الأحد، 1 مايو 2011

حروب أهل الضاحية الجنوبية

تبدو الضاحية الجنوبية عن قرب وكأنها تعيش حالة من التناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية ففي حين أن أعمال البناء والترميم لا تزال مستمرة لإزالة آثار حروب تموز 2006، والتي تنفذها شركة "وعد"، فإن الضاحية تعيش من جهة أخرى أجواء الاستعداد لحرب عسكرية جديدة مقبلة لا محالة وذلك للرد على نتائج حرب تموز. 

وبين حرب لم يتم الانتهاء من إزالة آثارها حتى اليوم، وحرب مقبلة قد تأتي في أي وقت من الأوقات، فإن الضاحية الجنوبية تشهد حراكاً وحيوية هائلة متعددة الاتجاه. فعلى الصعيد الاجتماعي هناك صراع بين الفوضى والتنظيم والرعاية. وفي الواقع الثقافي مؤشرات جديدة لم تكن حاضرة سابقا وخصوصا الاهتمام بالفنون التشكيلية والموسيقية المنطلقة من البعد الديني. وفي الجانب الترفيهي وبعد فورة المطاعم والمقاهي النوعية نُطل على أشكال جديدة من التسلية من خلال أندية البولينغ والبلياردو. أما على الصعيد الإسلامي فلا تزال ارتدادات رحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله تطل على الواقع السياسي والديني.

فكيف يعيش أهل الضاحية الجنوبية اليوم؟ وكيف يجمعون بين مباهج الحياة المتنوعة والهموم والمشاكل السياسية والأمنية والمعيشية؟ وماذا يفعل "حزب الله" لمعالجة الواقع الاجتماعي المتدهور؟ 

بين حرب لم تنته وحرب آتية

من يمر في شوارع الضاحية الجنوبية يلحظ بوضوح ورشة الإعمار المستمرة التي تتولى تنفيذها شركة "وعد" والتي نجحت حتى الآن بإنجاز إعادة بناء حوالي 80 % من الأبنية التي دمرت في حرب تموز 2006 وقد أعيد بناؤها بحلة جديدة وتم تنفيذ شعار "نعمرها أجمل مما كانت"، ويتوقع مدير شركة "وعد" المهندس حسن جشي أن يتم الانتهاء من إعادة إعمار الضاحية في العام 2011، ويؤكد أن الضاحية ستلبس آنذاك حلة جديدة على صعيد الشوارع والحدائق والتنظيم المدني، لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين من أبناء الضاحية وتتم مناقشته في ندوات وحوارات بحثية مغلقة" هل ستندلع الحرب الجديدة قبل الانتهاء من إعمار الضاحية؟". ليس هناك جواب حاسم في هذا المجال، لكن المطلّع على ما يجري خلف المشهد الإعماري للضاحية، يكتشف أن هناك استعدادات مستمرة للحرب الجديدة "الآتية لا محالة" حسبما يتحدث مختصون عسكريون ومسؤولون في "حزب الله"، لأن إسرائيل لا بد أن تنتقم من فشلها في حرب تموز 2006. لكن الحرب المقبلة إذا اندلعت لن تكون حربا تقليدية بل هي ستغير خريطة المنطقة كلها حسبما يعبر الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله في أكثر من خطاب له. 

مباهج الحياة

وفي انتظار الحرب الجديدة فإن أهل الضاحية الجنوبية لا يقضون أوقاتهم انتظارا أو قلقا أو خوفا، بل هم في بحث مستمر عن أشكال جديدة من مباهج الحياة والترفيه. فرغم كل المشاكل الاجتماعية وانقطاع الكهرباء وعدم توفير مياه الشرب، فإن موجة إقامة المطاعم والمقاهي وأماكن التسلية لا تزال مستمرة في العديد من المناطق وخصوصا في أوتستراد الشهيد هادي نصر الله، ومنطقة الكفاءات وعلى طريق المطار القديم والجديد، كما أن الأبنية الفخمة تزداد انتشارا في حارة حريك وحي الأميركان وشارع الجاموس ومنطقة بئر حسن حيث وصل سعر الشقة إلى أكثر من نصف مليون دولار أميركي. أما الجديد في مباهج الحياة فهو افتتاح نادٍ متخصص للبلياردو والبولينغ على طريق المطار الجديد تحت اسم "غولدن هول" والذي يجمع بين أناقة البناء وحداثة الألعاب والترفيه.

وفي موازاة ذلك فان الحفلات الموسيقية وعروض السينما مستمرة في قاعة "رسالات" قرب السفارة الكويتية والتي ترعى معظمها إما السفارة الإيرانية أو جمعية رسالات للفنون التشكيلية والسينمائية. والحدث الأهم الذي شهدته الضاحية كان الحفل الموسيقي الإنشادي في ذكرى ولادة الإمام المهدي (15 شعبان) والذي جمع الموسيقار نداء أبو مراد وفرقته مع مدير معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي في حفل خاص يجمع الموسيقى والأدعية وتلاوة القرآن في مشهد لم تألفه الضاحية الجنوبية منذ سنوات طويلة.

"حزب الله" والحرب الثقافية

وفي مواجهة المشكلات الاجتماعية والثقافية المتزايدة في الضاحية بسبب الفوضى وضعف حضور الدولة يخوض "حزب الله" حربا مستمرة لتعزيز "التنظيم المدني" ونشر القيم الاجتماعية والأسرية. فبعد الحملة التي أطلقها تحت عنوان "النظام العام من الإيمان" من أجل دعوة الناس للالتزام بالقوانين وعدم مخالفتها والتي لم تحقق نتائج فعلية حتى الآن، بدأ الحزب حملة تثقيفية جديدة تحت عنوان "أسرتي سعادتي" وهي الهادفة للدعوة لاحترام التقاليد الاجتماعية والعائلية، ويقوم الحزب بإنشاء جمعيات ومؤسسات عدة تعنى بدراسة الأوضاع الاجتماعية والتربوية من أجل مواجهة ظواهر الانحراف عند الشباب ومعالجة مشاكل الطلاق والابتعاد عن السلوك الاجتماعي الجيد. وقد تم تشكيل لجان عدة والقيام بأبحاث معمقة لفهم الأسباب التي تؤدي إلى الابتعاد عن الالتزام بالسلوكات الدينية رغم الالتزام بالقرارات الحزبية والسياسية.

لكن هذه الحملات المكثفة التي يقوم بها الحزب لحفظ النظام العام وحماية التقاليد والأعراف الاجتماعية لم تنجح حتى الآن في منع مظاهر الفوضى في الضاحية سواء على صعيد خرق قوانين السير أو البناء غير المرخص أو التظاهرات ضد تقنين الكهرباء أو المشاكل العائلية والخلافات بين العائلات وكثرة استعمال السلاح لفض الخلافات، ويبدو أن الضاحية تحتاج لهيئة طوارئ غير تقليدية لكي تستطيع مواجهة ما تعانيه من مشاكل وتلك مسؤولية تتعدى قدرة الأحزاب أو البلديات أو الهيئات الاجتماعية. إنها تتطلب حضور الدولة بشكل أقوى قبل كل شيء.

فضل الله الغائب الحاضر

وفي الوجه الآخر لواقع الضاحية الجنوبية فإن رحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله لا يزال يلقي بآثاره على الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي، فرغم مضي حوالي الشهرين على رحيله فإن حضوره لا يزال قويا. ففي مسجد الحسنين حيث كان يؤم المصلين، يزداد الزوار لضريحه لتلاوة الآيات القرآنية ومجالس العزاء، كما أن صوته لا يزال مرتفعا بين الصلاتين لقراءة الأدعية وتوجيه النصائح، إضافة إلى كلماته المؤثرة وصوره المنتشرة في شوارع الضاحية. ومع أن نجله السيد علي يواظب يوميا على إقامة الصلوات والأدعية في مسجد الحسنين وعلى استقبال المراجعات في منزله في حارة حريك، فإن حضور "السيد الأب" لا يزال طاغيا في كل تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية في الضاحية الجنوبية والناس تتذكره دائما في كل محطة من المحطات السياسية والاجتماعية، ومؤسساته المتنوعة تواصل عملها ومقلدوه لا يزالون يبحثون عن فتاواه وكتبه. 

وفي انتظار ما ستؤول إليه أوضاع الضاحية الجنوبية سلما أو حربا، تنظيما أو فوضى، معركة سياسية جديدة أو توافقا على معالجة الأزمات وترددات المحكمة الدولية، فان أبناء الضاحية يفتقدون دوما ذلك الصوت المتميز الداعي لحماية السلم الأهلي ومنع الاعتداء على الأملاك العامة والباحث دوما عن مساحة للحوار والتلاقي مع الآخر.

إلى أين؟

لكن إلى أين تسير الضاحية الجنوبية وأهلها اليوم؟ خلف الأمواج البشرية المنتشرة في شوارع الضاحية، ورغم ضجيج الأبنية المرتفعة مجددا، وفي موازاة الاحتفالات الشعبية الضخمة التي يقيمها "حزب الله" في مناسبات شتى، فإن هناك أسئلة عديدة تموج في أعماق أبناء الضاحية والسؤال الأهم: إلى أين؟ هل نحن مقبلون على حرب جديدة داخلية أو خارجية؟ أين سيذهب الناس إذا اندلعت الحرب؟ ما هي صورة الدمار التي ستتشكل وهل سيكون أقسى من دمار حرب 2006؟

إنه الصراع المستمر بين إرادة الحياة والخوف من المستقبل، إنها الضاحية الجنوبية المليئة بالتناقضات وصور الحياة المتنوعة، فمن يستطيع أن يفهم ماذا يجري هناك خلف الأبواب المرصودة أو مع ارتفاع دخان النراجيل المنتشرة في المقاهي والمطاعم وفي الأحياء؟

قاسم قصير – حارة حريك   - النهار - الاثنين 30 آب 2010 - السنة 78 - العدد 24148

0 تعليقات::

إرسال تعليق