الاثنين، 13 يونيو 2011

سايكس - بيكو.. تراث السياستين البريطانية والفرنسية

يبدو أن الروحية العدوانية عند السياسيين الفرنسيين والبريطانيين هي تراث ثقافي، وربما الوحيد الذي حاول الخروج على هذه الروحية هو الجنرال ديغول.. لن أعود إلى التاريخ البعيد لإثبات الروحية العدوانية للسياستين المذكورتين، بل أبدأ من اتفاقهما في معاهدة سايكس- بيكو التي سبقت نهاية الحرب العالمية الأولى تمهيداً لاقتسام سورية الطبيعية بينهما بعد انتهاء الحرب التي كان يتوقع أن تنتهي بتفكك الإمبراطورية العثمانية، وبالفعل، وبعد انتهاء الحرب، تقرر ما سمي (انتداب) الدولتين على سورية الطبيعية، وتقسيمها بينهما، فكان نصيب بريطانيا العراق والأردن وفلسطين، ونصيب فرنسا سورية الحالية، ولبنان الذي أعلنه الجنرال غورو باسم (لبنان الكبير) بعد ضم الأقضية الأربعة إليه.. والواقع أن (الانتداب) كان احتلالاً فعلياً، أيدته الولايات المتحدة الأميركية التي كتب عنها أنطون سعادة، يومها، مقالة بعنوان (سقوط الولايات المتحدة من عالم السياسة الأدبي) بعد أن كانت قد أعلنت مبادئ ولسن التي تقول بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
إضافة لذلك، فإن بريطانيا كانت قد أعلنت بعد معاهدة سايكس- بيكو على لسان وزير خارجيتها اللورد بلفور في 2 تشرين الأول عام 1917، منح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، وبدأ بتنفيذه مباشرة بعد الانتداب، بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات تمهيداً لإقامة دولة لهم بعد الانسحاب البريطاني. وهذا الإعلان كان من أكبر الجرائم التي ارتكبتها السياسة البريطانية، التي لا تزال من أكبر أسباب الاضطرابات في سورية الطبيعية، وفي العالم العربي، كما أن تأثيرها يشمل العالم كله، ولم تكن السياسة الفرنسية أقل إجراماً، إذ عقدت مع تركيا الجديدة عام 1920 معاهدة أنقرة الأولى ومعاهدة أنقرة الثانية، ومنحتها بموجبها الأراضي السورية في الجزيرة العليا وهضبة أضنة وسهول كيليكيا، كما تم التوافق بينهما عام 1939 على سلخ لواء الإسكندرون عن الدولة السورية، ثم ضمه إلى تركيا، وبذلك تصرفت السياستان البريطانية والفرنسية في الأراضي السورية وكأنها ملك لهما، وخالفتا صك الانتداب، لأنهما، على ما يبدو، كانتا على قناعة أنهما احتلتا سورية ولن تخرجا منها.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحصول الدولة السورية على استقلالها، بقيت أحلام السياستين الفرنسية والبريطانية معلقة بالمنطقة، وتعملان بشكل أو بآخر للعودة إليها بأي طريقة، فقامتا بالتعاون مع العدو اليهودي بالعدوان على مصر عام 1956، إلى أن تدخلت الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف الحرب، ثم إخراج الدولتين من المنطقة تمهيداً لدخول السياسة الأميركانية دون شريك.
ومع ذلك بقيت سياسة كل من الدولتين تتعامل مع المنطقة وكأن لهما حقاً فيها، فنرى أنهما تعترضان على أي علاقة بين الجمهورية السورية (الشام) ولبنان، وتعتبرها تدخلاً سورياً في الشؤون اللبنانية، كما تعترضان على أي علاقة بين كيانين سوريين وتحاولان عرقلتها وتخريبها.
ولا تزال كل منهما تتحدث عن المناطق السورية وكأنها تابعة لها. فالسياسة الفرنسية كانت واضحة إلى درجة الوقاحة عندما اتهمت الجمهورية السورية بمقتل الحريري، وإصرارها على اتخاذ قرارات ضد الدولة السورية. وفي الأحداث الأخيرة في (الشام)- الجمهورية السورية، تحاول كل من السياستين التدخل في شؤونها الداخلية، وتسخّران إعلامهما للتحريض، وتبديان دفاعاً عن حرية الشعب في سورية التي انتهكتاها أكثر من ربع قرن، إضافة إلى زراعة البؤرة الإرهابية في جنوب سورية فلسطين، وإلى التصرف بحقوق سورية في أراضيها الشمالية.
إن توق السياستين الفرنسية والبريطانية للعودة إلى سورية الطبيعية، والذي يبدو ظاهرياً مدعوماً من السياسة الأميركانية، يشير إلى استمرار الثقافة العدوانية التي لم تتخلصا منها.. وهما في الوقت نفسه الذي تعلنان فيه قلقهما على حرية الشعب السوري في الشام، فهما تتعاميان عن حريته في فلسطين والعراق. وأكثر من ذلك، فهما تحاربان الدولة الشامية سياسياً واقتصادياً، وتتباكيان على الشهداء فيها، على حين تدعمان دولة العدو اليهودي وتقفان إلى جانبها في المحافل الدولية، وتقدمان لها مساعدات لقمع الشعب في فلسطين، هما تحتجان على الاعتقالات في الشام، على حين تعتبران اعتقال أكثر من عشرة آلاف من الشعب في فلسطين، بينهم أطفال، ونساء وحوامل، أنه دفاع دولة العدو اليهودي عن نفسها، هما تعتبران إجراءات الدولة في الشام ضد عناصر تقوم بأعمال قتل وتخريب إرهاباً، وفي الوقت ذاته، توافقان وتدافعان عن قتل دولة العدو للشعب في فلسطين، وعن استيلائها على أراضيه، وهدم بيوته، وإقامة المستوطنات التي هي استمرار لمشروع التوسع اليهودي، كذلك لا تجدان حرجاً في استخدام أقصى أنواع العنف ضد أي حركة احتجاج في بلاد كل منهما.
نقول للسياسات الطامعة والمعادية: إن السوريين هم المعنيون بشؤونهم الداخلية، وبمعالجتها، وليسوا بحاجة لها ولا لغيرتها على حرية الشعوب، فالشعب في سورية قادر على أن يتدبر أموره، وقادر على ابتكار الوسائل التي تعالج شؤونه كافة.. ونبشرها أنه لن يكون لأي منها موطئ قدم في أي من الأراضي السورية، إلا إذا احترموا استقلال وسيادة الدولة وإرادتها، وإن الشعب لم ينسَ لأي من السياسات إساءتها له التي هي أحد أسباب ما يعانيه من مشاكل.. وإن الشعب لا يثق بها ولا بغيرتها على حريته ومصالحه، فحرية الشعب يصوغها الشعب وحده وفقاً لقيمه ومبادئه، ولا يمكن أن يصوغها من يطمع في موارده، وفي الموقع الإستراتيجي لبلاده.

الوطن السورية 13 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق