الظروف بذلك.
وفي عام 1935 مرض المرحوم الشيخ ابو حسن منهال منصور من عسفيا لفترة طويلة, ونظراً لما عُرف عنه من الأخلاق السامية, والطاعة لرب العالمين, وما أثار من الإعجاب بأُسلوبه الشيق الرقيق في الإرشاد, توافدت جماهير كبيرة لزيارته والإطمئنان على صحته. وصدف ان اجتمع في بيته في منتصف شهر نيسان في ذلك العام جموع من زعامة الطائفة, وأثارت هذة الجموع موضوع الزيارة للمقام وتقرّر إنعاشها وتجديد النشاط لها وبث الرغبة بين أبناء التوحيد لتأدية مراسيمها. وبما أن الزيارة كانت قريبة, اتجهت تلك الوفود برئاسة سيدنا المرحوم الشيخ أمين طريف, وبرفقة المرحوم الشيخ ابو حسن منهال منصور نحو المقام الشريف واحيوا الزيارة المباركة. وفي عام 1940 وعندما زار بلادنا وفد رفيع المستوى برئاسة عبد الغفار باشا الأطرش, بهدف الوساطة لحل مشكلة في شفاعمرو, وبعد نجاح الوساطة استحسن الوفد القيام بزيارة المقام الشريف. واستقبلتهم هناك مشايخ البلاد برئاسة المرحوم الشيخ أمين طريف. ثم وبعدها وأثناء زيارة أمير البيان شكيب أرسلان لبلادنا مكث ما يقارب الأسبوع بضيافة سيدنا المرحوم الشيخ أمين طريف عام 1941, وأثناء زيارته هذه قام بزيارة المقام الشريف وهناك قال عبارته الشهيرة وهي :" كما يحق للأمة الإسلامية المباركة الإفتخار بالكعبة المكرمة, وكما يحق للأمة النصرانية الموقرة الإفتخار بكنيسة القيامة، يحق للطائفة الدرزية الإفتخار بالمقام الشريف." وتوالت زيارة أعيان الطائفة الدرزية من سوريا ولبنان, وكانت أهمها زيارة عام 1947 هذه الزيارة التي شارك بها عدد ضخم من ابناء الطائفة الدرزية من سوريا ولبنان, وكان على رأس الوفد المرحوم سيدنا الشيخ ابو حسين محمود فرج، ولا يزال يذكر الإخوة الذين شاركوا بالزيارة, أنه التقى في ساحة العين آنذاك الوفود اللبنانية والسورية برئاسة الزعامة الدينية, مع وفد بلادنا برئاسة المرحوم الشيخ امين طريف, وعند اللقاء تعانق المرحومان, وتقدّما متاشبكي الأيدي, أمام ذلك الوفد الحاشد, ومن شدة الزحمة وكثرة الزوار, تعذر على المرحوم سيدنا الشيخ ابو حسين محمود فرج, الوصول الى الحجرة الشريفة, فما كان منه إلا أن انحنى في أول الدرج من الأسفل, وقبّل ذلك الركن هناك, وقال :" الزائر لهذا المقام الشريف اينما وصل, وحيثما قبّل يكسب نفس الثواب الذي يكسبه من يقبّل الحجرة الشريفة." ومنذ ذلك التاريخ, اتخذ سيدنا المرحوم الشيخ امين طريف له مسلكا, تقبيل نفس المكان الذي قبّله سيدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج.
بعد قيام دولة إسرائيل, حدث انقطاع في جميع طرق الاتصال بين دروز إسرائيل ولبنان وسوريا, واستمرّ هذا الانقطاع الى عام 1982 حيث تجدّد, ومعه زيارة المقام الشريف من قِبل أبناء الطائفة الدرزية في لبنان, وتكرّرت زيارة الأعيان هناك للمقام الشريف, ومنهم المرحوم سيدنا الشيخ ابو فندي جمال الدين شجاع وغيره من أعيان منطقة حاصبيا. وجدير بالذكر أن دروز هضبة الجولان شاركوا في الاحتفالات بعد عام 1967 وتحوّل اسم الزيارة من زيارة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام, الى اسم عيد النبي شعيب (ع) واعتُرف به عيداً رسميا, يعطّل به ابناء الطائفة الدرزية أعمالهم الرسمية . وفي السنوات الأخيرة تحوّل المقام الشريف الى لقاء لأبناء الطائفة في معظم ايام السنة وخاصة ايام الجمعة والسبت والأعياد.

العمامة 27 إبريل 2010



مقام النبي شعيب (ع) في كتب المؤرخين والرحالة

يرجع أول ذكر لمقام النبي شعيب (ع) إلى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، وذلك بعد أكثر من ألفين ومائتين عاما على وفاة النبي شعيب (ع) ودفنه في هذا الموقع. وسوف نذكر فيما يلي أهم أولى المؤلفات التي يرد بها ذكر المقام الشريف، مع ذكر أسماء مؤلفيها وسني تأليفها، أو السنة التي جرت بها الزيارة.
أول من ذكر مقام النبي شعيب (ع) هو الرحالة والشاعر الفارسي ناصري خسرو (1003- 1088م) الذي زار البلاد عام 1047 خلال الفترة الفاطمية (970- 1099) ، قليلا بعد إغلاق الدعوة الدرزية (1017- 1043). وقد ورد ذكر المقام الشريف في كتابه الذي دون به أخبار رحلته والذي دعاه باسم " سفر نامه". وقد أخطأ خسرو في وصف المقام.
ونظرا لأن أول ذكر لمقام النبي شعيب (ع) في حطين يرجع إلى الفترة الفاطمية، وهي فترة تأسيس ونشر مذهب التوحيد الدرزي، فمن المرجح أن يكون الشيخان أبو الدرع جوشن وأبو اللقا ثابت، وهما من مشايخ عصر الدعوة الدرزية، قد اتخذا من الكهف الذي دفن به النبي شعيب (ع) مكانا للقائهم ولتنظيم أمورهم ونشر المذهب الجديد.ومن الجدير بالذكر أن الشيخ أبا اللقا ثابت كان شيخ قرية السافرية، وكلا القريتين كانتا من قرى منطقة الجليل الأسفل الشرقي، التي كان يطلق عليها في ذلك الزمان اسم " الحما".
بعد ذلك ورد ذكر المقام في كتاب " الإشارات إلى معرفة الزيارات" للمؤرخ والرحالة أبي الحسن علي بن بكر الهروي، وكان ذلك عام 1173. وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) في كتاب " تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار" المعروف برحلة ابن جبير، للرحالة الأندلسي محمد بن أحمد بن جبير (1145- 1217) الذي زار البلاد عام 1184 خلال الفترة الصليبية (1099- 1285).
وورد ذكر المقام في كتاب " الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة" للمؤرخ الحلبي عز الدين محمد بن شداد ( 1217- 1285). وورد ذكر المقام في كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي (1179 - 1229) المؤرخ والجغرافي المشهور الرومي الأصل والعربي النشأة. وورد ذكر المقام أيضا في كتاب "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" لشمس الدين أبي عبد الله محمد الدمشقي المتوفى عام 1329.
وهنالك ذكر للمقام أيضا في كتاب "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" للقاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري، الذي كان موظفا كبيرا في جهاز الحكم المملوكي. وقد وضع العمري كتابه هذا عام 1344.
وورد ذكر المقام أيضا في كتاب "تاريخ صفد" لقاضي صفد الشيخ صدر الدين العبد الله محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي العثماني، الذي وضعه ربما بين الأعوام (1372 - 1376) خلال الفترة المملوكية (1260 - 1516)
ويرد ذكر المقام أيضا في كتابي " الخطط المقريزية"و"السلوك لمعرفة دول الملوك" للمؤرخ المصري المشهور تقي الدين المقريزي (1364 - 1441) وهو يقول في كتابه الثاني إن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري ، رابع سلاطين المماليك البحريين (حكم بين السنين 1260 - 1277) بعد أن انتزع مدينة صفد من أيدي الصليبيين عام 1266 ، جعل أراضي قرية حطين وقفا لمقام النبي شعيب عليه السلام.
وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) أيضا في كتاب "رحلة ابن بطوطة" للرحالة المغربي المشهور عبد الله ابن بطوطة (1304 - 1377) الذي زار البلاد عام 1326.
ونظرا لقرب مقام النبي شعيب (ع) من موقع معركة حطين الفاصلة التي وقعت في يومي ثلاثة وأربعة تموز عام 1187 بين جيوش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وجيوش الصليبيين بقيادة جي دي لوزينيين ملك الدولة الصليبية في فلسطين، والتي انتهت بانتصار جيش صلاح الدين وسحق القوات الصليبية، فقد ورد ذكر المقام في كتب عدد من المؤرخين القدامى الذين دوّنوا تاريخ هذه الحرب ومن بينهم نذكر بهاء الدين يوسف بن شداد (1154 - 1234) صاحب كتاب "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" وهو كتاب في سيرة صلاح الدين الأيوبي، وعبد الرحم بن إسماعيل أبا شامة (1203 - 1268) صاحب كتاب " الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" ، وأحمد ابن خلكان (1211 - 1282) صاحب كتاب "وفيات الأعيان في سيرة أبناء أهل الزمان" .
وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) في كتاب "سياحَت نامه" للرحالة التركي الشهير إقْلِيا تْشيلْبي الذي زار فلسطين في القرن السابع عشر مرتين الأولى عام 1649 والثانية في الأعوام 1670 و 1671، وهو يقول في كتابه المذكور إن ضريح النبي شعيب (ع) موجود بداخل كهف مضاء، بالقرب من قرية لا يذكر اسمها ، إلا أنه يُستنتج من وصفه لها أنها قرية حطين.
ووردت سيرة النبي شعيب (ع) وورد ذكر مقامه بحطين في كتاب "عمدة العارفين في قصص النبيين والأمم السالفين" للشيخ محمد الأشرفاني الذي وضعه عام 1659، وهو يقول فيه فيما يقول عن النبي شعيب (ع) :"....وكان قليل الكلام ناحل الجسم قليل اللحم وكان اسمه يترو بالعبرية وتابور بالسريانية وإنما سُمي شعيبا بالعربية لأن والده سلام الله عليه لما رُزقه كان يدعو لربه إلهي وسيدي إنك قد كثّرت عليّ الشعوب والقبائل بأرض مدين، فبارك لي في شعبي هذا يعني ولده فرأى في منامه أن الله عز وجل بارك له في شعبه هذا فمن ذلك سُمي شعبيا..." وعن ضريحه بحطين يقول :"... ولم يزل هو وهم (أي بني قومه أهل مدين) بأرض مدين مقيمين حتى أتى إليه موسى بن عمران المقدم ذكره وذكر ما فعله معه وأمدّه به وبعد ذلك كله مضى صلى الله عليه وسلم وارتحل من بلاد الحجاز إلى أرض الشام ونزل بقرية يقال لها حطين وتوفي فيها ودُفن بها بالقرب من جهتها الغربية بواد غير نافذ والمقام الشريف بأقصاه بحرم يسر من يراه...."
ومن بين الزوار اليهود القدامى الذين زاروا المقام ووصفوه نذكر الرابي يعقوب ابن الرابي نتائيل الكوهين الذي زار المقام في القرن الثاني عشر الميلادي والرابي شموئيل بار شمشون الذي زار المقام عام 1210 والرابي يعوق مبعوث الجالية اليهودية في باريس الذي زاره عام 1235 وتلميذ مجهول من تلاميذ الرابان (الرابي موشيه بن نحمان) في القرن الرابع عشر ميلادي، والرابي يتسحاق الفرة الذي زاره عام 1441 والرابي موشيه باسولا الذي زاره عام 1521 وكذلك القراء شموئيل بن دافيد عام 1641، والرابي موشيه هيروشلمي عام 1769 والرابي دافيد دي بيت هليل عام 1824 والرابي مناحيم مندل من كامينتس عام 1833 والرابي رحاميم يوسف أوبالتكه عام 1876 .
أما بالنسبة للمؤرخين والباحثين والرحالة الأوروبيين، فقد بدأوا بذكر ووصف مقام النبي شعيب (ع) في مرحلة متأخرة نسبيا ومن بين هؤلاء نذكر الرحالة الفرنسي الشهير فكتور جيرين الذي أجرى أعمال مسح جغرافي وتاريخي وأثري واسعة في البلاد ودوّنها في كتابه المتعدد الأجزاء "وصف جغرافي وتاريخي وأثري لفلسطين" الذي صدر في باريس عام 1880، وكذلك كولدر وكونشينر اللذين أجريا أعمال مسح علمي مماثلة في البلاد، ودوّناها في كتابهما الهام والمتعدد الأجزاء "مسح أرض فلسطين الغربية" الذي صدر في لندن عام 1881.
ونذكر أيضا لورانس أوليفانت الذي عاش مع الدروز في جبل الكرمل والذي زار المقام عام 1884 ودوّن ذلك في كتابه "حيفا أو الحياة في الأراضي المقدسة".
وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) في كتاب "الأرض والكتاب" للباحث ورجل الدين الأمريكي طومسون الذي نشره في لندن عام 1888.
وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) بحطين أيضا في كتاب "اكتشافات جديدة كثيرة الأهمية أو الرحلة الثانية إلى فلسطين" للمستشرق الألماني الكبير يوهان سِب وقد صدر هذا الكتاب بمدينة ميونخ بألمانيا عام 1896، وكذلك في "لكتاب السنوي لفلسطين الذي نشره الباحث الألماني الشهير جوستاف دالمان في برلين عام 1905. 

بقلم د.علي الصغير - مقتطفات من مقال نشر في " مدارات" - دراسات في الفكر والثقافة والأدب، تصدر عن معهد للدراسات التعددية الثقافية، الكلية الأكاديمية العربية للتربية في إسرائيل، بإذن من المؤلف.



06 فبراير 2011 

0 تعليقات::

إرسال تعليق