السبت، 30 أبريل 2011

كفى استهتار


غالبية اللبنانيين تريد أن يكون بلدها مزدهراً واعداً مستقراً معاصراً، تُحفظ فيه حقوق الملكية، والحريات الشخصية، ومن أهمها حرية التعبير، واختيار موقع السكن والجوار، على افتراض استقرار الحقوق وترسيخها في الممارسة والقانون وضمير القادة.
لا بأس بتذكير اللبنانيين بمحطات إنجاز في تاريخهم. فمنذ العقد الأول بعد الميلاد كانت وسائل إيفاء ثمن البضائع والخدمات عملة مسكوكة من الذهب.
 
وخلال الحكم العثماني، عندما كانت حدود الإمبراطوريات شاملة للمجتمعات الخاضعة لسيطرة العثمانيين، اختيرت بيروت بسبب موقعها على خليج طبيعي كي تكون مرفأ متصرفية إدارية تمتد من عكا جنوباً عبر صيدا وبيروت وطرابلس إلى اللاذقية.
ويشير سوسن آغا كساب وخالد عمر تدمري، وكلاهما ضليع في اللغة التركية والثقافة العثمانية، في كتاب وضعاه عنوانه "بيروت وحكم السلاطين"، أن بيروت أصبحت في القرن التاسع عشر وللمرة الأولى منذ زمن الرومان، المرفأ الرئيسي في شرق المتوسط، وقد ارتفع عدد سكان المدينة من 00008 عام 6781 إلى 000051 عام 8091، وأصبحت بيروت المركز المختار لإنشاء جامعات ومعاهد أميركية وفرنسية وعثمانية، بحيث أعلن الوالي إسماعيل كمال بيه عام 2981 أن بيروت مرتكز للثروة، والرقي، والعلم الحديث.
بيروت هذه بفضل موقعها وطقسها وانفتاحها قصدها التجار والرحالة من كل صوب والكثير منهم شادوا لهم فيلات ومنازل فيها، وتوافرت في بيروت منذ أكثر من مئة سنة المنتجات من جميع البلدان، كما هو الحال اليوم وإن تعدلت مصادر الاستيراد. وأول مصرف في العالم العربي فتح أبوابه في بيروت عام 8581 عندما صدرت الصحيفة الأولى في العالم العربي. ومع صدور الصحيفة وتأسيس المصرف كانت بيروت المدينة الأولى في شرق المتوسط التي أصبحت مربوطة تلغرافياً منذ عام 8591، الأمر الذي سهل تطور التجارة والتبادل مع دول العالم.
والصحافة السباقة، التي كانت بمثابة التعبير العملي عن الاندفاع نحو توضيح الرأي وإعلانه، أخذت تستقطب الإعلان. فمنذ عام 1191 مثلاً كان سيزار دباس يعلن عن فوائد استعمال مادة الألومينيوم ومقاومتها للصدأ.
نعم، كان ذلك حضرة القارئ قبل 001 سنة. تاجر يؤكد وكالته لبضائع من نوع جديد لأنه يعيش في مجتمع يتمتع بخصائص المجتمعات المنتظمة والمزدهرة. والسؤال هو: أين نقف اليوم؟
حرية الملكية مستباحة، التعدي على الأملاك الخاصة والعامة له ما يبرره ويحميه. وهذا الحامي للتعدي هو بالتأكيد يدق ناقوس الخطر على مستقبل لبنان، وعلى الرغبة في العيش في لبنان، وعلى فرص تطوير الاستثمارات في لبنان. فحرية الملكية كانت من جوهر حياة لبنان، والابتكار كان من مرتكزات ازدهار لبنان، واليوم نعرّض الحرية والابتكار لسطوة السلاح وحماية الأحزاب.
وحرية الرأي التي نتج منها طبع الجريدة الأولى باللغة العربية في لبنان وتشغيل المطبعة الأولى نصف الميكانيكية باللغة العربية، أصبحت هي أيضا قيد الاغتيال كل يوم. فاللبناني من فئة معينة لا يحق له أن يتجول من دون اعتراضات وتهديدات في كل لبنان. والسائح على الدراجة يُخطف ويصبح وسيلة للابتزاز، وحرية الرأي تعني سيلان الكلام اللا معقول، واللا مصقول، واللا دقيق وتعني التعدي على سمعة الناس، واستمرار الفتنة واعتماد الفجور في التعامل والتعبير.
ولا عجب في أن يكون هنالك انكفاء سياحي (عدد الزوار اقل 13 في المئة في الفصل الأول منه في السنة السابقة) وانكفاء استثماري يظهر من تباطؤ زيادة القاعدة المالية في البلاد وتركيز التوقعات على ما هو سيئ وزوال نفحة التفاؤل وخصوصا مع سفر نخبة الشباب والصبايا للعمل في الخارج، والاهم من ذلك للعيش في مجتمعات تحترم الإنسان لا بسبب انتمائه إلى دين أو مذهب بل استناداً إلى عطائه وحسن تعامله وكفايته.
لبنان اليوم لا يحفظ حرية الملكية، وتطغى فيه موجات التشويه الإعلامي والتعصب الطائفي. ولبنان على صعيد الاتصالات عاد إلى عهد التلغراف. وفي حين كانت شبكة المياه توفر هذه المادة الحيوية للمنازل في بيروت منذ 120 سنة، أصبحت اليوم غير كافية وغير نظيفة بالنسبة إلى إمدادات المياه لأهل بيروت.
بعد كل الذي نحن فيه هل نستطيع الاستمرار في تصوير لبنان بأنه بلد الحريات الفردية وبلد الحفاظ على الملكية الفردية وحمايتها، أم أن البلد أصبح تحت شبكة شريعة الغاب التي بالكاد تسمح للمواطنين بالتنفس والمبادرة؟
السياسيون منذ الاستقلال، في ما عدا فترة حكم فؤاد شهاب، أقعدوا لبنان عن التقدم والرقي، واليوم فئات السيطرة تنتهك حرية الملكية، وتسفه حرية الكلام، فماذا يبقى من لبنان بعد ذلك؟!

بقلم مروان اسكندر – النهار 29 نيسان 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق