الأربعاء، 15 يونيو 2011

مصطفى علوش.. طبيب «المستقبل» الجارح يأخذ درسه الأول في اللغة

مصطفى علوش  (م.ع.م) 
كئيبةٌ أيام كبار الثوّار في «تيار المستقبل». النائب السابق مصطفى علوش نموذج حزنهم الفاقع. يضطر إلى إصدار بيان ليلي يتبرأ فيه من رفاقه في «انتفاضة الاستقلال الثاني». يقول باقتضاب ومباشرة إن «التيار في حل من عبارة «قوى محسوبة على سوريا بصورة مباشرة» و«يتحفظ تحفظا كاملاً عليها».
ابن التبانة الذي ما عوّدنا على الخوف من شيء. اليساري يوماً، تلميذ مدرسة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، إحدى أبرز مدارس «الثورة العالمية». المثقف الذي من بين قلة من السياسيين اهتم بكتابة مقالات لطالما مهد لها بسطور من قصائد، كما اقتبس في متونها من مفكرين وفلاسفة وأساطنة. السياسي المختلف عن «السائد المستقبلي». واحد من هؤلاء الذين يعشقون الذاهب بعيداً فكر الزعيم حد التماهي به، ظل طوال سنوات خضراء يسوق أفكاراً يبني من خلالها منظومة متكاملة لموقفه الجذري من «النظام السوري وأتباعه في لبنان». من «ولاية الفقيه» إلى منظومة مدكوكة أيديولوجياً رسم علوش ملامحها الثابتة، لا مجال فيها لتسويات مع نظام «لا تنفع معه إلا لغة التهديد»، ومع «حزب الله» الذي كتب علوش عن استحالة سحبه بعيداً عن سوريا أو التخفيف من «فارسيته».
مفكر يرمي معادلات مثل: «قد تكون الصدفة القاتلة هي التي جمعت النزق الخبيث للنظام السوري والتحجّر العقائدي لـ«حزب الله» مع الأزمة النرجسية للجنرال ميشال عون»، ليخوض كثيراً في شرح ارتباط توصيفاته بعضها بالبعض الآخر، ويستنتج: «لكن التاريخ مثقل بأعباء الآلاف، وربما الملايين من الصدف القاتلة حيث تجتمع شرور متعددة لتخلق «شراً مستطيراً» مثلما تتناغم مجموعة من العواصف لتخلق «العاصفة الكاملة» التي تخلّف بعدها الكوارث».
السياسي العصامي، والعصامية شأن نسبي، شق بجرأته نادي العائلات الكبيرة في طرابلس، منافساً من فيها، ومتفوقاً على أستاذه سمير الجسر، يصنع شعبيته بتقدمه بالصدفة المتعمدة، على كل طيور المستقبل الجارحة في هجومه على سوريا و«حزب الله». الطبيب الآتي من عائلة عادية يصر على إجراء العمليات الجراحية متنقلا إلى المستشفى ومنه، بينما عاصفة الاغتيالات تضرب، لم يُعرف عنه جبن ولا خوف. آخر من يبدو عليه أنه يقبل بمعادلة «قل فيقول» أصدر أمس الأول بياناً ينكر فيه ما قاله رفاقه. هذا، وحده، ثقيل الوطأة على «الثوري». لكنه لا يقارن بما فعله في البيان نفسه، إذ وقف ينفي موافقته على العبارة التي أعلن أنها أضيفت إلى البيان بعد مغادرته.
بات مضطراً للتبرير أمام دمشق. عبارة مثل «قوى محسوبة على سوريا مباشرة» باتت أقسى من كل ما كتبه وقاله علوش بحق سوريا. مع أن العبارة، للمفارقة، لم تتجن على سوريا. الرفيق عاصم قانصوه، أول الواصلين إلى استقبال اللواء جميل السيد بحماسة قل نظيرها، ليس عضواً في حزب البعث الكندي، إذا كان قانصوه، بعينه، هو المقصود في بيان يتذاكى من جديد بإبعاد سوريا عن شر «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».
وبنفيه معرفته بالعبارة، أعلن علوش عن لا ثقته برفاق درب استغلوا غيابه ليكتبوا ما كتبوا، من دون أن يتصلوا به، ومن دون أن يتحفظ رفيقه في التيار الزميل نصير الأسعد على «الخطيئة». ولم يُذكر أن الأسعد غادر أيضاً قبل إصدار النسخة المعدلة من البيان... إلا إذا كانت هناك تتمة لاحقة.
في كل يوم يمر، تزداد كآبة النجوم. الصاروخ الذي صعد فيه الخطاب السياسي لـ«تيار المستقبل»، شكلاً ومضموناً، استمر خمس سنوات خضراء بالمفردات والأفكار. الهبوط الاضطراري كان سريعاً جداً، لم يسعف وقت الهبوط نائباً مثل مصطفى علوش على التأقلم مع التغييرات الخارقة، شكلاً ومضموناً.
مثل علوش بات، في أيام وأسابيع قليلة، «حرساً قديماً». هو وأترابه من الطيور الجارحة، ينبغي عليهم حجز مقاعد في صف أساسيات اللغة الجديدة مع سوريا. قد يكون بيان النفي الموقع باسمه، بعلمه أو من دونه، من حسن حظه. لا بأس بأنه وشى بالرفاق الذين ارتكبوا الخطأ. لا بل إن من الجيد، في هذا الوقت، التبرؤ منهم. يُجبر الواحد أحياناً على اتخاذ القرارات الكبيرة. النائب السابق، في بيانه، لفظ الكلمات الأولى في اللغة الجديدة، قد لا يطول الأمر قبل أن يصير مثقفا بارعاً فيها، لأن أي لغة أخرى قد تكون بائدة.
سيبرع علوش باللسان الجديد. وحين يفعل، سيصير حضوره اجتماعات الأمانة العامة لقوى 14 آذار ملحّاً، لأن أذنه ستكون قد تدربت على التعامل مع أي لفظ وسطر يتعلق بسوريا. وسيجيد علوش تشذيب الكلمات وتحرير النص مما قد يزعج الجارة... خاصة أن «معلمه» لن يتساهل معه، فقد ولى الزمن الذي كان يعتقد فيه أن كلماته هي الأكثر تعبيرا عن مكنونات «شيخ الشباب».
مثل هذه الرقابة الذاتية واجب مقدس للطيور الجارحة التي ستحال كلها إلى التقاعد ما لم تعرف كيف تتحول إلى داجنة، تردد الخطاب بحرفيته.. ببراعة ببغاءات لا يملك الواحد إلا الابتسام لظرفها.
مصطفى علوش كان طيراً جارحاً. ها هو يأخذ الدرس الأول.

جهاد بزي - السفير 24 سبتمبر 2010

0 تعليقات::

إرسال تعليق