الأحد، 22 مايو 2011

الحزب الشيوعي بعد ثمانين عاماً: منعطفات المآثر والمآسي

الحزب الشيوعي بعد ثمانين عاماً: منعطفات المآثر والمآسي

قياديون يستعيدون مراحل الحرب اللبنانية ونتائجها: سوريا وراء تحجيم الحزب... وتسوية الطائف طبخة بحص


في أوج ازدهاره، عقد الحزب الشيوعي اللبناني مؤتمره الثالث عام ،1972 جامعا في صفوفه المثقف والعامل والطالب. وكان احتفاله في الذكرى الخمسين لتأسيسه عام 1974 مشهودا. بيد أن المأساة التي رسمت للبنان بدأت تدق أبوابه: الحرب الأهلية.

من بديهيات القول، بحسب جورج بطل أن "الحرب اللبنانية كانت سيئة. ولكن خلافا لقول كريم مروة إننا انجررنا إلى الحرب، نحن قلنا في المؤتمر الثالث عام 1972 إنه يجب الرد على عنف البورجوازية بعنف ثوري. نحن نقلنا الأسلحة على أكتافنا، جورج حاوي وأنا، منذ عام .1969 يجب ألا نزوّر التاريخ بقولنا إننا جررنا إلى الحرب... نحن كنا نرى أن حزب الكتائب يتسلّح ويستعد فقلنا يجب أن نتسلّح ونعد أنفسنا".

ويزيد حاوي: "أنا حملت السلاح على أكتافي مع آخرين مثل موريس نهرا وعزيز صليبا وأحمد المير الأيوبي ونديم عبد الصمد وجورج بطل. هل تعرف أن الذي نظم نقل السلاح هو فرج الله الحلو في سوريا ونقولا الشاوي في لبنان. هذا حصل عام ،1958 لأننا كنا جزءا من انتفاضة شعبية". ويشير عبد الصمد أيضا إلى "دور الحزب في تأسيس الحرس الشعبي لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان عام 1969 في بيان كتبه كريم مروة، ثم الإعلان عنه عام ... 1970 ومساهمته الرئيسية في تأسيس "الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية عام 1970". ويضيف أن الحزب "انخرط في الحرب دفاعا عن الثورة الفلسطينية وعن وحدة لبنان. ولذلك أطلق حاوي شعار عزل الكتائب، القوة الرئيسية آنذاك في الأوساط المسيحية، الأمر الذي كان يعني عزل المسيحيين جميعا. وقطع كل أفكار الحوار. وهذا خطأ، فضلا عن أن الدفاع عن الثورة الفلسطينية أدى إلى تسليم الفلسطينيين كل شيء في البلد". لكن حاوي يفاخر بإطلاقه عبارة الانعزال على حزب الكتائب لأنها "تعني التمايز إلى درجة التبرؤ من العروبة... ويقول محسن دلول إن حاوي اقترح شعار عزل الكتائب بديلا من شعار اقتحام الأشرفية. الذي عزل المسيحيين وحوّل الكتائب حزبا مسيحيا هو كوننا هزمنا في المعادلة وجرى تحويل هذا الشعار شعارا لعزل المسيحيين... وفي المناسبة لم تنته الحرب إلا بعد عزل الكتائب... لأن سقوط برنامج الكتائب آنذاك كان الشرط الضروري لخروج لبنان من أزمته" ولو "بهزيمة شاملة لمشروع الكتائب ولمشروع الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبلاط وبانتصار لمشروع هجين أنتج حكم الطائف".

في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، اتخذ الشيوعيون اللبنانيون مواقف ظل يتردد صداها في أتون الحرب. لقد جاهروا بتأييدهم الثورة الفلسطينية باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، وعقدوا صلات سياسية وعسكرية مع قواها، فأرسلوا مقاتلين تدربوا لدى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" وحركة "فتح" وغيرها في الأردن قبل "أيلول الأسود" عام ،1970 كما تدربوا في معسكرات لقوات "الصاعقة" في سوريا على أيام أصدقائهم مثل صلاح جديد ونور الدين الأتاسي قبل أن تسوء علاقاتهم بدمشق بعد "الحركة التصحيحية" التي قادها حافظ الأسد. نزلت المقاومة الفلسطينية "ضيفا ثقيلا للغاية" على لبنان، وتوهم الشيوعيون اللبنانيون أن في إمكانهم إحداث "تغيير ديموقراطي" بواسطة الفلسطينيين. ويعتقد سعد الله مزرعاني أن "هناك جانبين في موضوع الحرب الأهلية: الأول هو الموقف الصحيح الذي اتخذه الحزب بالتضامن مع الشعب الفلسطيني وثورته والتنديد بمجازر أيلول الأسود في الأردن وبوصاية الأنظمة العربية وخيانتها الشعب الفلسطيني. والجانب الآخر يتعلق بماذا يحتمل الوضع اللبناني من ثقل ووزر وجود الثورة الفلسطينية في لبنان في تلك المرحلة... كنا نرى تجاوزات الفلسطينيين، لكن لم نصل إلى حد نقول فيه للفلسطينيين أن كفى تجاوزا... نحن تصدينا لأفكار من قبيل طليعية الثورة، ولكن لم نستطع إقامة توازن أولا بين طاقة المجتمع اللبناني على قبول ثقل بحجم ثقل الثورة الفلسطينية وتناقضاتها وما حل ثانيا بالساحة اللبنانية من تناقضات. والأكثر أهمية: حتى لو اتخذنا موقفا صحيحا ليس بالضرورة أن نكون مؤثرين... كان يمكن أن نتخذ موقفا ونُطارد على أساس هذا الموقف... فيُضرب الحزب في الغربية ونُطارد على أساس هذا الموقف... فيُضرب الحزب في الغربية كما ضُرب في الشرقية. هناك من يبالغ في تأثيرنا. كلما ازدادت ضراوة الحرب وطال أمدها، كلما خف تأثيرنا... وكان العامل الخارجي يصير مقررا أكثر فأكثر... إلى أن ذهبنا كلبنانيين شهود زور إلى الطائف. قدّمنا اقتراحات وقبلنا الحل الخارجي ووافقنا على الوصاية السورية".

لم يدرك الشيوعيون اللبنانيون العبر من حوادث العام 1958 التي بدأت بمقتل صاحب جريدة "التلغراف" نسيب المتني وكانت تتحول تدريجا حربا طائفية، ولا العبر من مقتل معروف سعد في صيدا ومن حادثة البوسطة في عين الرمانة في 13 نيسان .1975

إستراتيجية سوريا

يقول جورج بطل إنه "كانت لدينا أوهام كثيرة ودخل السوريون لبنان عام .1976 واضطلعنا بدور سياسي لا ضد الدخول السوري فحسب، بل أيضا ضد الموقف السوفياتي المؤيد لدخولهم. دخل السوريون بينما كان رئيس الوزراء السوفياتي كوسيغين في دمشق. كان السوفيات يعتبروننا مغامرين، ودخل السوريون لمقاتلتنا فقاتلناهم. في رأيي أن لدى سوريا، قبل حافظ الأسد وبعده، إستراتيجية منذ البداية: تدريب كل القوى اللبنانية على السلاح. وسوريا منذ العام 1918 ومنذ قيام دولة فيصل وسقوط الإمبراطورية العثمانية، لم تقبل بلبنان. هذه ليست إستراتيجية البعث، إنما هذا هو منطق سوريا وكل الحكومات السورية من (أديب) الشيشكلي إلى (حافظ) الأسد. بشار الأسد وحده زار بيروت رسميا. العقل السوري استمر هو هو حتى جاءت فرصة دخول لبنان. المهم أنهم كانوا دائما عنصرا مؤججا للحرب الأهلية. ولم يوافقوا على إنهائها إلا بعدما وضعوا شروطهم كاملة في اتفاق الطائف... نعم تورط الحزب الشيوعي وكان عليه أن يشرب الكأس حتى الثمالة".

