الأربعاء، 18 مايو 2011

إلى خادمة سريلانكيّة: في عيدها


أراكِ مطرقةً، ماذا يشغل بالكِ؟ عيدُ الأم هو عيدُك أنتِ، مرّ ولم يذكروكِ. قبحاً لهم، ما أوقحهم وما أقصر أنظارهم وأنظارهنّ. العيد لهم وحدهم (ووحدهنّ) وذلك بسبب عقد التفوّق الجيني التي تعتري أذهانهم وتنخر فيها سوساً. أنتِ واقفة على الشرفة وحدكِ، لماذا؟ هل أمروكِ بالعزلة القاتلة. لكِ أنتِ هذا العيد. أنتِ التي تركتِ عائلة وأولاداً ووطئتِ وطن الأرز والترّهات والترمس من أجل القوت. الخادمة السريلانكيّة في لبنان، ما أكبر معاناتكِ، وما أظلم قامعيك. لا بد أن يُحدث التناقض بين شعاراتهم وممارساتهم نوعاً من الاشمئزاز في نفسكِ. هل تتحرّقين ألماً عندما تستمعين إلى خطبِهم؟ هم يتحدثون في 14 آذار عن الحرية، وهم للحرية جاهلون ومعادون في الممارسة الحقيقية. لماذا تقتربين من حافة الشرفة؟ هل الأعماقُ تناديكِ؟ أخشى على مصيركِ وعلى مصير كلّ الخادمات الأجنبيات في لبنان.
كلّ أسبوع، نقرأ عن خادمة سريلانكية أو إثيوبية تلقي بنفسها من الشرفة. نقرأ عن خادمات يشنقن أنفسهن بالشراشف والحرامات أو بالحبال. يمرّ الخبر هكذا عرضاً ـ من دون استنكار أو مطالبة بتحقيق ـ وفي بعض الصحف، هو مادّة للتندّر والهزل والهزار، كما يقول المصريّون. ومجلس الأمن لا ينعقد من أجلك كما ينعقد من أجل من «يحسب أنّ ماله أخلده». لا طائرات خاصة لديكنّ لتبهرن بها صغار النفوس، ولتعرضنها على الأمين العام للجامعة العربية ولتيري رود لارسن. أنتن متواضعات لا وضيعات.
الخادمة السريلانكية في لبنان، ما أكبر معاناتك وما أثقل همومكِ. أتسمعين هؤلاء، في 8 وفي 14 آذار، يتحدثون عن أفضال ونواقص لون البشرة بعنصرية صارخة؟ الزعماء والمثقفون في 8 وفي 14 آذار يستسهلون القول: نحن لسنا الصومال أو نحن لسنا كينيا، وسمير فرنجية ـ وهو يسار 14 آذار على ما يقولون لنا ـ يفخر دائماً بلبنان عبر تمييزه عن «مجاهل» أفريقيا. هم (وهنّ) من سلالة أفريقية ـ آسيوية ولا يعلمون، وإن فعلوا المستحيل للتقرّب من الرجل الأبيض. هم يظنّون ويظنّن أنهم من العرق الأبيض، ولا يهوسهم أكثر من التملّق للرجل الأبيض، في السياسة وفي الاجتماعيات. هذا يفسّر لماذا يسمحون لسفير أميركا في لبنان بإصدار آراء عن المجلس النيابي وعن الدستور، ولا يعترض أي منهم، لا في هذا الفريق ولا ذاك. هم يعتقدون بأن اهتمام الرجل الأبيض بهم ـ وهو اهتمام استعماري كلاسيكي ـ دليل على رقيّهم لا العكس. هذا يفسّر لماذا سمحوا، في الفريقين، لتيري رود لارسن (مندوب إسرائيل والولايات المتحدة في الأمم المتحدة) بأن يناقش معهم مسائل تتعلّق بالقوانين الانتخابية وبتأليف اللوائح. لو كان أسود، لطردوه من بلادهم.
ماذا يدور في خلدك وأنتِ تستمعين إلى عنصريتهم الفاضحة والصريحة. يهينون الأعراق والفقراء والسود دون وجل أو خجل. هم لا يحاولون (أو يحاولن) إخفاء عنصريتهم ـ على العكس يبرزونها لظنّهم أنها ترفع من مقامهم الوضيع (أخلاقياً) ـ. أتلاحظين أنهم يتجنّبن (ويتجنّبون) ملامستكِ؟ طبعاً، هم يعتقدون بأنك مباحة لشهوات أبنائهم وآباهم الجنسيّة، يعتدون عليكِ دوريّاً، ويغضبون لردّك الأذى عنكِ. ألهذا نقرأ دورياً عن انتحار الخادمات السريلانكيات والإثيوبيات في لبنان؟ لو أُجريت تحقيقات في الانتحارات الدورية للخادمات السريلانكيات في لبنان، لتكشّفت الحقائق، ولظهر من يُظنّ أنه محترم في المجتمع مع أبنائه، كما هو: مغتصباً ومعتدياً ومتحرّشاً. ألم يستبيحوكِ. هم يستبيحونكِ، في وطن الشعارات الفارغة، لكن لمن تشتكين؟ لمن تحملين همومكِ؟ لدوائر الشرطة التي تشاطر المجتمع عنصريته وطبقيّته؟ لوزارة الداخلية التي تحوّلت إلى فرع لميليشيا عائلة ثريّة زرعها آل سعود في لبنان؟
انتحار
أنا لو أنسى لن أنسى سوشار روسكي. أوَتذكرينها؟ تلك الخادمة السريلانكية المسكينة التي ماتت شنقاً تحت أنظار الناس وأمام أعين الكاميرات. أوَتذكرين عندما استفاق سكان مدينة صيدا عليها وهي تتدلّى من الشرفة، بعد أن شنقت نفسها بشراشف؟ أوَتتساءلين لماذا شنقت نفسها؟ أوَتودّين لو يتسنّى لكِ مساءلتها؟ تدلّت من الشرفة لساعات، ولا من يلاحظ أو يكترث. لماذا تدلّت سوشار من الشرفة، ولماذا لا نسمع أبداً بتحقيقات. انتحرت في ساعات الصباح الأولى، ولا من حقّق في ما حدث لها في الليلة الأخيرة. في كلّ مرة، تأتي الشرطة وتفتي العائلة أن الضحية اشتاقت إلى عائلتها فانتحرت. ويُقفل المحضر، هذا إن كان قد فُتح. الشرطة تأتي هكذا من باب رفع العتب. السيد والسيدة اللبنانية ـ أوَتلاحظين كم يهتمون بالألقاب ـ يفعلان بكنّ ما يشاءان؟ الكل يقتني لنفسه لقباً حتى إنّكِ لا تجدين من يقبل بالمناداة من دون لقب. هم أسياد وسيّدات وبكوات وشيوخ وعقد تمشي على الأرض. يكرّرون للشرطة أنكِ مكتئبة بسبب الغربة. وتتدلّين من الشرفة، ولساعات من دون أن تكترث ضمائر. المجالس الملليّة للطوائف الثلاث الكبرى تجتمع شهريّاً وتتحدّث عن كل الموضوعات، حتى عن الخلاف الحدودي بين الإكوادور وكولومبيا، إلا أنها لا تتحدث عنكِ أنت. حتى الحزب الشيوعي لا يتحدث عنكِ أبداً في بياناته، لعلهم متأثّرون بتقسيمات كارل ماركس الطبقيّة، إذ إنه يرى أنك من «البروليتاريا الرثّة» (وقرأنا في أحدث سيرة لماركس، لفرنسيس وين، أن سجلّه لم يكن ناصعاً في التعامل مع خادمة منزل عائلته).
الخادمة السريلانكية في لبنان، ما أبشع مصيرك في الغربة القاتلة. كم أخطأتِ في المجيء إلى بلادنا. هذا وطن مهووس بإسعاد الرجل الأبيض، وأنتِ تحتلين الموقع السفلي في سلّم التراتبية الطبقية والعنصريّة في البلاد. هم يرفضون أن تجلسي إلى موائدهم. هؤلاء لم يسمعوا بتحرير العبيد. عبيداً وجواري، هم يقتنون عندما يأتون بخادمة أجنبية إلى منازلهم. والخادمة ضرورية من أجل تلقين الأولاد مبادئ العنصرية والطبقية والكراهية. أنتِ ضرورة للفكرة اللبنانية. أراك أنتِ وحدك غير عابئة بسجالات 8 و 14 آذار. كلهم سواء في العنصرية ضدكِ.
الإعلام الغائب
أتحلمين بالعودة؟ هل تتهاوى الأرض تحت أقدامكِ؟ ما الضير لو تركتِ أرضنا؟ لكن سعيك وراء القوت أتى بك إلى وطن المجاهرة بالعنصرية والطبقية. لو تسنّى لهم في لبنان، لما سنّوا قانوناً ضد الاستعباد. هم أرباب الاستعباد لأنهم يتصورون أنه يقرّبهم من الرجل الأبيض.
