الجمعة، 6 مايو 2011

«جنازة الغائب» لبن لادن... اليوم


لا علاقة قوية أو حميمة بين إسلاميي الشمال وبن لادن، والأسباب عديدة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو نتيجة كون المجموعات الأصولية في الشمال غير منظّمة، ورغم هذا «يغيب» زعيم القاعدة عن طرابلس... على الأقل في صلاتهم.

طرابلس | عندما أطل الرئيس الأميركي باراك أوباما، فجر الاثنين الماضي بتوقيت بيروت، ليعلن أن «المهمة أنجزت. قُتل أسامة بن لادن»، في مدينة أبوتا أباد الباكستانية على يد جنود فرقة كومندوس تابعة للقوات الأميركية، توجهت الأنظار لبنانياً، سياسياً وأمنياً وإعلامياً، فوراً إلى مدينة طرابلس، في محاولة لاستقراء رد فعل الحركات والقوى الإسلامية فيها على «استشهاد» زعيم تنظيم القاعدة، لكون عاصمة الشمال ذاع صيتها في السنوات الماضية بصفتها المعقل الأبرز للأصوليين في لبنان.

لا ينكر أحد أن طرابلس تُعدّ مركز الثقل الأبرز للحركات الإسلامية والأصوليات السنّية في لبنان، إذ شهدت في العقود الثلاثة الماضية حضوراً بارزاً لهذه التيارات في المدينة، ابتداءً بالجماعة الإسلامية وحركة التوحيد الإسلامي بجناحيها والتيار السلفي والأحباش، وصولاً إلى حزب التحرير وفتح الإسلام وغيرها، ما دفع البعض ذات يوم إلى إطلاق تسمية «قندهار لبنان» عليها.
صفة الأصولية، أو الإسلام المتشدد، التي ألصقت بطرابلس لم تأتِ من فراغٍ، إذ إن سيطرة حركة التوحيد الإسلامي لسنوات عديدة على المدينة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، والمحاولة التي لم يكتب لها النجاح لتنظيم فتح الإسلام بهدف إقامة إمارة إسلامية في الشمال عام 2007، وما رافق هاتين التجربتين من أحداث دموية لم تزل آثارها حاضرة حتى اليوم، كل ذلك جعل هذا الانطباع عن واقع طرابلس يترسخ، خصوصاً أنه ترافق مع تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والإنمائي على نحو كبير، ما جعل الفقر والتطرف فيها توأمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فضلاً عن تراجع حضور الأقليات غير السنية داخل نسيج المدينة، ودفع بعض قواها للنظر إليها في لحظة عابرة ـــــ انطلاقاً من اعتبارات سياسية ـــــ أنها «عاصمة اللبنانيين السُّنة!».



لكن هذا الانطباع الذي تكوّن عن طرابلس، وأسهم في تسليط الضوء عليها من هذا الجانب تحديداً، هو انطباع مخالف لما هي عليه، والمدينة متهمة بأكثر مما هي على حقيقتها.
ففي صفوف أغلب الإسلاميين في طرابلس، فضلاً عن الوسط السّني في الشمال بأكمله، يتضح أن ما يربطهم بالقاعدة ليس أكثر من أجواء تعاطف، وأن سقف هذا الارتباط لم يبتعد أكثر من ذلك، رغم أن بعض القوى (فتح الإسلام مثلاً) حاولت التقرب أكثر من غيرها من أفكار القاعدة، وقدمت بنحو مباشر أو غير مباشر «طلب انتساب» إلى التنظيم العالمي الذي يرأسه «الشيخ أسامة»، لكن الطلب «لم يُقبل» وتوقفت الأمور عند هذا الحد، ما جعل أي «ارتباط عضوي» بين القاعدة والإسلاميين في طرابلس والشمال، غير موجود عملياً.
هذا التباعد بين الحركات والجماعات والتيارات الإسلامية في طرابلس وبين تنظيم القاعدة، يعود إلى جملة عوامل، أوّلها أن الإسلاميين في طرابلس ليسوا أحزاباً أو تنظيمات سياسية بالمعنى الفعلي للكلمة، وهم لا يقومون عادة بالفعل بل يغرقون غالباً في ردود الفعل، التي تكون معظم الأحيان عاطفية وذات منطلقات طائفية بالمعنى السلبي. كذلك ليس عندهم «أجندات» سياسية يعتمدونها في نشاطاتهم.
ثاني عوامل التباعد بين إسلاميي طرابلس والقاعدة هو أن الإسلاميين لم يمارسوا العمل السياسي بمعناه التقليدي، وبالتالي فهم لم يدخلوا إلى الحلبة السياسية في لبنان، بل إن قوى وأحزاباً وتيارات سياسية علمانية هي من تدير اللعبة فيه، ما جعل أغلب القوى والحركات والجماعات الإسلامية السّنية إما يدور في فلك تيار المستقبل وحلفائه، وإما لا يخرج عن فلك حزب الله وسوريا، مع تسجيل مفارقة هي أن طرفي الإسلاميين في طرابلس يبدوان مرعوبين من احتمال سقوط النظام في سوريا ووصول الأصولية السّنية إلى الحكم في دمشق!
أما ثالث عوامل التباعد بين إسلاميي طرابلس والقاعدة، فهو أن أغلب الإسلاميين على اختلافهم يقفون ضمن الاصطفاف السياسي مع أحد طرفي النزاع في لبنان، 8 و14 آذار، وهذان الطرفان، لم يخفيا يوماً تعاطفهما وتأييدهما لمبدأ محاربة الإرهاب والتطرف، ولو عبّر كل طرف عن ذلك بأسلوبه الخاص وعلى طريقته، مع ملاحظة إجماعهم على أن تنظيم القاعدة هو «عدو» مشترك لهما، وهو تفاهم غير مباشر بين الطرفين أسهم، بل مثّل أكبر «كابح» لقيام حملة تعاطف وتأييد واسعة مع بن لادن في صفوف الإسلاميين في طرابلس ولبنان؛ لكن هذا التفاهم كان مقدراً له أن يتلاشى وتنعدم كوابحه لو كان هناك توتر مرتفع السقف بين تيار المستقبل وحزب الله، إذ إن تيار المستقبل ما كان ليتوانى في تلك الحالة عن استغلال قضية بن لادن ليضعها في صراعه مع حزب الله.
بناءً على ذلك، فإن عدم توافر الظروف لتوظيف قضية مقتل بن لادن على الساحة المحلية، يعني أن التعاطف معها سيبقى ضمن إطار ضيّق يتمحور حول جمهور يمثل أقلية في صفوف الإسلاميين، إذ يُنتظر أن يقتصر تحركهم على إقامة صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة، اليوم، عن «روحه الطاهرة» في بعض مساجد طرابلس، والدعاء له على أنه واحد من «شهداء الإسلام».

عبد الكافي الصمد  - الأخبار العدد ١٤٠٥ الجمعة ٦ نيسان ٢٠١١

0 تعليقات::

إرسال تعليق