الجمعة، 1 يوليو 2011

ما دور الحوادث والتجارب وخزن النفايات والمفاعلات النووية في تغير المناخ؟

تجارب نووية مؤثرة في المناخ
بالتزامن مع طرح مشكلة تغير المناخ على المستوى الدولي والعالمي، ومع تحميل غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من استهلاك الوقود الأحفوري (لتوليد الطاقة) المسؤولية الأكبر عن تغير المناخ... تحرك اللوبي النووي العالمي لإعادة تسويق الطاقة النووية، كطاقة بديلة وصديقة غير مؤثرة على تغير المناخ. وقد استغل اللوبي النووي المسألة المستجدة وتقارير خبراء الأمم المتحدة التي تركز على استهلاك الطاقة الأحفورية كمسبب رئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة لإعادة الاعتبار للطاقة النووية، بعد أن كانت قد تعرضت لانتقادات حادة في الدول المتقدمة جراء الحوادث التي نجمت عن التجارب النووية أو عن انفجار مفاعلات وتسرب إشعاعي خطير، أو عن مشكلة كيفية التخلص من النفايات النووية ودفنها في أماكن آمنة وبأكلاف معقولة... ما جعل هذه التقنية في غاية الخطورة وغير مقبولة شعبيا في كل أنحاء العالم تقريبا.
وقد لوحظ في الفترة الأخيرة نشاط أعضاء النادي النووي بشكل لافت في المؤتمرات الدولية السنوية التي تنظمها الأمم المتحدة، ولا سيما مؤخرا، للبحث في كيفية تطبيق بروتوكول كيوتو، وقد خصص الاجتماع ما قبل الأخير (في كوبنهاغن) الذي عقد في بوزنان في بولندا، لمحاولة إقناع هذه الدولة في أوروبا الشرقية التي لا تزال تعتمد اعتمادا رئيسيا على الفحم الحجري لإنتاج الطاقة، لمحاولة إقناعها باستبدال هذه التقنية بمحطات تعمل على الطاقة النووية، وقد بذل الرئيس الفرنسي جهدا استثنائيا وشبه علني لمحاولة إقناع المسؤولين البولنديين بضرورة اعتماد التقنيات النووية لتوليد الطاقة بدل تلك التي تعتمد الفحم الحجري.
كما تحركت مؤخرا الدول الأعضاء في النادي النووي باتجاه المنطقة العربية، ولا سيما في بلدان الخليج العربي ومصر والأردن لإعادة تسويق هذه التقنية. وقد عقد مؤتمر دولي مؤخرا في عمان للبحث في الموضوع، كما زار «وفد استطلاعي نووي» بعض البرلمانيين اللبنانيين لاستطلاع رأيهم في إمكانية أن يشتري لبنان طاقة من الأردن إذا ما تم إنشاء مفاعلات هناك، نظرا لوجود كميات لا بأس بها من اليورانيوم في الأردن ولوجود نية كبيرة لتسويق هذه التقنية في المنطقة.
ولعل الخطوة الأبرز كانت مع قرار الحكومة المصرية الأسبوع الماضي للبدء في بناء أول محطة للطاقة النووية على ساحل البحر المتوسط الذي أعلن عنه الرئيس المصري حسني مبارك. وتسعى العديد من دول المنطقة إلى تطوير قدرتها لتوليد هذه الطاقة القذرة والمكلفة والخطرة، وهو أمر اعتبرت غرينبيس في بيان لها أمس انه يشكل تهديداً للمنطقة بأسرها، إذ تقوض الطاقة النووية جهود إنقاذ المناخ وتغلق الباب أمام الاستثمار في موارد الطاقة المتجددة اللازمة للحد من انبعاثات الكربون. وقد تم اعتبار الطاقة النووية بمثابة «الإرث القاتل من القرن العشرين». وتصح تسمية «الإرث القاتل» على الطاقة النووية، ليس لكونها طاقة خطرة على البيئة والصحة العامة ومكلفة على الاقتصاد ولا في استعمالاتها المسماة تسويقا «سلمية»، بل لكونها قد تتسبب في زيادة النزاعات بواسطتها أو حولها في المنطقة. فهذه الطاقة قد تحولت أداة سيطرة واستقواء عند الدول المسماة «كبرى»، والى «قوة إرهاب» عند المجموعات الأضعف التي تشعر بأن هناك من يريد إضعافها واستغلالها. وقد انتقلت هذه القوة النووية في الفترة الأخيرة من «قوة ردع»، باعتبارها ضمانة متناقضة للسلام (كما كانت الحال زمن الاتحاد السوفيتي)، إلى إمكانيات لقوة مواجهة أو ممانعة. وهذا ما يعيد طرح الأسئلة حول الجدوى وحول مسؤولية الأكبر على استيعاب الأضعف، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بتغييرات مناخية خطرة قد تهدد شروط الحياة على الكوكب.
لقد خفت الحماسة على الطاقة النووية بعد الكثير من الحوادث التي حصلت، حتى جاء من يعيد إحياء هذه التقنية الخطرة بعد تفاعل قضية تغير المناخ عالميا، كونها البديل الأفضل. فما مدى صحة هذا الزعم؟
الأستاذ الجامعي الدكتور علي قعفراني يخص «السفير» بجزء من دراسة غير منشورة حول المسكوت عنه من تأثيرات التقنيات النووية على تغير المناخ.
حبيب معلوف

الحوادث النووية المعلنة

لماذا يتجاهل العالم فرضية الدور الذي تلعبه التقنية النووية في إحداث تقلبات في مناخ الأرض، خاصة بعد الحوادث الكبرى التي حصلت في المفاعلات النووية (حادثة مفاعل ويندسيكل في المملكة المتحدة بتاريخ 8/10/1957، وحادثة مفاعل ثري ماييل إيلاند في الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 28/3/1979، وحادثة مفاعل تشير نوبل في الاتحاد السوفيتي (سابقا) بتاريخ 26/4/1986)... إضافة إلى عشرات الحوادث الصغيرة والمتوسطة التي لم يعلن عنها، مع العلم أن الحوادث التي أعلن عنها كان لا مفرّ من إعلانها؟!
إلى جانب التجارب النووية التي بلغت 1900 تجربة نووية تجريبية أجرتها ما يعرف بدول النادي النووي حتى العام 1986، حيث أن الطاقة النووية الناتجة من الانشطار هي واحدة من مجموعة نواتج تسمى نواتج الانشطار النووي، والإشعاعات المؤينة التي لها القدرة على فصل الالكترونات من محيط الذرة الخارجي أو من أي مدار للذرة وبالتالي تأيين جزيئات أو ذرات المواد التي تمر خلالها وتبدأ من الأشعة فوق البنفسجية، ثم إشعاعات جاما، فالأشعة الكونية التي تصل إلى الأرض من الفضاء الخارجي وتتكون من 85% من البروتونات و14% من أشعة (ألفا) وتتميز هذه الأشعة بالانهمار بصورة متجانسة وهي تملأ جو الأرض في الارتفاعات التي تزيد عن 25 كلم حيث تصطدم مع قوى ذرات العناصر المكونة للغلاف الجوي. ينتج من ذلك أشعة ثانوية فتتكون من بوزترونات والكترونات ونيترونات هذا وعلى ارتفاع 15 كلم تكون الأشعة الكونية قد تحولت إلى بوزترونات والكترونات وفوتونات التي تتأثر بالتفجيرات النووية التجريبية وبنواتجها الانشطارية التي قد تصل إلى طبقة الستراتوسفير بعد قطعها طبقة التروبوسفير وذلك حسب قدرة التفجير النووي.

نواتج التفجيرات النووية

تتفاعل نواتج الانشطار النووي مع المادة الموجودة في الغلاف الجوي محدثة للبعض منها تأين. والإشعاعات المؤينة نوعان: إشعاعات جسيمية عبارة عن أجزاء من الذرة منطلقة في الفضاء بسرعات مختلفة منها جسيمات ألفا، وجسيميات بيتا، والنيترونات. وإشعاعات كهرومغناطيسية مثل أشعة جاما والأشعة فوق البنفسجية والأشعة الكونية التي معظمها من الجسيمات المشحونة وعند دخول جسيما مشحونا مجالا مغناطيسيا، كمجال الأرض ينحرف عن مساره المستقيم ويأخذ مسارا دائريا، وبسبب اختلاف شده المجال المغناطيسي للأرض فإن مسار الجسيم يأخذ الشكل اللولبي مؤديا إلى حصر الجسيمات في منطقة محيطة بالكرة الأرضية تشبه الحزام، وقد زادت كثافة هذه الأشعة النووية الكونية عن بعد يتراوح بين 1000 و7000 كلم القريب إلى سطح الأرض والتي يتكون معظمه من بروتونات ذات طاقة 30 مليون إلكترون فولت. أما النطاق الخارجي الذي يقع على الكترونات ذات طاقة بضعة مليون إلكترون فولت، وتغذي الأنطقة بالأشعة الكونية المنهمرة بصورة مستمرة وتسرب منها كميات إلى الأرض بسبب تغير شدة المجال المغناطيسي للأرض. إلا أن المفاجئ هو زيادة كثافة هذه الأشعة في الأنطقة بسبب التجارب النووية التجريبية فوق سطح الأرض، الذي توزع طوبوغرافيا إلى ثلاثة أنواع، هي المحلي والتروبوسفيري والستراتوسفيري. أن نواتج التفجيرات النووية التجريبية تستقر بحسب كبر قطرها. فالتي بقطر حوالي عشرين مايكرومتراً، تستقر على ارتفاع 160 كيلومتراً فوق سطح الأرض. أما في طبقة التروبوسفير فتستقر النواتج الأصغر ذات قطر بضعة مايكرومتر. تختلط هذه النواتج مع الهواء في الغلاف الجوي وتتفاعل معه مما يؤدي إلى تغيرات مناخية حصلت بعد حادثة تشرونوبل إذ استمرت التقلبات المناخية حوالي عشر سنوات لأن النشاط الإشعاعي يضمحل مع الزمن. لكن بعض نواتج الانشطار النووي يمكن أن تستمر مئة سنة لكي يضعف نشاطها، تفجير نووي صغير (15 كيلو طن)، ترتفع نواتجه الانشطارية إلى ارتفاع يصل إلى نهاية طبقة التروبوسفير، أما التفجير النووي التجريبي بقدره (ميغا طن)، ترتفع نواتجه الانشطارية على شكل غيمة إلى طبقة الستراتوسفير حيث تبقى المواد المشعة تدور حول الأرض لمدة قد تتراوح عشر سنوات، وقد تحدث تأثيرات كبيرة على الأشعة الكونية المقبلة من الفضاء الخارجي وعلى مكونات طبقة الستراتوسفير وهذا بدوره يؤدي إلى تغيرات مناخية.

تجارب الدول النووية

أما التجارب النووية التجريبية تحت سطح الأرض فتحدث تلوثا إشعاعيا، في منطقة التفجير إلا أن نسبة التسرب الإشعاعي لا تتجاوز 35%.
أحاطت الولايات المحتدة الأميركية بعض تجاربها النووية بالسرية حتى عن حلفائها، حيث أجرت اكبر عدد من التفجيرات بلغ 48% من مجموع عدد التفجيرات النووية في العالم. أما مجموع عدد التجارب النووية التي أجرتها أميركا بين العام 1945 والعام 1989 فقد بلغ 942 تجربة. أما الاتحاد السوفيتي السابق فقد أجرى 713 تجربة، بريطانيا 41 تجربة، فرنسا 181 تجربة، الصين 34 تجربة، الهند تجربتين... وهكذا يبلغ عدد التجارب النووية فوق سطح الأرض وتحته ما مجموعه 1900 تجربة معلنة من العام 1945 حتى العام 1989، أي بمعدل تجربة نووية كل أسبوع. كما أن القدرة الكلية لهذه التفجيرات النووية كلها تصل إلى أربعين ألف مرة اكبر من تفجير هيروشيما!
إن الدراسات العلمية تؤكد أن دول النادي النووي، أي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي السابق والصين، هي من ساهم وأثقل النصف الشمالي من الكرة الأرضية بتلويث غلافه الجوي، أما النصف الجنوبي للكرة الأرضية فتولت تلويثه فرنسا وبريطانيا. وشكلت استراليا مختبرا للتجارب النووية البريطانية حيث أجرت مئات التجارب النووية، أهمها ثلاثون تجربة احتوت على البلوتونيوم (239) مسببة أسوأ حالات التلوث، كما استخدمت فرنسا أراضي الجزائر لتجاربها النووية.
في الفترة بين عامي 1945 و1996 نفّذت القوى النووية (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، فرنسا والصين) 2045 تجربة تفجير نووية، أي بمعدل انفجار نووي واحد كل تسعة أيام.
كانت التفجيرات تتم في البحر على عمق 60 متراً وتحت الأرض على عمق 240 متراً تحت السطح. وفي الجو وصلت إلى ارتفاعات مختلفة في الفضاء، وهذا أدى إلى إثقال الغلاف الجوي للأرض بطبقاته المختلفة حتى ارتفاع 480 كيلومترا بنواتج الانشطارات النووية.

أماكن التفجيرات النووية

تصنف التفجيرات النووية إلى أربعة أنواع حسب موقع التفجير: 1 – تفجيرات قرب سطح الأرض. 2 – التفجيرات الجوية التي تمتد إلى بعد عشرة كيلومترات عن سطح الأرض.
3 – التفجيرات تحت سطح الأرض أو تحت الماء. 4 – التفجيرات الفضائية وهي تكون خارج منطقة التريبوسفير أي على ارتفاعات أعلى. هذه التفجيرات هي الأسوأ التي تؤثر نواتجها الانشطارية على الأشعة الكونية القادمة من الكون. وهذه الأشعة تساهم في تشكيل طبقة الأوزون إذ أن الأشعة فوق البنفسجية هي التي تساهم في تشكيل الأوزون في طبقة الستراتسفير وان أي تأثير على هذه الأشعة سيؤدي إلى خلل في طبقة الأوزون، وان نواتج الانشطار النووي عامل أساسي في إحداث خلل في هذه الطبقة مع عوامل أخرى كالكلوروفلورو كربونات وغيرها من الغازات التي ينفثها الإنسان في الغلاف الجوي. كما أن نواتج الانشطارات النووية تؤثر في مكونات طبقة الستراتسفير وتحدث بها اختلالات معينة، مما يؤثر على التقلبات المناخية على سطح الأرض. كما تؤدي التفجيرات النووية في جو طبقة التروبوسفير وعلى ارتفاعات مختلفة، إلى «المتساقط النووي» الذي يعقب التفجير، والذي يستمر من أسابيع إلى سنوات عديدة حسب ارتفاع التفجير وقوته، مما يؤدي إلى التأثير الكبير على الظروف المناخية.
بالإضافة إلى ذلك ينطلق خلال الدقيقة الأولى بعد الانفجار «الإشعاع النووي الأولي» وهو يتألف من نيوترونات وأشعة جاما. تنبعث النيوترونات وإشعاعات جاما من الكرة النارية بصورة فورية تقريبًا. أما بقية إشعاعات جاما، فتنطلق من سحابة هائلة تشبه الفطر من المواد المشعة التي يكوّنها الانفجار.

مشكلة النفايات النووية

تصنف النفايات النووية المشعة حسب نشاطها الإشعاعي إلى ثلاثة أنواع: النفايات الواطئة المستوى، النفايات العالية المستوى، ونفايات ما بعد اليورانيوم. تتشابه النفايات الواطئة المستوى والعالية المستوى بنوعية الإشعاع المنبعث منها وهي أشعة بيتا وأشعة غاما وتختلف في شدة تركيز النشاط الإشعاعي. أما نفايات ما بعد اليورانيوم فهي تبعث أشعة ألفا ذات عمر نصف طويل مما يتطلب أسلوبا خاصا للتعامل معها وخزنها. إن معدل نشاط النفايات الواطئة المستوى يقل معدل نشاطها الإشعاعي عن 1.3 تيرا بيكوريل للمتر المكعب (أي ألف بليون بيكوريل م3). أما نفايات العالية المستوى فيتراوح نشاطها الإشعاعي بين 1 و1.5 بيكوريل لليتر الواحد (أي 100 – 1500 كوري للغالون الواحد) وهو سائل، وان الخطورة فيه لأنه يصاحب هذا النشاط الإشعاعي العالي إنتاج طاقة حرارية عالية. أما نفايات ما بعد اليورانيوم، فمعدل نشاطها الإشعاعي هو 370 بيكوريل للغرام الواحد. إنه لمن المؤسف أن عملية إنتاج النفايات عالية المستوى وما بعد اليورانيوم أسهل بكثير من عملية التخلص منها.
إن الاحتفاظ بالنفايات المشعة شكل مشكلة كبيرة لدول النادي النووي، هناك خزن فوق سطح الأرض، وتحت سطح الأرض وفي أعماق المحيطات ولن نتطرق لكيفية خزنها لأنها ليست موضوع اهتمامنا، بل سنتطرق إلى عمليات الخزن للنفايات النووية في القطب الشمالي والجنوبي وكما ذكرنا بأن هذه النفايات تولد درجة حرارة عالية وممكن أن تكون هي المساهمة في عملية إذابة الجليد في الأقطاب.

دفن النفايات النووية

نصت اتفاقية لندن لعام 1972 على عدم رمي النفايات المشعة العالية المستوى في المياه الدولية، لكن هذه المعاهدة لم تحرم رمي النفايات الواطئة المستوى والمتوسطة. والمؤسف أن أكثر الدول التي مارست هذه الطريقة هي بريطانيا واليابان. فبريطانيا ترمي كميات كبيرة من نفاياتها، في البحر الايرلندي، إذ رمت بين عامي 1950 و1963 حوالي 15300 طن من النفايات المشعة التي تحتوي على 14.14 تيرا بيكوريل من مصادر أشعة ألفا و41.12 تيرا بيكوريل من مصادر أشعة بيتا وغاما. أما كميات النفايات المشعة التي دفنت بين عامي 1949 و1982 في مواقع متعددة من شمال شرق المحيط الأطلسي فقد وصلت إلى 73530 طنا معبأة في 149627 علبة (مع الإشارة إلى أن الوقود النووي المستهلك هو 15 ألف طن). وقد تم التقليل من المواقع لدفن هذا النوع من النفايات في العالم بعد ذلك، بسبب معارضة الناشطين البيئيين في العالم لما تحدثه من خلل وتلوث للبيئة البحرية.

الخزن في أقطاب الكرة الأرضية

إن أحد الحلول العالمية الذي نوقشت هي رمي النفايات الساخنة والتي تولد طاقة حرارية هائلة في أقطاب الكرة الأرضية، إذ أن هذه الفكرة لا تتطلب تقنية عالية فالمنطقة معزولة جغرافيا وتوفر عزلا طويل الأمد حيث أن النفايات بسبب حرارتها سيحفر لها خندق في الجليد يصل إلى الطبقة الصخرية والتي تقع على عمق 4000 متر تحت الجليد. إلا انه غير مسموح دوليا حتى الآن تخزين النفايات في الأقطاب.
ولكن تشير معظم الفرضيات إلى انه كما تحصل تجارب نووية سرية فإن رمي النفايات النووية لا يخضع لأي اعتبارات دولية أو إنسانية، لأن ما يحصل اليوم في الأقطاب الشمالية والجنوبية للكرة الأرضية يدل على أن التغيرات الحاصلة لطبقة الجليد يعود إلى فرضية تخزين النفايات في الجليد، وقد تؤدي الحرارة الناتجة من خزن النفايات النووية بين الجليد والطبقة الصخرية إلى زيادة كمية المياه بين الطبقة الصخرية وطبقة الجليد، مما يتسبب في انهيارات جليدية. وأن المتهم الأول للانهيارات الجليدية ولزحف الجليد هو وجود مياه بين طبقة الجليد والطبقة الصخرية، مما يسبب انزلاقات جليدية. من هنا أصبحت فرضية رمي النفايات النووية وخزنها واقعا وموضوع نقاش في دول النادي النووي الذين أرادوا التخزين في أقطاب الكرة الأرضية في مناطق غير مأهولة في السكان. لكنهم على ما يبدو لم يأخذوا بعين الاعتبار ارتفاع درجة حرارة النفايات النووية وتأثيرها على طبقة الجليد الفاصلة بين الجليد والطبقة الصخرية المقترح التخزين فيها على عمق 4000 متر.

محطات الطاقة النووية

إن معرفة مستويات القذف الحراري الناتج من توليد الطاقة الكهربائية من جميع أنواع المحطات (الحرارية والنووية) ترشدنا إلى أن القذف الحراري يحدث تغيرات رئيسية في البيئة (الطقس، الحرارة، الرياح، الرطوبة... الخ). وقد دلت الحسابات على أن أعلى قدرة للمحطات الكهربائية يجب ألا تتعدى (109) ميغاواط حراري، وعندما تصل قدرات المحطات الكهربائية في العالم بحدود 4 ، 2 ×ا 108 ميغاواط حراري، وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة الأرض (0.4) درجة مئوية. إن الطاقة النووية تؤدي دورا متميزا في إنتاج الطاقة الكهربائية وإن النسبة المئوية التي تشكلها الطاقة النووية من مجموع الطاقات الأخرى المستهلكة في عشرين دولة تعتمد إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة المحطات النووية باتت كبيرة وخطرة. تأتي في الصدارة فرنسا كون 70% من استلاكها للطاقة الكهربائية يأتي من المفاعلات النووية (لديها 63 مفاعلا)، بلجيكا 67% وعدد مفاعلاتها (10)، السويد 65% وعدد مفاعلاتها (12)، كوريا الجنوبية 44% وعدد مفاعلاتها (12)، الولايات المتحدة الأميركية لديها 119 مفاعلا، الاتحاد السوفيتي السابق لديه 85 مفاعلا، تايوان (44%)، اليابان (25%)، تشيكوسلوفاكيا (21%)، بريطانيا وهنغاريا (18%)، إلى جانب كل من ألمانيا الشرقية، الأرجنتين، أفريقيا الجنوبية... وهذه المحطات أنجزت حتى العام 1986. بينما الآن نرى أن محطات الطاقة النووية في العالم تزداد وان مجموع قدراتها قد تزداد ما دامت دول النادي النووي تعتمد أساسا على الطاقة النووية من أجل إنتاج الكهرباء.
وتنتج المحطات النووية تأثيرات إشعاعية، وتأثيرات حرارية، تؤثر الأولى مباشرة على الإنسان والحيوان والنبات والهواء والغذاء، بينما تؤثر الحرارة مباشرة على البيئة، ومن المعروف أن جميع المحطات التي تولد الطاقة تسبب تلوثا حراريا، حيث أن جزءا بسيطا فقط من الطاقة الحرارية يتحول إلى طاقة كهربائية، فيما يتبدد الباقي في البيئة بنسبة كبيرة مقدارها (60%). للمحطات النووية تأثير مضاعف، فمن أجل إنتاج 1000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية في المحطات النووية، يتطلب تلوثا حراريا تصل قيمته إلى 2000 ميغاواط حراري، إذ أن التلوث الحراري التي تحدثه المحطات النووية أعلى بكثير من التلوث الذي تحدثه المحطات الحرارية وهذا بسبب أسلوب التبريد المنتج في المحطات النووية. يتم إنشاء المحطات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية بالقرب من الأنهار والبحيرات حيث يتم استعمال المياه في تبريد المحطة، وقد ترتفع درجة حرارة المياه من 6 درجات إلى 16 درجة مئوية، ثم تلقى المياه ثانية في مصدر المياه. وتستهلك المحطة النووية التي تستخدم مفاعلات الماء الخفيف المتوسط 50 مترا مكعبا في الثانية لكل جيغاواط كهربائي، وقد وجد أن القذف الحراري الناتج من محطات توليد الطاقة الكهربائية يؤدي إلى ضخ الحرارة في البيئة، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهذا أمر في غاية الصعوبة والتعقيد.
يحصل تداخل العوامل والمؤثرات الحرارية الأخرى في الغلاف الجوي من مسببات أخرى تؤدي لرفع درجة حرارة الأرض وهذه عوامل متداخلة ومؤثرات متعددة، واعتمادا على ما سبق، يمكننا نظريا تحديد قدرات محطات الطاقة النووية في المستقبل حيث أن أكبر قدر مسموح به لمثل تلك المحطات، يجب أن لا يتجاوز مستوى القذف الحراري (50 واط / متر مربع) في المنطقة المحيطة.

مسؤولية الدول الكبرى الملوثة

وتبقى الأسئلة الملحة عن ظاهرة الاحتباس الحراري محيرة، لماذا استغرقت بحوث العلماء كل هذا الوقت الطويل (أكثر من 50 عاما)؟ هل اتجه العلماء إلى الطريق الخاطئ، وتاهوا عن الطريق الأسهل؟ هل أن محاولة العلماء كانت متأخرة؟ ومتى سيظهر العبقري الذي سيجد الحل؟ هل يمكن الثقة بالعلماء، إذا كان بينهم من تعميه الرغبة في الشهرة والمال عن تقصي الحقيقة؟ لماذا لم تتكلم أي دراسة عن تأثير التفجيرات النووية التجريبية على الغلاف الجوي للأرض، وعن خزن النفايات النووية في الكرة الأرضية؟ هل العلم خاضع للتسييس؟
متى تقوم هذه الدول الكبرى الملوثة بحشد السياسيات البيئية، وكل قدراتها في مسار موحد لحماية البيئة من الكوارث التي تتفاقم، من تلوث في الهواء والمياه والتربة؟ متى تستيقظ الدول الفاعلة والمؤثرة في القرار لاتخاذ خطوات تنفيذية جريئة وفورية، بعيدا عن أي مؤثرات سياسية أو اقتصادية، ولا سيما تأثيرات مصالح الشركات الكبرى؟
في السنوات السابقة لم يتم التعاطي مع قضية البيئة جديّا وحتى مؤتمر كوبنهاغن الأخير. برزت عدم جدية دول القرار التي تتحمل المسؤولية الأساسية والمباشرة للمشكلة البيئية التي تعانيها الأرض. إن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤدي إلى أن يفرغ الغلاف الجوي كل طاقته الحرارية من خلال زيادة عدد الأعاصير والعواصف التي ستضرب محدثة نتائج كارثية خاصة في الولايات المتحدة الأميركية التي من المتوقع أن تضربها الأعاصير لهذا العام ابتداء من نهاية آب وحتى نهاية كانون الثاني. أما الأعاصير المتوقع أن تحدث أضرار أيضا مادية وبشرية في كل من الصين والهند وبنغلادش وشرق الصين إلى جانب الشاطئ الغربي لبريطانيا بصورة لم يسبق لها مثيل وسوف تستمر هذه الأعاصير لتحدث نوعا من التوازن بعد أن يفرغ الغلاف الجوي طاقته الحرارية إذ أن الأرض تتكفل بالإشراف على كل العمليات الطبيعية، الكيميائية والفيزيائية التي تحفظ كوكبنا بصحة جيدة، وهي التي تعمل على توازن عناصرها، فإذا ارتفعت درجة حرارة الأرض كما يتوقع فسيؤدي هذا إلى استمرار العواصف والأعاصير والى المزيد من انصهار الجليد الذي سيؤدي حتما إلى غرق جزء من اليابسة حتى تصل الطبيعة إلى حد توازنها التي تسترد بها عافيتها، إذا كانت نقطة التوازن في السابق هي فناء الديناصورات (حدث ذلك منذ 65 مليون سنة)، حينها يكون الإنسان مثّل دور المجرم القوي الذي يقتل كل من حوله ومن ثم ينتحر.

د. علي محمود قعفراني - السفير 31 آب 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق