الخميس، 11 أغسطس 2011

أزمة الديون الأمريكية وتداعياتها المحتملة على الاقتصاد العالمي

أزمة الديون الأمريكية
هل يمكن القول إن أزمة الديون الأمريكية قد انتهت بالتوصل إلى اتفاق المساومة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والحزب الجمهوري؟ أم أن تداعيات هذه الأزمة وهذا الاتفاق الهش سوف تتواصل لتعمّق أزمة الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل عام؟
من النظرة الأولى يبدو أن هذا الاتفاق الذي أقره الكونجرس يوم الثلاثاء الماضي (2 أغسطس 2011) بعد عملية مخاض صعبة، والذي ينص على رفع سقف الدين العام بمبلغ 2.1 تريليون دولار، مما يسمح للخزانة الأمريكية بتلبية مدفوعاتها حتى عام 2013 وتخفيض الإنفاق بمقدار 2.4 تريليونات دولار على مرحلتين على مدى عشر سنوات، ما هو إلا مسكن للإدمان الأمريكي المزمن على الاقتراض، والذي ربما لا يغطيه المبلغ المعتمد، إذا ما استمر معدل الاقتراض عند مستواه السابق والمقدر بـ 1.5 تريليونات دولار في المتوسط سنوياً؛ حيث ارتفع في عهد الرئيس أوباما وحده، وعلى مدى سنتين ونصف، بنسبة 43% ليصل إلى 14.3 تريليون دولار في شهر أغسطس الجاري، مقابل 10 تريليونات دولار تقريباً في نهاية عام 2008، كما أن خفض العجز بمعدل متوسط يبلغ 240 مليار دولار سنوياً على مدى عشر سنوات يبدو أمراً مشكوكاً فيه في ظل الأوضاع المالية الأمريكية المتردية؛ إذ يتوقع أن يرتفع حجم الدين الأمريكي إلى 15.5 تريليون دولار مع نهاية العام الجاري و16.7 تريليون دولار في عام 2012، وهو ما يتجاوز سقف الدين الجديد والبالغ 16.4 تريليون دولار.

ومما يزيد من هذه الشكوك، هو أن هذا الأمر ذو الطابع المالي تحول إلى ما يشبه لعبة الكراسي وإلى مسألة انتخابية بامتياز؛ حيث يتوقع أن يتم استغلال هذه القضية بصورة مكثفة لترجيح فوز مرشح أحد الحزبين في الانتخابات الرئاسية في العام القادم، فقد صرحت أقطاب للحزب الجمهوري بعد الاتفاق أن ضبط الإنفاق العام لن يكتمل إلا بإزاحة أوباما عن سدة الرئاسة في العام القادم (2012)، ولاسيما أن موعد الانتخابات القادمة سيتزامن مع قرب موعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة لسقف الدين الجديد وخفض العجز؛ ليجد الرئيس أوباما نفسه غارقاً حتى أذنيه في بحر الدين العام والعجز المالي والبطالة الناجمة عن تخفيض الإنفاق.
وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق قد وفر فرصة للرئيس أوباما لالتقاط أنفاسه والعمل على محاولة استغلال هذه الفرصة المتاحة، فإن الرد الفاتر لأسواق المال العالمية على الاتفاق بين الحزبين الأمريكيين جاء ليزيد من حالة عدم اليقين تجاه هذا الاتفاق وإمكانية مساهمته في انتشال الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم العالمي، من أزمة مالية جديدة قد تكون أكثر حدة من سابقتها.

وفي الوقت نفسه، فإن هذا الاتفاق لم يتح تجنب تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة؛ حيث خفضت وكالة "ستاندرد آند بوز" للتصنيف الائتماني يوم 5 أغسطس 2011 التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على المدى الطويل من الدرجة الممتازة (AAA) إلى الدرجة (AA+)، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة بسبب مخاوف بشأن العجز المتفاقم في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الدين، معتبرة أن هذا الاتفاق غير كاف، وهي خطوة مهمة للغاية قد يكون لها تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي وعلى الاستثمارات الأجنبية، بما فيها العربية، وبالأخص على سندات الخزانة الأمريكية.
وبما أن سندات الخزانة الأمريكية اعتُبرت خلال العقود الثلاثة الماضية ضمن أكثر أشكال الاستثمار سلامة وعائداً ثابتاً، فإن كافة البلدان الغنية والبنوك المركزية في العالم تقريباً استثمرت مئات المليارات في هذه السندات التي لم تكن محلّ شك في يوم من الأيام.
وبالإضافة إلى استثمارات البلدان الصناعية المتقدمة، كبريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان، فقد انضمت أيضاً وبصورة مكثفة البلدان الصاعدة، كالصين والبرازيل وروسيا والبلدان المصدرة للنفط، إلى قائمة المستثمرين في سندات الخزانة الأمريكية، بل إن بعض البلدان الصاعدة تجاوزت البلدان الصناعية في حجم الديون المترتبة لها على الولايات المتحدة.
حجم الدين الأمريكي حسب البلدان الرئيسية
حتى نهاية مايو 2011           (مليار دولار)
البلدالقيمة( % )
الصين11608.1
 اليابان9126.4
بريطانيا3462.4
 البلدان المصدرة للنفط2301.6
 البرازيل2111.5


ومن هنا تكمن خطورة تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة الأمريكية أو عجزها عن سداد هذه القروض؛ إذ إن ذلك سيؤثر على كافة الاقتصادات الفاعلة في العالم، الأمر الذي دفع المديرة العامة الجديدة لصندوق النقد الدولي "كريستين لاغارد" إلى وصف ذلك التطور "بالحدث الخطير جداً جداً". أما صحيفة الشعب الصينية الرسمية، فقد عبّرت عن مواقف الصين بهذا الشأن قائلة: إن تعامل واشنطن مع أزمة الديون غير مسؤول وغير أخلاقي، واتهمت الصحيفة السياسيين الأمريكيين بالتضحية بمصالح الشعوب الأخرى في سبيل حفنة من الأصوات، في حين قال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إن واشنطن تتطفل على الاقتصاد العالمي وتعيش على الديون وليس على قدراتها الاقتصادية.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات العربية للقطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة، فإنها تقدر بـ 400 مليار دولار في سندات الخزانة وحدها، ويتوقع أن تنخفض قيمة هذه الاستثمارات بنسبة لا تقل عن 10% بعد تخفيض التصنيف السيادي لواشنطن.
وبالإضافة إلى الاستثمارات العربية المباشرة في الولايات المتحدة، فإن هناك خسائر أخرى متوقعة من جراء تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة نتيجة ارتباط العديد من العملات العربية بالدولار الأمريكي الذي يتوقع أن يمنى بخسائر كبيرة في أسواق الصرف العالمية، مما سيكبد العملات العربية المرتبطة به خسائر مماثلة.
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، فإنه لا يمكن استبعاد فرصة إمكانية تغلب الولايات المتحدة على هذه الأزمة بصورة كاملة، إلا أن وجود مثل هذه الفرصة ضئيل للغاية في واقع الأمر، فقد سبق أن تخلفت الخزانة الأمريكية عن سداد استحقاقات سنداتها في عام 1979، إلا أن حجم الدين في ذلك الوقت لم يتجاوز 830 مليار دولار؛ حيث تم دفع غرامات تأخير للمستثمرين، وهو ما قد لا يتوافر في الأزمة الحالية بسبب حجم الدين الهائل وتراجع القدرات المالية للولايات المتحدة.
لذلك، فإن مراقبة التطورات المالية بالولايات المتحدة في الأشهر القليلة القادمة تشكل أهمية استثنائية للتقليل من المخاطر والخسائر المتوقعة للمستثمرين، مع أخذ كافة الاحتمالات الخاصة بتطور أوضاع الاقتصاد الأمريكي في الفترة القادمة بعين الاعتبار، وضرورة العمل بشكل منسق دولياً لاتخاذ التدابير الوقائية الملائمة للتعامل مع أزمة المديونية الحالية وتجنيب العالم موجة جديدة قد تكون أكثر خطورة من "الأزمة العالمية" المستمرة منذ عام 2008.

المصدر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية  11 آب, 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق