الأربعاء، 20 يوليو 2011

القتل في لبنان: 6 جرائم في أسبوع

القتل في لبنان
القتل في لبنان
ليل الجمعة في الثاني من الشهر الماضي، قتل في بلدة قانا العامل السوري عامر إبراهيم الزعال الملقب بـ"التركي"، بعد اشتباك بالعصي والسكاكين بين عدد من العمال السوريين وشبان من البلدة على خلفية عملية الاغتصاب التي قام بها احد العمال السوريين، قبلها بأيام بحق طفلة من بلدة حانويه.
بعدها أقدم بعض شبان بلدة قانا على إحراق منزل يستأجره عدد من العمال السوريين، فقط لأنّهم سوريون، ولأنّ المغتصب، أو المتهم بالاغتصاب، عامل سوريّ. لكنّ الجيش اللبناني ضرب طوقا محكماً على المنطقة وألقى القبض على عدد من مفتعلي الحادث.

الجريمة ذكّرت بجريمة كترمايا، حين شارك العشرات من أبناء تلك البلدة الجبلية في قتل الشاب المصري محمد مسلم، والتنكيل بجثته بعد ذبحه، ثم تعليقه على أحد أعمدة الكهرباء، في مشهد أعاد إلى الذاكرة ما كتب عن العقوبات الجماعية في القرون الوسطى.

في اليوم نفسه عثر قبل الظهر على جثة الشاب عامر عماد فياض، ابن الـ17 ربيعا، ميتا على طريق بلدته بدغان في قضاء عاليه بالجبل. وقد حضرت الأجهزة الأمنية والقضائية والأدلة الجنائية إلى المكان، وباشرت التحقيق.

كذلك حضر الطبيب الشرعي وقام بفحص الجثة لمعرفة أسباب الوفاة، وطلب نقلها إلى مستشفى الإيمان في عاليه لتشريحها، وذلك بعد استكمال الأجهزة الأمنية تحقيقاتها في المكان.

تبيّن أنّ الجثة مصابة بجروح بليغة، ما ترك المحققين حائرين بين فرضية جريمة القتل وبين فرضية الوقوع عن جلّ عال والموت بعد النزيف. وقد انتشرت شائعات تتحدث عن جريمة عائلية.

جريمتان زوجيتان

في الأسبوع نفسه قتل زوجان، في بلدتين جنوبيتين، زوجتيهم. فبعد أربعة أيام من العثور على امرأة محترقة في خراج بلدة النميرية قضاء النبطية جنوب لبنان، باشرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التحقيق في الموضوع، فتبين أن الجثة تعود للسيدة فاطمة المقداد، وبنتيجة التحريات أوقفت المديرية زوج المغدورة، ويدعى علي ب. الذي اعترف بأنه أقدم على خنق زوجته فجر 12 يونيو - حزيران الجاري على طريق عام الأوزاعي جنوب بيروت، ثم نقلها إلى مكان اكتشاف الجثة حيث أضرم فيها النيران مستخدماً الإطارات المطاطية ومواد مشتعلة.

قبل هذه الجريمة قتل الرجل الذي تخطّى الـ77 من عمره، حاتم ز. زوجته وفيقة التي تجاوزت الـ54 من عمرها، بإطلاقه النار على رأسها من مسدس حربي كان يحتفظ به داخل منزله في بلدة كفرتبنيت بالجنوب، ما أدى إلى وفاتها على الفور. وفي التفاصيل أنّ حاتم ز. طلب من زوجته تجهيز جواز سفره، مصراً على السفر إلى إفريقيا رغماً عنها لزيارة أولاده من زوجته الأولى.

ولأنّها تلكأت وأجابته بأنها لا تعرف مكان جواز سفره، دخل إلى غرفة نومه وأحضر المسدس وعاجلها بإطلاق النار عليها في حمام المنزل، وعندما تأكد من مقتلها توجّه إلى مخفر درك النبطية وسلّم نفسه. وقد أفاد بعض الجيران أن حاتم سبق أن أطلق النار على أحد جيرانه بعد شجار معه على ملكية أرض تفصل بين أرضيهما.

قتلها لأنها لم تخرج معه

قبلها بأيام، وفي سياق شبيه بالقتل الزوجي، حاول شابان مجهولان قتل الشابة سيلينا عيسى، عمرها 19 عاما، ورمياها عن علوّ عشرين طبقة لكنّ الأشجار الرقيقة أنقذتها.

وفي التفاصيل أنّ سيلينا وصلت إلى مستشفى البترون مصابة بجروح في عنقها ورجليها وبرضوض في أنحاء مختلفة من جسمها، بعدما عثر عليها مرمية بين الأعشاب تحت نفق شكا القديم.

والد سيلينا، جورج عيسى، قال إنّ ابنته بصحة جيدة ومصابة برضوض وخدوش فقط، مشيراً إلى أن حالتها النفسية متعبة بعض الشيء من جراء العنف الذي تعرضت له.

واتهمّ عيسى زميلاً لسيلينا في المدرسة بأنّه انتقم منها لأنها لم تتجاوب معه ولم تقبل بأن ترتبط بعلاقة معه، فخطفها بمعاونة شاب أو شابين آخرين، من بيت جدتها، والدته، في بلدة حامات، حيث كانت تستعد للامتحانات الرسمية.

وقال الوالد إنّه في طريق عودتها إلى منزلها من مقهى الانترنت حيث كانت تعد بعض الأبحاث المتعلقة بدراستها، صادفها هذا الشاب وادعى انه يريد أن يلقي عليها التحية فقط. وبعد السلام، خدّرها بواسطة رشّاش برذاذ مخدّر، وخطفها بمساعدة شركائه.

وتعرضت سيلينا للضرب المتواصل، أفقدها وعيها جزئياً ولكنها بقيت تسمع أصوات خاطفيها. وقبل رميها عن ارتفاع 120 متراً، بالقرب من نفق شكا القديم، سمعت سيلينا خاطفيها يقولون: "ماتت، رموها لنخلص منها".

وصباح الأوّل من يوليو - تموز أيضا وجدت نوال مطانيوس عزيز جثة في منزلها إلى جانب مادّة سامّة من دون جلاء ملابسات الحادث.

قاعي: الضوابط الروحية تتبخر

يرجع الدكتور عبدو قاعي، رئيس "المركز اللبناني للأبحاث المجتمعية"، أسباب تزايد العنف في المجتمع اللبناني إلى "تبخّر الضوابط التي من خلالها يستمد الإنسان روحيته، متحدثا عن "ضوابط مدنية وروحية، في هذه المرحلة من الزمن التي نمرّ فيها تتراجع الضوابط الروحية وتزيد الحروب".

يرفض قاعي الحديث عن لبنان فقط: "العنف يزيد في لبنان والعالم، المشكلة ليست فقط في لبنان، لأننا جزء من هذا العالم، فنحن عينة من العالم الكبير، لأننا 18 طائفة تمثل كل التكوين الإبراهيمي في العالم، أي ثلثي العالم".

وبرأيه أنّ الأفراد في لبنان والعالم باتوا يلجأون الى قوانينهم الشخصية وإلى أحكامهم الذاتية، وصاروا يدافعون عن ذواتهم كما يريدون هم، بعدما صارت القوة هي لغة الكوكب بدلا من العقل والعدالة".

لكن بشكل عام لم تعطِ الجرائم الأربعة الأخيرة صدى إعلاميا كبيرا، كما فعلت جريمة كترمايا على سبيل المثال. ولا شغلت جرائم الأسبوع الأخير من حزيران إعلام لبنان والعالم العربي كما فعلت جريمة "بحر صاف"، والأم التي قيل إنها قتلت أولادها بالسمّ.

هذا لأنّ الشعور العام في لبنان والعالم العربي لا يمكن استثارته بقتيل واحد، أو بإحراق زوج لزوجته بعد قتلها. المشاهد يريد أكثر، يريد جريمة كبيرة، مثل التنكيل بجثة في شوارع بلدة، أو مثل تفجير يقتل العشرات ويجرح المئات.

إبراهيم: السبب هو الإفلات من العقاب

تؤكد إحصاءات قوى الأمن ارتفاع نسبة الجرائم هذا العام عن الأعوام السابقة، وتحديدا في الأشهر الأخيرة. فمن 7 جرائم في نيسان 2009 ارتكبت في لبنان 12 جريمة في نيسان 2010، ومقابل جريمتان في أيار 2009، ارتفع الرقم إلى 6 في أيار الماضي. ما يعني ارتفاع النسبة نحو خمسين في المئة. فيما لم تجهز بعد نسبة الجرائم في حزيران لأنّ هناك جرائم غير محدّدة بعد.

نجاة إبراهيم، رئيسة جمعية العلاج النفسي في لبنان، تعيد أسباب تزايد العنف إلى أنّ "المواطنين، في القضايا الكبرى، لم يشهدوا عدالة، كما في اغتيال رئيس الوزراء الراحل الشهيد رفيق الحريري، أو في اغتيال غيره من النواب والوزراء والصحافيين، وحين تعجز العدالة عن الوصول إلى حقها، يتجرأ الناس العاديون وغير المجرمين على ارتكاب الأفعال الخاطئة لأنّ ذلك يشيع جوا في المجتمع بأنّه من السهل الإفلات من العقاب، وتختفي الثقة بتطبيق القانون".

الدكتور قاعي يعتبر أيضا أنّ "الاجتماع السياسي الذي كرّس الإقطاعيات جعل من كلّ جماعة قبيلة، ومن كلّ شخص فرد في القبيلة، بالتالي عليه أن يدافع عن نفسه، ما يعني أننا عدنا إلى نزعاتنا القبلية وما عاد هناك قانون مدني له اعتبار بين الناس".

العنف لفظاً ومزاجاً

العنف في لبنان لا يقتصر على القتل. هناك أنواع عديدة منه. مثل العنف في التعبير عن الفرح بفوز هذا المنتخب أو ذاك في نهائيات كأس العالم، من خلال المواكب السيارة التي تزعج المارّة وتقفل الطرق. هذا نوع من العنف، العنف المزاجي، والعنف في فرض أفراحنا وأتراحنا على الآخرين، من دون وجه حقّ.
... وكاتب هذه السطور شهد حادثة مزجت العنف المزاجي بالعنف المسلّح في أحد شوارع بيروت. كان عدد من مشجعي المنتخب الألماني يقفلون طريقا، وحين اعترض سائق سيارة يريد أن يمرّ، خرج أحد المشجّعين من سيارة بي إم دبليو حديثة الطراز، وراح يطلق النار في الهواء، من مسدس حربي، محتفلا ومحذّرا المعترضين في الوقت نفسه.
وهناك العنف اللفظي، الذي يمارسه السياسيون ويمارسه الناس بشكل يومي بطريقة لافتة في لبنان. من مثل اليد التي ستمتدّ إلى هذا السلاح "ستقطع" وغيرها من التعابير القاسية التي تستخدم من طرف سياسي ضدّ آخر.

إبراهيم ترى أنّ "العنف اللفظي سيء جدا وأحيانا أسوأ من العنف الجسدي، لأن الجروح حين تشفى لا تعطي نتائج نفسية، أما العنف اللفظي، والذي لا يعاقب عليه القانون، يعطي تأثيرات قوية جدا، ويحطم الشخصية ويعطي إحساسا بالاحتقار والهزيمة والأذية والإحباط".
..عنف عارم إذا عل الساحة اللبنانية حيث جرائم القتل تزداد، وتطورت في الآونة الأخيرة إلى أفعال تنكيل، مثل كترمايا والنميرية... وكل المعطيات تؤكد أن الحلول لتقويض هذه الجرائم مستعصية في بلد يعيش في مستنقع عنف لا يجفّ منذ خمسين عاما.

محمد بركات، لبنان الآن - الاثنين 19 تموز 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق