يسعى وليد جنبلاط إلى بث اعتقاد غير صحيح أنه بصدد إجراء نقلة جديدة في موقعه السياسي، وهو يوظف لهذه المهمة آلة ترويج موارب. فالصحافيون من حوله يكتبون الموقف المعلن والرسمي لـ"صديقهم"، وهم من جهة أخرى يتحدثون شفهياً عن إشارات يُطلقها، تُشعرهم أنه متذمر من حلفائه الجدد في الداخل وفي الخارج. لكن جنبلاط يؤدي دوراً في الحالين، فهو ثابت في موقعه الجديد ويدرك أن الـ"نقلة" صعبة ومتعثرة، وفي الوقت نفسه يبعث بإشاراته تلك محاولاً خطب ود "الموجة الجديدة"، وفي اعتقاده أن طلب الود قد يُستجاب، إذا ما "زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت أثقالها".
ومن المرجح أن يكون عالم الإشارات في قاموس وليد جنبلاط قد صار مكشوفاً بحيث لم يعد المستهدفون به متفاعلين مع مقاصد الرجل. فالحلفاء في دمشق عندما يسمعون تذمره من نظامهم لا يقيمون وزناً لهذا التذمر، مغلبين اعتقاداً بأنه يخاطب غيرهم بتذمره، والمُخاطبون الفعليون، من خصومه الجدد، يدركون بدورهم أن كلامه ليس خطب وإنماً الوقوف في منطقة غامضة تتيح له التحرك، باتجاه خيارين متساويين: إما الارتماء في أحضانهم، أو الانقضاض عليهم.
يقول سياسي لبناني كان شديد الإعجاب بوليد جنبلاط، إذ كان يعتقد أنه السياسي الوحيد في لبنان، إن صديقه "لم يعد أكثر من رئيس لتكتل نيابي يضم ستة نواب". ويقول شيخ من الطائفة الدرزية إن زعيمه "انتقل من كونه الرقم 1 في تحالف 14 آذار إلى الرقم 5 أو 6 في تحالف 8 آذار"، هذا قبل أن نتحدث عن فوضى الخطاب والتخبط بالخيارات، وعن استخفاف هائل يتعرض له موقعه من قبل الحلفاء الجدد. فجنبلاط اليوم آخر من يُحسب حسابه في توزيع الحقائب الوزارية عندما تستيقظ الآمال في ولادة الحكومة قبل أن تخفت. وهو اليوم أيضاً آخر من يُسأل عندما يُقرر الحلف خوض معارك قد تفقد المنضمين الجدد مزيداً من الأوراق، ولم يُفكر أحد به عندما اتُّخذ قرار بخطف بعثي عجوز من الطائفة الدرزية في مدينة عاليه، ما دفع شيوخاً من الطائفة إلى القول إن الانعطافة الدراماتيكية للزعيم لم تُحصن بني معروف، ولم تدفع عنهم مخاطر "الأكثريات". يُضاف إلى ذلك ما تحمله أخبار كثيرة عن أزمة يتخبط فيها "الاقتصاد الدرزي" الذي كان عماده مساعدات دورية وشديدة الانتظام يقدمها الزعيم للبيئة الريفية والجبلية المنهكة والمهددة بمزيد من النزف والهجرة، بفعل نضوب المصادر وتقتير الحلفاء الجدد.
عندما تسمع اليوم صوتاً جنبلاطياً "نقياً" كصوت غازي العريضي تشعر أنك حيال براغماتية "أبو ملحمية"، فهو يقول مثلاً: "نحن ضد انتشار السلاح في بيروت"، ويكرر هذا القول أكثر من مرة في المقابلة الواحدة، وإذا ما سألت نفسك من يُخاطب الرجل في هذه العبارة، فلن تجد أنه يُخاطب أحداً، فهو إذا ما توجه بهذه العبارة إلى "حزب الله" فالأخير يعرف تماماً أن جنبلاط بايعه على سلاحه، سلاحه الذي في بيروت تحديداً، بدليل الاستجابة المذلة لنداء القمصان السود، وإذا ما توجه بالعبارة نفسها إلى سعد الحريري، فإن الأخير يعرف أيضاً أن جنبلاط لا يعني ما يقول على الإطلاق والدليل على ذلك الواقعة نفسها.
إذاً إلى من يتوجه وليد جنبلاط بقوله إنه ضد السلاح في بيروت؟ في أحسن الأحوال هو يتوجه إلى "لا أحد"، لقد فقد الصوت كثيراً من فعاليته.
حازم الأمين، الجمعة 10 حزيران 2011 - ناو ليبانون
ومن المرجح أن يكون عالم الإشارات في قاموس وليد جنبلاط قد صار مكشوفاً بحيث لم يعد المستهدفون به متفاعلين مع مقاصد الرجل. فالحلفاء في دمشق عندما يسمعون تذمره من نظامهم لا يقيمون وزناً لهذا التذمر، مغلبين اعتقاداً بأنه يخاطب غيرهم بتذمره، والمُخاطبون الفعليون، من خصومه الجدد، يدركون بدورهم أن كلامه ليس خطب وإنماً الوقوف في منطقة غامضة تتيح له التحرك، باتجاه خيارين متساويين: إما الارتماء في أحضانهم، أو الانقضاض عليهم.
يقول سياسي لبناني كان شديد الإعجاب بوليد جنبلاط، إذ كان يعتقد أنه السياسي الوحيد في لبنان، إن صديقه "لم يعد أكثر من رئيس لتكتل نيابي يضم ستة نواب". ويقول شيخ من الطائفة الدرزية إن زعيمه "انتقل من كونه الرقم 1 في تحالف 14 آذار إلى الرقم 5 أو 6 في تحالف 8 آذار"، هذا قبل أن نتحدث عن فوضى الخطاب والتخبط بالخيارات، وعن استخفاف هائل يتعرض له موقعه من قبل الحلفاء الجدد. فجنبلاط اليوم آخر من يُحسب حسابه في توزيع الحقائب الوزارية عندما تستيقظ الآمال في ولادة الحكومة قبل أن تخفت. وهو اليوم أيضاً آخر من يُسأل عندما يُقرر الحلف خوض معارك قد تفقد المنضمين الجدد مزيداً من الأوراق، ولم يُفكر أحد به عندما اتُّخذ قرار بخطف بعثي عجوز من الطائفة الدرزية في مدينة عاليه، ما دفع شيوخاً من الطائفة إلى القول إن الانعطافة الدراماتيكية للزعيم لم تُحصن بني معروف، ولم تدفع عنهم مخاطر "الأكثريات". يُضاف إلى ذلك ما تحمله أخبار كثيرة عن أزمة يتخبط فيها "الاقتصاد الدرزي" الذي كان عماده مساعدات دورية وشديدة الانتظام يقدمها الزعيم للبيئة الريفية والجبلية المنهكة والمهددة بمزيد من النزف والهجرة، بفعل نضوب المصادر وتقتير الحلفاء الجدد.
عندما تسمع اليوم صوتاً جنبلاطياً "نقياً" كصوت غازي العريضي تشعر أنك حيال براغماتية "أبو ملحمية"، فهو يقول مثلاً: "نحن ضد انتشار السلاح في بيروت"، ويكرر هذا القول أكثر من مرة في المقابلة الواحدة، وإذا ما سألت نفسك من يُخاطب الرجل في هذه العبارة، فلن تجد أنه يُخاطب أحداً، فهو إذا ما توجه بهذه العبارة إلى "حزب الله" فالأخير يعرف تماماً أن جنبلاط بايعه على سلاحه، سلاحه الذي في بيروت تحديداً، بدليل الاستجابة المذلة لنداء القمصان السود، وإذا ما توجه بالعبارة نفسها إلى سعد الحريري، فإن الأخير يعرف أيضاً أن جنبلاط لا يعني ما يقول على الإطلاق والدليل على ذلك الواقعة نفسها.
إذاً إلى من يتوجه وليد جنبلاط بقوله إنه ضد السلاح في بيروت؟ في أحسن الأحوال هو يتوجه إلى "لا أحد"، لقد فقد الصوت كثيراً من فعاليته.
حازم الأمين، الجمعة 10 حزيران 2011 - ناو ليبانون
0 تعليقات::
إرسال تعليق