الخميس، 9 يونيو 2011

الأوروبيون قرأوا التلاقي في رسائل الثورات وكلام عن "مارشال" عربية.. دي ميكاليس: للذهاب أبعد من سياسة الجوار

على وقع التغيرات الحاصلة في المنطقة، وسع معهد "إيبالمو" الإيطالي للأبحاث والذي يرأسه وزير الخارجية سابقاً جياني دي ميكاليس دائرة مشاريعه. وإذا كانت "ثورة 25 تموز" تركت بصماتها في الملف المصري، فإن أهمية الأحداث في دول المشرق، ولا سيما التجربة العراقية في بناء الديموقراطية، كانت وراء إطلاق عجلة البرامج في العراق ولبنان والأردن منذ 2007. برامج ركزت على تقوية دور المؤسسات في المنطقة العربية، وفي مقدمها البرلمانات، باعتبارها ركنا بنيويا في قيام ديموقراطية حقيقية.

لا شك في أن فترة الأعوام الخمسة التي استغرقها تطبيق المشاريع ترافقت مع تحولات عدة، آخرها "الربيع العربي". وقد استدعى ذلك تعجيلا في وتيرة البرامج، في تقييم وزير الخارجية الايطالي سابقاً الذي التقته "النهار" على هامش زيارته للبنان، انطلاقا من رغبة إيطالية وأوروبية قضت بإرسال "إشارات قوية" إلى الحكومات والنخب عموما والرأي العام العربي تحديدا خصوصا بعدما بدا حضوره قويا.
وفي مقابل الاقتناع الذي ارتسم في الحقبة الماضية لجهة اعتبار المجتمعات الإسلامية عموما والعربية خصوصا "الأقل تفاعلا" مع التغيرات التي فرضتها العولمة وثورة التكنولوجيا، بدلت ردود الفعل القوية حيال التحولات في المنطقة العربية المقاربات الأوروبية. وهي تزامنت مع اقتناع ايطالي على وجه التحديد، بأن السبيل الوحيد لمواجهة التحديات العالمية يقضي بانخراط أقوى بين الدول الأورومتوسطية وتوسيع الإطار الأوروبي، شرقا وجنوبا، على قول دي ميكاليس: "انخراط يعني ضمنا التوسع نحو الدول العربية والإسلامية وتخطي الصعوبات المتعلقة بالحوار بين هويات دينية وثقافية مختلفة. لم يعد الموضوع مهما فحسب، وإنما بات ضروريا".
سلسلة رسائل أنتجتها الثورات وبلغت أصداؤها الغرب. لعل أبرزها "رسالة التلاقي" التي خالفت مقولة "صراع الحضارات" المتنامية من جراء أحداث 11 أيلول: "بتنا نشهد شبابا ثائرا لأسباب داخلية وليس في وجه الغرب. شباب يسعى إلى تحسين شروط بيئته الذاتية ويطالب بالكرامة والحرية والديموقراطية. فهمنا الرسالة. فإما أن نقبل التلاقي وإما نتباعد. والطرح الأخير يعني الذهاب في اتجاه الانغلاق".
يقر الأوروبيون بأن التطرف قد يكون احد انعكاسات الثورات، إلا أنهم يعولون في المقابل على دور حكومات بلادهم في العمل في الاتجاه الصحيح لمعالجة هذه الذيول، وسط تشديد على التقاط "الفرصة الكبيرة" الناتجة من التغيير.
ومع إقرارهم بأن المشاريع الاقتصادية تبقى ناقصة ما لم تترافق وتحركات سياسية حيال دول المنطقة، يجددون الدعوة إلى مبادرة تعزز الحوار، علما أن الموضوع احتل حيزا من جدول أعمال عضو البرلمان الأوروبي منذ مدة. من تجلياته، كما يبدو، الدعوة التي أطلقها من ستراسبورغ وعقب عدوان تموز 2006، إلى مبادرة أوروبية ديبلوماسية تدعم الحوار بين أطراف النزاع وتعيد جمعهم حول الطاولة: "أنا مقتنع اليوم أكثر من أي وقت مضى بضرورة أن نضع طرحا ما على الطاولة فورا. كأوروبيين، نحتاج إلى أمرين، تعاون اقتصادي لمواجهة أي أزمة قد تؤثر على التطور الايجابي للثورات، ولو أننا ماليا واقتصاديا في وضع ليس بجيد، فيما يبرز طرح آخر يدعو إلى تكثيف المبادرات والرسائل السياسية لتعويض النقص الذي قد يتأتى من أي نقص اقتصادي محتمل".
من الأمور التي يتم بحثها راهنا في هذا المجال، على ما يكشف، إعادة إطلاق التعاون الأورومتوسطي عبر الذهاب أبعد من عملية برشلونة وسياسة الجوار والاتحاد من أجل المتوسط وصولا إلى إعادة مناقشة قواعد اللعبة كلا. وبالتزامن مع المساعي الجارية لاستقطاب دول أوروبية إلى فلك الاتحاد، يشدد المسؤول الايطالي على أهمية إتباع سياسة الحوافز تجاه الأنظمة العربية الناشئة لحضها على المضي سريعا في مسارها الديموقراطي: "قد تكون سياسة العصا والجزرة أحد السبل المناسبة، ولو أننا اليوم نركز على الوسيلة الأولى، انطلاقا مما يحصل في ليبيا مثلا".
أبعد من ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والمنطقة والذي شكل مدار بحث بين وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني ومفوض وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين وتشغيلهم "الأونروا" فيليبو غراندي في الآونة الأخيرة، يدعو دي ميكاليس إلى التركيز على العنوان الأعرض، عبر دعم مبادرة الرئيس الأميركي باراك أوباما والضغط على الحكومة الإسرائيلية كي تعيد إطلاق المفاوضات بكل عناصرها. وهو يرد على الكلام عن توجه الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بأمل أن يتفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أهمية العودة إلى التفاوض، مذكرا بأن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد من شأنه أن يخلق وضعا على غرار ما حصل في كوسوفو. من هنا أهمية التوصل إلى حل حقيقي".
وفي وقت يتوقع أن يشكل الشرق الأوسط أو منطقة حوض المتوسط الموسعة رابع الاقتصادات الناشئة عالميا بعد الصين والهند والبرازيل، لا يستبعد في رد على سؤال التوجه نحو "خطة مارشال" عربية، على غرار ما شهدته دول في أوروبا الشرقية سابقا: "قد تكون الخطة احد ابرز الأمثلة التاريخية"، يعلق، "ومن الممكن خلق شيء مشابه في هذا الجزء من العالم ولو بطريقة مختلفة، عبر استخدام الثروات الطبيعية فيه كالغاز والنفط. بذلك، نجمع بين التكنولوجيا والموارد المالية، ونخلق منطقة أكثر تنافسية".

ريتا صفير (rita.sfeir@annahar.com.lb ) - النهار 9 حزيران 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق