الجمعة، 20 مايو 2011

الحيرة المؤذية

الأحداث والتطورات حولنا من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا، من أهدافها تحقيق بعض ما نتمتع به في لبنان سواء على صعيد الحريات الفردية أو حرية التعبير أو حتى أنظمة الانتخاب، وأن يكن قانون الانتخاب في لبنان في حاجة ماسة إلى التعديل واعتماد النسبية كي لا يكون هنالك طغيان لأي فئة على نتائج الانتخاب.
والتطورات، ولا سيما في سوريا ومصر، كان يفترض أن يكون لها مفعول إيجابي على لبنان، والعكس حصل، وخصوصا مع زيادة صعوبة نقل المنتجات اللبنانية عبر سوريا إلى الأسواق العربية. والتدفق الرأسمالي الاستثماري توجه أصحابه إلى دبي في المقام الأول، التي عانت كثيراً من انهيار الأسواق المالية عامي 2008 و 2009 والتي لم تتجاوز مستوى الخطر إلا بدعم كبير من إمارة أبو ظبي التي وفرت المساعدات لدبي، في مقابل منافع تملكية، أفسحت في المجال لدبي لتتجاوز المرحلة الصعبة.
اليوم، صورة لبنان الزاهية مركزا للاستثمار والنشاط والعيش والتفاعل صارت باهتة. وفي حين استفاد لبنان واللبنانيون من كل الأزمات التي طرأت خلال القرن الحادي والعشرين سواء بسبب هجمات 11 أيلول 2001، أو الأزمة المالية العالمية، وتعثر دبي ولو إلى حين، يبدو أن قدرة الجذب قد تحللت وتبخرت، وهذه خسارة كبيرة لبلد استفاد دوماً من تدفق الأموال والخبرات والتطورات التقنية التي عدلت في أنظمة العمل وساهمت في رفع الإنتاجية، مثل تعميم اعتماد الحواسيب الإلكترونية، والاتصالات والبرامج التلفزيونية، والتواصل عبر الإنترنت... الخ.

لقد كان لبنان سبّاقاً في اعتماد وسائل الاتصال الحديثة واستطاع عبر إدخال أنظمة التخابر الخليوي اختصار الزمن المطلوب لإنهاء الشبكات الأرضية، والبداية كانت عام 1993 ومذ ذاك باتت خدمات الهاتف الخليوي في لبنان الأسوأ، وقد تردّت الخدمات في الأشهر الأخيرة بشكل مريع، وهي الأغلى بين مختلف بلدان المنطقة.
وعلى قياس سرعة التواصل بالإنترنت، وهذه السرعة حيوية لحاجات المؤسسات والأفراد، يصنف لبنان بأنه البلد الذي يوفر أبطأ خدمة في العالم في مقابل تكاليف مرتفعة، وفي جدول تصنيف الدول على صعيد خدمات الانترنت، يحتل لبنان المركز الـ 220 بعد هايتي وموزامبيق، وفي أحيان كثيرة لم يعد لبنان يحتل أي مركز.
إننا نطلب من الوزير المقتدر علمياً والمنزه أخلاقيا شرح أسباب تردي الخدمات، وهو منذ مدة يعلن عن تحسن في موعد، وخفض في تكاليف المخابرات، والمواعيد تؤجل والتكاليف ترتفع بسبب تقطع المخابرات.
والوزير يعلم أن وسائل الاتصال الحديثة والسريعة ذات الكلفة المعقولة هي أداة عمل أساسية سواء في مجالات العمل المصرفي والمالي أو مجالات الاتصالات، أو الاستشارات، أو المقاولات، وتردي هذه الخدمات يظهر بشكل واضح في وسط بيروت، الأمر الذي يبعث على التساؤل عن القصد من إعاقة هذه الخدمات في المنطقة التي تعج بالمصارف، وبيوتات التمثيل المالي والاستشاري الدولية.
ليست الاتصالات وحدها التي تشكو من التردي المريع والمكلف للمشترك والفرد والاقتصاد ككل، بل هنالك أيضا موضوع توافر المياه بانتظام للمزارعين والمشتركين في المنازل، وإمدادات الكهرباء وما إدراك بتردي هذه، والوزير يؤكد ضرورة إيقاف معمل الزوق مدة تسعة أشهر لأعمال إعادة التأهيل والصيانة، وهذه الأمور كانت معروفة منذ سنوات وسنوات، فلماذا كان التأخير حتى تاريخه، ما هو السبب وما هو الغرض؟
أمور كثيرة تشابه أوضاع التردي المشار إليها وتتآكل صورة لبنان الحداثة والتوثب، وإزاء التعقيدات السياسية والمَطالب الملحقة بها، يتساءل اللبناني العادي كيف هو البلد مستمر، بنقد ثابت ودورة اقتصادية غير واعدة، إنما يمكن استشعار نبضها.
البعض يرتاح إلى أن بلجيكا استمرت من دون حكومة قرابة سنة، ومعلوم أن النزاعات في بلجيكا هي في الأساس طائفية، رغم أن بروكسيل تستضيف المؤسسات الرئيسية للاتحاد الأوروبي، وأوروبا تفاخر بتجاوزها اعتبارات الطوائف.
والصعوبات السياسية لبلجيكا لم تمنع أجهزة الحكومة من العمل والسير بالمشاريع واستقطاب الشركات والاستثمارات. فالنظرة إلى بلجيكا، سواء أكانت بحكومة أم من دون حكومة هي أنها بلد حديث على صعيد المؤسسات الأمنية والمالية والتشريعية والقضائية. أن جميع هذه المرتكزات ليست عرضة للتساؤل والتخمين، فهي من أسس الحياة المجتمعية المطمئنة في هذا البلد الصغير.
على العكس تماماً، يبدو تعطيل إنجاز الحكومة في لبنان وكأن القصد منه تعطيل الحياة الاقتصادية وإلى حد ما عمل السلطة التشريعية. والنظرة إلى لبنان باتت نظرة إشفاق واستهجان عوض أن تكون نظرة إعجاب واطمئنان.
حقوق الملكية الخاصة صارت معرضة للانتقاص، والتبريرات التي استند إليها المخالفون أسوأ من ذنب المخالفة، والبلد يبدو كأنه يسير نحو اللا قانون، واللا إدارة واللا خدمات، ومهما أراد وزراء الخدمات تبرير تقصيرهم حتى تاريخه يجب أن يدركوا أنهم ساهموا ويساهمون كل يوم في تأخير قيامة لبنان سياسياً واقتصادياً.
والرجاء الملح لدى كل وزير يتحدث عن إنجازات، أن يوفر البرهان على صعيد التنفيذ وتوافر الخدمات بشروط تساهم في زيادة الإنتاج وشبك مصالح اللبنانيين مع دولتهم لا استهداف بعض الفئات وحرمانها لأن فئات كانت محرومة يوماً ما.
وقت الصحوة من غيبوبة القرون الوسطى يدق أبوابنا عبر مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا وحتى اليمن، فهل من صحوة؟

بقلم مروان اسكندر  - النهار 20 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق