الأربعاء، 27 أبريل 2011

الخطأ الإيراني في لبنان


لم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوما مجردة من أي مصلحة ذاتية لها في تعاطيها مع قضايا المنطقة ومنها الوضع اللبناني – فلإنعاش الذاكرة الجماعية نذكر بأن الإيرانيين ومنذ أنجز الراحل ياسر عرفات في عهد الرئيس بيل كلينتون سلامه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين – وهم يحاولون حض حليفهم السوري على الانسحاب من عملية السلام والتعاون في تصعيد الهجمات على إسرائيل انطلاقا من جنوب لبنان.
وللذاكرة الجماعية نفيد أيضا بأن النظام الإيراني مول جبهة لبنانية - فلسطينية إسلامية متكاملة بين غزة ولبنان وزودها بالسلاح الثقيل بهدف زعزعة أي اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل وبخاصة بين سوريا وإسرائيل – ولم يكن الإيرانيون يوما ينظرون بعين الرضى والاطمئنان إلى محاولات إحياء عملية السلام بين حليفهم النظام السوري (منذ أيام الرئيس حافظ الأسد) وإسرائيل – من هنا سعيهم الدائم إلى إنشاء وتعزيز أدواتهم في المنطقة لتفشيل أي سعي جدي للسلام كي يبقى لهم دورا.

انطلاقا من المشهد أعلاه، تورط النظام الإسلامي الإيراني إلى حد التدخل في شؤون الدول ومنها الشأن اللبناني – وما تشير إليه المواقف الرسمية الإيرانية دائما من تعامل إيران مع جميع الطوائف اللبنانية لم يرق إلى مستوى انفتاح إيران على كافة القوى السياسية المكونة للمشهد الإيراني انطلاقا من نظرتها المنحازة إلى من صنعتهم ومن مولتهم ومن عززت وجودهم داخل المعادلة اللبنانية ليكون الأداة المنفذة لمشاريعها الخاصة وحربها الجهادية الخاصة ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.

فهذه الأجندة الإيرانية هي نفسها التي أدت وتؤدي وستؤدي مع الأيام المقبلة إلى مزيد من التورط الإيراني في مشاكل وصراعات مع دول المنطقة بدأ من لبنان ووصولا إلى الخليج – لأن النظام الإيراني لا ينظر إلى الدول في المنطقة إلا على أنها كيانات هشة يمكن أن يكون لها اذرعا فيها تحرك من خلالها ما تريد وتشاء وما يستجيب لمصالحها ولنظرتها في مواجهة "الشيطانين " الأكبر الولايات المتحدة والأصغر إسرائيل حتى ولو كان تدخلها دمويا كما في تفجيرات الخبر في السعودية في حزيران 1996.
في خلال زيارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى دمشق في تشرين الأول 1994 لمحاولة ضم النظام السوري إلى حلقة التفاوض والسلام مع إسرائيل – سارعت إيران من خلال "حزب الله" إلى إطلاق اثني عشر هجوما ميدانيا بالسلاح الثقيل ضد شمال إسرائيل – ولم تنفع تطمينات سفير سوريا في واشنطن آنذاك وليد المعلم بمعالجة سورية للموضوع في ثني النظام الإيراني وحزبه في لبنان في إطلاق هجمات مدفعية ضد شمال إسرائيل في اليوم التالي، وقد كان الرئيسان السوري وضيفه الأميركي في اجتماع مغلق بشأن السلام.
قبل بدء جولة المحادثات الثالثة للسلام بين سوريا وإسرائيل برعاية أميركية في واي بلانتايشن – في شباط 1996 – جدد "حزب الله" هجماته انطلاقا من جنوب لبنان على إسرائيل لاستدراج رد فعل إسرائيلي عنيف يحرج المفاوضين ويعلق المفاوضات وهذا ما حصل فعلا – في الوقت عينه قامت حركة "حماس" بتنفيذ تفجيرين انتحاريين في القدس الغربية.
وفي شهر آذار 1996، شن "حزب الله" مجددا هجمات على إسرائيل من جنوب لبنان ما استدرج ردا إسرائيليا وحشيا على القرى اللبنانية فرد الحزب بإطلاق صواريخ كاتيوشيا على شمال إسرائيل – فكانت "عناقيد الغضب" في نيسان من العام نفسه ومجازر إسرائيل في جنوب لبنان ومنها قانا – وبعدها سقوط بيريز وفوز التطرف الإسرائيلي مع نتانياهو في انتخابات أيار 1996 – وتنفس النظام الإيراني الصعداء بتفشيل التقارب الإسرائيلي – السوري وبالتالي ضمان تعزيز حلفه مع النظام في دمشق.
لن نتوغل أكثر في الأمثلة التاريخية لنتوقف عند استخلاص النتائج آلاتية:
أولا: لم يعترف النظام الإيراني وخصوصا الحالي يوما بلبنان كدولة سيدة حرة ومستقلة ذات قرار حر – بل وكما رؤيته لكافة الأنظمة العربية - يعتبر لبنان ساحة لصراعه مع الشيطان والغرب إجمالا - من خلال تدخله في عمق التركيبة اللبنانية مع وجود "حزب الله" كعامل مؤثر على الوضع الداخلي – والاعتراف المقصود ليس البروتوكولي بل الفعلي – لان اللغة المزدوجة الرسمية تخفي حقيقة اصطفاف إيران إلى جانب أدواتها في لبنان ضد الفرقاء اللبنانيين المناهضين لها وبخاصة المسيحيين منهم – فلا يكفي قول إيران أنها منفتحة على الطوائف اللبنانية، بل لا بد من أن تكون إيران منفتحة على القوى السياسية اللبنانية من دون استثناء إن أرادت إقناعنا بحياديتها ومراعاتها لخصوصيات لبنان.
ثانيا: أن النظرة التوسعية الإيرانية لفكر تصدير الثورة واستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الصفوية – تجعل نظرة إيران إلى لبنان خالية من أي احترام للقرار اللبناني الحر والسيد – ففي حين تعلن طهران عن أطيب العلاقات مع الدولة اللبنانية، إذا بها تقيم مع فريق لبناني علاقات مباشرة تتجاوز احترام سيادة الدول واحترام استقلالها لتعزيز انشقاقها عن النسيج الوطني الداخلي العام.
إنه الخطأ الإيراني في لبنان ... علاقة مع "حزب الله" تسمو على العلاقة مع الدولة وقد تكون على حسابها أحيانا...

جورج أبو صعب - موقع القوات اللبنانية - الأربعاء 27 نيسان 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق