الخميس، 19 مايو 2011

"العناق القاتل"

الأوصاف تختلف لكن المضمون واحد: "العناق القاتل"، "الصديق العدو" أو "أغرب علاقات في العالم". هكذا يصف الأميركيون العلاقات المضطربة والغريبة بين الولايات المتحدة وباكستان. إنه العناق القاتل بين دولة ديموقراطية ترى أن أمنها القومي ونجاحها في حربها على تنظيم "القاعدة" وحلفائه يحتاجان إلى تعاون ومساعدة من دولة يرى كثيرون أنها في طريقها إلى أن تصير "دولة فاشلة" تحكمها مؤسسة عسكرية - استخبارية ينخرها الفساد وتعيش على ابتزاز واشنطن والعواصم الغربية، لأنها تعتقد أن أميركا ستبقى رهينتها ما بقيت تعيش هاجس مكافحة إرهاب "القاعدة".

ليس من المبالغة القول إن باكستان هي أخطر دولة في العالم. فهذه الدولة ذات الجذور الضحلة والمحشورة بين أمتين لهما تاريخ عريق: الهند في الشرق وإيران في الغرب تتصرف كأنها دولة حدودية لا تعرف شيئا اسمه سلطة مركزية. باكستان التي وُجدت دولة في اللحظة التي وُجدت فيها الهند دولة حديثة مبنية على حضارة قديمة تناوب على حكمها العسكر والإقطاع السياسي، خسرت كل حروبها مع الهند، وبعد كل هزيمة كان جنرال باكستاني يركب دبابة ويتوجه إلى القصر الرئاسي. باكستان التي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة، تملك أكثر من مئة رأس حربي نووي، ولا تسيطر على مساحات واسعة من أراضيها، لها هاجس وطني واحد وعدو لدود اسمه الهند. وأكثر ما يكرهه الباكستانيون هو العيش في ظل هذا العملاق العسكري والبشري والاقتصادي. وهذا يفسر سياسة باكستان في إيجاد التنظيمات الإسلامية المتطرفة (العسكر طيبة، جيش محمد وغيرها) وتشجيعها، كي تستخدمها ضد الهند، وكذلك دورها الرئيسي في إيجاد حركة "طالبان" ودعمها في أفغانستان، لأن أكثر ما تخشاه هو نظام في كابول يكون حليفا للهند ويضع باكستان في كماشة إستراتيجية.
بعد قتل أسامة بن لادن، في منزل قرب أهم كلية عسكرية باكستانية، ازدادت شكوك الأميركيين، من الرئيس باراك أوباما إلى قيادات الكونغرس في ضلوع عناصر استخبارية وعسكرية في حماية بن لادن. ومرة أخرى ارتفعت الأصوات التي تدعو إلى قطع المساعدات الأميركية لباكستان والبالغة 4,5 مليارات دولار. في 1979 وفي  1990 قطعت واشنطن مساعداتها العسكرية لباكستان، بسبب برامجها النووية. لكنها تورطت في العناق القاتل بعد هجمات 11 أيلول 2001. وأظهرت التحقيقات أن قسما كبيرا من هذه المساعدات إما يُستخدم لمواجهة الهند، وإما لدعم التنظيمات المتطرفة... إن لم تنته في جيوب الضباط الكبار، الذين يشرفون على مشاريع اقتصادية كبيرة.
بعض الأصوات في واشنطن التي تدعو إلى "تحرير" أميركا من هذا العناق القاتل، يدعو إلى معاملة باكستان بالمثل وتركها تحت "رحمة" الهند.

هشام ملحم – النهار 19 أيار 2011

0 تعليقات::

إرسال تعليق