الأربعاء، 22 يونيو 2011

أحداث طرابلس.. مؤشّر الخطر الداهم

منذ أن اندلعت أزمة سوريا، وبغضّ النظر عن مدى عمقها أو جدوى الطرق المتّبعة من القيادة السورية لحلّها، وبعيداً عن الدخول في نقاش النظريات الجاهزة حول وقوف قوى التآمر خلف الحركة الشعبية هناك، ودون الغوص في الحديث عن العنف الذي يولّد عنفاً مضاداً، فإن ما يعني اللبنانيين أمرٌ أساس لا ثاني له، ألا وهو الأمن اللبناني.
لطالما ارتبط الوضع الأمني في لبنان بما يجري حولنا من أحداث ومتغيّرات منذ ما قبل الاستقلال إنْ لم نقل منذ إمارة جبل لبنان، وعلى هذا الأساس فإنّ ما نصّ عليه اتفاق الطائف لجهة أن أمن لبنان من أمن سوريا والعكس، لم تكن معادلة وليدة مرحلة معينة من عمر البلدين، بل جاءت نتيجة مخاض تاريخي طويل، تمظهر نصوصاً واضحة في الطائف.

في هذا السياق فإن ما يجري في سوريا اليوم لا يمكن فصل مؤثراته ولا بأي شكل من الأشكال ومهما توالت الدعوات لذلك، عن الواقع اللبناني. هذا الواقع المشرذم أصلاً، حيث اللبنانيون مقسّمون إلى شيعٍ ومِلل وقبائل، لكلٍّ منها ارتباطاته الدينية والعائلية والعقائدية بأطياف الشعب السوري كافة. وقد شكّلت التظاهرات المتقابلة التي شهدتها مدنٌ لبنانية كبيروت وطرابلس نموذجًا واضحاً منذ بداية أحداث سوريا على هذا الترابط القائم رغم كل التحذيرات. وقد شهدت منطقة الحمرا في بيروت حيث سفارة سوريا في لبنان مشاهد متكررة عن انقسام اللبنانيين، كعادتهم في شتّى المواضيع، حول احتجاجات سوريا بين مؤيّد للمحتجين السوريين ومؤيّد للنظام السوري، فيما كان لطرابلس الحصة الأبرز والأخطر من هذه التظاهرات لاعتبارات جغرافية ومذهبية أيضاً، ما لبثت أن تفجّرت في الأسبوع المنصرم على إثر الاشتباكات التي اندلعت بين منطقتي باب التبانة ذات الأكثرية السنّية وجبل محسن ذات الأغلبية العلوية.

مصادر مواكبة لما جرى ميدانياً على الأرض، توقّفت بداية عند الحزم الواضح الذي أبداه الجيش اللبناني منذ لحظة اندلاع المواجهات الذي أثمر وقفها سريعاً، بانتظار إيجاد الحل السياسي الذي يبقى هو الأساس لأي حلّ أمني، حيث الغطاء السياسي مطلوب لتمكين الجيش من متابعة تطبيق إجراءاته بما يفضي إلى معالجة نهائية.

وأشارت المصادر إلى أن "الجيش الذي شرع في تنفيذ خطة انتشار بدت معالمها واضحة على الأرض في مدينة طرابلس بشكل عام وبين باب التبانة وجبل محسن بشكل خاص، يدرك أن الانتشار العسكري ليس إلا دواءً مسكّناً لمرض مزمن يبلغ حدّ العضال، وقد أبلغت قيادة الجيش المراجع الرسمية أن المعالجة الصحية تكون بنزع بذور المشكلة وإلغاء الأسباب التي أدّت وتؤدي إلى تجدد الاشتباكات بين التبانة والجبل مع كل تأزم سياسي داخلي أو اقليمي". وانطلقت المصادر من هذه القراءة المنطقية لتؤكد أن "السبب الرئيس لما جرى في طرابلس الأسبوع المنصرم لم يكن أحداث سوريا بل التراكم المميت من الحقد والدم بين المنطقتين، الذي ينتظر كل فترة سبباً مباشراً ليندلع ليس إلا، وقد كانت أزمة سوريا هذه المرة الشرارة لا السبب".

رغم ذلك، توقفت المصادر المتابعة عند السجال السياسي الذي نشب بعد اندلاع الأحداث مباشرة، مستغربةً ما وصفته بـ "الخفّة" في التعاطي من قبل السياسيين اللبنانيين مع أزمة خطيرة بهذا الحجم، وسألت: "هل تقضي الحكمة والسعي لمنع تجدد المواجهات، ان يقوم كل فريق بإلقاء الاتهام بتفجيرها على الفريق الآخر؟ وهل من المقبول أن يعمد رئيس حكومة كل لبنان إلى الإيحاء عن قصد أو عن غير قصد بأن تبعات ما حصل تتحمّله المعارضة؟ وهل من المقبول أن يخرج أحدهم ليقول "إننا سنحتفظ بسلاحنا" وإن "كل نقطة دم هي برقبة (الرئيس) سعد الحريري"؟ وما المصلحة في تسعير السجال السياسي حين يكون الشارع في حالة غليان واحتقان مذهبي كما هي الأمور راهناً؟".

وإذا لفتت إلى أنه "لا شك في أن تفاقم أوضاع سوريا نحو الأسوأ سيكون عاملاً سلبياً لا يسهم في توفير الاستقرار لا في طرابلس ولا في غيرها من المناطق اللبنانية ربما"، شددت المصادر على أنه "من المهمّ عدم منح أي تراخيص لتظاهرات مفتوحة، والتشدد في تحديد سير هذه التظاهرات ومواكبتها بدقة كي لا تتاح الفرصة لأي مندسّين بتحويرها باتجاهات تشعل الفتنة"، وأضافت: "من المهمّ والضروري فوراً وقف تبادل الاتهامات على خلفية ما حصل، والمبادرة إلى عقد لقاء سياسي ديني اجتماعي موسّع لفعاليات طرابلس كافة ينزع فتيل التوتر بالتوازي مع استمرار العمل الميداني من قبل الجيش، على أن يدرك الجميع أن مسألة إسقاط النظام السوري أو منع إسقاطه لا تتم أبداً في شوارع طرابلس، ولا عبر دماء اللبنانيين الذين يكفيهم ما دفعوه من أثمان في سبيل الآخرين".

وفي حين كشفت المصادر المواكبة عن "مخطط تم الحديث عنه انطلاقاً مما حصل في طرابلس، وجرى تداول بعض تفاصيله بين بعض المطّلعين وربطه بسلسلة من الأحداث التي حصلت منذ حادثة خطف الأستونيين بالبقاع إلى تفجير اليونيفيل إلى ما جرى على الحدود في ذكرى النكبة، بما يوحي بوجود إرادة في مكانٍ ما لتحويل لبنان من جديد مسرحاً لتبادل رسائل إقليمية ـ دولية، وهذه المرة على خلفية الأزمة السورية"، ختمت المصادر حديثها لـ "صدى البلد" بالقول: "إن أحداث طرابلس مؤشّر واضح على خطورة ما قد يأتي في المقبل من الأيام، ولا بد من خلق ضوابط لبنانية ذاتية تمنع انتقال أزمات المنطقة إلى الداخل اللبناني المنهك أصلاً، والمُهدّد بفعل التوتر المذهبي القائم بالانفجار من تلقاء نفسه عند أقرب استحقاق قد يعترض مساره، ولعّل أقرب هذه الاستحقاقات وأخطرها القرار الظنّي المرتقب عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان".

صالح حديفة (صدى البلد) - 22 حزيران, 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق