الجمعة، 24 يونيو 2011

طرابلس في انتظار التشغيل الإنمائي

طرابلس ثانية كبرى المدن اللبنانية، عاصمة الشمال ومرتكز التفاعل الاقتصادي مع الداخل السوري، مهملة ومهمشة حاجاتها منذ زمن طويل وقد باتت تشكو من مشكلات اجتماعية ومظاهر للفقر والحاجة وتأخير في انجاز المشاريع العامة وكل ذلك ساهم في تأجيج الخلافات وتفجر العلاقات بين بعض سكان المدينة.
اليوم طرابلس ممثلة في الحكومة بقوة وفاعلية. فالرئيس نجيب ميقاتي خبرته وممارسته وافيتان وكذلك الوزير محمد الصفدي الذي توفر مؤسساته فرصاً تعليمية وتشغيلية منذ زمن، والكراميان لهما قواعدهما الشعبية والسياسية، وذخر علمي مشجع ومنفتح.
في مقابل التمثيل القوي والمميز لمدينة طرابلس في الحكومة ثمة فرص حيوية لتطوير نشاط المدينة ومحيطها على شكل يؤدي إلى توافر منافع مهمة للمدينة وأهلها، كما يساهم في تحريك الاقتصاد اللبناني، وتخفيف حدة أعناق الاختناق في بيروت، والأمر المؤلم أن هذه الفرص متاحة منذ زمن، ولم تتخذ الخطوات التي تؤدي إلى تفعيلها، ولنبدأ بقضية المياه المبتذلة.
لقد أنجزت السوق الأوروبية إنشاء معمل لمعالجة المياه المبتذلة حسب أفضل المواصفات العالمية، وبلغت تكاليف انجاز المعمل مئتي مليون أورو، أي ما يقرب من 300 مليون دولار، ومنذ ثلاث سنوات ويزيد توجه الرئيس فؤاد السنيورة لافتتاح المعمل والاحتفاء ببدء تشغيله، فوجد أن أنابيبب توصيل المياه التي تعالج في المصنع لتوفيرها لمختلف أنواع الحاجات غير منجزة، والتقصير في الإنجاز كان يعود إلى تلكؤ بلدية طرابلس عن القيام بالعمل المطلوب، في موازاة إنجاز المعمل وتجهيزه.
ليتصور كل لبناني ما هو معنى تأخير معالجة المياه المبتذلة، وتأخير الإفساح في مجال العمل في معمل تكرير المياه الذي هو جاهز، فقط لأن التجهيزات المكملة والأبسط كلفة غير منجزة من الجانب اللبناني. والوضع ذاته نجده في النبطية وإهدن حيث معامل معالجة المياه المبتذلة منجزة، لكن شبكات توصيل المياه المعالجة وتوزيعها غير منجزة. وسد شبروح الذي صور على أنه إنجاز كبير، وطاقته تساوي فقط واحداً في المئة من تساقط الإمطار في لبنان، لا تستعمل طاقته الكاملة لأن أنابيب التوزيع الموصولة بالسد تكفي فقط لاستغلال نصف طاقته، والنصف الآخر يهدر في الوديان تفادياً لزيادة الضغط في السد.
ونعود إلى طرابلس.
عاصمة الشمال هي موقع مصفاة النفط التي كانت تسمى باسم الشركة المالكة لمنشآتها، أي شركة نفط العراق. وعام 1973 وعقب إقرار العراق تأميم شركة نفط العراق، وإقرار سوريا تأميم خط نقل نفط العراق إلى بانياس، والشق من الخط الذي ينقل النفط إلى مصفاة طرابلس، أقرت الحكومة اللبنانية تأميم مصفاة طرابلس ومنشآتها لتخزين المشتقات، وأنابيب تفريغ النفط الخام للخزانات كما المشتقات.
منذ عام 1973 حين كانت طاقة المصفاة على مستوى تكرير 33 ألف برميل يومياً، أي ما يكفي حينذاك 75 في المئة من حاجات لبنان، لم توسع منشآت مصفاة طرابلس كما لم ترفع. وحتى عام 1978 كان لبنان يتمتع بسعر تشجيعي للنفط العراقي، التزمته الحكومة العراقية، مع أن سعر النفط في تلك الفترة ارتفع من 2،2 دولارين للبرميل في تشرين الأول 1973 إلى 11،2 دولاراً للبرميل في كانون الثاني 1974 ومن ثم 37 دولاراً للبرميل عام 1978. وعلى رغم كل هذه الضغوط على السعر استمر توفير النفط العراقي للبنان بسعر تشجيعي حتى نهاية 1978.
