الأربعاء، 11 مايو 2011

جنبلاط.. تثبيت لبنان على "حافة الهاوية" بدل انحداره إليها

لا شك أن ما فجّره رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط في موقفه المدوّي الأخير لصحيفة "الأنباء" الصادرة عن "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي أعلن فيه عدم قدرة "التقدمي" أو جبهة النضال في الاستمرار بتغطية الشلل الحاصل في الملف الحكومي من قبل ما يسمّى بـ"الأكثرية الجديدة"، قد شكّل محور النقاش السياسي والجدل والأخذ والرد في اليومين المنصرمين رغم التوضيح الشكلي الذي قدّمه جنبلاط في حديثين صحافيين في اليوم التالي لموقفه، والذي أكد فيهما بقاءه ضمن تحالفاته وأنه ليس بصدد أي تموضع سياسي جديد.


إذ إن المهمّ بل والأهمّ في موقف جنبلاط الأخير وما حصل بعده، لم يكن حول دلالته على تموضع سياسي جديد أو لا، ولا ما إذ كان ناجماً عن قراءة سياسية لـ "البيك" لما يجري من أوضاع في المنطقة والعالم، بل إن في الأمر ما هو أعمق من كل ذلك، وهو ما يشير في مكانٍ ما إلى أن جنبلاط قرّر أن يخرج من تلك "المعمعة العويصة" التي تتخبّط بها "الجبهة الوطنية العريضة"، التي تحدث عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي أراد رئيس المجلس بكلامه عنها تبريراً خجولاً لرغبة كامنة في نفسه للخروج من قوى 8 آذار، لم يُقدم بعد على الإعلان عنها، لا سيما وأن تلك القوى باتت بفعل بعض مكوّناتها أثقل من أن تسير كوحدة سياسية قادرة على إنتاج سلطة تدير البلاد في ظل ما يمزّقها من تباينات حول الرؤية الاقتصادية للبنان وحول الموقف السياسي من ملفات داخلية عديدة، إضافة إلى ما يعتريها من انعدام ثقةٍ فاق حدّ الاختلاف الذي "يتحجّج" به بعض أطيافها ويصفونه بـ"الطبيعي".

جنبلاط إذاً الذي ضاق اختناقاً بالوضعية المقفلة التي دخلت إليها البلاد بسبب "مسرحية جنونية" ـ وفق تعبيره في اجتماع حزبي ضيّق ـ ناجمة عن مطالب البعض الحكومية وعن تأخر البعض الآخر في الضغط على أصحاب المطالب، يدرك أنه يتحمّل أمام الرأي العام اللبناني مسؤولية أساسية في وقف النزيف الحاصل في المسار الحكومي، كونه كان العامل الأساس في قلب الأكثرية النيابية السابقة ونقلها إلى "الأكثرية الجديدة"، والجميع يعرف في قوى 14 آذار وفي قوى 8 آذار، أنه لولا وليد جنبلاط لما كان لقوى الأكثرية المستجدة حتى أن تحُلم بأن تولد. ولكل ذلك، فإن جنبلاط الذي لطالما خلق لنفسه مسوّغ وجود هامش معيّن له في أي تحالف أو موقع سياسي كان تحت مسمّيات واعتبارات مختلفة، يريد إيجاد هذا الهامش مجدداً في الموقع السياسي الحالي حيث هو اليوم، بما يمكّنه من التحرك ضمن خصوصية سياسية اكتسبها تاريخياً من خصوصية زعاماتية، هذا بعد أن ظنّ كثيرون في الفترة الأخيرة أن ما قام به إثر تسميته الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة أفقده تلك الميزة والخصوصية والهامش.

تبقى إذاً ميزة جنبلاط في المواقف والتكتيكات هي ما تحكم موقفه الأخير، دون أن تعني بأي حال من الأحوال تغيّراً في الثوابت التي لا شك أنه ماضٍ بها حتى النهاية. فعلاقته مع سوريا وبغضّ النظر عمّن يحكمها وعن شكل نظامها، ستبقى علاقة ثابتة راسخة تنبع من منطلقات التاريخ والجغرافيا والمقتضيات السياسية والعربية والبعد الحيوي، كما أن ثباته مع المقاومة لا يمكن أن يتبدّل، لا بسبب مصالح فئوية طائفية كما ينظّر البعض، بل لموجبات المواجهة مع إسرائيل التي تبقى كياناً مارقاً فوق أي قانون أو محاسبة دولية، وفالتاً على غاربه في الانتهاكات لسيادة لبنان وفي الممارسات العدوانية المتغطرسة.

في هذا السياق التحليلي لمواقف زعيم المختارة، تؤكد مصادر سياسية عليمة بحيثيات الحراك جنبلاط لـ "صدى البلد"، أنّه في خضم هذه الفترة العابقة بغبار الثورات والانتفاضات الشعبية وما يتفرّع عنها من فوضى وضبابية وعنف، وما يتذّرع بها من تدخلات أجنبية مختلفة الأهداف، وفي ضوء الفرز الحاصل في المنطقة على أساس مذهبي، وفي ظل عودة النعرات الطائفية الى أكثر من مكان، فإنه من الواجب أن ينطلق جنبلاط نحو موقف جديد يثبت السلم الأهلي في لبنان والاستقرار، خاصة أن تلك الموجبات هي عينها التي حكمت موقفه في تسمية ميقاتي.

وأضافت المصادر العليمة: "كان واضحًا أن جنبلاط وبعد أن راهن سابقاً على نجاح مبادرة س.س. لكي تنقذ لبنان ولكي تُعفيه هو من تجرّع الكأس المرّة في قلب الأكثرية، رغم أنه عاد وشربها في سبيل منع الفتنة في لبنان، يرى اليوم أن موجبات التـفاهم مع "س" السعودية، في ظل تفاهمه القائم والمتين مع "س" سوريا بعكس ما أشيع تلفيقاً عن خلاف جنبلاطي معها، هو الأمر المطلوب". وتابعت المصادر موضحةً: "منذ اليوم الأول لتسميته ميقاتي، اشترط جنبلاط قيام حكومة ميثاقية تحمل على عاتقها إنقاذ البلاد من الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغرق فيها دون كيدية أو انتقام أو تشفٍّ من الفريق الآخر، ودعا القوى التي تآلفت في تسمية ميقاتي إلى توفير كل مقوّمات النجاح للرئيس المكلّف وتسهيل مهمّته، خاصةً وأنه أتى بمواجهة مع فريق سياسي كبير في الطائفة السنّية، إلا أن تصرّف بعض قوى الأكثرية الجديدة كان معاكساً تمامًا لما حثّ عليه جنبلاط، وقد ظل هذا البعض عند تعنّته رغم مساعي جنبلاط وكثيرين، حتى بلغت الأمور ما وصلنا إليه اليوم من حدّ لم يعد مقبولاً على الإطلاق، ولم يعد واردًا تغطيته بأي شكل".

وختمت المصادر العليمة بموقف جنبلاط، قائلةً: "في هذا الوضع المدلهم في المنطقة، فإن زعيم التقدمي الاشتراكي يسعى جاهدًا لمنع اي استفزاز داخلي، عبر تثبيت موقعه الوسطي بعد أن شدّته التطورات في الفترة الأخيرة إلى فريق أكثر من آخر، وهو يسعى أيضًا لتعزيز موقع الرئيس ميقاتي ضمن بوتقة الوسطية هذه إلى جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ويخشى كثيراً من أن يشكّل أي مسٍّ من فريق الأكثرية الحالية بحقيبة الداخلية مع ما يعنيه ذلك من مسٍّ بجهاز المعلومات في قوى الأمن، حدثًا مشابهاً لـ 5 أيار وبشكل مقلوب، وبالتالي فهو يصرّ أكثر من قبل على ترسيخ الحالة الوسطية المحايدة ما بين فريقي الصراع في لبنان والمنطقة، لكي يضمن على الأقل بقاء لبنان على حافة الهاوية، لا انحداره إليها.

صالح حديفة (صدى البلد)، الأربعاء 11 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق