الثلاثاء، 26 يوليو 2011

رحيل الكوميدي محمود مبسوط "فهمان"

مات محمود مبسوط.
هو فهمان للذين لا يعرفونه باسمه الحقيقي. وأنا حزين لأنه مات. فهذا ممثل شعبي موهوب، وقد أحببته حبّاً جمّاً في طفولتي، ومراهقتي، ولا أزال أحبّه إلى الآن.
إذا سألني أحدٌ كيف لمثقف أو لأديب "حديث" أن يحبّ ممثلاً "سوقياً" وشعبوياً، كهذا الممثل، فسأجيبه بقولي المباشر والصريح: أحببته لهذا السبب بالذات، ولأنه فنّان بالسليقة. بالطبيعة. بالبداهة المتألقة. ولأن موهبته حقيقية إلى درجة فاقعة وماحقة، وإن تكن أحياناً زائدة على اللزوم، أو في غير محلّها.
صحيح أنه لعب في غالب تجاربه التمثيلية أدواراً شريرة، "غير محبوبة"، و"مبتذلة"، بالمعنى الضيق للكلمة، إلاّ أن هذا الأداء الطبيعي اللافت، لكن الذكي بالذات، هو الذي جعلني أتعلّق بتمثيله، وبشخصيته، وبمقالبه، وبشيطناته، بل جعلني – أكاد أقول - أحبّ أن أكونه.
كان فهمان ممثلاً كوميدياً وفكاهياً بامتياز. لا تأتي فكاهته من زعم تعليمي مصطنع، ولا يتم إسقاطها من علٍ عليه، بل هي التي تُشرَب مثلما يُشرَب الماء الزلال، وخصوصاً للمتعطشين إلى ما يروي الغليل، في حمأة الأعمال الجدية الرصينة التي غالباً ما كانت تبعث على الملل والضجر، لخلوّها – وهذا بدون تعميم – من الموهبة الذكية.
ممثلون كثرٌ حاولوا أن يكونوا كوميديين وفكاهيين، لكن قلائل منهم "زمطوا بريشهم"، ونجحوا في أن يحققوا المُراد من الكوميديا الشعبية. هو، بين هؤلاء القلائل، ومعهم، أو بدونهم، استطاع أن يفشّ القلب وينفّس عن الكرب، ويُنسّي الهمّ. صحيح أنه كان أحياناً، يتخطى الزيح الأحمر، إلاّ أنه سرعان ما كان يعود إلى الأوركسترا، فيضطلع بالموكول إليه، بدون خلل أو زغل أو ادعاء.
هذه القدرة المتواصلة على انتزاع ضحك العامة، وسواهم، لبراعته في اقتناص اللحظة الكوميدية، جعلت له مقاماً في عالم التمثيل الفكاهي، سيكون موضع افتقاد.
ثمة من يقول لي من أهل الفن العارفين، وأنا أكتب هذه الكلمة السريعة، إن فهمان كان إلى كوميديته، فناناً يجمع الفكاهة إلى التراجيديا، والمرح الخفيف إلى الألم الغائر. وهذه نقطة إضافية تُحسَب له في تجربته التمثيلية المديدة.
ربما هو الحنين إلى زمن مضى، زمن "أبو سليم الطبل وفرقته"، زمن المواهب الشعبية المرتجلة، المتغلغلة في الأماكن المنسية، الهامشية، بعيداً عن مرايا الواجهة الثقافية.
لكنه ليس الحنين فحسب. إنه الاعتراف أيضاً، في زمن قد لا نجد كثيرين ممن يعترفون!

ع. ع.  - النهار 26 تموز 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق