الأربعاء، 27 أبريل 2011

الخلاف على «الداخلية» يطيح وظيفتها ... والمخاطر المعيشية والاقتصادية تتزاحم.. لبنان يتصدى للتحديات بالفراغ: الحكومة ضرورة ... فورية.. أين مصلحة سوريا بتغليب حلفائها المصالح الفئوية على الحسابات الوطنية؟


هي لحظة تاريخية ومفصلية وربما اللحظة الأهم منذ تاريخ زرع الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية في نهاية الأربعينيات. أن يصبح الاستقرار في سوريا مهدّداً، فتلك مسألة ليست سورية وعربية وحسب، بل مسألة لبنانية أيضاً، استناداً إلى واقع تاريخي وجغرافي وسياسي واقتصادي واجتماعي لا يمكن القفز عنه، مهما توزعت أهواء اللبنانيين بين من يريد لسوريا وشعبها الخير الذي يريده لبلده وشعبه، أو من يضمر لها الشر، تبعاً لأهوائه أو عصبياته أو ارتباطاته... 

هي لحظة مفصلية، لأن المخاوف اللبنانية تكاد تفوق المخاوف السورية. مخاوف على لبنان صيغة ومقاومة واستقراراً وتنوعاً ومناعة واقتصاداً وأمناً. مخاوف ندر أن تكون قد غابت عن بيت لبناني، بحيث بدا الحدث السوري حدثاً لبنانياً... فكيف في انكشاف السلطة السياسية بين رئيس حكومة يصرف الأعمال وواقع حاله أن تياره متهم سياسياً بالتورط في أحداث سوريا وبين رئيس حكومة مكلف لا يملك إلا صفة... وتهمته أنه و«فريقه» الجديد، سوريو الهوى، أكثر من السوريين، فهل يعقل أن تكون مصلحتهم بعكس مصلحة سوريا بأن تبصر الحكومة النور اليوم قبل الغد؟

نعم، ها هو لبنان يحصّن نفسه في موازاة الحدث السوري ومعه أحداث المنطقة، بالفراغ الحكومي مختتماً شهره الثالث، وليس ما يؤشر إلى انتفاء أسبابه، لا بل الخشية، كل الخشية، أن يكون مفتوحاً على عمر مديد، في غياب النص الدستوري الملزم بسقف زمني من جهة، وتعذر المخارج السياسية من جهة ثانية.
ثلاثة أشهر انقضت، ولبنان بلا مرجعية، والدولة فيه تفقد أصلاً معناها، جملة وتفصيلاً، ومؤسساتها على اختلافها، تتساقط واحدة تلو الأخرى، في غياب الإرادة السياسية بالتصدي لمسؤولية قيادة السفينة، وكأن المسؤولين مستقيلون من مسؤولياتهم، غافلون عما يجري من حول لبنان، من أحداث وتطورات تاريخية، كانت تفترض بالحد الأدنى المسارعة إلى بناء منظومة أمان للبلد، ألف بائها حكومة طال انتظارها.
ثلاثة أشهر انقضت، والمواطن بلغ حد القرف، أو هو قرف فعلاً، وهو يرى بأم عينه حركة التأليف وهي تجترّ نفسها، وتراوح مكانها منذ صدور مراسيم تكليف نجيب ميقاتي في نهاية كانون الثاني الماضي وحتى يومنا هذا.
الاسطوانة ذاتها تتكــرر: مواقف ولقــاءات ممجوجة، حتى بلغ الأمر حد الاعتداء على وعي المواطــنين بالتلطي وراء حقــيبة الداخــلية، بحيث تم تصويرها كأنها أهم من البلـد ومن مصالح اللبنــانيين ومــن وظيفـتها القاضية بصـيانة وضمان أمن المواطنين واستـقرارهم!
نسيت الأكثرية الجديدة أنها أكثرية يفترض أن تكون طبيعية وأنها أكثرية مطالَبة بأن تقدّم للبنانيين نموذجاً يكون مختلفاً عن «النموذج» الذي خبروه لسنوات طويلة، وأدى إلى تراكم أزماتهم وتفاقمها.

ها هي الأكثرية الجديدة تجترّ نفسها بمجرد أن زجت نفسها بالمعادلات الرقمية. صارت الجبهة المفترض أنها «جبهة وطنية واحدة»، عبارة عن جبهات تكاذب، لا يضمر الواحد فيها للآخر، إلا ما يخدم حساباته الفئوية الضيقة، بحيث صار البحث عن حسابات وطنية تبرر الفراغ.. أمراً من سابع المستحيلات.
لقد ترحم اللبنانيون في هذه الأيام على حكومات «الإكسبرس»، سواء أكانت تولد من رحم عنجر أم عوكر. صاروا يشتهون أي بديل لعقلية استئثارية صوّرت الحكومة الجاري تشكيلها وكأنها جزء من المشاعات التي يتم السطو عليها بلا حسيب ولا رقيب.
ثلاثة أشهر انقضت، والفراغ هو القاعدة التي تحكمت بمفاصل الحياة السياسية والبرلمانية. الحكومة في علم الغيب. مجلس النواب شبه مشلول. لجانه تعمل وهيئته العامة معطلة ومعها تتعطل الكثير من مشاريع واقتراحات القوانين ذات المنفعة العامة.
ثلاثة أشهر بدا معها البلد عالقاً بين رئيس حكومة مكلف بلا أية صلاحيات يحاول رفع رصيده السياسي عند «جمهوره»، كلما تعرّض لإطلاق نار من أهل بيته الجديد، وبين حكومة تصريف أعمال بدت عاجزة عن مواكبة استحقاقات وحالات طارئة من سجن رومية إلى خطف الأستونيين السبعة وصولاً إلى قضية المشاعات مروراً بأزمة لبنانيي ساحل العاج والبحرين. أما رئاسة الجمهورية، ففي موقع المتفرّج سياسياً لا حول لها ولا قوة للقيام بشيء سوى عرض العضلات الدستورية والقومية من أجل إلقاء القبض في نهاية المطاف، على وزارة داخلية مقدمة لرسم مسار كتلة انتخابية «رئاسية» في انتخابات العام 2013 النيابية.
ثلاثة أشهر انقضت، والرئيس المكلف يطلق الوعود لهذا وذاك، ومن خلفه نبيه بري الذي نام على حصته الثلاثية، يدعو تارة إلى صلاة الاستسقاء وتارة أخرى يكثر من الـ»عيديّات» قبل أن يستدرك ويتمنى ألا تحتاج الحكومة إلى إقامة صلاة الميت، فيما التواصل المباشر بين نجيب ميقاتي وميشال عون، مقطوع، وها هو «حزب الله» بشخص المعاون السياسي للأمين العام يجهد لتدوير زوايا حادة غير قابلة للتدوير، وجلّ همـّه أن ينزع بأدائه الحيادي التهمة عن الحكومة المنوي تشكيلها بأنها حكومة «حزب الله»!
ثلاثة أشهر انقضت، وهيبة الدولة ومؤسساتها تتراجع، والفجوة تزداد بين المواطنين والدولة. يتبدى ذلك في الاستحقاقات المتلاحقة من سجن رومية إلى خطف الأستونيين وصولاً إلى فوضى المشاعات التي ارتدت لبوس المذهبية والطائفية، وكذلك إلى المافيات والسرقات وارتفاع معدلات الجريمة والسرقات في جميع المناطق اللبنانية... من دون إغفال الاستحقاقات العربية الكبرى.
ثلاثة أشهر انقضت، يكاد معها يسقط الهيكل على رأس الجميع. ذلك أننا أمام مرحلة ربما تكون الأكثر خطورة في نتائجها الكارثية اقتصادياً ومالياً ومعيشياً على المواطن وعلى الدولة والمؤسسات، في ظل ارتفاع أسعار غالبية السلع والمواد والخدمات من جهة، وموجة التضخم التي تأكل المداخيل أمام عجز الدولة ومؤسسات القطاعين العام والخاص عن تحــسين الأجور وزيادتها من جهة ثانية..
حتماً، لا تقع المسؤولية عن الفاتورة الاقتصادية والاجتماعية والمالية الباهظة الثمن، سواء اليوم أو غداً، على الأكثرية الجديدة، لكن الحكم استمرار، والناس متعطشة لمن يضع حداً للواقع المتردي في الخدمات وتفاقم الغلاء وتشريع الفوضى والفساد والرشوة، وتعطيل المعاملات واستمرار فراغ الإدارات التي تعاني أصلاً من شغور كبير يصل في الفئة الأولى إلى أكثر من 40 في المئة.
هناك جملة ملفات ومخاطر عمر بعضها من عمر الدولة وبعضها الآخر من عمر «جمهورية الطائف»، لكن اللبنانيين ينشدون من يبادر إلى التصدي لها حكومياً، اليوم قبل الغد، وعلى مستوى الدولة ككل، وهذه بعض نماذجها:
ـ مع بلوغ أسعار المحروقات في الخارج لا سيما مادتي المازوت والبنزين، أرقاما قياسية في ظل تخطي سعر الطن لكل من المادتين الألف دولار، من المسؤول عن السياسة النفطية التي من شأنها الحدّ من الآثار السلبية على المواطن والقطاعات الإنتاجية ومؤسسة كهرباء لبنان التي سيصل عجزها هذا العام إلى أكثر من 1,8 مليار دولار على سعر برميل النفط بحدود المئة دولار؟
ـ ماذا سيفعل المستهلك بفاتورة الكهرباء الرسمية وفاتورة المولدات الخاصة التي تتضاعف مع تضاعف أسعار المازوت؟ وماذا عن كلفة النقل وأسعار الخبز في ظل ارتفاع سعر القمح الملازم لارتفاع النفط؟
ـ مع تردي التقديمات الصحية والتعليمية، من يراجع المواطن العاجز عن مواجهة تأخر المعاملات الصحية والتقديمات الاجتماعية من الضمان الاجتماعي والمؤسسات الضامنة، مع العلم أن الدولة وأصحاب العمل يدفعون أكثر من 1370 مليار ليرة سنوياً مقابل هذه الخدمات للصندوق والمؤسسات الضامنة؟ ومن المسؤول عن الهدر المتزايد وحرمان المواطن من أبسط حقوقه في التقديمات التي تتأخر شهوراً وربما سنوات عن تاريخ استحقاقها؟
ـ من المسؤول عن خلق مناخ الحد الأدنى من الاستقرار لجذب الرساميل التي تساهم بخلق فرص العمل، إضافة إلى تأمين التمويل لحاجات الاقتصاد، فيما أدى الفراغ وتراجع الثقة والاستقرار إلى انحسار الرساميل الوافدة خلال الفصل الأول من العام 2011 إلى أكثر من 37 في المئة مقارنة مع العامين الماضيين (لم تصل إلى ملياري دولار بعدما بلغت أكثر من 15 مليار دولار في العام 2010)؟
ـ أن اخطر ما يواجهه لبنان هو ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب نتيجة الضائقة الاقتصادية، حيث يقدر أن تصل النسبة إلى أكثر من 18 في المئة مع نهاية العام 2011، في حين أن هذه النسبة تخطت الـ50 في المئة في صفوف الشباب الخارج حديثاً إلى سوق العمل والذي صار يبحث عن الهجرة أو يجد نفسه أسير البطالة المقنعة، ذلك أن لبنان يحتاج سنوياً إلى خلق ما بين 30 إلى 35 ألف فرصة عمل يتأمن منها حالياً فقط ما بين 12 إلى 14 ألفا معظمها في القطاع الخاص.
ـ أما موضوع الاستحقاقات المالية على الدولة والمقدّرة بحوالي 13،7 مليار دولار لما تبقى من العام 2011، فهو أمر من شأنه أن ينعكس سلباً على تمويل احتياجات الدولة وعجز الخزينة للعام 2011 في حين أن الموازنة العامة غائبة للسنة السادسة على التوالي في ظل تراجع حركة الودائع المصرفية التي كانت تشكل المصدر الأساسي لتمويل القطاعين العام والخاص، فماذا سيكون الوضع في ظل استمرار الفراغ الحكومي؟
ـ من يتحمّل مسؤولية تراجع النمو في القطاع المصرفي الذي يشكل الممول الوحيد لتسليفات القطاعين العام والخاص، بعدما كان لبنان من بين الدول الأكثر إفادة من هجرة الرساميل الباحثة عن ملاذ آمن للاستقرار حتى في أصعب الأزمات؟ وهل يمكن للبنان أن يستعيد هذا الدور في ظل الفراغ الحكومي لاستقطاب الفوائض من ارتفاعات أسعار النفط؟
ـ يبقى موضوع استحقاق التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في تموز المقبل، وهو عنصر بدأ يعكس تأثيره تراجعاً بالثقة في القطاع المالي والنقدي، خاصة في ظل واقع الفراغ الحكومي وعجز حكومة تصريف الأعمال عن التجديد... إلا إذا اجتمع مجلس النواب لمناقشة اقتراح قانون نيابي بالتجديد، وهو أمر لم يوضع على جدول أعمال المعنيين حتى الآن برغم حساسيته وخطورته.

كتب المحرر السياسي: السفير 26 نيسان 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق