الأحد، 22 مايو 2011

طقوس الجنس المقدس عند السومريين

طقوس الجنس المقدس عند السومريين
الزواج المقدس أصله وتطوره

ظل يُقام الاحتفال بطقس الزواج المقدس وسط أجواء من الابتهاج والحبور في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم طوال ألفين من الأعوام تقريباً. ولا عجب(1)، فالفكرة الكامنة خلفه بسيطة وذات جاذبية ومقنعة جداً. فقد كان من واجبات الملك الباعثة على السرور أن يتزوج من إلهة الخصب والإنجاب، ذات الشهوة الطاغية والعواطف الهائجة، ألوهية الفتنة التي تتحكم بإنتاجية الأرض وخصوبة الرحم في الإنسان والحيوان، لكي يضمن لشعبه السعادة والرفاه والكثرة العددية (إذ لم يكن ثمة تخوف من «انفجار سكاني» في تلك الأيام الذهبية القديمة).

لكن القصائد البسيطة والجذابة والمقنعة لا تأتي جاهزة الصنع؛ وإنما هي نتاج أنتجه أناس وثقافات شعرت لسبب أو آخر بحاجة إلى اختراعها، ودافع إلى تطويرها، وقدرة على منحها صفة المؤسسة الدائمة. في حالة طقس الزواج المقدس، ليس يوجد غير قليل من الشك في أن المفكرين والكهان والشعراء السومريين، الذين عاشوا في أوائل الألفية الثالثة قبل الميلاد، بما توفر لديهم من إبداع وخيال ومنهجية، كانوا هم أول من تصوره وتخيله واعتبره عنصراً أساسياً في إيمانهم الديني وممارستهم الطقسية. فقد كان لديهم حاجة سيكولوجية ـ والثقافة السومرية تلبّي دافعاً شديداً إلى الثراء والتملك ـ منشؤها اعتماد الاقتصاد الرعوي والزراعي اعتماداً مطلقاً على خصوبة الأرض وكثرة عدد الحيوان.
يشيع في أدب السومريين، أساطيرهم وتراتيلهم، مراثيهم ومنازعاتهم، حب آسر للرفاه والترف، وللحقل الخصيب والرحم المنجبة. ففي أحد التآليف المعروف باسم «لعنة أجاد»، مثلاً، يروي لنا الشاعر كيف أن الإلهة إينانا لم تسمح لنفسها بالنوم لكي تسهر على أن تجعل من «أجاد» أعظم مدائن البلاد:

أن يُجمّع كلّ شيء في المخازن،
أن تكون مدينتهم موطناً راسخ الأركان،
أن يأكل أهلها «مأمون» الطعام،
أن يشرب أهلها «مأمون» الماء،
أن تُشيع «الرؤوس» المستحمة البهجة في الساحات،
أن يزين الناس مكان الأفراح..
في تلك الأيام امتلأت أجاد بالذهب،
بيوتها المضيئة المشعة امتلأت بالفضة،
إلى عنابرها جيء بالنحاس والصفيح وحجر اللازورد،
صوامعها انتفخت [؟] من كل جوانبها(2).
أو، لننظر إلى الجانب الآخر من الموضوع. هو ذا شاعر يصف وصفاً مؤلماً ما حلّ بسومر من خراب؛ إذ يجزم بأن ما حل بها قد جاء نتيجة لقرار عدائي اتخذه كبار الآلهة:
أن تُدمّر المدائن، وتدمر البيوت،
أن تدمر الاصطبلات، وتباد حظائر الغنم.
ألاّ تقف ثيرانها [سومر] بعد الآن في اصطبلاتها،
ألاّ ترتع أغنامها بعد الآن في حظائرها،
أن تجري أنهارها بماء مرّ،
أن تنبت حقولها المحروثة أعشاباً ضارة،
أن تنبت سهوبها نبات العويل،
ألا تُعني الأم بأولادها،
ألا يقول الأب «آه، يا زوجتي»،
ألا تبتهج الزوجة الشابة في حضن رجلها،
ألا يصبح الولد الصغير قوياً [على] ركبتيه،
ألا تشدو له المربية هديلته.
أن تنبت كل ضفاف دجلة والفرات نباتاً يورث المرض،
ألا يطأ أحد الطرقات، ولا يسعى أحد إلى الدروب،
أن تتحول مدائنها وقراها الوطيدة الأساس خراباً،
أن تسلم رؤوس أهلها إلى السلاح،
ألا تحرث حقولها، ولا تغرس بذرة في ثراها...
ألا تعطي حظائرها قشدة ولا جبناً، ولا تسمّد أرضها،
ألا يدور الراعي قصب «شوكور» في حظيرة الغنم المباركة.
ألا تدوي همهمة مخض اللبن في حظيرة الغنم،
أن يقل عدد الماشية الكبيرة والصغيرة في السهوب، وتأتي جميع المخلوقات الحية إلى نهايتها.
ألا تزرع المخلوقات من ذوات الأربع سماداً في تربة سوموجان..،
أن تنبت السباخ قصباً مريض الرأس، ويأتي إلى نهايته بالنتن،
ألا ينبت شيء في الكروم والبساتين، وأن تتلف جميعاً..،
هكذا قدّر آن وإنليل وننخر ساج(3).

وفي ترنيمة مرفوعة إلى انليل، كبير الآلهة السومرية، نجد هذا التسبيح المدوّي:
بدون إنليل، الجبل العظيم،
لا المدائن شيدت، ولا المقارّ أسست
لا الاصطبلات شيدت، ولا حظائر الغنم أقيمت،
ولا الأنهار مياهها العالية جلبت الفيض،
ولا البحر أعطانا مختاراً كنوره الوفيرة،
ولا سمك البحر وضع بيضه في الأحواض،
ولا طيور السماء نشرت أعشاشها على الأرض الرحيبة،
لا الغيوم المحملة الغيث في السماء فتحت أفواهها،
ولا الحقول والمروج امتلأت بالحبّ الكثير،
ولا الأعشاب والحشائش في السهوب نبتت،
ولا أشجار «الجبل» الكبيرة في البستان حملت ثمارها..،
ولا البقرة وضعت عجلها في الإصطبل،
ولا الغنمة ولدت حملها في الحظيرة،
ولا الجموع الغفيرة من بني البشر اضطجعت آمنة..،
ولا البهيمة من ذوات الأربع ولدتْ صغارها
ولا رغبت في التناسل.
وفيما يلي ما يقول الشاعر عن «كلمة» إنليل التي لا تتبدل:
تقارب السماء ـ فيكون الفيض،
من السماء ينزل الفيض إلى الأرض،
تُلامس الأرض ـ فتكون الوفرة،
من الأرض تصدر براعم الخصب،
حكمتك ـ هي الزرع، كلمتك هي الحبوب،
كلمتك ـ هي الماء الغامر، حياة جميع البلاد(4).
وعن إنكي، إله الماء والحكمة، الذي نظم العالم وفعاليته الثقافية، يروي أحد الشعراء:
عندما الأب إنكي جاس خلال الأرض المبذورة، طلع الزرع خصيباً،
عندما نوديمود قدم إلى نعجتي المنجبة، ولدت حملها،
عندما قدم إلى بقرتي «المبذورة»، وضعت عجلها المنتج،
عندما قدم إلى عنزتي المنجبة، وضعت جديها المنتج،
وأنت عندما تذهب إلى الحقل، إلى الحقل المحروث،
تكدّس أكواماً وتلألأ [من الحبوب] فوق السهوب العالية.
والإله نفسه يفتخر، على حد قول نفس الشاعر، بقوله:
«أنا الرب، مَن إذا أمر لا يسأل عن أمره، أنا الأول من بين جميع الأشياء،
بأمري، الاصطبلات شيدت، وحظائر الغنم سوّرت،
عندما قاربت الأرض، فاضت ينابيع،
وعندما قاربت مروجها الخضر،
تكدّست [الحبوب] أكواماً وتلالأ بكلمتي.
لكن إنكي لا يأتي بالمطر من السماء لإخصاب الأرض وحسب، وإنما هو يملأ الأنهار بالماء العذب الرقراق، بالمني من طاقته الجنسية، أو على نحو ما صاغه الشاعر بقوله:
عندما رفع الأب إنكي [عينه] على نهر الفرات،
وقف بخيلاء كالثور الهائج،
رفع قضيبه، وقذف المني،
فملأ دجلة بالماء الرقراق،
البقرة البرية تخور من أجل صغارها في المراعي، العقرب غزت الاصطبل،
استسلم له دجلة كما لثور هائج.
رفع قضيبه، ومعه هدية الزفاف،
جاء بالفرح إلى دجلة مثل ثور بري كبير عند الإخصاب.
الماء الذي جاء به ماء رقراق، «نبيذه» حلو المذاق،
الحبوب التي جاء بها، حبوبه الغنية، يأكلها الناس،
ملأ «إيكور»، بيت إنليل، بالمقتنيات،
بأنكي إنليل يبتهج، وتسرّ نيبور.
مع وفرة المياه، صار الآن بإمكان الحقول أن تعطي الجنى الوفير، وقطعان الماشية أن تنتج القشدة واللبن، وعلى هذا يمضي شاعرنا:
هو [إنكي] الذي يدير المحراث و«النير»،
الأمير الكبير إنكي يضع الثيران «القرناء» في الـ...،
يشق الأخاديد المباركة،
ينبت الحب في الحقل المحروث.
والشديد البنية، فلاح إنليل،
أنكيمدو، رجل القناة والسدّ،
إنكي عهد إليه برعاية كل ذلك.
جاء الرب إلى الحقل المحروث، وضع فيه الحبّ الكثير،
وكدّس الحب، الحب الكثير، الحب.. أكداساً،
إنكي كثر الأكوام والتلال [من الحبوب]،
والسيدة ذات الرأس والأطراف المنقطعة، ذات الوجه المطلي بالعسل،
السيدة، المكثرة، قوة الأرض، حياة الشباب.
أشنان، الخبز المغّي، خبز الجميع،
إنكي عهد إليها برعايته..
لقد بنى اصطبلات، وأمر بتنظيفها،
أقام حظائر الغنم، وأحلّ فيها أطيب السمن واللبن،
أدخل السرور إلى قاعات طعام الآلهة،
أشاع الازدهار في القفار الخاملة.
خادم إيانا الأمين، صديق آن،
الصهر المحبوب لـ«سن» الشجاع، زوج إينانا المقدسة،
السيدة، ملكة كل الناموس.
التي تأمر مرة بعد أخرى أن يتكاثر أهل كلاب،
دموزي، «أوشوم جال السماء»، الإلهي، صديق آن،
إنكي عهد إليهم برعاية كل ذلك(5).
أو، لنأخذ هذه الترنيمة الغنائية الغريبة الموجهة إلى ننورْتا، الذي وإن كان في الأصل متكفلاً بالريح الجنوبية العاصفة، إله الحرب الذي يدمر البلاد المتمردة، إلا أنه كان معروفاً أيضاً بوصفه «فلاح إنليل»:
المني الذي يهب الحياة، البذرة التي تهب الحياة،
ملك نطق باسمه إنليل،
المني الذي يهب الحياة، البذرة التي تهب الحياة،
ننورتا، الذي نطق باسمه إنليل،
يا مليكي، سوف انطق باسمك مرة بعد مرة،
ننورتا، أنا رجلك، رجلك،
سوف أنطق باسمك مرة بعد مرة،
يا مليكي، النعجة ولدت الحمل،
النعجة وضعت الحمل، النعجة ولدت الشاة الحسنة،
سوف أنطق باسمك مرة بعد مرة...
مادام ملكاً...،
في النهر يتدفق الماء العذب،
في الحقل ينبت الحب الوفير،
البحر يمتلئ بالشبّوط والسمك..،
وفي الدغل ينمو القصب القديم، والقصب الجديد،
والغابات تحفل بالأيائل والماعز البري،
وشجر «مشجور» ينبت في القفار،
والكروم تمتلئ بالعسل والنبيذ،
وفي البلاط تنبت «الحياة الطويلة»(6).
وبناء على قول أحد الشعراء، كان ثمة وقت عندما:
لم يكن هناك نعجة، ولا قُذف بحمل،
لم يكن هناك عنزة، ولا قُذف بجدي،
النعجة لم تلد حملين،
العنزة لم تلد ثلاثة أجدٍ...،
حبة الشش ذات الثلاثين يوماً لم تكن وجدت،
حبة الشش ذات الأربعين يوماً لم تكن وجدت،
الحبة الصغيرة، حبة الجبل، حبة المخلوقات الحية الطائرة لم تكن وجدت
وعندئذ، خلق الإلهان إنليل وإنكي شقيقتين هما «لاحار» و«أشنان» أولاهما إلهة حظائر الغنم، والثانية إلهة المحاصيل، وأرسلاهما إلى الأرض، حيث، يتابع شاعرنا:
لاحار واقفة في حظيرتها،
راعية تزيد نتاج حظيرتها هي.
أشنان واقفة بين المحاصيل،
عذراء لطيفة وجميلة هي.
الرزق الذي يأتي من السماء،
لاحار وأشنان كانتا من ورائه.
إلى المجمع جلبتا رزقاً،
وإلى البلاد جلبتا نسمة الحياة،
ناموس الآلهة توجهان،
ما ضمّت المخازن تكثّران،
المخازن تملآنها إلى التمام،
إلى بيت الفقراء الذي يعانقه الغبار
تدخلان وتجلبان الرزق،
كلتاهما، حيثما وقفتا،
جلبتا زيادة غزيرة إلى البيت،
المكان الذي فيه تقفان تشبعان، والمكان الذي فيه تجلسان تموّنان،
تدخلان السرور على قلب آن وإنليل (7).
وبحسب تأليف آخر يعمد إنليل، بعد أن قرر أن يطلع جميع أنواع الشجر والحب وأن يهب البلاد رزقاً ورخاء، إلى خلق أخوين هما: «إيمش» وهو الصيف، و«انتن» وهو الشتاء. ويعهد إلى كل منهما مهمته الخاصة به التي نفذها، على حد قول المؤلف، على النحو التالي:
انتن جعل النعجة تلد الحمل، المعزى تلد الجدي،
جعل البقرة والعجل يتكاثران، والقشدة واللبن يزيدان.
من القفار أدخل السرور على قلب الماعز البري والغنم البري والحمار البري،
طيور السماء جعلها تبني أعشاشها على الأرض الرحيبة،
سمك البحر جعله يضع بيضه في دغل القصب،
في غياض النخيل والكرمة جعل العسل والنبيذ وفيرين،
الأشجار، حيثما زرعت، جعلها تحمل ثماراً،
البساتين كساها بالأخضر، أخصب نباتاتها،
جعل الحب يتكاثر في الأخاديد،
مثل أشنان، العذراء اللطيفة، جعله يطلع قوياً.
إيمش أيضاً قام بمهمته خير قيام،
إيمش أوجد الأشجار والحقول، وسّع الاصطبلات والحظائر،
المزارع كثّر غلاّتها، كسا أرضها،
جعل المحصول الوفير يدخل البيوت، وملأ العنابر إلى تمامها،
جعل المدائن والمساكن تُشاد، والبيوت تبنى في البلاد،
والمعابد تطاول الجبل(8).
بمثل هذا الإلحاح على قيمة الثروة المادية، لا عجب أن يحمل إله الشمس، أوتو، أخته إينانا على الزواج من الراعي، لأن:
«قشدته طيبة، ولبنه طيب،
الراعي، أي شيء يلمسه، يصبح... ساطعاً،
قشدته الطيبة سوف يأكل معك».
لكن إينانا ترفض الراعي، وتؤثر عليه الفلاح، قائلة:
أنا، العذراء، الفلاح سوف أتزوج،
الفلاح الذي يزرع نباتاً كثيراً،
الفلاح الذي يزرع حباً كثيراً،
مما يستثير الراعي فيصيح غاضباً:
الفلاح، أكثر مما أنا، الفلاح أكثر مما أنا،
الفلاح، ماذا عنده أكثر مما أنا».
ثم يمضي في مقارنة منتجاته بمنتجات الفلاح، واحداً واحداً، يقارن النعاج السوداء والبيضاء بالطحين الأبيض، واللبن بالجعة (البيرة)، والجبن بالخبز، ويخلص إلى المباهاة بأن لديه من القشدة والجبنة ما يتيح للفلاح أن يعيش عليه إلى الأبد (9).
لكن، إن كانت الوثائق الأدبية التي بين أيدينا تظهر بوضوح اهتمام السومريين الشديد بالحقول المترعة بالحبوب، والبساتين الغنية بالخضرة، والزرائب والحظائر الممتلئة بالماشية، والمخازن العامرة باللبن والقشدة والجبن بمقادير كبير، فقد أظهرت لنا هذه الوثائق أيضاً أن السومريين، من الجانب الروحي، قد طوّروا ونظموا علماً كونياً (كوسمولوجيا) ولاهوتاً (اثيولوجيا) ينطوي على درجة عالية من الإيمان العقلي والأداء العاطفي العميق؛ مما جعل من ذلك العقيدة والدغماطيقا والأساسيتين لكثير من بلدان الشرق الأدنى القديم. من هذه الوثائق أمكننا أن نعلم أن السومريين كانوا يؤمنون بأن العالم قد خلقه ويدبّر شؤونه آلهة يعملون مجتمعين برئاسة أربعة من الآلهة الخالقة، هي آلهة السماء والأرض والهواء والبحر، أي الآلهة المتكفّلة بالعناصر الرئيسية الأربع التي يتألف منها الكون(10). هؤلاء الآلهة هم الذين رسموا تصميم كل شيء لازم للكون وأخرجوه إلى حيّز الوجود: من شمس وقمر، ونجوم وكواكب، ورياح وعواصف، وأنهار وجبال، وأودية وبوادٍ؛ وعهدوا إلى واحد أو آخر من أبنائهم مهمة تدبير شؤون كل منهما. وما أن ظهر الإنسان على الأرض حتى اضطر الآلهة إلى وضع تصاميم للمدائن والحكومات، وللسدود والأقنية للري، وللحقول والمزارع، وللحظائر والزرائب، ثم تنفيذها وإخراجها إلى حيّز الوجود، وإلى تعيين الآلهة ذات الكفاءة الخاصة من أجل الإشراف عليها(11).
غير أن ما يحتاج إليه الإنسان والحيوان أكثر من كل شيء آخر، ضماناً لتناسلهما وانتشارهما وتكاثرهما، هو الحب العاطفي والشهوة التي تؤول إلى الاتحاد الجنسي وتولّد المني المخصب في الرحم، وهو «ماء القلب»، وقد وضعت هذه العواطف الرقيقة واللذيذة في عهدة إلهة الحب ذات الجاذبية والإغواء، والنزعة الحسية الشهوانية، هي الإلهة إينانا، التي كانت عبادتها في إحدى كبريات المدائن السومرية، هي مدينة إيريك، منذ حوالي 3000ق.م، أو منذ أقدم من هذا التاريخ حتّى(12).
ولعلّه لم يمض زمن على هذا التاريخ حتى راح بعض الكهنة ورجال اللاهوت المفكرون وذوو المخيلة في مدينة إيريك يعتنقون فكرة تدخل الاطمئنان والبهجة على القلب، هي أن مليكهم قد أصبح عاشقاً وزوجاً للإلهة، إينانا؛ وبذلك يشاركها قوتها وقدرتها على الإخصاب التي لا تقدر بثمن، كما يشاركها خلودها. هذا مذهبنا في كيفية ظهور طقس الزواج المقدس الذي يضم دُموزي، الذي يعتقد أنه كان أحد حكام إيريك المرموقين، وإلهتها إينانا الشهوانية الشهية التي تحظى باحترام عميق.
وبالفعل، ثمة دلائل على أن طقس الزواج المقدس الذي يضم الإلهة إينانا كان طقساً شائعاً في مدينة إيريك قبل عدة أجيال من ظهور دموزي على المسرح، ففي قصة ملحمية تتعلق بحاكم إيريك، البطل انمركار، وصراعه مع حاكم أرتا، نعلم أنه واجه تحدياً أرسله إليه هذا الأخير بواسطة أحد رسله. كان فحوى الرسالة أن على انمركار أن يعترف بحاكم ارتا سيداً عليه، وأن الإلهة إينانا يجب أن يؤتى بها إلى ارتا.
وفيما يلي صياغة الشاعر لهذا التحدّي:
«ليخفض [انمركار] رأسه أمامي، وليحمل السلّة إليّ،
عندما يخفض رأسه أمامي، يخفض رأسه فعلاً أمامي،
عندئذ هو وأنا ـ
سوف يسكن مع إينانا قرب حائط،
أما أنا فسوف اضطجع مع إينانا في بيت حجر اللازورد في ارتا؛
وهو سوف يضطجع إلى جانبها على فراش مثمر،
أما أنا فسوف اضطجع في غفوة حلوة على سرير مزخرف؛
هو سوف يحدّق في إينانا في الحلم فقط،
أما أنا فسوف أتحدث مع إينانا [جالساً] عند قدميها، البيضاوين».

رغم أن كل كلمة من هذا المقطع ليست واضحة تماماً، إلا أنها تدل، بحسب مؤلف هذه القصيدة الملحمية، على أن زواج إينانا الطقوسي من حاكم إيريك ومن حاكم ارتا كان طقساً شائعاً على الأقل منذ أيام انمركار الذي كان حكمه، وفقاً للمأثور السومري، قبل جيلين من دموزي(13).
لكن انمركار لم يكن هو الاسم الذي اقترن باسم إينانا في طقس الزواج المقدس على مر القرون، بل دموزي(14)، المعروف لدى العالم الغربي باسم تموز، وهو صيغة اسم التي نجدها في سفر حزقيال (14:8). أما لماذا كان الاعتقاد بأن دموزي كان زوج إينانا فلم يزل أمراً غير معروف. خلافاً لسلفيه، انمركار ولوجال بندا، أو خلفه جلجامش الذي فاقه شهرة، لا توجد لدموزي قصة ملحمية بطولية يلعب دوراً فيها. بحسب أحد المأثورات، ولعله أقرب إلى الحقيقة التاريخية، لم يكن دموزي من أهالي مدينة إيريك، بل من مدينة «كودا»، الواقعة بالقرب من اريدو (من أقدس المدن السومرية في أقصى الجنوب من سومر(15). ومع ذلك يروي الشعراء السومريون أن إينانا هي التي اختارته خصيصاً من أجل «ألوهية البلاد»(16)، بناء على رغبة أبويها، أو بحسب تعبيرها هي:
«ألقيت عيني على جميع الناس،
دعوت دموزي [لكي يتقلد] ألوهية البلاد،
دموزي، المحبوب من إنليل،
الغالي أبداً عند أمي،
المحبوب أبداً من أبي»
ثم يمضي الشاعر في روايته فيذكر كيف استحمت إينانا بالماء ودلكت جسمها بالصابون وارتدت «طيلسان السلطة»، وحملت دموزي على الاستجابة لدعوتها، والبيت والحرم الممتلئين بالنشيد على الابتهاج معها. وقد ملأها مقدمُهُ حباً وغراماً فأنشأت أغنية تغنّت فيها بفرجها الذي شبهته بـ«قارب السماء»، وبالهلال الجديد، والأرض المراحة، والحقل العالي، والرابية، ثم تخلص مستعجبة:
أما من أجلي، من أجل فرجي،
من أجلي، الرابية المكوّمة عالياً،
لي، أن العذراء، فمن يحرثه لي؟
فرجي، الأرض المروية ـ من أجلي،
لي، أنا الملكة، من يضع الثور هناك؟»
فيأتيها الجواب:
«أيتها السيدة الجميلة، الملك سوف يحرثه لك، دموزي الملك، سوف يحرثه لك»
فتجيب جذلى:
«احرث فرجي، يا رجل قلبي!.
بعد أن تنظف حضنها القدسي، يتعاشران؛ ولا عجب بعد ذلك أن تشيع الخضرة في كل ما حولهما:
في حضن الملك وقف الأرز الطالع،
الزرع طلع عالياً بجانبه،
الحبوب طلعت عالية بجانبه،
والبساتين أزهرت خصباً بجانبه.
ولا عجب، كما تمضي القصيدة:
في بيت الحياة، بيت الملك،
زوجته سكنت معه في فرح،
في بيت الحياة، بيت الملك،
إينانا سكنت معه في فرح.
وما أن قرّت سعيدة في بيته حتى نطقت بالتماس وقطعت عهداً.
أما الالتماس فمن أجل القشدة واللبن والجبن من زوجها الراعي:
«اجعل اللبن أصفر من أجلي، يا عريسي، اجعل اللبن أصفر من أجلي،
يا عريسي، سوف أشرب اللبن الطازج معك،
أيها الثور البري، دموزي، اجعل اللبن أصفر من أجلي،
يا عريسي، سوف أشرب اللبن الطازج معك،
لبن الماعز، اجعله يدفق في حظيرة الغنم من أجلي،
مع.. جبن املأ ماخضتي المباركة....،
أيها الرب دموزي، سوف أشرب اللبن الطازج معك».
وأما العهد فأن تحافظ على «مخزنه»، أو كما تقول إينانا:
«يا زوجي، المخزن الكبير، الاصطبل المبارك،
أنا إينانا، سوف أحافظ عليه من أجلك،
سوف أحرس «بيت الحياة» الذي لك،
مكان العجائب المشع في البلاد،
البيت حيث قَدَرُ جميع البلاد يكتب،
حيث الناس و[جميع] الأشياء الحية يعملون بهديه،
أنا، إينانا، سوف أحافظ عليه من أجلك
سوف أحرس «بيت الحياة» الذي لك،
«بيت الحياة»، مخزن الحياة المديدة،
أنا، إينانا، سوف أحافظ عليه من أجلك»(17).
يعتقد أن مؤلف هذه الترتيلة الأسطورية ربما عاش في أيام الأسرة الثالثة التي حكمت مدينة أور، أي في حوالي 2000 ق.م، عندما خرجت المدارس السومرية رواة أساطير وشعراء قدّر لأعمالهم أن تدوم بشكل أو بآخر على مدى القرون التالي. ففي ذلك الوقت، أي بعد انقضاء حوالي ألف سنة على أيام دموزي، كان على ملك سومر، كائناً من كان، أن يصبح زوجاً لإينانا، أو نوعاً من دموزي مجسّداً؛(18) ونحن نملك على ذلك دليلاً بيناً. أما متى بدأ اعتناق هذه العقيدة المتعالية وممارسة هذا الطقس الصوفي، المليء بالوعد لكل من الملك والرعية، ومن كان أو حاكم سومري يحتفل بطقس الزواج المقدس ويعتبر نفسه دموزي متجسّداً، فلا سبيل لنا إلى معرفة ذلك في الوقت الحاضر، بالرغم من أننا لا نستبعد، على سبيل الافتراض، أن يكون قد حدث ذلك في وقت ما في حوالي 2500 ق.م، عندما أخذ السومريون يصبحون أكثر عقلية قومية. مهما يكن من أمر، فإننا لم نبدأ بالحصول على شيء من التفاصيل المتعلقة بطقس الزواج المقدس(19) إلا اعتباراً من شولجي، الحاكم الثاني من الأسرة الثالثة التي حكمت مديننة أور. وهكذا تبدأ «بركة شولجي»(20)، المنشورة حديثاً، برحلة الملك من عاصمته أور إلى إيريك مدينة إينانا. هناك أرسى قاربه على رصيف كلاّب، أقدم وأقدس مقاطعة في إيريك، وأفرغ حمولته المؤلفة من حيوانات القرابين، ثم تابع المسير إلى حيث إينانا، إلى إينانا. والشاعر يروي لنا ذلك بأسلوب سردي مباشر:
شولجي، الراعي الأمين، انطلق بالقارب،
أخذته روعة ناموس الملك، ناموس إمارة سومر وأكاد
على رصيف كلاّب أرسى قاربه،
ومعه ثيران برية ضخمة يقودها بذراعه،
ومعه غنم وماعز مقرونة إلى يده،
ومعه جداء مرقطة وجداء ملتحية مضمومة إلى صدره،
إلى إينانا في حرم إيانا قدم.
وما إن وصل إلى هناك حتى ارتدى شولجي طيلسانه الطقسي ووضع على رأسه جمة أشبه بتاج لكي ينال إعجاب الإلهة بمقدمه الذي يوحي بإعجاب فاندفعت عفواً في أغنية عاطفية:
«عندما أكون من أجل الثور البري، من أجل الرب، قد استحممت،
عندما أكون من أجل الراعي دموزي، قد استحممت،
عندما أكون بـ... عطفي قد زينت،
عندما أكون بالعنبر ثغري قد طليت،
عندما أكون بالكحل عيني قد صبغت،
عندما يكون براحتيه الواسعتين قد احتوى خاصرتي،
عندما يكون الرب دموزي، المضطجع إلى جانب إينانا المقدسة، الراعي دموزي، باللبن والقشدة قد مسّد الحضن،
عندما يكون على فرجي قد وضع يديه،
عندما يكون مثل قاربه الأسود قد...،
عندما يكون مثل قاربه الضيق قد جلب الحياة إليه،
عندما يكون على الفراش قد راح يلاطفني،
عندئذ ألاطف سيدي، قَدَراً حلواً أكتب من أجله،
ألاطف شولجي، الراعي الأمين، قدراً حلواً أكتب من أجله،
ألاطف خاصرتيه، رعاية جميع البلاد.
سوف أكتبها قدراً له.
وكان هذا، على حد قول شاعرنا، القدر المجيد الذي كتبه لعاشقها وزوجها الفاتن:
«في المعركة أنا قائدك، في الكفاح أنا عوْنك[؟]،
في المجمع أنا نصيرك[؟]،
على الطريق أنا حياتك.
أنت، الراعي المختار للبيت [؟] المقدس [؟]،
أنت، السادن لحرم آن العظيم،
في كل الأحوال أنت أهل:
لأن ترفع رأسك عالياً على المنصة العالية وأنت أهل،
لأن تجلس على عرش حجر اللازورد، أنت أهل،
لأن ترتدي الطيالس الطوال على جسدك، أنت أهل،
لأن تلفّ نفسك بطيلسان الملك، أنت أهل،
لأن تحمل الصولجان والسلاح، أنت أهل،
لأن تصوب القوس الطويلة والسهام، أنت أهل،
لأن تشدّ عصا الرماية والمقلاع إلى وسطك، أنت أهل،
للصولجان المقدس بيدك، أنت أهل،
للخفين المقدسين في قدميك، أنت أهل،
لأن تثب على صدري المقدس مثل عجل «حجر اللازورد» أنت أهل،
ليدم قلبك المحبوب أياماً طوالاً،
هكذا حدد آن قدرك، عسى ألا يبدّله،
إنليل صاحب القدر ـ عسى ألا يتغير؛
إينانا أنت تعزيز عليها، أنت المحبوب من ننجال»(21)
لم شولجي آخر ملك يحتفل بالزواج المقدس من إينانا مجسداًَ لدموزي؛ وإننا لنعلم ذلك من ترنيمة مرفوعة إلى الإلهة جاء في آخر مقطع منها وصف ضاف لما حدث فعلاً في أثناء حفلة الزواج: يقام أولاً سرير من خشب الأرز والأسل في القصر في ليلة رأس السنة الجديدة، تنشر عليه شراشف خصوصية جداً (22).
ثم تستحم الإلهة وتدلك جسمها بالصابون، يرش على الأرض زيت معطر، ويمضي الملك إلى السرير المقدس، حيث يتحدان في نعيم الجنس. أو كما يصف المشهد شاعرنا:
في القصر، البيت الذي يدير شؤون البلاد، بيت ملك جميع البلاد،
في قاعة الحكم، حيث يجتمع الناس ذوو الرؤوس السود،
أقام [الملك] منصة لـ«مليكة القصر» [إينانا]،
الملك، الإله، أقام معها في وسطها.
لكي أهتم بحياة جميع البلاد،
لكي أفحص عن كثب...،
لكي أنقذ تماماً الأحكام الإلهية في يوم «النوم»،
في يوم رأس السنة الجديدة، يوم المراسم،
أقاموا [الناس] مخدعاً من أجل «مليكتي».
يطهرونه بجرار مليئة بالأسل والأرز،
يقيمونه من أجل «مليكتي» كأسرتهم،
وعليه يمدون الشراشف،
شراشف تبهج القلب، تجعل الفراش عذباً.
«مليكتي، تستحم على الحضن المقدس،
تستحم على حضن الملك،
تستحم على حضن إدّين ـ داجان،
إينانا المقدسة تنظف بالصابون،
زيت الأرز العطر يرش على الأرض،
الملك يذهب رافع الرأس إلى الحضن القدسي،
يذهب ورأسه مرفوع إلى حضن إينانا،
أماوشوم جال انا ينام معها،
يلاطف حبّاً حضنها القدسي،
بعد أن استراحت الملكة طويلاً على الحضن القدسي،
تمتمت...
«يا إدين ـ داجان، أنت....».
ثم، وربما كان ذلك في يوم رأس السنة الجديدة، يجري إعداد وليمة حافلة في قاعة الاستقبال الكبيرة في القصر:
من أجل القرابين المقدسة، من أجل الطقوس الراسخة،
من أجل المذبح اللافح النار، من أجل مذبح [؟] السرو،
من أجل قرابين الخبز الوفير، من أجل المزهريات الواسعة الملأى،
يعانق زوجته الحبيبة،
يعانق إينانا المقدسة،
يسعى بها مثل ضوء النهار إلى العرش على المنصة الكبيرة،
احلّ [؟] نفسه إلى جانبها مثل الملك أوتو،
عرض أمامها الكثرة والفرحة والوفرة،
أعدّ لها وليمة فاخرة،
عرض أمامها ذوي الرؤوس السود، [قائلاً]:
«بالطبل الذي يعلو دويّه على العاصفة،
والقيثار ذي الصوت العذب، زينة القصر،
والمثلث* الذي يسكنّ نفس الإنسان،
أيها المغنون، لننشد الأناشيد التي تبهج القلب».
الملك مدّ يده إلى الطعام والشراب،
أما وشوم جال أنا مدّ يده إلى الطعام والشراب،
القصر في الأهازيج، الملك في الحبور،
قرب الناس الذين أشبعتهم الوفرة،
أما وشوم جال أنا يقف في حبور دائم،
لتدم أيامه على العرش المثمر.

الهوامش:

(1) الزواج المقدس: وهو موضوع هذه الرواية، هو زواج إينانا الإيريكية من دموزي، أو من حاكم متأخر أيضاً يعتقد أنه تجسيد لدموزي. كان هناك أيضاً طقوس "زواج مقدس" بين الآلهة أنفسهم، لا نعرف عنها إلا القليل. لتفصيل ذلك يرجع إلى J. Van Dijk. في:
Archiv Orientaini, vol, 17, 1949, pp. 333-339 333-339
(2) لترجمة هذا التأليف ولمراجعة تفصيلية، يرجع إلى ملحق ن. أ. ش. ق الذي يصدر قريباً.
(3) هذه هي الأبيات الافتتاحية من "البكاء على خراب سومر وأور"؛ من أجل ترجمة هذا التأليف ومن أجل مراجع تفصيلية، يرجع إلى ملحق ن. أ. ش. ق الذي يصدر قريباً.
(4) لترجمة ترتيلة إنليل هذه ولمراجع تفصيلية يرجع إلى ن. أ. ش. ق الذي يصدر قريباً.
(5) جميع هذه المقاطع مأخوذة من "إنكي ونظام العالم: تنظيم الأرض وسياقاتها الثقافية" يرجع إلى السومريون ص ص 171 – 183. يجري الآن إعداد طبعة منقحة من قبل كارلوس بنيتو هي جزء من إطروحة دكتوراه تقدم إلى قسم "الدراسات الشرقية" بجامعة بنسلفانيا.
(6) لترجمة هذه الترتيلة ولمراجع تفصيلية يرجع إلى ن. أ. ش. ق الذي يصدر قريباً.
(7) يشكل هذان المقطعان جزءا من "الصراع بين المواشي والحبوب"؛ يرجع من أجل هذا الموضوع إلى "السومريون" صص 220-222. وقد أعد م. سيفيل. من المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو طبعة تشتمل على النص والترجمة لهذه الخصومات السومرية، ومنها هذه الخصومة أيضاً، هي الآن في طريقها إلى المطبعة.
(8) هذا المقطع جزء من "الصراع بين الصيف والشتاء" يرجع من أجل هذا الموضوع إلى "السومريون" ص ص 218-220، والهامش المتقدم.
(9) هذا المقطع جزء من فصل "دموزي وأنكيمدو: التود إلى إينانا"؛ من أجل ترجمة هذا النص ومفصل بالمراجع، يرجع إلى ن أ ش ق ص ص 41 – 42.
(10) ربما كان الإله آن، إله السماء، يأتي على رأس الآلهة في مطلع الألفية الثالثة، وربما ظل حتى ذلك الحين الإله الوحيد الذي يرعى شؤون مدينة إيريك. وفي حوالي 2500 ق. م حل محله إنليل إله نيبور، وهو إله الهواء وتربع على عرش كبير الآلهة. وربما كان هذا نتيجة لصراع سياسي فقدت فيه مدينة إيريك تفوقها على المدائن السومرية المجاورة, أما إلأه الماء "إنكي"، وهو إله مدينة إريدو، فهناك ما يحملنا على الاعتقاد بأنه قد حاول الاستيلاء على مكانة إنليل وسلطانه في مجمع الآلهة (البانتنيون) فأخفق. يرجع إلى مقال لي بعنوان "إنكي وعقدة النقص"، وهو ورقة سوف تلقى أمام إحدى الجلسات القادمة التي يعقدها:
Rencontre Assyriologique internationale
(11) مثال واضح على الطريقة التي حصل بها هذا وفقاً للأفكار السطحية، إلى حد ما، التي كان يفكر بها حكماء سومر وشعراؤها يمدنا به فصل: "إنكي ونظام العالم: تنظيم الأرض وسياقاتها الثقافية" يرجع إلى الهامش 5. طبقاً لمؤلف هذا العمل، يقوم إنكي بمباركة عدد من الدويلات الهامة، ومنها سومر وعاصمتها أور، ثم يسمي الآلهة المكلفين برعاية أقنية دجلة والفرات، والسباخ والطيور والأسماك التي تسكن فيها، والبحر العميق، والمطر الذي يهب الحياة، والأقنية والسدود، والحقول المحروثة، وحتى الفأس وقالب القرميد.
(12) في ذلك الماضي البعيد، وعلى حد ما نستطيع استخلاصه من المعلومات الضئيلة المتوفرة لدينا، لم يكن مجمع الآلهة (البانتيون منظماً تنظيماً تاماً، كما آل إليه حالة فيما تلا من الأيام. كذلك لا نعرف كيف أصبحت إينانا إلهة تعبد في مدينة إيريك بصفة أعلى آلهتها. لم يكن هناك شك في أن إله السماء، آن، كان هو الإله الأعلى في مدينة إيريك. فمعبده الشهير باسم "إيانا" معناه حرفياً "بيت آن". غير أن إينانا، بطريقة أو بأخرى، كما يمكننا أن نفترض استناداً إلى الوثائق السومرية التي كانت شائعة في حوالي 200 ق. م، حلت محل آن بالتدريج، وقد كانت قبل ذلك تدعى "بغي الإله آن المقدسة"، واتخذت لنفسها مكان الصدارة في مدينته معبده (يرجع إلى الهامش 25 و 26 من مقال لي بعنوان "إنكي وعقدة النقص"، وإلى الورقة المشار إليها في الهامش رقم 10).
في أثناء تنظيم الآلهة الذي بدأ حوالي 2500 ق. م، أصبحت إينانا، بالإضافة إلى كونها إلاهة الحب، أصبحت إلاهة للحرب (يرجع على سبيل المثال إلى: "صلاة إلى انخدوانا: عبادة إينانا في أور" الذي يصدر قريباً في ملحق ن ش أ ق)، كما أصبحت إلاهة كوكب الزهرة (فينوس) (يرجع إلى ترتيلة الزواج المقدس المرفوعة إلى الإلاهة، المنشورة في الفصل الرابع من كتاب و. هـ. رومر:
Sumerische Konigs der Isin Zeit. Leyden. 1965).
وكان ينظر إليها، كما ينظر إلى هذه الأخيرة، باعتبارها ابنة لإله القمر، نانا- سن، من زوجته ننجال، وأختاً لإله الشمس أوتو، الذي كان ابناً لنانا –سن (يرجع إلى كتابي:
Sumerian Mythology
طبعة منقحة، نيويورك، 1961، ص ص 74 – 75).
(13) جاءتنا هذه المعلومات التاريخية من قائمة الملوك السومريون (يرجع إلى "السومريون" ص ص 328 – 331)، وهي خليط من خيال وحقيقة، خصوصاً فيما يتعلق بحكم الأسر الأولى، كالأسرة الإيريكية الأولى التي ينسب إليها انمركار ودموزي. وهذا كل ما يجب علينا أن نذكره في الوقت الحاضر. كذلك من القصة الملحمية "انمركار وإنسوكوش وسيرانا"، وهي القصيدة التي وري فيها الفصل المتعلق بالزواج المقدس (من أجل فكرة عن مضمونها يرجع إلى كتابي:
History Begins At Sumer
نيويورك، 1952، ص ص 204 – 207، تقوم الآن أديل فايكن باوم بإعداد طبعة شاملة للنص وتقديمها أطروحة دكتوراه إلى قسم الجامعات الشرقية بجامعة بنسلفانيا)، والتي مكن القول أنها تحوي نواة من الحقيقة، لأنها دونت بعد قرون من الأحداث المتعلقة بها (من أجل المشكلات التي انطوت عليها، يرجع إلى "السومريون" ص ص 33 – 39).
(14) اسم دومزوي معناه حرفياً "الابن الحقيقي"، لكن مضامين هذه التسمية غير معروفة. في الحقبة الأولى، كثيراً ما كان يدعى دموزي – ابزو، أي "دموزي البحر" (ابزو البحر إشارة إلى إله الماء "إنكي") لذلك، لا يستبعد أن يكون هذا الاسم قد سماه به رجال اللاهوت السومريون بعد أن أضيفت عليه صفة الألوهة، ولسبب نجهله صار يعرف بأنه "ابن إنكي حقاً". من أجل نظرة عامة وموثوقة عن المراجع المتعلقة بدموزي في النصوص اللغوية والقتصادية والتاريخية منذ أقدم الأزمنة حتى أيام حمورابي، يرجع إلى آدم فالكتنشتاين في:
Compte rendu de la t r oisieme rencintre assyrioiogique internationate, 1954, pp. 41 – 65.
(الغلط الوحيد الذي وقع فيه حسبانه دموزي – ابزو ألوهية تختلف عن دموزي الإيريكي).
(15) يبدو أن مدينتي إيريك وأريدو كانتا على تحالف وثيق فيما بينهما يرجع إلى أيام حكم انمركار (يرجع إلى مقدمة كتابي:
Enmerkar and the lord of aratta: A Sumerian epic tale of Iraq and Iran, Philadelphia, 1952)
حيث يتضح الارتباط الوثيق بين مدينتي إريك وأريدو من العلاقة الطيبة بين ألوهيتي المدينتين: إنكي وإينانا,. يرجع إلى "انتقال فنون الحضارة من اريدو إلى إيريك (الميثولوجيا السومرية، ص ص 64-68)؛ نزول إينانا إلى العالم السفلي (يرجع إلى الفصل 6)؛ "أنكي ونظام العالم" (يرجع إلى السومريون ص ص 174 – 183). أخيراً، ثمة حقيقة غريبة نوعاً، كما لاحظنا في هذا الفصل، وهي أن دموزي، حاكم إيريك، كان في الأصل، طبقاً لإحدى الروايات التريخية، مواطناً من مدينة كووا، في جوار إريدو.
(16) غير أنه حقيق بنا أن نلاحظ أن أنكي، طبقاً للمقطع الذي استشهدنا به من "إنكي ونظام العالم"، هو الذي عين دموزي إلهاً – راعياً، فالأسطوريون السومريون، كما سوف نلاحظ ذلك مراراً في هذا الكتاب، لم يكونوا دائماً على وفاق في رواياتهم عن الآلهة.
(17) جميع هذه المقاطع مأخوذة من:
Dumuzi and Inanna: prosperity in the palace;
يرجع إلى م. ج. ف. مجلد 107، ص ص 507 – 508، وإلى ملحق ن ش أ ق الذي يصدر قريباً.
(18) يلاحظ أن هذا يشبه إلى حد ما الاعتقاد المصري بأن فرعون كان أوزوريس متجسداً، رغم أن هذه العقيدة لم تكن سائدة في جميع أنحاء سومر.
(19) يوجد على الأقل نص تاريخي واحد يشير إلى زواج بين إينانا وأحد ملوك سومر عاش قبل عدة قرون من شولجي. يقال أن إيانا – توم اللجاشي، بعد أن قهر اعداءه في الداخل والخارج قد أقطعته إينانا ملكية كش وولاية لجاش، "لأنها أحبته"، ولا يستبعد أن يكون ذلك إشارة خفية إلى زواج طقسي بين الإلاهة وإيانا – توم (يرجع إلى "السومر يون" ص 310).
(20) يرجع إلى ص ص 307 – 380 من مجلد السنوية الخامسة والسبعين من:
Jewish quarterly review (1967)
(21) ثم تمضي القصيدة فتصف رحلة شولجي إلى حرمين آخرين في سومر وعودته المظفرة إلى أور؛ حيث تباركه ألوهيته الحارسة نانا – سن.
(22) خياطة هذا الدثار هي الموضوع الرئيسي في أول غنائية حب شبه مسرحية سوف نعالجها في الفصل القادم.

* اقترحنا «المثلث» ترجمة للآلة الوترية التي ترد في المراجع الإنكليزية تحت تسمية Harp، تمييزاً له من الـ Lyre الذي اصطلحنا له كلمة: قيثار. المترجم
وفي ترنيمة مرفوعة إلى إنليل، كبير الآلهة السومرية، نجد هذا التسبيح المدوّي:

2006-04-26 - إينانا ودوموزي - س. كريمر - ترجمة: نهاد خياطة / ألف.

0 تعليقات::

إرسال تعليق