الثلاثاء، 26 أبريل 2011

عارف أبو شقرا: شاعر المجد والحرية

عُدَّ الأستاذ عارف أبو شقرا في تلك الفترة من الشعراء المبرزين، وكان يُطلـَق عليه لقب "شاعر المقاصد"، بالإضافة إلى أنه نظم في أغراض شتى: في السياسة والوطنية والقومية والمدح والرثاء والأخلاق والتربية.

عارف أبو شقرا، شاعر جيد السبك، بليغ المعنى، رائع الديباجة.

نظم قصيدة رائعة في "سلطان باشا الأطرش" قائد الثورة السورية العربية الكبرى 1925 – 1927، يقول فيها:

أرأيتَ كيف نزا الحديد ولانا *** وتعاظم الخُطب الشديد وهانا
وتحوّل اليوم العصيب مباهجاً *** وتبدّل القلق الرهيب أمانا
وتوطـَّن الأسد الهصور عرينه *** فارتد مرهوب الجناب حمانا

....

تلك العقيدة في العظيم تخالها *** جبلاً، يُغالب في البقاء زمانا
يرسو، فلا هوج الرياح تروِّعه *** ويقرّ، لا تجتاله طغيانا
ويهيج فالأقطار ترعد رهبة *** ويثور تحسب ذلك البركانا

...

سلطان، كنت أعظم حرمة *** لو أنت كنت متوَّجاً سلطانا؟
إن البطولة في جلال مقامها *** تضع الملوك وتزدري التيجانا
أقسمت بالسيف الذي اعتزت به *** عدنان، والسروات من قحطانا
سلطان سيف من سيوف الله في *** جبل العروبة والوغى حورانا

...

سلطان قد بدا الجهاد مبكراً *** فاحسب لكبر جهادك الحسبانا
وارفع على همم الشباب قواعد *** الوطن العزيز، ووطد البنيانا
واحسم بصارم رأيك البتار ما *** يهن الصفوف، ويُضعف الإيمانا
وخذ الطريق على الذين تعودوا *** أن يستغلوا الدين والأوطانا
فشعارنا دين العروبة وحده *** وعليه ملقانا معاً إخوانا

وقال في قصيدة نظمها في 31 تموز / يوليو 1937 بعنوان "صبراً فلسطين"، يقول في بعض أبياتها:

قف في عرين صلاح الدين معتبراً *** واستنطق الصمّ من آثار حطين
قف في مجرّ العوالي والسيوف وفي *** مجرى السوابق أيام السلاطين
واذكر زماناً نشرنا فيه ألوية *** مجد العروبة بين "الصين" و"السين"
أيام دانت لنا الأقطار حافظة *** عهد الوليد وهارون ومأمون
وخذ من الأمس مقياس العُلى لغدٍ *** وحُطْ مكانك في العليا بتمكين

...

ثم يخاطب فلسطين قائلاً:

صبراً فلسطين! فالتقسيم تجربة *** تـُلغى بسعيِ المصاليت الدهاقين
صبراً فلسطين! فالتقسيم ظاهرة *** ينتابها الهول في شتى الأفانين
صبراً فلسطين! إن العرب ما فتئوا *** في عزة لم تزل ملئ العرانين
ها هم يهيجون في أقطارهم غضباً *** ها هم يثورون ثورات البراكين

...

ويقول مهاجماً بعض مريدي المراتب والمناصب:

قل للأمير، مريد العرش في دعة *** لا خير في العرش محدواً بتخوين
يا ليت شعري والأهوال ماثلة *** آ لعرش أغراك أم قبض الملايين؟
يا ويحَ ملك قرأنا في صحيفته *** شر المخازي على خير العناوين
وويح قلبي لإخوان تـًعـَاورهم *** جهد البلاء بأنواع الطواعين
وويح نفس لجنـّات، نضارتها *** ملء العيون تضحـّى كالقرابين
وأربعٌ بجلال العزّ *** بيعت بعرش خفيض السمك موهون
إن شاقك الملك تزهى في مظاهره *** فاجعل أساساً له أنقاض صهيون

...

وقال قصيدة بعنوان "أرز لبنان" وقد نشرتها جريدة "الصفاء" بتاريخ 15 آب / أغسطس 1938:

يشهد الله: ما تخلـّيت يوماً *** أن أبيع الإخاء بالطائفية
قد ولينا البلاد بالعدل قدماً *** وقسمنا حقوقها بالسوية
ودفعنا العدوان بالسيف، لما *** حـُكم السيف وحده في القضية
وملكنا القلوب بالحب، لما *** كان الحب قيمة أخوية
ووقينا النفوس بالعطف، لما *** هدّد الجوع معظم البشرية
وأرقنا دماءنا مرخصاتٍ *** في سبيل البلاد والحرية

....

ونظم في 23 نيسان / أبريل 1948 قصيدة بعنوان: "كفاحاً كفاحا"، ضمنها الكثير من آرائه، حاثاً بني قومه على المجاهدة والكفاح. وهنا بعض أبياتها:

أوشك الليل أن يردّ الصباحا *** يا حماة الحمى، كفاحاً كفاحا
ظلمة الفجر أحلك الليل وجهاً *** ثم يأتيكم النهار صراحا

...

يا حماة الحمى، على الحق أنتم *** ما حملتم على العدو السلاحا
إن أجنى الجنان مما غرستم ** ما غرستم قذائفاً ورماحا
إن وجهاً يـُجابه الحق ما انفك *** - وإن جمـّلوه – وجهاً وقاحا
ومحيا يجابه الظلم ما يفتأ *** - رغم انزوائه – وضاحا

...

ثم يخاطب إخوانه العرب:

يا بني العرب، يا بناة المعالي *** يا حماة الحمى كفاحاً كفاحا
آن أن تبلغ السيوف مداها *** آن أن تزحم الصفاح الصفاحا
لكم القدس والمساجد فيها *** والمنارات، والآذان، صداحا
ولكم معرج النبي في الأقصى *** طريقاً إلى السماء مـُتاحا
ولكم مربط البراق إلى صخرة *** لما يزل عليها وشاحا
لكم النور من ربى بيت لحم *** راح في الكون هادياً لماحا
ولكم بيعة القيامة، مرقاة *** السماء توحي الهدى والصلاحا

...

إلى أن يقول، مخاطباً فلسطين وأهلها، مخففاً عنهم الويلات:

من فلسطين للسماء صعدتم *** من فلسطين لا نوى لا براحا
يا فلسطين والحوادث تترى *** داميات مطاعناً وجراحا
غاشيات رباعك الخضر بالختـ *** ـل غدواً على البلى ورواحا
لا تـُهـْوِلـَنـَّك الخطوب شداداً *** إن في الخطب للنهوض جناحا

ويختمها حاملاً الذكرى عن تلك الديار وأهلها:

يا جناحاً ما بين حيفا ويافا *** تملأ العين زاهياتٍ فساحا
ودياراً في القدس، في جبل النا *** ر ونابلس، أنجداً وبطاحا
لم أزل أحمل الدماثة ذكرى *** من مغانيك، والندى والسماحا
مثلما أحمل الرزيئة مما *** عاث صهيون في الحمر واستباحا
...

ونشر قصيدة بعنوان "لمن العيد" بمناسبة ذكرى الشهداء، وقد نشرت في جريدة "الحياة" بتاريخ 6 أيار / مايو 1950:

لمن العيد..؟ هل تـَرُدُّ جوابا *** أمةٌ تنسج الخطوب ثيابا
هل فهمنا معانيَ العيد، حتى *** نتنادى، شيباً له وشبابا
أهوَ للحاكرين؟ أم للمرابيـ *** ـن أم الشاحذين ظفراً ونابا؟
أم لقومٍ على مطامع دنيا *** قد أضاعوا الأحسابَ والأنساب؟
أم لقوم إن عاهدوك، تراهم *** بعد خبر، قد عاهدوك كذابا؟
أم لقوم تناكروا، وتعادَوْا؟ *** أم لقوم تناحروا أحزابا؟
أم لقوم هانوا نفوساً فراحوا *** يعبدون الشخوص والأنصابا؟
أم لقوم تشاءموا واستكانوا *** فيخالون كل طير غرابا؟
أم لمن ضيـَّعوا الحقائق حتى *** إن تباهـَوْا، تفاخروا ألقابا؟

...

لمن العيد، أيها الناس؟ هلاّ *** يعرف العيد بيننا أصحابا؟
ليس عيداً موتُ الحياة وما *** زالت حياة الممات عيداً وعُجابا؟

...

أيها المحتفون بالعيد رفقاً *** بمعانيه! واحذروا أن تـُشابا
هو عيد الإباء عيد الضحايا *** خلـَّدت ذكره الدِما أحسابا
حبذا ذكريات رهط كرامٍ *** وجدوا الموت مورداً مـُستطابا
لا نراهم في المحتفين، لعهد *** قطعوه، لا يبرحون التـُرابا

......

أيها الراقدون قد نـَصـَلَ الليلُ *** وشقّ النهار عنه الحجابا
أيها الراقدون، قد طلع الفجرُ *** فهبـّوا مبادئاً ورغابا
لكم العيد، قد رَقـَمـْتـُمُ عليه *** بالدم الحر سـُنـّة وكتابا
لكم العيد، فابعثوه اتحاداً *** في المساعي، وللمعالي طـِلابا

يتبع...

إعداد: سمير . م . أبو شقرا

-------------

ونظم قصيدة في 18 آذار / مارس 1951، على أثر حادثة الباروك بين الحكومة والحزب التقدمي الاشتراكي، وقد كان الفقيد من أعضائه الأوائل – إذا كان يحمل بطاقة حزبية رقم 18 – والخطاب في مطلع القصيدة موجه إلى رئيس الجمهورية بشارة الخوري وكان الأستاذ عارف يتوقع بعد حادثة الباروك انقلاباً غير بعيد..

هل تناسيتَ للجريح العلاجا؟ *** أم تماديتَ تستطيب اللجاجا؟
أم تغاضيتَ عن لظى.. إن توارى *** فلقد برّح الصدور اعتلاجا؟
أيها الغافل النؤوم! انتبه *** إن هذا الزمان يبغي انفراجا
عجباً.. يطلع النهار على النا *** س ونبقى في ليلنا نتداجى!

...

ذل شعب إن استـُضيمَ تشكى *** بـُحَّ صوت ما ثار إلا احتجاجا
يا حليف البلاء! شر بلاء *** أن تـُسام الحرمان والإحراجا
تنشد الحق بالسؤال التماساً؟ *** إن للضعف منطقاً لجلاجا
عبثاً تبلغ المراد طـِلاباً *** إن تناسيت بالغلاب العلاجا

....

إيه لبنان، إن تكن لفريق *** رُحت ترتاد في المسير اعوجاجا
لا تحاول أن تستبدّ وتطغى *** تأنف الأسد أن تعود نعاجا
قف تمهـَّل! لا تختتل برواء *** من رياء، ساء اللباس زجاجا
"أأناس يصارعون سياجاً *** وأناس يستمرئون دجاجا؟"
إن ضممت الجهات فاضمم قلوباً *** واتخذها على الجهات سياجا

...

نهجنا العدل شاملاً، وهو فخر *** نجتليه على المفارق تاجا
لا نماري، ولا نتاجر بالدين *** ولا نرتضي الأمور ضجاجا
لا نرى المال والسبيل إليه *** مغنماً في سبيله نتهاجى
ننشد الحق والجمال سلاماص *** بأغانيّ عهده نتناجى

...

إيه ربـّان، فالسفينة تشكو *** في المسير الأنواء والأمواجا
جنح الجانب الثقيل.. فمالت *** والتوى القصد.. عدِّل المنهاجا!

.....

ونظم قصيدة بعنوان "الفرحة الكبرى" ألقاها من على شرفة قصر الضيافة في دمشق، أثناء زيارة الوفد اللبناني للرئيس جمال عبد الناصر، بتاريخ 28 نيسان / أبريل 1958:

جاءنا النصر يوم قام (جمال *** ناصر) من أشاوس نـُصراء
قام والناس مزقتها الأقاويل *** "وشمل الأمور ذو أجزاء"
أرسل الصدق داعياً ومشيراً *** فإذا الخير مالئ الأجواء
الدفاع المجيد في "بور سعيد" *** والقتال العنيد في "سيناء"
والأعادي مهزومون فلولاً *** يخفضون الرؤوس في استخذاء

...

يا جمالاً، تـَوَسَّم العرب فيه *** نشوَة الروح وابتسام الرجاء
أنت رمزٌ لقوّة الشرق تجلو *** ها برأي المجدّد البنـّاء
ما أتيت الشام غزواً كإبرا *** هيم بل جئتنا رسول إخاء
يا رسول الإخاء أهلاً وسهلاً *** أنت في القلب، أنت في الأحناء
بايعتكَ القلوب قبل الصناديـ *** ـق فماذا تبغي بالاستفتاء؟
لك ديـْنٌ على الضمائر أن يو *** في فإذا الفداء بعض الوفاء

.....

وحـِّد العرب يا جمال، ووطـِّد *** لعلاهم شرائعاً من ولاء
وأزِل هذه الحدود اللواتي *** فرضتهنّ عصبة الدخلاء
حـَدُّنا منطق اللسان مبيناً *** لا تخوم على تراب وماء

.....

أنا بايعتُ يا جمال، ومن لبنا *** ن، أعلنتُ بيـْعتي، يا هنائي
بيـْعة لا شراء فيها ولا بيـْـ ** ـعٌ ولا غيّة مع الشعراء
إن رأيي ورأي قومي صريح *** عربيٌّ ماضٍ شديدَ المضاء
ذاكَ معروفهم، على الدهر معرو *** ف تنهج الطرائق العرّباء
كلما أعوَز النهوض دماءً *** سجـَّلوا كل نهضة بدماء




نشيد الكلية العاملية - تأليف الشاعر عارف أبو شقرا
نشيد كلية المقاصد - نظم الشاعر عارف أبو شقرا
إعداد: سمير . م . أبو شقرا

حرر في: Sep 18 2007, 06:49 PM

0 تعليقات::

إرسال تعليق