مقطبّة الحاجبين أراكِ في عيدك. هو عيدك أنتِ، التي قطعت البحار من أجل توفير الدعم المالي لعائلة في سريلانكا. أنتِ تستحقين عيديْن للأم، لا عيداً واحداً. أنتِ ترعين أولادك في سريلانكا، وترعين أيضاً أولاد عائلات الطبقة الوسطى والطبقة البورجوازية. ألا تمتعضين عندما تصرّ بعض العائلات على إلباسك لباساً خاصاً بالخادمات؟ هم في لبنان شاهدوا أفلاماً أجنبية عن زمن الاستعمار والعبيد وتأثّروا، فاعذريهم ـ أو لا تعذريهم أبداً. هم يشعرون أن مكانتهم الاجتماعية ترتفع إذا ما رآك الجيران في لباس خاص بكِ. هي محاولات لبنانية تقليدية لصعود سلّم التراتبية الطبقية والاجتماعية.
الخادمة السريلانكية في لبنان، كم غائبة عن الإعلام أنتِ. وحدها كارول منصور في فيلمها «صانعة / صناعة في لبنان» سعت لأن تحكي قصتك لجمهور لا يكترث. لو أن الفيلم كان عن السعي وراء «الواوا» أو عن مهرجان الجادنرية الذكوري لشاهدته الأمة بأسرها، ولحاز جوائز. (لكن خطاب الفيلم في نهايته أتى نافراً في توجهه إلى الجمهور الغربي، وكأن الغرب يكترث، وكأن الغرب سيأتي بالمدمرة كول لتحريرك). هم في الغرب لا يكترثون، ولديهم ما لديهم في غرب الشعارات والحرية من أمور القمع الطبقي والعرقي والاستعباد الجنسي. ونانسي السبع الماهرة أجرت تحقيقاً عن آرائكن السياسية أخيراً، وهي فعلت ذلك باحترام شديد. لكنّ الإعلام بالكاد يذكر انتحار الخادمات الأجنبيات في لبنان، ومنظمات حقوق الإنسان الغربية مشغولة بالصواريخ التي انهمرت على إسرائيل أثناء عدوانها على لبنان، والليبرالية في لبنان معذورة. فهي لا ترى من خروق حقوق الإنسان إلا اعتقال ميشيل كيلو. وللعنصرية ضد السوريين (الشعب) والفلسطينيين (الشعب) والشيعة في لبنان تاريخ يتعلق بتوفيرهم لخادمات في البيوت في فترة ما قبل الحرب. لا يفهم اللبنانيون كيف يتساوى معهم من كان يوفّر لهم خادمات في البيوت. هم من أشد المؤمنين (والمؤمنات) بسلّم من الهرمية العنصرية والطبقية الجامدة. هم لهذا يأمرونك بالوقوف عندما يتسكّعون في المقاهي. هم لهذا يأمرونك بالمسير خلفهم وهم يمشون الهوينا في شوارعهم. ألم يحذّروكِ من عنصرية هذا الوطن، في مكاتب الاستخدام في سريلانكا؟
ثم عندما تجمّع اللبنانيون واللبنانيات في تظاهرات الهمروجة الطائفية في ساحة التعبير الطائفي في بيروت، ألم يزعجك كلامهم عن الحرية؟ ألم تغضبِي لنفاقهم وهم يلهجون بحمد الحرية في النهار، ليعودوا إلى منازلهم لممارسة القهر والعنف ضدّك أنتِ؟ حتى داعيات النسوية في المجتمع الذي يظن نفسه راقياً، ألا تسمعين كلامهنّ عن الجندرة ثم يأتين إلى منازلهنّ ليبخوكنّ لأتفه الأسباب؟ ويتحدثن عن حقوق المرأة وهنّ يعنين حقوق المرأة البورجوازية فقط، مثلما تنحصر حركات حقوق المرأة في أميركا بالنساء المتعلمات من البيض.
عقدة التفوّق
المرأة السريلانكية في لبنان، أنتِ مستعبدة في لبنان. تأتين إلى بلد يخال نفسه متقدماً وهو متخلّف عن بلدك الأم. ماذا يدور في خلدك وأنت تستمعين إلى ترّهات سعيد عقل ومي المر (وهما عبّرا بوضوح عن غبطتهما عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982) عن نظريات التفوّق اللبناني وعن تاريخ مزعوم لحضارة فينيقية؟ وماذا لو تقرأين ما يكتبه نبيل بو منصف ـ خبير المحلّيات والعبقرية اللبنانية في آن ـ عن النبوغ اللبناني حول العالم؟ ألا تودّين لو تصرخين في وجوههم؟ ألا تودّين أن تسخري من مزاعمهم تلك؟ آه لو أُعطيتِ الأمان لقلتِ لهم إن هناك علماء وفنانين من سريلانكا، مثلما للبنان من يفخر به، ولبنان يفخر بالمجرمين والمحتالين والسارقين والنصابين إذا ما كانوا من أصل لبناني، لا بل إنهم يقحمون بغير اللبنانيين (إذا ما كان اسمهم يبدو لبنانياً مثل المخرج الأميركي من أصل لبناني، إيليا كازان الذي احتفلت به محطة «ال.بي.سي» فقط لأنها ظنت أنه من آل قازان) في شلة النبوغ اللبناني حول العالم؟ ألا تشعرين برغبة شديدة بإعلامهم أن مزاعمهم تنتمي إلى قرون الاستعمار وإلى عنصرية مبنيّة على نظريات تفوّق سلالات على أخرى؟
عيدك هذا العيد، يا المرأة السريلانكية في لبنان، وهم ينسون أنك امرأة. أنتِ بالنسبة إليهم مجرد خادمة، حتى إنهم باتوا يستعملون صفة الجنسية السريلانكية للتحقير كما يستعملون كلمة «كردي» للتحقير. هم في 8 وفي 14 آذار يعيّر بعضهم بعضاً بأن فلان هو «سريلانكي» عند «السوري» أو عند الولايات المتحدة. كيف انتهيتِ في عاصمة الجهار العنصري، يا ضيفتنا من سريلانكا؟ طبعاً، أخواتكِ في بلدان أخرى يتعرّضن أيضاً للمهانة وللتحقير، حتى إن دولة الفيلبين منعت سفر الخادمات الفيليبينيات إلى الأردن لعمق المعاناة وتراكمها. يا ضيفتنا من سريلانكا، لكِ أن تكرهي هذا الوطن بشدة، وألا ترجعي إليه أبداً. لكنه العوز، والعوز يتنافى مع الحرية. وإذا كان عليّ بن أبي طالب قد قال إن «الفقر في الوطن غربة»، فأنتِ تعانين غربة مزدوجة: في وطنكِ وفي مسخ الوطن هذا. أنت امرأة يا ضيفتنا من سريلانكا، وإن كانوا لا يتذكرون أنك امرأة إلا في الدقائق التي يعتدون فيها جنسياً عليكِ أو التي يغتصبكِ فيها صبية المنزل.
هم يستوردون الخادمات ليمارسوا السيادة على بشر من عنصر دوني في نظرهم. هي العقيدة اللبنانية التي يتناولها ويتداولها اللبنانيون أباً عن جد. يريدون خادمات ليشعروا بالتفوّق الطبقي (والعنصري)، وهم لهذا لا يسمحون لكِ بمخاطبتهم إلا بألقاب يستعيرونها من أفلام الرجل الأبيض. فهذا يظن أنه سيّد وتلك تظن أنها سيدة بحق، فقط لأنهم يدفعون لك مئة دولار في الشهر أو أقل. وهم لا يخجلن أو يخجلون من تحقيرك علناً، ولا من يلاحظ. إنه عُرفٌ، كما الطائفية هي عرف في بلد التبّولة. لكن عندما تحقّركِ سيدة وتصرخ وفي وجهك، أو عندما يضربك مستخدم، ألا تودّين لو تصرخين في وجوههم؟ لو أنكِ تقولين لهم: لقد رأيتكم للتوّ على شاشة التلفزيون تصيحون وتعظون عن الحرية وعن حقوق الإنسان، وها أنتم تبدون وتبدين على حقيقتكم وحقيقتكن، أعداءً للحرية التي لا تعرفون عنها إلا ما يعرفه بوش عنها في خطبه لتسويغ حروبه التي لا تنتهي. لو أنهم لا يستملكونكِ ولا يستولون عنوة على جواز سفرك لصحتِ في وجوههم في احتجاج على نفاقهم.
ثم تلك الصورة. تلك السيدة من الأشرفية، واحدة من مؤيّدات القوات اللبنانية، التي جرّت خادمة سريلانكية إلى ساحة الهمروجات الطائفية وحمّلتها أعلاماً وألواناً. تلك الصورة برزت على موقع «بي.بي.سي» وعلى مواقع حول العالم. السيدة تلك عادت وكرّرت فعلتها. ظنّت أنها ظريفة، أو أن صورتها وهي تجرّ خادمتها إلى حروبها الطائفية كانت تعبيراً عن خفة دمها. آه لو أن بوسعك أن تجرّي تلك السيدة بالذات إلى مظاهرة في سريلانكا لتريها قباحة فعلتها، وإن كانت لن ترعوي.
ثم، ما رأيك بهذا المديح الذاتي من نساء المجتمع الذي يصف نفسه بالمخملي وهو أخشن من أكياس الخيش، في لبنان على جمالهن؟ ألا تشمئزّي من هذا المديح الذاتي؟ أوَلا تتضايقين من مقاييسهم الجمالية التي تقدّس البشرة البيضاء، وهم وهنّ من سلالات أفريقية وآسيوية مختلطة، وتظن الواحدة (والواحد) أنها متحدرة من أسرة البوربون؟ هم لا يرونك جميلة ويصفونك بأبشع وأقذع العبارات، ولكنكِ أجمل من اللواتي يعتبرن مقاييس الجمال معتمدة على عدد عمليات التجميل وعلى كمية الطلاء على الوجوه وعلى القدرة على تقليد نساء الغرب من البيض اللواتي يحتللن شاشات أفلام الابتذال والسوقية. لا تصدّقيهم، هم أسرى لمقاييس ما تشرّبوه من المستعمر. انظري إلى المرآة، وتذكّري أنكِ لا تعانين عقدهم وظنونهم. هم لا يحتقرونك فقط، إذ إنهم يحتقرون، في من يحتقرون، أهل الخليج، بالرغم من تملّقهم وتدليسهم. لولا الدينار، لعاملوا أهل الخليج كما يعاملونك أنتِ، يا سيدة لبنان الحقيقية. هنّ يردن لو يظهرن مثل دمى «باربي»، وإن كانت تلك الدمى أكثر واقعية وطبيعيّة منهنّ. أنت لا تعانين عقدهم الوجودية وهذا التشكيك في الذات الذي لا ينتهي.
تتطلعين إلى الشاشة وتلاحظين أنك مختفية عن ثقافتها الشعبية. لا وجود لك، بالرغم من أعدادكنّ الهائلة بالنسبة إلى عدد سكان مسخ الوطن هذا، في كل برامجهم باستثناء ما يقال عنك سخرية ونكاتٍ. وهناك مطرب غير موهوب غنّى فيك أغنية سمجة. يهزأون ويسخرون ويظنّون أنهم متفوّقون. لا يدرون حقيقة صغر وطنهم، في الحجم وفي الدور. صدّقوا أكاذيب اخترعها لهم أمثال فؤاد إفرام البستاني وسعيد عقل ومي المرّ والاستشراق اليسوعي. قالوا لهم إنهم بناة حضارة عظيمة وهم لم يبنوا بالفعل إلا كراسي للحمام. يظنّون أن وطنهم وحده يحفل بأشجار الأرز مع أن عدد أشجار الأرز في المغرب يفوق عددها في لبنان. لم يسمع العالم بوطنهم إلا بسبب وحشية حروبهم الأهلية. الوحشية هي حقيقة الشهرة اللبنانية، لا غيرها. بلدهم مضرب المثل في ضراوة الحروب الأهلية ولا يزالون يخاطبون العالم بلغة أمين الجميّل العقيمة، هذا الذي في غمرة حربه الوحشية على شعبه، مدعوماً من إسرائيل، وعد العالم بأن «يدهشه». لم يُدهش العالم في حكمه إلا في الفساد وفي القمع وفي الاعتماد على الخارج، إسرائيل يوماً ثم سوريا يوماً آخر.
ما بالك تمشين مطأطأة الرأس في شوارع بيروت؟ ارفعي رأسكِ، أريدك أن تمشي مختالة رغم أنفهم. من حقكِ أن تحتقري احتقارهم لكِ. أنت السيدة، لا تلك اللواتي يزهين باقتناء المجوهرات والخادمات الأجنبيات. يتحدثن عن المبادئ وعن العصريّة، وهنّ (وهم) لا يجدن غضاضة في سجنكنّ، يا ضيوفنا السريلانكيات، في المطابخ وفي الحمامات. لولا العوز لخاطبتِ هؤلاء بما يستحقون ويستحققن من توبيخ. لولا العوز لتظاهرت الضيفات السريلانكيات في ساحة ما يسمى اعتباطاً «الحرية». لولا العوز لهتفت ضيفاتنا من سريلانكا مطالبات بتحريرهنّ من العبودية. لكن، لن أخدعكِ. لو تظاهرتنّ مطالبات بحقوقكنّ، لأطلقنا الرصاص عليكنّ من دون تردّد، ولتوحّدت المعارضة والموالاة ضدكنّ. في عيدكِ، لكِ أن تشتمي هذا الوطن وساكنيه، على أقلّ تقدير.

أسعد أبو خليل *‏* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com) الأخبار عدد السبت ٢٩ آذار ٢٠٠٨

0 تعليقات::

إرسال تعليق