وقد استفادت إدارة المصفاة التي كانت قد تحولت مؤسسة حكومية من تشغيل المصفاة بطاقتها الكاملة وكذلك الخزانات وشبكات توزيع المحروقات، لكن الوضع تعدل بعد عام 1978. فمستوردات النفط الخام ارتفعت أسعارها من غير أن يكون هناك ارتفاع موازٍ في أسعار المشتقات في السوق اللبنانية، وبدأ تدهور مستوى التشغيل، ومن ثم أواسط الثمانينات توقفت المصفاة عن العمل والتكرير، وصار نشاط المؤسسة الحكومية المعنية محصوراً بتخزين المشتقات واستقبال ناقلات تحمل المشتقات ومن ثم توزيعها.
ما بين 1978 و2011 ارتفع استهلاك المشتقات النفطية من 1,5 مليون طن سنوياً إلى 5,5 ملايين طن سنوياً وصرنا في حاجة إلى استيراد كل أنواع المشتقات، وما يقرب من النصف ويزيد يستورد لتغطية حاجات توليد الكهرباء سواء في مصانع مؤسسة كهرباء لبنان، أم بواسطة المولدات الخاصة، وكلفة استيراد هذا الكم من المشتقات توازي نسبة 30 في المئة من كل مستوردات لبنان.
وثمة وفر أكيد من تشغيل مصفاة حديثة في طرابلس، ومن ترفيع تجهيزات المصفاة، فبدل تحمل كلفة تكرير النفط إلى مشتقات على أطراف حوض المتوسط ومن ثم استيرادها، يمكن تشغيل مصفاة طرابلس بعد ترفيعها أو إعادة تجهيزها بصورة كاملة، عن سبيل استعمال النفط العراقي الممتدة أنابيب إيصاله عبر الأراضي السورية. وإذا كانت الشكوى من قلة المال، فربما من المفيد التذكير بأن عمليات التكرير حتى في بلدان إنتاج النفط الصغيرة مثل سوريا ومصر أو الكبيرة مثل الإمارات العربية تسمح وللقطاع الخاص بالمشاركة وتشجعه على ذلك.
نحن في لبنان نتحدث كثيراً عن فرص اكتشاف الغاز والنفط، حتى أن البعض انكب على دراسة توزيع المنافع، وهذه لم ولن تتحقق قبل انقضاء سبع سنوات على الأقل على بدء أعمال التنقيب التي قد تؤدي إلى اكتشافات. وإذا حقق لبنان اكتشافات يمكن تعزيز المنفعة من منشآت التكرير المستحدثة باستعمال المنتج محلياً من النفط، علماً بأن إنجاز تجهيز مصفاة حديثة، مع قرار جدي، أمر لا يحتاج إلى أكثر من 30 شهراً.
أخيراً، في البحث عن الفرص الملحة لاستعمال المعطيات الجغرافية والبشرية لطرابلس، هنالك فرصة إضافية واضحة وشبه جاهزة منذ سنوات، وإهمالها دليل على مدى تأخير عمليات النهوض بالمدينة ومحيطها.
مطار الرئيس رينيه معوض، الذي استقبل السياسيين في أيام الحشرة والذي شغل بتقطع في أوقات اشتداد القتال في بيروت، ينتظر تزويده معدات لإرشاد الطائرات وموظفين لاستقبالها وتموينها بالمحروقات، وعمالاً لنقل البضائع التي قد تحملها الطائرات في قدومها وذهابها.
أن تشغيل مطار رينيه معوض من الأمور البديهية، فالإنفاق الإنشائي تم قبل سنوات، لكن المطار بقي دون تشغيل واستعمال تماماً كمصنع معالجة المياه المبتذلة.
إننا على ثقة من أن طاقم تمثيل طرابلس برئاسة نجيب ميقاتي لن يسمح باستمرار هدر الفرص وتضييع الأموال، من مصنع لمعالجة المياه منجز ومتوقف لأن الأشغال البسيطة المكملة للتوزيع غير مكتملة، كما أن إبقاء وضع المصفاة على ما هو وصمة على جبين المسؤولين عن قطاع الطاقة، وتشغيل مطار رينيه معوض للرحلات الطارئة Charter ولعمليات الشحن الجوي، أمر يخفف الضغط عن بيروت ويساهم في توزيع أفضل للنشاط الاقتصادي والإنماء الاجتماعي.

بقلم مروان اسكندر - النهار 24 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق