الاثنين، 23 مايو 2011

المعنيون... لهم ذِكرٌ وإن غابوا

فخر الدين... عن أمير طبع الإمارة المعنيّة بمجدٍ تاريخي
كان مصيرهم مدرسة في التضحية ومــع أنها عائلة انقطعت سلالتها إلا أن ماضيها المشرق يدفعنا إلى إحياء ذكر لها لما فيها من أصالة العائلات اللبنانية وارتباطها بالأرض والذود عنها إنهم.... المعنيون.

بعد قدوم الأسرة المعنية إلى لبنان بنت بلدة بعقلين الشوفية التي كانت مقرا لها إبان حكمها للجبل الذي شهد على أمجاد الإمارة التي أسسها المعنيون فكان لهم دور أساسي في تاريخ لبنان، ومع العلم أنهم عائلة انقرضت ولــم يبق منها من يحيي النسل والسلف إلا أنها تركت بصمات كثيرة بقيت في الــذاكــرة اللبنانية وتــاريــخ حــافــل بمواقف المعنيين وأمرائهم ولا سيما الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير.
ينتسب المعنيون إلى الأمير معن بن ربيعة المتسلسل مــن العرب العدنانيين، سكنوا بادئ الأمر الجزيرة الفراتية، ثــم ارتحلوا إلى الديار الحلبية، وشاركوا في محاربة الصليبيين سنة 1119 ثم انتقلوا إلى الشوف سنة 1120 حيث توطدت علاقتهم بالتنوخيين وباقي الأسر في الجبل. وأما الجد الأول الذي ينتمي إليه المعنيون، الأمير معن الأيوبي، فبحسب المؤرخ فيليب حتي "ليس له في جداول الأنساب العربية نسب أكيد، وأول مرة نلتقي به في التاريخ سنة 1120 لما أمره طغتكين صاحب دمشق أن يقدم بعشيرته إلى البقاع ومنه إلى جبال لبنان المشرفة على الساحل فينزلها ويتخذها حصنا يطلق الغارة منه على الإفرنج في الــســاحــل، وفــي الــشــوف الـــذي كان قفرا من السكان تخلى المعنيون عن حياتهم الرحلية ونزلوا في صحراﺀ بعقلين وجعلوها مقرا لهم واعتنقوا الدرزية دين الأكثرية من رعيتهم". حلت الإمارة المعنية محل الإمارة التنوخية وبلغت هذه الإمارة ذروتها في عهد فخر الدين الثاني إلا أنها تأسست مع الأمير فخر الدين الأول الذي توفي سنة 1544 الذي تعامل بــطــريــقــة خــاصــة مــع قـــدوم الــدولــة العثمانية والتي بعد انتصارها على المماليك في معركة مرج دابق سنة 1516 قام وفد من الأمراء اللبنانيين بتهنئة الــســلــطــان سليم، وتكلم باسمهم الأمير فخر الدين الأول ونظرا لفصاحته خلع عليه السلطان العثماني لقب "سلطان البر" وإثر مبايعته هذه تسلم حكم الإمارة وتميز حكمه بالعدل والنظام وكان له الفضل بوضع ركائز أساسية في حكمه قائمة على توحيد اللبنانيين وصاهر التنوخيين واتخذ من دير القمر مقرا له.
خلف الأمير قرقماز والده في الحكم وقوي نفوذه ما جعل أخصامه يتآمرون للقضاﺀ عليه فدبروا له حادثة جون عكار، إذ سطا لصوص على قافلة تنقل الضرائب عند جون عكار فقتلوا الجنود ونهبوا الأموال، واتهم آل سيفا وآل الفريخ الأمير قرقماز بإيواء اللصوص، وبطلب من العثمانيين هاجم والي مصر لبنان عن طريق الساحل والبقاع وعامل السكان معاملة قاسية، فلجآ الأمير إلى مغارة شقيف تيرون في جزين وتــوفــي فيها ووردت أكثر من رواية حول موت الأمير والأقرب للحقيقة ما قيل بأنه مات مختنقا لأن الأتراك أوقدوا حطبا اخضر على باب المغارة. ومع دخول قوات إبراهيم باشا إلى الجبل وتنكيلها بالأهالي ونهبها البلاد، خافت زوجة الأمير قرقماز السيدة "نسب" التنوخية على ولديها فخر الدين ويونس وطلبت من الحاج كيوان الماروني حمايتهم فخبأهما في بلدة بلونة في كسروان عند إبراهيم بن سركيس وأخيه رباح الخازن.
ولد في بعقلين في 6 آب 1572 أمضى ست سنوات مختبئا مع أخيه فــي بلونة بعد مقتل والـــده الأمير قــرقــمــاز، ثــم عــاش مــع خــالــه إلى أن استلم الحكم سنة 1590 واستأثرت شخصية الأمير الــشــاب باهتمام المؤرخين ويصفه الانكليزي سانديز بعد زيارته لبنان سنة 1610 بأنه "قصير القامة، لكنه عملاق في شجاعته، عمره أربعون سنة، ذو دهاﺀ كالثعلب، وفيه ميل أن يكون طاغية، لم يكن البادئ قط في حــرب، ولا قام بعمل يؤثر إلا بعد استشارة أمه الست نسب ورضاها" وبعد تسلمه الحكم قام بتقوية الإمارة وتوسيع حدودها وحاول جمع شمل الحزب القيسي وصاهر الأرسلانيين وآل سيفا وجمع حوله مستشارين من مختلف الطوائف وبدا مشوار الاستقلال بالقضاﺀ على خصومه وفي مقدمهم آل سيفا وآل الفريخ وتم له ذلك وهو المنسوب إليه بيت الشعر المتوجه به لآل سيفا "نحنا صغار بعيون الأعادي كبار، إنتو خشب حور ونحنا للخشب منشار، وبحياة طيبة وزمزم والنبي المختار، ما بعمر الدار إلا من حجر عكار". وعمد إلى التحالف مع علي باشا جانبولاد للقضاﺀ على يوسف سيفا ولكن هذا الأخير هزم ما جعل الأمير يفتش عن مصدر دعم جديد فتوجهت أنظاره إلى أوروبا.
صونا للبلاد ومنعا لنشوب الحرب قرر الأمير في مؤتمر الدامور سنة 1613 الذي دعا إليه أعيان البلاد أن يغادر إلى توسكانة وترك الحكم بيد أخيه الأمير يونس وابنه علي ورافقه فــي ســفــره من مرفأ صيدا زوجته خاصكية وكانت الحاشية المرافقة تتألف من خمسين رجلا، واستقبل الأمير في مرفأ ليفورنو بحفاوة ورحب به الغراندق قوزما الثاني الذي انزله فــي أجمل قصور آل مديتشي في بيزا وأنفق عليه من مال الدولة، وزار صقلية سنة 1615 حيث رتب زيارة سرية إلى لبنان وعاد حتى استطاعت والدته القديرة أن تنال له عفوا ودعته للعودة قبل مماتها، ورغم رفض دوق توسكانة ومحاولة منعه من العودة خوفا عليه أصر الأمير على ذلك ووصل إلى عكا في أيلول 1618 حيث قبل كل الهدايا إلا تلك التي أرسلها آل سيفا.
إنه لقب الجد الأول عاد ليأخذه الحفيد الأمير الذي أبدى شجاعة نادرة وحنكة عسكرية في معركة مجدل عنجر التي انتصر فيها على والي الشام وأسره فيها ولكن الأمير عامله معاملة حسنة فأطلق سراحه وأعاد إليه جميع أسلابه فانعم عليه الوالي بغزة وصفد إضافة إلى البقاع، ومنحه السلطان العثماني صيف 1624 لقب سلطان البر وولاه من حلب حتى القدس فكانت له إمارة واسعة أحسن إدارتها وتدعيم ركائزها، وسنة 1632 حول بيروت إلى عاصمة ثانية وبنى فيها القصور والأبراج...
لكن أعداء الأمير كانوا كثرا وعلى رأسهم والي الشام المعروف بالكجك وساقوا له العديد من التهم أقنعت السلطان مــراد الرابع وكــان المصير القاسي الذي سيواجهه فخر الدين.
إذ أمر السلطان بإعداد حملة بقيادة الكجك للقضاﺀ عليه ودارت العديد من المعارك قتل في إحداها ابنه علي في حاصبيا ولجأ الأمير إلى مغارة في جزين اهتدى إليها الكجك حيث أسره مع ثلاثة من أبنائه وساقهم للأستانة في 10 شباط 1635 حيث نال عفو السلطان لكن العفو لم يطول فعاد السلطان ليقتنع بالمكائد المساقة ضد الأمير وقتله في 13 نيسان 1635 مع أولاده باستثناﺀ الصغير حسين الذي تقدم في الرتب حتى منصب سفير في الهند.
بعد الأمير فخر الــديــن استلم الحكم الأمير ملحم ابن الأمير يونس ومن بعده ولداه قرقماز واحمد حتى وفـــاة الأخير سنة 1697 دون أن يكون له وريث ذكر إنما كانت له ابنة زوجها من الأمير موسى الشهابي فرزق منها الأمير حيدر الذي تسلم الإمارة بعد الأمير بشير وبذلك تكون انقطعت السلالة المعنية. وبالعودة إلى الأمير المعني الكبير يقول المؤرخ فيليب حتي الذي استقينا منه المعلومات بان فخر الدين بين للبنانيين معنى المصير فان حياته ترتبط بين لبنان الماضي ولبنان الحاضر.

نادر حجاز - البلد العدد 2107 / 2010-01-10

0 تعليقات::

إرسال تعليق