الأربعاء، 18 مايو 2011

صفحة من تاريخ الأردن

صفحة من تاريخ الأردن 78

اشترك زعماء 13 دولة عربية في احتفال ليبيا بجلاء آخر جندي أميركي من قاعدة عقبة بن نافع (ويلس) خلال الفترة من 20-22 حزيران 1970، وقد شرح الحسين للزعماء العرب أسباب الأزمة في الأردن بين الحكومة والفدائيين ، وكيف تعمل المنظمات المتطرفة على إثارة المشاكل، مبينا أن الأردن يستطيع قبول فدائيين في الأغوار وليس في مدينة عمان والمدن الأردنية الأخرى، وقد اتفق المجتمعون على تأليف لجنة رباعية من ممثلين عن مصر والجزائر وليبيا والسودان للتوسط بين الطرفين، وقد تألفت اللجنة من كل من قائد صبري من الجزائر، وحسن صبري الخولي من مصر، ومأمون عوض أبو زيد من السودان ومحمد نجم من ليبيا.


وصل أعضاء اللجنة العربية الرباعية إلى عمان في 26 حزيران 1970، واجتمعوا مع ممثلي الأطراف، وقد قال عرفات أمام اللجنة: "جئنا إلى عمان لحماية امن الثورة" وأكد أن أكثر من نصف السكان من الفلسطينيين. وقد عقدت اللجنة اتفاقية في 10تموز 1970 تتألف من 16 بندا. وقع الاتفاقية عبد المنعم الرفاعي رئيس الوزراء وياسر عرفات رئيس اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة العربية؛ وقد نصت الاتفاقية على عدم اتخاذ أي عمل يمس "سيادة الدولة" وأن لا يحمل الفدائيون أسلحتهم في المدن والأماكن العامة، إلا أن الاتفاقية لم تنفذ على ارض الواقع لتفاقم الأمر مجددا. وجاءت مبادرة وليم روجرز الثانية لتنفيذ القرار 242. وقد وافق جمال عبد الناصر على المقترحات وأعلن الحسين موافقته على المبادرة، وقد عارضت كل من وسورية والمنظمات الفلسطينية القرار، وفي 27 تموز 1970 شبت المظاهرات في عمان وأصرت اللجنة المركزية على أن يرفض الأردن مقترحات روجرز، وفي 29 تموز أعلنت العراق أن جميع القوات العراقية المرابطة في الأردن وعددها 17 ألف رجل وضعت تحت تصرف المنظمات .

وزار عرفات مصر والسعودية ؛ حيث اخذ الرئيس جمال عبد الناصر يلوم المنظمات على أعمالها في الأردن وقال لعرفات: "إن الملك الحسين تعرض للكثير منكم"، وقال لهم: "لا بد أن ينطلق النضال ضد العدو من خط وقف إطلاق النار وليس من عمان". فتنصل عرفات من مسؤوليات واتهم المنظمات الأخرى التابعة لسورية والعراق بأنها هي التي تقوم بأعمال الاستفزاز .

وفي 2 آب 1970 أعاد الحسين اللواء زيد بن شاكر إلى القوات المسلحة ليتولى منصب نائب رئيس هيئة الأركان، فاعتبرت المنظمات هذا الإجراء مخالفا لاتفاق 10تموز 1970. وأعلنت المنظمات رفضها لاتفاقية وقف إطلاق النار.

واجتمع في 5 و 6 آب 1970 بعض وزراء الخارجية والدفاع العرب في طرابلس بليبيا، وانتهت الاجتماعات دون صدور بيان.

وفي 14 آب 1970 أعلن ياسر عرفات في خطاب له؛ أن الجيش حشد أربعة ألوية حول عمان، وانذر الأردن قائلا: "إننا سنقلب هذه البلاد إلى قبور لجميع الذين يعدون المكائد، وإن هذه البلاد ستبقى هانوي الثورة الفلسطينية". وقد نشطت وسائل المنظمات في صب النار على الزيت، وأصدرت منظمة الأنصار جريدة "صوت الجماهير" وأصدرت منظمة الصاعقة "جريدة الطلائع"، وأصدرت الجبهة الديموقراطية "جريدة الشرارة " وحملت كلها راية التطرف.

وزار الحسين مصر في نفس الفترة، واجتمع مع عبد الناصر في الإسكندرية خلال الفترة من 20- 23 آب 1970 .

وفي 26 تموز 1970 بدأت المنظمات بتصعيد الأحداث؛ حيث قامت جماعات من الفدائيين بهجوم على سيارة للأمن العام، وسلبوا رواتب أفراد مستودعات الأمن العام والبالغة 3425 دينار من الملازم ربحي النابلسي بعد أن أصابوه بجراح، ثم هاجموا سيارة نجدة للشرطة واستولوا عليها وعلى سلاح أفراد الدورية، وأغلق الفدائيون الطرق في عمان. وفي 28 تموز هاجم أفراد الجبهة الديموقراطية البريد الآلي بالرشاشات والصواريخ، وفي 30 آب هاجم الفدائيون قيادة الشرطة ومديرية الأمن العام والمخابرات العامة ومخفر المهاجرين واعتقلوا قائده.

وفي 27 خلال الفترة من 27-28 آب 1970 عقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤتمره في عمان. ونشرت جريدة فتح بيانا يوضح موقف المنظمات فقالت: "إذا أرادت السلطة الصدام فانه حتما سيكون الصدام الأخير، وفي اليوم التالي كان عنوانها: "عمان تتحدى الجلادين".

وفي 1 أيلول 1970 أطلق مسلحون النار على موكب الملك الحسين في طريق عين غزال قرب مقطع سكة الحديد ، بينما كان الملك في طريقه إلى المطار لاستقبال كريمته الأميرة عالية، ولم تهبط الطائرة في المطار بل عادت إلى القاهرة .

وفي مساء 1 أيلول 1970 بعثت الحكومة العراقية إنذارا للحكومة الأردنية ؛ على شكل مذكرة ، جاء فيها: "إنه في حال عدم توقف إطلاق النار على الفدائيين فلن يكون بوسع الحكومة العراقية منع أفراد من القوات العراقية من التدخل لمصلحة الفدائيين". ورفض الأردن التحذير الذي وجهته حكومة العراق .

وفي 2 أيلول 1970 عقدت في عمان "ندوة فلسطين العالمية" افتتحها ياسر عرفات بخطاب استهله بقوله: "إنني يشعر بالفخر لعقد هذه الندوة، ليس في ظلال هذه السلطة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخابرات المركزية الأميركية، ولكن في ظل بنادق إخوانهم الثوار". وفي 2 أيلول بعث عرفات برقية لمؤتمر المحامين في الجزائر وصف فيها الدولة الأردنية بأنها " السلطة العميلة". وإنها تتحرك لتنفيذ مخططها المجرم .

وفي 3 أيلول 1970 اجتمع مجلس الأمة مع رئيس الوزراء عبد المنعم الرفاعي وياسر عرفات وعدد من أعضاء اللجنة المركزية من اجل المساعدة في تخفيف حدة التوتر، إلا أن أعضاء اللجنة حذروا الحكومة والجيش قائلين: "سوف نحمي أنفسنا، وسنسحق كل من يحاول سحقنا إذا لم ينسحب الجيش".

ووجه الملك رسالة إلى الشعب في مساء 3 أيلول 1970 بين خوف المواطنين وقلقهم مما يقد يحدث عند تجدد الاشتباكات .

وفي 5 أيلول 1970 توصل الطرفان إلى اتفاق ينص على سحب الجيش الأردني من ضواحي المدينة؛ مقابل إخلاء الشوارع من المقاتلين الفدائيين. واجتمع مجلس الجامعة في القاهرة في نفس اليوم، وقرر إحياء اللجنة العربية بتأليف لجنة خماسية من ممثلين عن الجزائر وليبيا ومصر والسودان والجامعة، ووصلت اللجنة إلى عمان برئاسة أمين طاهر شبلي ممثل السودان، فأبرمت اتفاقا جديدا في 8 أيلول على أساس وقف إطلاق النار، وإخلاء شوارع عمان من المسلحين، وإيقاف الحملات الإعلامية. ولكن الفدائيين لم يتوقفوا عن الأعمال الاستفزازية .

وفي 6 أيلول 1970 فوجئ العالم بقيام الجبهة الشعبية باختطاف ثلاث طائرات ركاب مدنية ؛ اثنتان أميركيتان وواحدة سويسرية على متنها 393 راكبا و 32 ملاحا، فيما فشلت محاولة اختطاف طائرة إسرائيلية في بريطانيا ، وتم تحويل اثنتين منها للهبوط في البادية الأردنية في "قيعان خنة" والذي أطلق الفدائيون عليه اسم "مطار الثورة" أما الطائرة الثالثة الأميركية فقد تم تحويلها إلى مطار القاهرة كونها من نوع جامبو، وتم تفجير الطائرة في القاهرة فيما بعد .

وفي 9 أيلول ازداد التوتر؛ فمنح الملك الحسين الفريق مشهور حديثة صلاحيات كاملة للتعامل مع الجيش، وقد أصدر الفريق أمره الفوري بوقف إطلاق النار، وكذلك فعل عرفات .

كما قام الفدائيون في 9 أيلول 1970 باختطاف طائرة ركاب بريطانية وهبطوا بها في المطار الصحراوي، فقامت القوات الأردنية بمحاصرة الموقع، إلا أن الفدائيين هددوا بتفجير الطائرات إذا اقترب الجنود. وتم نقل الشيوخ والأطفال والنساء من الطائرات إلى فندق الأردن، وطالبوا بأن تطلق سويسرا سراح ثلاثة فدائيين في سجونها، وأن تطلق بريطانيا سراح ليلى خالد التي أخفقت ورفيقها في خطف الطائرة الإسرائيلية، وأن تطلق ألمانيا سراح ثلاثة فدائيين. وقد تساءل الجميع: "هل فقدت السلطات الأردنية السيطرة على أراضيها"؟؟؟ فيما طالب العالم بإطلاق سراح الركاب والملاحين، ودعت العراق المنظمات لإطلاق سراح المحتجزين، ولكن الجبهة الشعبية عمدت لتدمير الطائرات ونسفها حين لم تطلق الدول سراح الفدائيين من سجونها، ثم تم ترحيل الركاب إلى قبرص، باستثناء 54 منهم بقوا لدى الجبهة الشعبية، وقد خشيت المنظمات من عملية إنزال أمريكي بعد تحذير الرئيس نيكسون لخاطفي الطائرات .

وفي 14 ايلول1970 أجرى الملك حديثا مع صحيفة " لوفيغارو" بين فيه عدم التزام الفدائيين بالاتفاقات ، وقال: "إن الجيش مضطرب جدا.... لقد تحملوا الكفاية ... لم يتعودوا قط أن يكونوا محتقرين ومهانين ومستفزين... وإن ضباطا نزعوا شاراتهم العسكرية" وأضاف الحسين: "حاولت منع بطارية مدفعية كانت تتجه إلى عمان، ولم يتوقفوا" وقال الملك: "عندما حاولت إيقافهم راحت الشاحنات تدفعني إلى حافة الطريق حتى كدت أقع في المنحدر إلى أن تمكنت بصعوبة بإيقافهم".

وتأزم الموقف وتدهور واخذ المراسلون في عمان يصفون الحالة في عمان وكأنهم في "ساحة معركة" وقالوا: لم تبق هنا سلطة".

وفي 14 أيلول 1970 أعلن "المجلس الأعلى للاتحادات" عن تنفيذ إضراب عام وشامل لكافة مستخدمي الدولة والعمال والقطاع الخاص في 19 أيلول 1970، على شكل عصيان مدني باشتراك 11 اتحاد ونقابة، بحيث تتوقف الحركة في أنحاء البلاد ، كما أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين عن بدء إضراب لجميع أعضاء الهيئة التدريسية، وقد نفذ الإضراب فعلا في إربد، وأعلن ياسر عرفات إربد منطقة محررة، وأعلنت جريدة فتح أن الإضراب لن يتوقف إلا بعد تشكيل "سلطنة وطنية" ورفض مقترحات روجرز وقرار مجلس الأمن 242 .

وأمام هذا الوضع المتدهور عهد الحسين إلى عاكف الفايز القريب من المنظمات لتأليف الوزارة الجديدة ، إلا أن الفايز اعتذر عن القيام بتلك المهمة .

وفي 15 أيلول 1970 أعلن الحسين بعد مشاورات مع عدد من العسكريين في الحمر؛ عن تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الزعيم محمد داؤود، فاستقال اللواء مشهور حديثة الجازي رئيس أركان الجيش العربي، وأصدر الملك أمرا بتعيين المشير حابس المجالي قائدا عاما للقوات المسلحة الأردنية. وتكونت الحكومة العسكرية من كل من: الزعيم مازن العجلوني، اللواء مطلق عيد، الزعيم صالح الشرع، الزعيم إبراهيم أيوب، الزعيم فهد جرادات، الزعيم عواد الخالدي، العقيد الدكتور يعقوب أبو غوش ، المقدم عبد الله صايل الخريشة، الرائد مفلح العودة الله، الرائد إبراهيم صايل الحسبان، الرائد عدنان أبو عودة. وقد بدأت الوزارة العسكرية عملها بتعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكريا عاما .

وقد أصدر الحاكم العسكري العام المشير حابس المجالي قرارا بتعيين حكاما عسكريين لمناطق البلاد كما يلي: الزعيم مازن العجلوني نائبا للحاكم العسكري العام، اللواء قاسم المعايطة حاكما عسكريا للكرك والبلقاء، العقيد كاسب صفوق الجازي حاكما عسكريا للعاصمة، الزعيم بهجت المحيسن حاكما عسكريا لإربد، الزعيم محمد إدريس حاكما عسكريا للزرقاء، الزعيم سالم عودة النجادات حاكما عسكريا لمعان .

وقد رأى الحسين أنه لا مجال إلا لإعادة هيبة الدولة وفرض سيطرتها على أنحاء البلاد، وقد باشر رئيس الحكومة العسكرية بالاتصال بأمين طاهر شبلي رئيس اللجنة الخماسية العربية، من أجل تطبيق اتفاقيتي 10تموز 015 أيلول، واتصل رئيس الحكومة العسكرية بياسر عرفات وقال له: "أناشدك باسم القدس التي قاتلت وجرحت فيها عام 1948 أن نجتمع لكي نضع حدا لهذه المشكلة". وألح عليه ورجاه للاجتماع لأكثر من نصف ساعة للحيلولة دون سفك الدماء ، وقد وعد عرفات بالرد وجاء الرد على لسان احمد اليماني (أبو ماهر) عضو اللجنة المركزية عن الجبهة الشعبية، بعدم إمكانية تلبية طلب الحكومة العسكرية للاجتماع ، وفي اليوم التالي اتصل رئيس اللجنة الخماسية العربية مع رئيس الوزراء وقال إنه لم يستطع إقناع زعماء المنظمات بالحضور للاجتماع .

وقد زار الأمير زيد بن الحسين الأردن خلال هذه الفترة، وكان في ذلك الوقت مقيما في بغداد، واستقبل الملك حسين الأمير زيد، الذي كان في ذلك الوقت في الثانية والسبعين من عمره، في المطار واصطحبه إلى قصر الندوة. وقد اندلع القتال بين الجيش الأردني والفدائيين (المنظمات الفلسطينية) في اليوم التالي لوصول الضيف الملكي، وتعيّن عليه البقاء داخل القصر لفترة عشرة أيام ، توفرت له الفرصة خلالها في الوقوف عن كثب على كيفية تعامل الملك حسين مع الجيش والحكومة وترتيبات وقف إطلاق النار مع منظمة التحرير الفلسطينية. تركت تلك التجربة انطباعا إيجابيا لدى الأمير زيد عن الملك الشاب، وهو يحاول معالجة الأوضاع في خضم المشاكل والضغوط والتحديات التي كانت تواجه البلاد خلال تلك الفترة. وابلغ الأمير زيد قبل مغادرته الأردن ابنه رعد بأنه يعتبر الملك حسين العضو الأكثر أصالة واقتدارا وشجاعة في الأسرة الهاشمية وأعظم زعيم وسط ملوك الأسرة الهاشمية.

وفي صباح يوم 16 أيلول 1970 وجه الحسين خطابا إلى أبناء الوطن دعا فيه إلى الوحدة الوطنية ، وأشاد بوقفة الفدائيين مع الجيش الأردني في معركة الكرامة ، وقال: "لقد مكنا للمقاومة منذ البداية وحميناها... لتنمو وتقوى ولا نريد أن نصفيها". وكان الرد أن اجتمع ياسر عرفات مع أعضاء اللجنة التنفيذية في جبل الحسين وأعلن توحيد صفوف المنظمات، وتم اختيار ياسر عرفات قائدا عاما لجميع قوات الفدائيين والعميد عبد الرزاق اليحيى رئيس أركان له، ومنذ تلك اللحظة اخذ عرفات يوقع بياناته تحت اسم: "القائد العام لقوات الثورة". ودعا عرفات عبر "صوت العاصفة" إلى الإضراب العام "إلى أن يسقط ما اسماه "الحكم العسكري الفاشي" ويتحقق الحكم الوطني .

وقد قام ياسر عرفات القائد العام لقوات الثورة بتقسيم عمان إلى ثماني مناطق عسكرية كلف كل منظمة بالمسؤولية عن منطقة ، وحدد للمنظمات مسؤولياتها ومناطقها، وهي: فتح، الجبهة الشعبية، الصاعقة، جبهة التحرير العربية، الجبهة الديموقراطية، جبهة النضال الشعبي، منظمة فلسطين العربية، الجبهة الشعبية / القيادة العامة. كما نسق مع جيش التحرير وقوات التحرير الشعبية. وطلب عرفات من الميليشيات الشعبية تسليم أسلحتها للمنظمات التي جندتها وسلمتها الأسلحة .

في الحلقة المقبلة سنتناول المعركة الفاصلة التي خاضها الجيش الأردني مع الفدائيين لإعادة السيطرة على عمان والمدن الأردنية الأخرى. والغزو العسكري السوري لشمال الأردن، رغم استمرار مؤتمرات القمة والوساطات العربية .

2009-07-29

صفحة من تاريخ الأردن 80

تمكنت القوات الأردنية أثناء تقدمها في أحداث أيلول بين الجيش الأردني والفدائيين من القبض على أربعة من قادة الفدائيين وأسرهم يوم 20 أيلول 1970 وهم: صلاح خلف أبو أياد، وفاروق القدومي عضو اللجنة التنفيذية ورئيس التنظيم الشعبي في فتح، وبهجت أبو غربية قائد جبهة النضال الشعبي ، وإبراهيم بكر عضو اللجنة المركزية. وقد زارهم في مكان احتجازهم وزير الداخلية في الحكومة العسكرية صالح الشرع .

وقد دعا الرئيس جمال عبد الناصر لمؤتمر قمة عربي عاجل ، ولكن الحسين اعتذر عن حضور القمة شخصيا، وأرسل وفدا أردنيا مؤلفا من الزعيم محمد داوود رئيس الحكومة العسكرية واحمد الطراونة مستشار الملك وحازم نسيبة سفير الأردن في القاهرة. عقد المؤتمر في 22 أيلول 1970 باشتراك ملوك ورؤساء وممثلوا تسع دول عربية ، بينما تغيب رؤساء سورية والمغرب والعراق والجزائر. وقد اتخذ المؤتمر قرارا بإرسال لجنة إلى عمان لتثبيت وقف إطلاق النار، برئاسة الرئيس السوداني اللواء جعفر النميري، وعضوية الباهي الأدغم رئيس وزراء تونس، والشيخ سعد العبد الله الصباح وزير الدفاع الكويتي. وفي هذه الأثناء تقدم كل من صلاح خلف وفاروق القدومي المحتجزين لدى الجيش الأردني باقتراح إلى الملك الحسين لحل النزاع؛ على أساس انسحاب الجيش والفدائيين من العاصمة، وان يقيم الفدائيون على الحدود ويتقيدون بأنظمة وقوانين البلاد، فاستجاب الملك لاقتراحهما في 23 أيلول 1970، ووافق النميري والوفد العربي على الاقتراح، وفي المساء عاد النميري وصحبه إلى القاهرة، ومعهم الزعماء الفلسطينيين الأربعة الذين ألقى الجيش الأردني القبض عليهم أثناء تطهير عمان. بينما بقي ياسر عرفات متخفيا في جبل اللويبدة، وأعلن عدم موافقته على الاتفاقية التي عقدها القادة الأسرى الأربعة.

أما الرئيس السوري نور الدين الأتاسي فقد دعا لاستمرار القتال وحرض إحدى التنظيمات الطلابية العربية التابعة لمنظمة الصاعقة السورية ويرأسها فيصل البطاينة باحتلال السفارة الأردنية في دمشق فاحتلها التنظيم لمدة ثمانية أيام.

وعاد الرئيس النميري إلى عمان في 24 أيلول على رأس وفد عربي من ستة أعضاء، واجتمع مع الملك الحسين ومع ياسر عرفات في مخبأه السري، حيث أقنعه بالموافقة على إيقاف القتال، وأذاع النميري رسالة من ياسر عرفات يأمر فيها الفدائيين بوقف النار، فيما أمر الحسين الجيش بوقف القتال وتوقف القتال فعليا في 25 أيلول 1970 بعد أن استمر ثمانية أيام، وعاد النميري إلى القاهرة في 25 أيلول مصطحبا معه بشكل سري ياسر عرفات، فيما رفضت فئات من المنظمات وقف القتال واستمرت بالعمليات الحربية بشكل متقطع.

وفي 24 أيلول أيضا أعلن الزعيم محمد داوود رئيس الوزراء في الحكومة العسكرية من القاهرة تقديم استقالته من رئاسة الحكومة العسكرية التي استمرت لمدة تسعة أيام فقط ، وتألفت وزارة مدنية في 26 أيلول برئاسة احمد طوقان استمرت 35 يوما ، إلا أن الحكومة الجديدة استقالت يوم 28 تشرين الأول 1970 فتألفت حكومة برئاسة وصفي التل.

وبعد عودة النميري أخذ يبالغ ويهول مما جرى في الأيام الثمانية ووصف ما أسماه المذابح في عمان، وتحدث عن 5000 ضحية ، وأدى ذلك التهويل إلى تحامل بعض الدول العربية على الأردن، فقدا وقفت الكويت المساعدات التي اقرها مؤتمر القمة، وأقامت ليبيا جسرا جويا لمساعدة الفدائيين. مما أدى بالملك الحسين بالذهاب بنفسه إلى القاهرة في 27 أيلول 1970 واجتماع مع الزعماء العرب واطلع على الوضع بالتفصيل، حيث عقدت اتفاقية القاهرة التي وقعها الملك وياسر عرفات وشهد عليها ملوك ورؤساء مصر والسعودية وليبيا ولبنان والكويت وتونس واليمن.
ووصل الباهي الأدغم إلى عمان يوم 28 أيلول فاجتمع مع ممثلي الأردن في اللجنة العربية راضي العبد الله ورياض المفلح، واجتمع مع ممثل المنظمات المحامي إبراهيم بكر.

وتألفت لجنة عسكرية عربية لمراقبة وقف إطلاق النار برئاسة العميد احمد عبد الحميد حلمي من مصر ومعه 100 ضابط من مصر والسودان والكويت وتونس والسعودية ، وتم الاتفاق على أن تغادر مجموعات الفدائيين الباقية في عمان والمدن إلى خارجها وتتجمع في غابات جرش وعجلون ، قبل أن تعود لقواعدها القديمة على الحدود، وفي 4 تشرين الأول 1970 تم اتفاق بشأن مدينة اربد لفتح الطرق وخروج المسلحين.

وقد أسفرت أحداث أيلول عن خسائر أعلنها وزير الإعلام الأردني، وهي سقوط 700 قتيل و 1300 جريح ، بينما قالت المنظمات أن القتلى 15 ألفا ثم رفعت الرقم إلى 25 ألفا، وقيل أن العاصمة تهدمت بالكامل كما نقلته إذاعات المنظمات والدول المؤيدة لها، وأن جثث القتلى في الشوارع، ــ وقد ظننت أنا كاتب هذه السطور أن العاصمة تهدمت فعلا، ولكنني ذهبت إلى عمان مع مجموعة من الزملاء حيث كنت ادرس في العاصمة فلم أجد دمارا على الإطلاق، مجرد آثار طلقات الرشاشات والبنادق والقذائف البسيطة، لا تزال أثارها على المباني في وسط عمان إلى اليوم، كما شاهدت بنفسي الدفاع المدني يأتي بجثث المدنيين بشاحنات وقلابات ويحفرون لهم قبورا جماعية في منطقة مرج الحمام ولم تكن الجثث كثيرة ــ.

وخلال الفترة 17 أيلول إلى 16 تشرين الأول 1970 أصدر المشير حابس المجالي الحاكم العسكري العام 164 بيانا كان يلخص فيها ما يجري أولا بأول أثناء إخراج الفدائيين من المدن.
وفي 29 أيلول 1970 توفي في القاهرة بشكل فجائي الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن ودع القادة العرب في المطار مباشرة.

وفي 13 تشرين الأول 1970 وقع بروتوكول عمان لتنفيذ اتفاقية 13 تشرين الأول لتنظيم التعايش على الأرض الأردنية للطرفين.

وفي 16 تشرين الأول صدرت الإرادة الملكية بإنهاء تعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكريا عاما. وبعد يومين صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيين وصفي التل رئيساً للوزراء. ورغم كل الاتفاقات كانت تدور بعض الاشتباكات بين الطرفين كما حدث يوم 9 تشرين الثاني1970 حين لم يلتزم الفدائيون بالاتفاق ولم يخرجوا من أحياء الأشرفية والتاج والنصر وهملان والمحطة والهاشمي وحي المصاروة بجبل عمان. وفي 16 تشرين الثاني سيطر الجيش على ثغرة عصفور لتامين الطريق إلى الشمال، وفي نفس اليوم تم تسريح وترحيل المعتقلين السوريين والعراقيين إلى بلادهم، وجمعت الأسلحة من الميليشيا. وفي 5 و6 كانون الأول 1970 قام الفدائيون باحتلال مدينة جرش ونهب مخفر الشرطة بعد قتل خمسة من أفراد الأمن واختطفوا عددا من المجازين العسكريين و40 شرطيا.

وفي 13 تشرين الثاني 1970 حدثت حركة التصحيح في سورية ووصل وزير الدفاع وقائد الطيران الفريق حافظ الأسد إلى سدة الحكم، فزج فورا بصلاح جديد ونور الدين الأتاسي ويوسف زعين وضافي الجمعاني قائد منظمة الصاعقة وحاكم الفايز ومجلي نصراوين بالسجن.

وفي 16 كانون الثاني 1971 هاجمت بعض العناصر مخفرين للشرطة ، وجرى قتال متقطع في إربد، وقبض الجيش على 384 فدائيا في مخيم البقعة ، كثير منهم من السوريين نقلهم الجيش إلى الحدود السورية، وفي الشهر نفسه بدأت القوات العراقية تغادر الأردن.

وفي 13 كانون الثاني 1971 تم التوصل لاتفاقية جديدة ، وتحديد مدة لجمع أسلحة الميليشيا والجيش الشعبي، على أن يتم الخروج النهائي للفدائيين من عمان وإربد وكافة المدن، وقد وقع الاتفاقية رئيس الوزراء وصفي التل وإبراهيم بكر ممثل الفدائيين، إلا أن الجبهة الشعبية والديمقراطية أعلنتا معارضتهما للاتفاقية، وتجددت الاشتباكات في خلال الفترة من 11-16 شباط 1971، وطالب ياسر عرفات بقوات عربية لحماية الفدائيين في الأردن.

وقرر الحسين زيارة القاهرة بنفسه والاجتماع مع الرئيس أنور السادات ، إلا أن جريدة الأهرام نشرت في 22 شباط 1971 خبرا يقول أن مصر ترحب بالملك حسين شريطة أن لا يرافقه رئيس وزرائه وصفي التل فألغى الحسين الزيارة.

وفي آذار وقعت اشتباكات متقطعة في اربد فاحكم الجيش السيطرة على المدينة نهائيا في 26 آذار 1971، وفي 28 آذار وجه الباهي الأدغم عضو اللجنة العربية اتهاما للحكومة الأردنية بانتهاك الاتفاقيات، وأعلن إنهاء لجنته وسحبت الدول ضباطها من الأردن.

واستمرت اعتداءات الفدائيين في الشمال في نيسان 1971، وفي 4 نيسان قررت اللجنة المركزية سحب بقية الفدائيين من عمان، فأتموا انسحابهم في 9 نيسان، وكان عدد آخر من انسحب 2000 رجل مع أسلحة تكفي لتجهيز فرقة كاملة، ثم قامت الحكومة بعمليات تفتيش دقيقة للأحياء، وتنظيفها من الأسلحة والذخائر.

وفي 8 نيسان 1971 توسطت سورية بين الطرفين الحكومة الأردنية والفدائيين ، حيث جاء اللواء مصطفى طلاس رئيس أركان القوات السورية، وأجرى محادثات مع الحسين والمسؤولين الأردنيين، وفي 19 نيسان أعلن في دمشق التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة، وتألفت لجنة سداسية تحل محل لجنة المتابعة لتنفيذ الاتفاقات.

وفي 16 نيسان أعلن صلاح خلف أبو أياد في مؤتمر صحفي في عمان أن الأغوار هي المكان الطبيعي للفدائيين، وأن إخلاء عمان ضرورة حتمية، وبعدها عاد الهدوء إلى عمان بعد ثلاث سنوات من التوتر، فيما أعلن عرفات أن النضال سيستمر إلى أن يصبح الأردن القاعدة الرئيسية للثورة.
وفي أيار 1971 تعرض مصنع الفوسفات في الرصيفة لهجوم من عناصر فدائية، وتعرضت بعض المزارع والمنشآت في الشمال إلى اعتداءات، فعرضت الحكومة على الفدائيين الانتقال لأماكن بعديدة عن السكان، تنفيذا لاتفاق القاهرة فرفضوا، فقررت الحكومة إخراجهم بالقوة، فقامت القوات الأردنية بتطويق المناطق الحرجية قرب عجلون وجرش التي يتواجد بها الفدائيون، وقد استمرت المعارك لمدة خمسة أيام من 13- 17 تموز 1971، واستسلم معظم الفدائيين للجيش الأردني فيما عبر النهر سبعين فدائيا سلموا أنفسهم للقوات الإسرائيلية، وفي أثناء الاشتباكات قتل أبو علي أياد (محمد مصطفى شريم) أحد قادة فتح، واستشهد ضابطان من الجيش هما الرائد محمد فياض سليمان جرادات من اليامون جنين، والرئيس يوسف فالح الجرارحة من المزار الشمالي. وقد استشهد من القوات النظامية 6 أفراد و 19 جريح. واستسلم للجيش 2300 فدائي.

وفي 28 تشرين الثاني 1971 اغتيل رئيس الوزراء الأردني وصفي التل في القاهرة وسقط شهيدا على أرض مصر، وقد أعلنت منظمة أطلقت على نفسها "منظمة أيلول الأسود" أنها هي التي اغتالته، فخلفه في اليوم التالي أحمد اللوزي رئيسا للوزراء.

وكان الأردنيون قد عقدوا عدة مؤتمرات أثناء الأزمة ففي أوائل شباط 1970 عقد "مؤتمر أم رمانة" إحدى قرى بني صخر، بدعوة من الشيخ ظاهر الذياب الفايز اشترك فيه 200 شخص من مختلف عشائر الأردن، أعلنوا استنكارهم لأعمال المنظمات الفدائية، وأعلنوا ولائهم للملك الحسين، وطالبوه بالضرب بيد من حديد لكل من يتحدى الأمن والنظام. وفي 20 شباط 1970 عقد "مؤتمر الموقر" بدعوة من الشيخ نايف الخريشة اشترك فيه كافة شيوخ الأردن، طالبوا المنظمات الفدائية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للأردن. وفي 11 آب 1970 عقد "مؤتمر صويلح" بدعوة من الشيخ مجحم العدوان اشترك فيه عدد كبير من شيوخ منطقة البلقاء، ووضع المؤتمرون وثيقة استنكار لأعمال الفدائيين في المدن. وفي 4 أيلول 1970 عقد "مؤتمر الحسينية" بدعوة من الشيخ فيصل بن جازي شيخ مشايخ الحويطات اشترك في المؤتمر عدد كبير من أعيان ورجالات الأردن من شماله إلى جنوبه . وعقدت مؤتمرات مماثلة في بلدة ادر في الكرك بدعوة من الشيخ فارس المعايطة. وفي الرمثا بدعوة من رئيس البلدية محمد رشيد البشابشة.


د. محمد المناصير  - 2009-08-08


الشيخ مشهور حسن حمود يتحدث لـ "الحياة" عن عمان أيام زمان

ضيف حلقة اليوم هو الشيخ مشهور حسن حمود هو من رجالات الرعيل الأول, ولد في البقاع الغربي/لبنان عام 1923م وقد حصل على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) عام 1940م -1941م من مدرسة السلط الثانوية وقد تم تعيينه في نفس العام في المدرسة العسبلية في عمان والتي تعتبر من أقدم المدارس في العاصمة ثم انخرط في الجيش الأردني وتخرج من مدرسة المرشحين ثم انضم أثناء حرب عام 1948م بين العرب واليهود إلى جيش الإنقاذ الفلسطيني وقاتل بشرف أثناء هذه الحرب وفيما بعد حصل على شهادات عليا في الشريعة الإسلامية وأصبح فيما بعد الأمين العام المساعد لوزارة الأوقاف الأردنية إلى أن أحيل إلى التقاعد في الثمانينيات من القرن الماضي.
ويعتبر الشيخ مشهور من علماء الدين الإسلامي المعروفين في الأردن والعالم الإسلامي وكان له حضور واضح في المؤتمرات والندوات التي عقدت في أماكن مختلفة من العالم فيما يتعلق بالدين الإسلامي والقضية الفلسطينية وقضايا العالم العربي والإسلامي وهو شخصية اجتماعية وعشائرية محبوبة ومعروفة في جميع أنحاء الأردن ويسعى دائما لإصلاح ذات البين وقد قام بإعداد وتأليف موسوعة العالم الإسلامي بالاشتراك مع عدد من المؤلفين الأردنيين.
"أبو بكر" عاصر عمان القديمة أيام زمان وواكب تطورها المستمر ولديه ميزة فريدة بأنه من المؤسسين في المدرسة العسبلية في عمان القديمة وقد زرنا "أبو بكر" في منزله في صويلح فاستعاد شريط الذكريات وتحدث لنا عن أمور هامة عن عمان القديمة ونحن نعتبر هذا الحديث وثيقة تاريخية هامة تؤرخ لعاصمة المجد عمان.
ويواصل الشيخ مشهور الآن في الحلقة الأخيرة الحديث عن عمان أيام زمان:

الانتداب البريطاني على الأردن

[hide-show]بعد أن اضطر الهاشميون للانسحاب من الحجاز خرج المغفور له بإذن الله شريف مكة الحسين بن علي ومعه أبناؤه الأربعة: الأمير عبد الله والأمير علي والأمير فيصل والأمير زيد, وأقاموا في مباني محطة سكة حديد الحجاز في بلدة معان, وبعد فترة توجه وجهاء وزعماء الأردن والمهاجرون من سوريا ولبنان إلى معان نتيجة احتلال فرنسا للبلدين فمنهم من سافر بالقطار ومنهم من سافر على الخيول من أجل السلام على شريف مكة وأبنائه والترحيب بهم في الأردن البلد العربي المضياف الأصيل, وقد سعد أشراف مكة بهذا الاستقبال الحافل واستراحت نفوسهم من أثار الصدمة التي أصابتهم نتيجة احتلال الحجاز ثم رغب الشريف حسين شريف مكة بالسكن في العقبة لفترة استراحة, وبعد أن أقام لفترة من الوقت في العقبة حضرت بارجة بريطانية وأسرته ونقلته إلى قبرص سجينا فيها حتى توفاه الله هناك وعاد جثة هامدة وجرى دفنه في أحد أروقة المسجد الأقصى المجاورة لسور أرض الأقصى رحمه الله.
دخلت القوات البريطانية فلسطين والأردن منتدبة من قبل هيئة الأمم التي كان مركز إدارتها في جينيف- سويسرا, ودخل الفرنسيون سوريا ولبنان منتدبين عليها من الجهة ذاتها, وتم ترتيب إعلان إمارة في شرقي الأردن, ووافقت الحكومة البريطانية على تسمية الأمير عبد الله بن الحسين رحمه الله أميراً على إمارة شرق الأردن وقد تم توقيع معاهدة سياسية فيما بعد للتعاون على تطوير الإمارة وتأمين الأموال اللازمة لتسيير أمور الدوائر والمؤسسات والقوات اللازمة لحفظ الأمن من الخزينة البريطانية.

غزو (الخوين) للأردن

في أوائل عهد الإمارة زحف المقاتلون الوهابيون إلى جنوب الأردن قادمين من الأراضي السعودية وتجاوزوا مدينة معان حتى وصلوا إلى أطراف منطقة أم العمد واللّبن وهي بلدات لعشائر بني صخر والبلقاوية, ووصلوا إلى خريبة السوق واللّبن فاشتبكت معهم فئات مسلحة من أبطال عشائر بني صخر وعشائر العجارمة وعشائر البلقاوية عامة ومنها عشائر الحديد والحنيطيين وآل أبو زيد ممن كانوا يسكنون منطقة سحاب والعشائر في مشيرفة الرقاد وأبو علندا وما حولها وأعانهم تحالف من العشائر الأردنية لصد الخطر الذي يتهدد الجميع ولإنقاذ البلد من خطرهم وكانوا يسمون ب¯(الخوين) أي أنهم كلهم أخوة يجاهدون الكفار- كما يزعمون- وكان موقفاً مشرفاً لتلك العشائر وقد أستشهد منها أعداد من المدافعين نسأل الله بأن يتقبلهم شهداء عنده وسلمت الإمارة من كل شر فيما بعد والحمد لله.

الأمير عبد الله يكافئ عشائر البلقاوية

قدر سمو الأمير عبد الله بن الحسين الجهود التي بذلتها عشائر البلقاوية والعشائر التي آزرتها لدحر الزاحفين من الجنوب فأدخل منهم ضباطا وأفراداً ورتباً أخرى في الجيش العربي الذي بدأت الإمارة بتشكيله ووصل منهم فيما بعد عدد من الضباط إلى رتب لا بأس بها وأذكر منهم الملازم الأول محمد الحمد الحنيطي الذي أستشهد فيما بعد في منطقة مستعمرة موتسكن شمال عكا في فلسطين عام 1948م مجاهداً في سبيل الله. وعينت الحكومة البريطانية الكولونيل فريدريك بيك قائداً للقوات الأردنية برتبة جنرال عام 1922م, وقد كان كولونيلا في الجيش البريطاني وبدأ بتنظيم القوات على اختلاف تشكيلاتها من قوات سيارة وقوات فرسان وقوات مشاة, وحضر من بريطانيا عدد من الضباط الانجليز لتدريب تلك القوات الأردنية.

كلوب باشا وتأسيس قوات البادية

ثم أرسلت بريطانيا الكولونيل (جون باجت كلوب) من العراق إلى الأردن ليؤسس قوات البادية الأردنية وكانت قوات فعالة في حفظ الأمن بين العشائر ومنع أي تمرد وكانت تتميز بزي خاص يشبه ملابس البدو ولكن من نوع الأقمشة التي تستعمل في القوات المسلحة (الكاكي), وقد أطلق البدو على -كلوب- اسم (أبو حنيك) لأنه كان مصابا بجرح كبير وعميق في أحد فكيه من الأسفل.
وكان كلوب قد أتقن اللغة العربية واللهجة البدوية أثناء وجوده بالعراق كما كان يجاري البدو في طعامهم وشرابهم وأسلوب تعاملهم, ثم تزوج امرأة بريطانية أنجبت له ولدا أسماه فارس لذلك لقب كلوب ب¯(أبي فارس), وللأمانة فان كلوب باشا كان يمثل جزءا كبيرا من تاريخ عمان والأردن القديم.
سحبت بريطانيا الجنرال فريدريك بيك من الأردن وتم تعيين الكولونيل (كلوب) قائدا للجيش وبرتبة فريق, ثم أرسلت بريطانيا مساعدا له للإدارة, كما اختار سمو الأمير عبد الله بن الحسين اللواء عبد القادر الجندي مساعدا لكلوب للأمن, وكان السيد حسام الدين المفتي مديرا للسجل في القيادة العامة ومعنى مديرا للسجل أي انه يقوم بتنظيم سجلات الأشخاص الذين يتم تنسيبهم للجيش العربي وتنظيم أظابير خاصة لكل منهم, وكان على درجة عالية من الكفاءة في عمله.

الأمير فايز الشهابي

أصدر سمو الأمير عبد الله أمراً بتعيين أمير من عائلة الشهابيين في لبنان وهو الأمير (فايز الشهابي) مستشاراً لشؤون العشائر وقد كان يعتبر أن بينه وبين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه 42 أميراً, هذا يعني بأنه كان يفتخر بأنه من أحفاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

عشائر البلقاوية

تمتد حدود عشائر البلقاوية من حدود بني صخر إلى حدود البحر الميت وتضم عشائر الحديد والحنيطيين وأبو زيد والرقاد والعجارمة والعدوان والدعجة والشوابكة وأبو الغنم والقطارنة والحويان وغيرهم من عشائر البلقاوية وباختصار فالبلقاوية هم سكان جنوب عمان من سحاب شرقا حتى البحر الميت ومنطقة عشائر العدوان غرباً.
عشائر البلقاوية كانوا يعتمدون في معيشتهم على مصدرين الأول: تربية المواشي والعناية بنتاجها من الحليب واللبن والسمن والجميد وخرافها سواء كانت مواشي بيضاء أو مواشي سوداء, والمصدر الثاني: للمعيشة زراعة الحبوب وبعض الخضار ثم بدأوا فيما بعد يتعلمون زراعة الزيتون من الخبراء في هذا النوع من الزراعة وهم (الطفايلة) أي أهل الطفيلة.

العبدلي

حينما قررت الحكومة إنشاء موقف عام للسيارات الصغيرة والحافلات خارج وسط عمان في الأربعينيات من القرن الماضي وقع الاختيار على قطعة أرض واسعة بين ما يسمى فيما بعد بجبل الحسين وجبل اللويبدة وقد سميت بمنطقة العبدلي وذلك تكريما وإبقاء لذكر الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه ولا تزال هذه المنطقة من عمان تحمل هذا الاسم حتى الآن ولا تزال فيها مواقف للسيارات والحافلات.

حي الأرمن

بعد أن هاجر الأرمن من حدود تركيا نتيجة للخلاف الذي حصل بينها وبين حكومة الخلافة العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر اضطرت جماعات الأرمن إلى الهجرة إلى سوريا ولبنان والأردن.
أما هنا في الأردن فقد خصصت لهم السلطات العثمانية موقعا في قرية عمان القديمة سمي ب¯(حي الأرمن) ولا يزال يحمل هذا الاسم حتى الآن ويقع بين سيل عمان المواجه للمستشفى الطلياني وبين الأشرفية ومقبرة عمان القديمة بما فيه ما يسمى الآن بشارع بارطو وحتى المنطقة القريبة من مسجد أبو درويش في الأشرفية.
ومن الجدير بالذكر أن الأرمن كانوا خبراء بالأعمال الدقيقة المعدنية من ذهب وفضة وتصنيع النحاس لأواني الطعام وكانوا خبراء في التصوير الفوتغرافي القديم عن طريق وضع ماكنة التصوير الكبيرة (كاميرا) التي لها "قبع" قماش اسود يدخل المصور فيه ويقوم بتثبيت عدسة الكاميرا على من يحتاج التصوير, ثم يستخدم جهاز التصوير وبعد فترة ينقع الفيلم في حوض من الماء يغسله فيها ويربطه بملقط غسيل على طرف من أطراف ماكنة التصوير حتى يجف الماء فتصبح الصورة جاهزة ليتم تسليمها لصاحبها وكانت أجور التصوير أيام زمان زهيدة, ولا يزال حتى الآن في عمان مصورون أرمن يشتغلون بهذه المهنة وهم مصورون مهرة, وقد حصل الأرمن على الجنسية الأردنية وهم مواطنون في عمان, وقد ظهر منهم مديراً للأمن العام في الستينيات من القرن الماضي وهو اللواء كريم أوهان.

غزو الجراد

فاتني أن أذكر بأن من أسباب هجرة أهل الطفيلة وأهل معان للبحث عن العمل في عمان هو غزو الجراد إلى الأردن مرتين أحداهما عام 1930م والأخرى بعدها ببضع سنوات لا أستطيع أن أذكرهم بالتحديد لطول الزمن ومن الأمور التي أتذكرها وكنت شاهدا عليها وأنا طفل أنهم كانوا يعطونا صفائح من التنك مع عصا نضرب عليها ونقول (يا جراد ارحل عنا), وكانوا يشعلون أكواما من القش ليخرج منها الدخان وكان الجراد يتأذى من الدخان فيبتعد عن المنطقة التي هو فيها.

اجفور ( H4 ) واجفايف ( H5 )

مما شجع الناس على الهجرة نحو عمان والمفرق ابتداء العمل بمد خط نقل البترول من العراق إلى حيفا (التابلاين) وقد كانت المفرق قرية صغيرة آنذاك, وقد كان لخط التابلاين محطات في الأردن وهو ما سمي فيما بعد ( H4) و( H5 ) وقد تم تعريب هذه الرموز فأصبحت الاجفور والاجفايف وأصبحت بمرور الأيام مدناً بها سكان وفيما بعد صار الاسم الجديد (الرويشد والصفاوي) كما هو الآن.
أما المحطات الثلاث الأولى وهي ( H1 ) و( H2 ) و( H3 ) فكانت ضمن الأراضي العراقية وقد استفاد العمال والفنيون الأردنيون كثيراً من رواتب العمل في تلك الشركة وكثيراً منهم قد بنى بيوتاً من عائدات العمل في هذه الشركة.

هجرة الدروز إلى عمان والأردن

هاجر الدروز (بنو معروف) من جبل العرب إلى الأردن وأقاموا في الأزرق والزرقاء وعمان وقد أقام سلطان الأطرش الزعيم الدرزي المعروف وأعوانه في الكرك في خيام وأقام فريق آخر من مهاجري الدروز في السلط وحين أعلنت فرنسا العفو عن المهاجرين من سوريا ولبنان في عام 1936م عاد الدروز مع سلطان باشا الأطرش إلى جبل الدروز وعاد بعض السوريون واللبنانيون وهم قليلون إلى بلادهم أما الذين قاموا بفتح أعمال تجارية أو صناعية أو زراعية من المهاجرين السوريين واللبنانيين فإنهم أصبحوا مواطنين صالحين في هذا البلد المضياف.

جبل التاج

وقد سمي بهذا الاسم لأن الموقع الذي سمي بجبل التاج في عمان من أعلى الجبال فيها ويظهر وكأنه تاج عمان ولجميع جبالها وأن من أهم معالم جبل التاج مسجد أبو درويش ومستشفى الأشرفية الذي يعرف الآن بمستشفى البشير ومختبر الدم بنك الدم ومختبر التحاليل الطبية وهو أكبر مختبر في الأردن.
عمان مدينة الجبال السبعة
لقد بنيت عمان القديمة على سبعة جبال لذلك عرفت عمان بمدينة الجبال السبعة وأعلاها كان جبل التاج.

النزحة الفلسطينية وأثرها على مدينة عمان عام 1948م وعام 1967م

بعد حرب فلسطين عام 1948م التي حصلت فيها النكبة وما جرى من مجازر في مذبحة دير ياسين وقبية هجر الفلسطينيون ديارهم خوفا من مذابح اليهود ولم يكن لهم أي ملجأ بعد الله إلا بأن يلجأوا إلى الأردن وانتشروا فيها داخل مخيمات لا تزال قائمة حتى الآن.

مخيمات اللاجئين

لا نحتاج إلى تحديد هذه المخيمات لأنها لا تزال قائمة وعددها اثنا عشر مخيماً في الأردن, من أهمها في عمان: مخيم الوحدات ومخيم الحسين في جبل عمان, ومخيم النزهة ومخيم المحطة ومخيم حطين ومخيم آخر بعد نادي السباق في ماركا, وكذلك مخيم البقعة وهو أكبر مخيم في الأردن ومخيم مادبا ومخيم الطالبية ومخيم غزة قرب جرش ومخيم عزمي المفتي ومخيم جرش قرب البرك الرومانية القديمة ومخيم اربد ومخيم الكرامة الذي دمره اليهود في معركة الكرامة وقد بنيت هذه المخيمات في البداية من الخيام ما عدا مخيم الطالبية الذي بنته حكومة شاه إيران الراحل وأسمته الطالبية نسبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد اعتنت فيه أشد الاعتناء ويقع هذا المخيم بعد مثلث مطار الملكة علياء الدولي بحوالي كيلو متر واحد أو أقل باتجاه الجيزة.
وفيما بعد بدأ البناء على هذه المخيمات من قبل ساكنيها كل حسب قدرته بدلا من الخيام التي تم نصبها سابقا فتحولت إلى أملاك لأصحابها علما بأن الأرض التي بنيت عليها هذه المخيمات لا تزال مستأجرة فعلى سبيل المثال فان مخيم الوحدات لا يزال قوشان الأرض باسم عشائر الحديد حتى الآن.

وكالة الغوث الدولية (الأونروا)

إن الجهة التي تشرف على جميع هذه المخيمات هي وكالة الغوث الدولية (الأونروا) وهي مؤسسة أوجدتها هيئة الأمم المتحدة وهي تنفق عليها وعلى مصالح اللاجئين المسجلين لديها قدر الإمكان فتقدم (الأونروا) لهؤلاء اللاجئين خدمات مثل: التعليم والصحة والأمن الداخلي ومساعدات عينية ونقدية.

الجهات الرسمية التي تشرف على المخيمات

بالإضافة إلى إشراف (الأونروا) على أوضاع المخيمات فقد وضعت مؤخرا قوات الأمن الأردنية مراكز أمنية لرعاية مصالح الساكنين في المخيمات من اجل السيطرة على أي خلافات أو نزاعات قد تحدث بداخلها ولمساعدة الأهالي بالقضاء على جميع مشاكل الإجرام لصالح أبناء وسكان المخيم, ثم شكلت لجان في هذه المخيمات لتسهيل متابعة شؤون السكان فيها على اختلاف أشكالها والاتصال بالسلطات الأردنية للتعاون معها لحل المشكلات التي تظهر من حين لآخر.

أثر النزحة الفلسطينية على سكان عمان

بعد أن حصلت نزحة أخرى هاجر عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في حزيران عام 1967 (النكسة) وهذه الهجرات المتلاحقة من اللاجئين الفلسطينيين أثرت تأثيرا كبيرا على السكان الأصليين للأردن وبخاصة أهل عمان فقد أثرت على معيشتهم ووسائل أعمالهم وبيوت سكناهم ووسائل انتقالهم.

مجتمع المهاجرين والأنصار

وأدت إلى التزاوج فيما بينهم وقد حصل إرباك في قطاع الخدمات في العاصمة عمان وغيرها مما أثر على مصالح السكان الأصليين ومع هذا فقد رحب أهل الأردن بالفلسطينيين واتخذوهم أخوة لهم فأصبح المجتمع العماني والأردني يعرف بمجتمع (المهاجرين والأنصار) كما كانوا قد رحبوا سابقا وقبلهم باللبنانيين والسوريين وكل من هاجر من العرب إلى الأردن بسبب الاستعمار البريطاني والفرنسي.

استفاد الأردنيون من خبرات الفلسطينيين

استفاد الأردنيون من الخبرات الصناعية والتجارية والعلمية التي كان يتمتع بها أخوانهم المهاجرون الفلسطينيون وتوسعت مظاهر الأعمال في البلاد ولا سيما في الزراعة وكان ذلك خيرا للأردنيين والفلسطينيين.

انصهار الفلسطينيين في المجتمع العماني والأردني

لقد تركز تجمع الفلسطينيين المهاجرين بالدرجة الأولى في عمان باعتبارها العاصمة وتوسع العمران بها في جميع الاتجاهات بشكل فاق كل التوقعات وقد أربك ذلك خطط التطوير في عمان وأمانتها بشكل كبير, وقد قام الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين طيب الله ثراه بتعيين عدد من مثقفي المهاجرين الفلسطينيين في مراتب عالية في الدولة حتى وصل المرحوم إبراهيم باشا هاشم وهو من نابلس إلى منصب رئيس الوزراء وقد اغتاله فيما بعد العراقيون في بغداد حين نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وعين الملك المؤسس أخاه الشيخ (فهمي هاشم) قاضيا للقضاة كما قام بتعيين آخرين من المثقفين الفلسطينيين من أصحاب الثقافة العالية في مناصب وزارية ومراتب عليا في الدولة وأصبح مجلس النواب مشتركا بعد الوحدة بين الضفتين في مؤتمر أريحا, وقد التحق منهم عدد كبير في صفوف الجيش والأمن العام ضباطا وأفرادا ولم يكن في البداية قد انفصل الجيش والأمن العام عن بعضهما بعضاً وظهر من المهاجرين الفلسطينيين وزراء ومديرو دوائر وأصحاب أعمال وشركات ومزارع.

ارتفاع جنوني على أسعار الأراضي

وقد استفاد أهل عمان جميعهم من الخبرات التي كان يتقنها أخوانهم الفلسطينيون وكان لنزوح أعداد ضخمة من الفلسطينيين إلى الأردن أثراً كبيراً في الارتفاع الكبير لأسعار الأراضي في عمان وما حولها وفي جميع مناطق الأردن.

أثر النزحة على المياه والكهرباء والمدارس والنقل

حصل شح في المياه في عمان وغيرها من المناطق نتيجة للكثافة السكانية التي حصلت بسبب الهجرتين ولم تكن الكهرباء المولدة للإنارة وغيرها كافية لتلبية الحاجات اليومية للسكان وأصبحت الحاجة ملحة لزيادة أعداد المدارس وأصبحت لفترة من الزمن تعمل على فترتين (صباحية ومسائية) حتى تستوعب هذه الأعداد الضخمة من الطلاب والطالبات, كما ظهرت أزمة كذلك في وسائل النقل نظرا لقلة أعدادها آنذاك ولعدم قدرة معظم الناس على شراء وسائط للنقل سواء خاصة أو عامة وأشهد أننا قاسينا كثيرا من هذه الظروف الطارئة ولكننا صبرنا وتقاسمنا رغيف الخبز.

وسائط النقل في عمان القديمة

أيام زمان كانت السيارات معدودة على الأصابع لكن النقل بشكل عام كان يعتمد على الدواب مثل الخيل والبغال والحمير والمشي على الأقدام - ما أكثره - وقد كان يعتمد على العربات التي تجرها الخيول أو البقر من اجل نقل الناتج الزراعي أو الأثاث أو ما شابه ومن أشهرها عربات كان يصنعها الشركس المهاجرون من أعواد نبتة الدفلى وهي طرية وتنبت حول مجرى سيل عمان بكثرة وكانت هذه العربات خير وسيلة للنقل التجاري مقابل اجر زهيد.
كانت النباتات الطبيعية البرية منها والداخلية تكثر على أطراف مجرى سيل عمان وفي منطقة رأس العين ولذلك لم يكن يحتاج أصحاب تلك الدواب إلى (التعليف) بشراء العلف وإنما كان رزق تلك الدواب على الله سبحانه وتعالى.
في عمان القديمة جاءت صنعة حذّاء الدواب في أكثرها مع السوريين المهاجرين من بلادهم وكان أكثرهم يتواجدون في شارع الملك طلال لان العربات وأصحابها ودوابها كانت مساكنهم في منطقة رأس العين وما حولها من الجبال, ومن أجل توفير مبيت للدواب كان هناك حظائر لها أسوار حجر ناشف تسمى بالسلاسل وهذه الحظائر هي ملك لأصحابها كان الحذاءون المختصون بحذاء الدواب يسكنون في مناطق قريبة من مناطق حظائر الدواب.

شوارع عمان القديمة

الشوارع كانت ترابية وكانت الينابيع في عدد من الشوارع تتفجر منها المياه على سطح الشارع فعلى سبيل المثال كان هناك ينبوع في شارع السعادة المتفرع من شارع الملك فيصل باتجاه المسجد الحسيني الكبير وكان هناك نبع في منطقة المدرج الروماني الذي يمر بجواره سيل عمان ومعظم هذه الينابيع كان يندفع إلى سطح الأرض نتيجة لقوة سيلان المياه في السيل ولعدم وجود حواف على جانبيه لضبط مسير المياه.
نزول الأمطار أيام زمان
الحمد لله لم يكن هناك تلوث بيئي من عوادم السيارات أو مخلفات المصانع لندرتها في عمان القديمة ولذلك كان الجو يخلو من الغازات المؤثرة على هطول الأمطار وكانت الأمطار تمتد من الخريف أي من شهر أيلول إلى شهر نيسان وأيار بغزارة وكان المطر يستمر بشكل متواصل لأسابيع? ولذلك لم يكن أصحاب الدواب والمواشي يحتاجون إلى شراء أعلاف كما لم يكن المواطنون يحتاجون إلى تنقية مياه الشرب لأنها لم تتلوث بأي شيء غير طبيعي.

الصحة العامة لسكان عمان القديمة

كان الناس في صحة جيدة والحمد لله بسبب نقاء الجو والأرض والطعام الطبيعي غير المهرمن الذي لم يكن يتجاوز ناتج الحبوب من الزراعات الحقلية وناتج الحدائق المنزلية والأراضي المجاورة لعمان وغيرها من المدن سواء كان الناتج الخضري أو البقلي وكانت الفواكه في معظمها طبيعية مثل العنب والتين وغيره من الفواكه كالرمان والخوخ والدراق, وكانت منطقة الأغوار تمتاز بزراعات محدودة من الموز وعاش الناس أيام زمان بنعمة من الله وفضل كبير ولم ينقص عليهم شيء بفضل الله رغم فقرهم.

الجالية الإنجليزية في عمان

أيام زمان لم يكن هناك جالية انجليزية في عمان القديمة وإنما رابطت قوات بريطانية من جيش الانتداب بعد أن تم وضع أملاك العثمانيين السابقة تحت الانتداب مثل مصر ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق وحصل احتلال كامل للخليج العربي من قبل بريطانيا وقد أسست فيه 42 مشيخة ويرأس كل مشيخة أمير وأطلقوا عليه تسمية الساحل المتصالح وفي عمان القديمة كان مركز قوات الانتداب البريطاني في ماركا بجوار مطار عمان وكان هناك مستشارا انجليزيا للشؤون المالية في وزارة المالية نظرا لان الحكومة الأردنية كانت تتلقى مساعدات مالية انجليزية لمساعدة الإمارة في تغطية نفقاتها لان بريطانيا هي الدولة المنتدبة.
وكذلك كان هناك مستشارات امنيا بريطانيا من اجل المساعدة في ضبط الأمن في البلاد وكان هناك مستشارا قضائيا بريطانيا للمساعدة في وضع النصوص القضائية وكان هناك مستشارا بريطانيا لشؤون العشائر كما كان هناك في عمان القديمة معتمد بريطاني يمثل المندوب السامي البريطاني في القدس الذي بدوره يمثل حكومة صاحب الجلالة البريطاني (هكذا كان يسمى ) سواء كان ملكا أو ملكة.

الجاليات العربية والأجنبية في عمان القديمة

تواجد عندنا في عمان جالية من الأتراك الذين هاجروا من بلادهم بعد انقلاب مصطفى كمال الذي سمي أتاتورك أي أبو الشعب التركي وكذلك ما مر معنا من هجرة الأرمن إلى الأردن وسوريا ولبنان وكذلك تواجد عندنا شعب تركي يسمى بالتركمان عاشوا لعشرات أو مئات السنين في البلاد العربية الإسلامية حين كانت الخلافة العثمانية تسيطر على معظم البلاد العربية والإسلامية ما بين تونس في أقصى القارة الأفريقية من الشمال والهند وما كان في شمالها من الدول والإمارات ولذلك كانت وبحق تسمى الإمبراطورية العثمانية.
أن أهل المغرب العربي وأهل السودان حين كانوا يذهبون إلى الحج على الدواب أو على الأقدام يستقرون بعد عودتهم من أداء فريضة الحج في المنطقة العربية وأكثرهم كانوا أصحاب صناعات محلية وبيتية ساعدوا في تطوير وسائل المعيشة في بلادنا ومن أشهرهم (الشناقطة) من بلاد شنقيط التي تعرف الآن باسم موريتانيا, وكذلك البشناق الذين طردهم الروس من بلادهم بسبب دينهم وان معظم هؤلاء الجاليات الأجنبية الذين تم ذكرهم اندمجوا في المجتمع الأردني وناسبهم كثير من الأردنيين بالزواج من بناتهم نظرا للجمال الخلقي الذي كن يمتزن به وهم يحملون الجنسية الأردنية.

مقارنة بين عمان بالأمس وعمان اليوم

كانت عمان أيام زمان قرية صغيرة وقد بني ما وجد من بيوتها حول نبع رأس العين في أقصى حي منطقة المهاجرين الآن وبين سيل عمان إلى المدرج الروماني حيث لم يكن السيل قد تلوث من النفايات الطبيعية أو الكيماوية كما هو الحال الآن ولذلك قال الشاعر مصطفى وهبي التل:

عهدي بعمان من بعض القرى فإذا *** عمان عاصمة الأردن تحميه

ثم بدأ العمران يزداد شيئا فشيئاً إلى مناطق ليست بعيدة عن نبع رأس العين ومجرى السيل ليتمكن الناس من نقل الماء اللازم للمعيشة والطعام والغسيل والتنظيف على دوابهم إلى بيوتهم, ثم جاءت هجرة من أهل نابلس في فلسطين باتجاه عمان القديمة ولم تكن هجرة بمعنى الفرار ولكن كانوا يحضرون معهم عدداً من صناعاتهم المحلية مثل الصابون ومواد التنظيف ولوازم الملابس وأنواع الحلويات الطبيعية التي تستعمل فيها المواد الخام المحلية مثل القمح والشوفان وغيره من النباتات المحلية, وقد اشترى بعضهم أراضي محدودة في عمان من اجل التسهيل على الذين ينقلون البضائع من نابلس إلى عمان للإقامة والسكن نظرا لعدم وجود فنادق في عاصمتنا للإقامة بها آنذاك وقد كان هؤلاء النوابلسة إضافة إلى من هاجر من سوريا ولبنان أكثر من خدم نهضة التمدن في عمان.
لقد شكلت حكومة الانتداب البريطاني قوة عسكرية عرفت باسم قوة الحدود أو ما كان يسمى قوة الزنار الأحمر لأن أفراد هذه القوة كانوا يربطون على وسطهم زنارا احمر له ذيل يتدلى عن يمين لابسه إلى ركبته تقريبا وكانت مسؤوليات القوة المحافظة على الأمن في البادية وفي الحدود السعودية والعراقية والسورية كما كانت مسؤولياتها تشمل فلسطين أيضا وكان أثرها فعالا في قطع دابر التهريب رغم قلته آنذاك وكذلك قطع دابر المتسللين للعبث بأمننا الذين كانوا يتسللون إلينا من تلك البلدان المجاورة وبقيت كذلك هذه القوة حتى الخمسينيات من القرن الماضي عندما صدر قرار من حكومة الانتداب البريطاني بإلغاء قوة الحدود وتسليم مسؤوليات حفظ امن الحدود لقوات الجيش العربي التي كانت قد تطورت من الناحية التدريبية والمالية والعدد والعدة.
عمان الأمس كانت قرية كبيرة هادئة وأهلها كلهم يعرفون بعضهم بعضاً نظرا لقلة عدد السكان ولأن أكثر الذين كانوا يدخلون عمان لقضاء حاجاتهم كانوا يعودون إلى بلدانهم بعد أن يبيعون ناتج أراضيهم الزراعي في سوق عمان للخضار وبالمقابل يشترون ما يحتاجونه منها حين عودتهم على دوابهم إلى مناطقهم المجاورة ومن تلك المناطق السلط وجرش ومادبا والغور الجنوبي الذير تسكنه عشائر العدوان والبدو المجاورين ومنهم بني صخر وبني حسن والبلقاوية وبني حميدة والعجارمة وغيرهم أي أن عمان هي مدينة مبروكة, وكان في صويلح وجرش وناعور ووادي السير وهي قرى مجاورة لعمان عدداً لا بأس به من الشركس والشيشان الذين استقروا حول عمان نظرا لوجود الحياة الطبيعية فيها وهي تشبه إلى حد كبير مناخ بلادهم التي طردوا منها وكان منهم زعماء لهم مكانتهم في بلادهم مثل ميرزا باشا وابنه عباس باشا ميرزا الذي وصل إلى درجة وزير في الأردن وسعيد باشا المفتي وكذلك يونس اقصوي انسحب من حكم البقاع الغربي في لبنان بعد أن احتلته فرنسا وأقام في عمان واستلم في عهد الإمارة مسؤولية الأمن داخل عمان.
أيام زمان في عمان القديمة قلما كنت تسمع أن خلافا أو نزاعا وقع بين الجيران أو أن أيتاما أو أرامل ناموا جائعين أو أنهم لم يجدوا ما يلبسونه أو ما يستدفئون به لأن الخلق الإسلامي الرفيع بشكله الطبيعي كان موجودا عند كل سكان عمان ولم يكن بعمان القديمة أحد إلا من العشائر من أهل البلاد أو من المهاجرين الفارين بدينهم من ظلم المستعمرين وإنني أتمنى لو أن عمان الآن تعود إلى فطرتها الإسلامية والى شيمها العربية الأصيلة التي اشتهر بها العرب كرما وحسن جوار.
عندما أقارن بين عمان الأمس وعمان اليوم أي ما بين 1930م-2010م فإنني أقول بأن البساتين والكروم ومزارع الخضار كانت تغطي أراضيها إضافة إلى غيرها من المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير أو الصيفية كالحمص والعدس والفول والكرسنة وغيرها من علف المواشي والدواب وان جميع القرى الموجودة حول عمان الغربية مثل بيادر وادي السير وأم السماق وخلدا وتلاع العلي ومنطقة ناعور الشمالية والوحدات وأراضي العساف بين صويلح وعمان وشفا بدران وأراضي ماركا وطبربور وغيرها لم يكن بها بناء بل كلها كانت قد غطيت باللون الأخضر الذي يشمل جميع لوازم المعيشة للناس ولدوابهم.
أتذكر بأنه لم يكن في جبل عمان إلا بيت الحاج محمد صبري الطباع وقصر إسماعيل باشا البلبيسي ومنزل سمو الأمير شاكر بن زيد أما باقي أراضي جبل عمان فكان يشتمل على بساتين فواكه وأراضي للزراعة الحقلية ثم كان موقع موقف وسائل النقل والمواصلات في منطقة العبدلي أو طلوع جبل الحسين بعد وزارة المالية حاليا وأول طلوع جبل اللويبدة بعد وزارة المالية حاليا حيث كانت هذه المنطقة كلها أراضي زراعية حقلية أو ثمرية وكذلك جبل الحسين بكامله ومنطقة الشميساني ومنطقة جبل اللويبدة وكذلك المناطق التي تقع خارج عمان القديمة بين عمان ووادي السير وبين عمان وأبو علندا وأبو نصير وبين عمان وصويلح وبين عمان والرصيفة كلها كانت أراضي زراعية حقلية وشجرية لا توجد بها أي أبنية بمعنى الأبنية وإنما كانت بيوت من الحجر والطين ليس فيها غرف نوم مغلقة فالكل كانوا ينامون في غرفة واسعة تفصلها أقمشة كستائر بين النائمين من رجال ونساء حتى لم تكن بها وسائل لقضاء الحاجة بل أنهم كانوا آنذاك يخرجون إلى الفلا أو الخلاء.
ولم تكن فيها مياه ضمن الحنفيات كما هو الآن بل أنهم كانوا يشربون من النبع أو الآبار من السيول النقية المجاورة لهم وكانت مياه الشرب توضع في جرار من الفخار ولها غطاء محكم أما باقي المياه التي تستعمل فكانت توضع إما في "أجران حجرية" أو في صفائح من التنك التي كان ينقل فيها الكاز والبنزين من العراق إلى الأردن.
أنا الآن حزين وكل الأردنيين حزينون لأننا فقدنا أجمل ما كان لدينا من الأراضي الزراعية الخصبة لا سيما وأنها كانت تغنيهم عن استيراد الناتج الحقلي كالقمح والشعير والعدس والحمص والكرسنة (علف الدواب) بالإضافة إلى أنها كانت سببا في تلطيف الجو لما تنفثه من عوادم في أجواء عمان القديمة, وكذلك كان الغطاء الأخضر يعطي رائحة نقية في نفوس السكان فلم يكونوا يحتاجون إلى الذهاب إلى أوروبا أو أمريكا للاصطياف وإنفاق أموال البلد على أمور نخجل أن نذكرها, سيل عمان كان يسقي جميع الأراضي ما بين عمان والرصيفة والزرقاء ووادي جرش الخصب الغني بأشجاره وثماره الخضرية الواقع إلى الجنوب من جرش ويصب الآن في سد الملك طلال هذا السيل كان نعمة من الله سبحانه وتعالى على جميع أهل الأردن من عمان حتى الغور أي غور أبو عبيدة وما حوله وأنا الآن أتحسر على كل هذه المناظر الجميلة التي كانت تحيط بهذا السيل.
أنا أقول بان عمان القديمة الهادئة الوادعة الآمنة التي كان يسكنها أناس متحابون متآلفون نصرانيهم ومسلميهم يعطف بعضهم على بعض بحسن الجوار والألفة التي يرسخها ديننا الحنيف من لدن سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم إلى العهد الهاشمي الذي نسأل الله بأن يديمه لخير البلاد والعباد.
أيام زمان لم تكن المحاكم في عمان القديمة في أكثر الأحيان تتلقى قضية أو قضيتين في الشهر لان الخلافات كان يتم حلها وديا بعد إحالتها إلى الوجهاء المحترمين من سكان المدينة أو من قضاة العشائر حتى أن قضايا الدم بمعنى القتل أو قضايا العرض أو المشاجرات بين الناس كانت لا تحال للمحاكم في معظمها وإنما يقوم بحلها قضاة العشائر أو القضاة المعروفين في عمان وأتذكر من قضاة العشائر القاضي ابن زهير والقاضي الشيخ إبراهيم الراشد الحنيطي والقاضي الشيخ نزال العرموطي والشيخ محمد منور الحديد شيخ مشايخ الحديد والبلقاء والشيخ عضوب الزبن من كبار مشايخ بني صخر وفي عمان كان الحاج مصباح الزميلي (أبو درويش) وهو من كبار القضاة الذين كان يختاره الخصمان.
وان الخصوم كانوا يقبلون بقضاء القاضي العشائري دون استئناف أو رفض للحكم بينما اليوم مع الأسف لا يعرف الجار جاره بأي مناسبة وكثيرا ما تقطعت الأرحام بسبب انصراف الناس عن الخلق الإسلامي الكريم إلى الدنيا ومطامعها, أن معظم القضايا التي تنظرها المحاكم حاليا في عمان بل وفي غيرها من المدن الكبيرة تتلخص في النصب والاحتيال والتزوير وإنكار حقوق الناس بالرغم أن معظم هذه القضايا موثق بأوراق فيها اعتراف وقام الشهود بالتوقيع عليها ولكن مع الأسف إنكار الحق صار هو الصفة المميزة لأخلاق الناس في هذه الأيام إلا من رحم ربي وتحولت عمان الهادئة إلى مدينة تمتاز بإنكار الحقوق وأكلها وعدد لا بأس به من شهود الزور إلا من رحم ربي.
أنا حزين الآن على ظاهرة قطع الأرحام والانصراف عن صلة الأرحام وعن مساعدة الفقراء في العائلة الواحدة أو في الحي الواحد أو في العشيرة الواحدة أصبح ذلك ظاهرة عامة وأكثر ما تسمع عنه أو تراه في مجتمعنا الذي في معظمه فقد الأصالة الإسلامية والشهامة العربية وأنا لله وأنا إليه راجعون..

الحياة - عمر العرموطي - 2006

0 تعليقات::

إرسال تعليق