ويوضح حاوي: "نحن لا ننسى أنه في ظل زيارة كوسيغين إلى دمشق، دخل الجيش السوري لبنان عام .1976 صحيح أنه استطاع أن يأخذ تعهدا شفهيا من الرئيس حافظ الأسد عندما قال له إننا داخلون إلى لبنان من أجل حماية المقاومة، فأجابه كوسيغين: والحزب الشيوعي. فوافق الأسد: نعم، والحزب الشيوعي. فهم الأسد أن السوفيات حريصون على الحزب الشيوعي. ولكن عندما تصفى الأرض التي يقف عليها الحزب الشيوعي وتزال التربة من تحته، تصير حمايته حفرة لقبره"، ويستطرد حاوي "لكن المشروع السوري القائم في البلد اليوم اكتسب حجمه من مجموعة سيدة البير، أي بيار الجميل وكميل شمعون وشربل قسيس وأولئك الذين توجهوا إلى سوريا للاستعانة بها لضرب اليسار اللبناني والثورة الفلسطينية. فهؤلاء أدخلوا القوات السورية إلى لبنان بطلب من أميركا. ونحن قاتلنا القوات السورية لدى دخولها في ضهر البيدر وصوفر وصيدا. الذين أدخلوا سوريا هم القيادات السياسية والروحية والعسكرية والإدارية المارونية الذين تربوا تاريخيا على مبدأ الاستعانة بالخارج لضرب الداخل".

ويعلّق مزرعاني "إننا اختلفنا مع السوريين في التعامل مع الوضع اللبناني وصولا إلى الصدام معهم عام 1976 إثر دخولهم لأنه كان لديهم رأي في الوضع الداخلي اللبناني، في رئاسة الجمهورية وفي العلاقة مع الفلسطينيين والقوى اللبنانية. في تلك الفترة نشأت علاقات بينهم وبين الأطراف المعادية لنا داخليا، أي "الجبهة اللبنانية" في بدايات تكونها من الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار ورئاسة الجمهورية. ثم صرنا في موقع واحد على المستوى العربي في مواجهة الأميركيين والإسرائيليين وفي خلاف على الوضع اللبناني. ولاحقا تحسنت علاقتنا بسوريا بعد توقيع اتفاق كمب ديفيد إذ أجرت سوريا تحولاً في موقفها اللبناني"... وأدار الجيش السوري مدافعه نحو الأشرفية.

وفي ظل صراع سوري - فلسطيني على النفوذ في لبنان، اغتيل كمال جنبلاط لتخسر الحركة الوطنية اللبنانية رمزها الأكبر وليخسر الحزب الشيوعي حصانته الأهم. أما الخاسر الأكبر فكان لبنان.

ويكشف حاوي أنه في أثناء الصراع العنيف مع السوريين "تلقينا إنذارا نحن ومنظمة العمل الشيوعي، وتحديدا جورج حاوي ومحسن ابره يم، نقله إلينا رفاق أعزاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي: إنعام رعد وعبد الله سعادة وجمال فاخوري وغيرهم، وقالوا لنا: نحن استطعنا تأجيل قرار تصفيتكم أسبوعا، ولقد اعذر من انذر. حصل هذا عام 1978 فاجتمعنا في المكتب السياسي وقلنا نحن أمام هذا الإنذار السوري. وقررنا أنه لا توجد معطيات جديدة لتغيير موقفنا. لكن لحسن حظنا وسوء حظ هذه الأمة أن (الرئيس المصري آنذاك) أنور السادات زار إسرائيل وتغيرت كل المعطيات. وتبين أن الأوهام التي كانت تبنيها القيادة السورية آنذاك للإمساك بالورقتين الفلسطينية واللبنانية والذهاب إلى مؤتمر جنيف الموعود قد تبخرت، لأن السادات أحرق المناقصة وقفز فورا إلى إسرائيل ولم يعد هناك مجال لوهم الحل الجماعي... فصعدنا إلى الشام وانتهى الخلاف بمزحة وعتاب".

لكن الصراع على النفوذ بين الفلسطينيين والسوريين لم ينته إلا بصدمة كبيرة: الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولا إلى بيروت عام .1982 خرج الجيش السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية. وعلى رغم ذلك استمر الصراع بينهما في المناطق اللبنانية (البقاع والشمال) التي لم تحتلها إسرائيل!

شرارة المقاومة الوطنية

من مسلمات الشيوعيين اللبنانيين أن حزبهم هو الذي أطلق شرارة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما يؤكده عبد الصمد بقوله: "نحن أصحاب المبادرة في تأسيس المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في 16 أيلول ،1982 يوم دخول الإسرائيليين بيروت، في بيان كتبه جورج حاوي ووقع عليه عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي حسين حمدان والأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي محسن ابره يم ونشرته صحيفة الحزب "النداء" في اليوم التالي. أما عملية "الويمبي" الشهيرة فقد نفذت بتعاون شخصي بين خالد علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي وشربل عبود من الحزب الشيوعي اللبناني"، برفقة شخص آخر من الحزب القومي لقبه "كيسنجر". كان يجمع بين الأشخاص الثلاثة خيط من الصداقة والتجاور في أحد أحياء رأس بيروت وخيط من "أمن" حركة "فتح" عبر شخص يدعى "هواري".

ما إن احتل الإسرائيليون "بيروت الغربية" حتى كانت خمس مجموعات قتالية تتجول في الأحياء رصدا للجنود. وحين شاهد علوان وعبود و"كيسنجر" جنديين إسرائيليين في "الويمبي" قرروا تنفيذ عمليتهم، فأحضر شربل عبود مسدسا من طراز "هريستال" عيار تسعة ميللمترات وسلمه إلى علوان الذي كان مصرا على تنفيذ العملية بيده. فوقف عبود عند الزاوية القريبة للمقهى و"كيسنجر" عند الزاوية البعيدة، ثم اقترب علوان من الجنديين الجالسين في الزاوية الخارجية المقابلة لمقهى "المودكا" وأردى الجنديين قبل أن يرمي المسدس على الزاوية الأخرى قرب متاجر "دومتكس" حيث التقط المسدس شرطي سير كان هناك. وبعد أقل من ساعتين اغتال مقاتلون رجلي استخبارات إسرائيليين قرب "صيدلية سبيرس" حيث حصلت عملية أخرى أيضا حتى صار الإسرائيليون يذيعون عبر مكبرات الصوت: "يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار علينا، إننا منسحبون".

يقول جورج حاوي: "لنكن صريحين. الحزب الشيوعي هو مؤسس جبهة المقاومة الوطنية. وتأسيسها لم يكن في 16 أيلول .1982 هذه قصة بدأت مع المؤتمر الثاني للحزب عام 1968 ومع تصحيح موقفه من القضية القومية، بما في ذلك إعادة الاعتبار لفكرة القتال ضد العدو إذا احتل أرضك... اتخذ الحزب قرار تشكيل لجنة عسكرية كانت تتألف آنذاك مني ومن الرفيقين نديم عبد الصمد وأحمد المير الأيوبي. وبدأنا الإعداد تدريبا وتسليحا للحزب لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي... وساهم في ذلك ضباط ورتباء سابقون في الجيش اللبناني أبطال مثل إسبر البيطار وميشال عوض و"أبو العباس" وغيرهم... هذا حصل في بداية السبعينات، قبل نشوء "أمل" و"حزب الله" وقبل أن يفكر أي حزب آخر في لبنان بهذا الأمر... وأمام تطور الاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصا بعد اجتياح آذار... 1978 وفي ذروة الصراع الداخلي اتخذنا توجها عام 1978 لإنشاء أربعة تشكيلات عسكرية في الحزب: القوات المتفرغة على جبهات الداخل، قوات الميليشيا المؤلفة من الشيوعيين الذين يساعدون القرى، قوات الأمن ومهماتها معرفة مخططات العدو واختراقه، والقوات الخاصة التي كانت نواة للمقاومة ضد الاحتلال والتي كانت تشكيلاتها من خيرة المقاتلين الذين منعوا من المشاركة في أي عمليات قتالية أخرى سواء أثناء الاجتياح الإسرائيلي أو على جبهات الحرب الأهلية، لأن مهمتهم أن يتموهوا وأن يحتفظوا بالسلاح والذخيرة وأشكال النضال والصلة ليعملوا وراء خطوط الاحتلال. هؤلاء كان بيان إعلان "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" نداء لبدء عملهم... الإشكالية بيننا وبين الحزب السوري القومي انه أطلق صاروخا من داخل الأرض المحتلة بالاشتراك مع حركة فتح في الأول من تموز 1982 ذكرى مولد الزعيم أنطون سعادة، ولذلك يعتبر القوميون هذا التاريخ انطلاقة المقاومة. أنا قلت للرفاق في الحزب القومي ولحركة "أمل" أكثر من مرة، وهم اعترفوا بذلك لاحقا، أن 16 أيلول لا يعني أن القتال ضد الاحتلال بدأ في 16 أيلول ،1982 بل منذ عام 1948 في حولا، ولكن ذلك كان يحصل تحت عنوان التضامن مع الفلسطينيين وقضية فلسطين. في 16 أيلول 1982 تكرّس الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، عاصمة لبنان ثم عاصمة الأمة العربية وليس فقط عاصمة فلسطين. وكان إطلاق هذا القتال باسم لبناني وليس باسم القوات المشتركة للثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. وذلك للإشارة إلى أن عدو الشعب اللبناني هو إسرائيل. أي أننا لم نقاوم هذه المرة كرمى لعيون الفلسطينيين. وأعتقد أن أكثر الذين فهموا هذا الأمر هو الرئيس المرحوم حافظ الأسد الذي اخبرني إثر عودتي من مراسم دفن (الزعيم السوفياتي ليونيد) بريجنيف الآتي: قرأت متأخرا الصحافة اللبنانية، فلفتني خبر في جريدة "النهار" على صفحتها الأولى: "جبهة المقاومة الوطنية تطلق عملية بجانب صيدلية سبيرس". وأضاف الأسد: اتصلت بوزير الإعلام فلم أجده، واتصلت بمدير التلفزيون ولم أجده أيضا، فاتصلت بالمذيع وقلت له: أنا حافظ الأسد، أطلب منك أن تذيع خبرا قبل استقبالات السيد الرئيس. الخبر الأهم اليوم هو: الشعب اللبناني بدأ يقاتل إسرائيل".

تصفية وتحجيم...

يتفق عبد الصمد مع حاوي بقوله إنه "قبل مغادرة الفلسطينيين عام 1982 كانت توجد مقاومة مشتركة قائدها ياسر عرفات، ثم حصل فراغ برحيل الفلسطينيين. فبادر الحزب الشيوعي إلى إنشاء مقاومة لبنانية صرفة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط في البيان الشهير بل خصوصا في العمليات التي نفذها الشيوعيون الذين ظلوا في طليعة المقاومة حتى انسحاب إسرائيل إلى الشريط الحدودي"، عام ،1985 ثم "حصل أمر خطير جدا عندما لم نعد نستطيع ممارسة المقاومة التي دخلها أطراف كثيرون، بسبب الضغوط الكبيرة والشروط التي وضعت على المقاومة عبر الملاحقات والاغتيالات، فسقط لنا عدد كبير من الشهداء على أيدي قوى محلية، إذ اغتيل عدد من رموز الحزب كان أبرزهم أحمد المير الأيوبي في طرابلس وحسين مروة ومهدي عامل وسهيل طويلة وخليل نعوس وميشال واكد ونور طوقان وآخرون في بيروت والضاحية والجنوب". ولا يوجه عبد الصمد "اتهامات ضد أي جهة الآن، لأن الظروف لا تسمح... لكن الحزب يعرف من نفذ بعض عمليات الاغتيال ومن يقف وراء هذا البعض. نعتقد أن وراء هذه العمليات قرار كبير كان يهدف إلى تصفية الحزب الشيوعي لأنه قوة سياسية لا مجال للهيمنة عليها لا من الداخل ولا من الخارج".

ويرى مزرعاني أنه "بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، قمنا بعمل ممتاز نحن وسوريا التي استندت إلى القوى الوطنية اللبنانية... لتنظيم مقاومة فاعلة ضد الإسرائيليين. كان دور الحزب في المقاومة كبيرا جدا، بل كان مؤسسا لها. كان لدينا مزاج أننا ذهبنا بعيدا في تقديم خدمات إلى الآخرين وجاء الوقت الذي يجب أن ندافع فيه عن بلدنا لأسباب لبنانية. عندما خرج الفلسطينيون ثم اغتيل بشير الجميل ودخل الإسرائيليون بيروت الغربية، صارت لدينا حوافز إضافية لبلورة شخصيتنا الوطنية، فقلنا: الآن نحن نقاتل من اجل لبنان وليس من اجل الدفاع عن الثورة الفلسطينية. ازدادت حوافزنا لإبراز هويتنا الوطنية وللدفاع عن بلدنا وشعبنا. نحن لم نؤسس المقاومة، بل هذه كانت طورا جديدا من الصراع في ظروف جديدة. صار العدو أمامنا مباشرة والسلطة اللبنانية صارت تابعة ولا معنى لها... لعبنا دورا مبادرا سياسيا وتنظيميا وقتاليا لأن مجموعتنا كانت جاهزة. لذلك اتخذنا القرار ونفذنا". ويضيف: "كان الهدف من الاغتيالات ضد الحزب الشيوعي تعزيز النفوذ السوري في لبنان عبر تحجيم الحزب ودوره وإلغاء نفوذه لمصلحة القوى التي تعمل وفقا للإستراتيجيا السورية... الهدف لم يكن تصفية الناس من أجل التصفية. فتولينا الرد ودخلنا في معارك مع "أمل" و"حزب الله"... وحصلت معارك بين "أمل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ولم يكن الهدف ضرب الدروز... نحن والحزب التقدمي كنا حلفاء للفلسطينيين وكان المطلوب سورياً إنهاء النفوذ الفلسطيني وتقليصه... التصفيات التي حصلت داخل الحزب القومي كانت قاسية بالنسبة ذاتها وذهبت ضحيتها قيادات مهمة وعلى أيدي قوميين... كانت سوريا تريد إضعاف السلطة الرسمية اللبنانية والسلطة الشعبية الممثلة بالحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية للإمساك بكل المقدرات اللبنانية".

ويكشف بطل أن "اغتيالات الشيوعيين عام 1985 لها علاقة بأكثر من أمر وأكثر من دولة، كثيرون اغتيلوا لأسباب مذهبية. خليل نعوس على أيدي جماعة سنية. أحمد المير من العلويين. ثمة لبس حول اغتيال حسين مروة بعدما هدر طرف شيعي دمه ولكن من المستفيد؟ سهيل طويلة قُتل في المستشارية الإيرانية مع كوادر آخرين. لحساب من؟ لا أعرف. إنما كان القصد تصفية الحزب الشيوعي. وكان أكثر من طرف وراء تلك العمليات. نحن نعرف مثلا أننا تعرضنا في موضوع جبهة المقاومة لضغوط هائلة وصودرت أسلحتنا". ويستطرد "كانت مشكلتنا مع السوريين أننا رفضنا التنسيق معهم في موضوع المقاومة. كان غازي كنعان يطلب معرفة مواعيد حصول العمليات. وكنا نجيبه دائما أننا لا نعرف مواعيد عملياتنا. وكذلك رفضنا طلبا رسميا من القيادة السورية ممثلة بعبد الحليم خدام للمشاركة في حرب المخيمات ضد الفلسطينيين... خرجنا ولم نعد، بل نددنا بضرب المخيمات. الشيوعيون تلقوا تربية الدفاع عن الثورة الفلسطينية، فكيف نذهب لقتالهم؟ أخطأنا عندما تحالفنا معهم. فهل كان علينا أن نخطئ مرة ثانية ونذبحهم؟ بالتأكيد: لا".

"طبيب" لبنان!

ويرد حاوي موضحا بعض التفاصيل، أو غاضبا من مغالطات: "لم يطلب السوريون منا يوما لا القيام بعملية ولا وقف عملية، وهم أذكى من ذلك. ولم يطلبوا الاطلاع قط على مواعيد العمليات. السوريون يعرفون حزبنا، ونحن لسنا مثل الأحزاب التي يعين الحلفاء مندوبيها... أنا كنت أرسل بعض الرفاق لاطلاع الأمن السوري على عمليات ستحصل على مقربة من وجود القوات السورية مثل اطلاعهم على عملية جبل الشيخ. يومها أرسلت فاروق دحروج وحسين قاسم لإبلاغ العقيد آنذاك غازي كنعان الذي أخذ الخبر باستخفاف، لكن المعركة احتدمت في ذلك اليوم على سفوح جبل الشيخ بمشاركة 30 مقاتلا شيوعيا. وكنت في دمشق عندما اتصل بي صديقي اللواء محمد الخولي يسألني عما يجري بعدما علم من وزير الدفاع حكمت الشهابي أن الجبهة مشتعلة. فقلت للخولي إننا أبلغنا ذلك إلى غازي كنعان. ودهش مما حصل". ويوضح حاوي أن "الخلاف الرئيسي مع سوريا ارتكز على ثلاث قضايا - طلبات من السوريين: "أولا، طلب السوريون منا المشاركة في حرب المخيمات... ونحن أبلغناهم أننا لن نشارك في تصفية الشعب الفلسطيني لأن تصفية عرفات ستكون تصفية للشعب الفلسطيني. ثانيا، طلبوا منا المشاركة مع "أمل" ضد "حزب الله" في إقليم التفاح ورفضنا... وثالثا: طلبوا منا بصيغة من الصيغ التوقف عن مساعينا للوفاق الداخلي إثر زيارتي لسمير جعجع في غدراس والبطريرك مار نصر الله بطرس صفير وبعد مهرجان أنطلياس الشهير، إذ جاء صديق لي هو المرحوم حسين القوتلي وقال لي: التقيت نائب الرئيس عبد الحليم خدام. ويقولون لك إن لهذه الأمة ربانا واحدا ولبنان الآن في غرفة العناية الفائقة ولا يجوز أن يكثر الأطباء المعالجون. وفي اليوم التالي نشرت جريدة "السفير" تصريحا للقوتلي: "نقدّر عاليا للأستاذ جورج حاوي مساعيه ولكن الوضع اللبناني الآن كحال مريض في غرفة العناية الفائقة. يجب أن تترك المعالجة فيه إلى الطبيب المعالج سيادة الرئيس حافظ الأسد".

قطعنا الكثير من الأيدي

وعن الاغتيالات عام 1985 يقول حاوي: "لا عاقل في العالم يضع خطة لتصفية الحزب الشيوعي الذي كان عدد أعضائه 20 ألفا، إنما كانت هناك محاولة جدية لضرب قيادات الحزب ومفكريه من أجل تحجيم وتسهيل القبض عليه وتدجينه... أثناء تأبين الشهيد سهيل طويلة قلت: "ليس شيخا أو سيدا من يفتي بقتل الشيوعيين، بل هو حاخام". وقلت إن "اليد التي تمتد إلى الشيوعيين ستقطع عاجلا أم آجلا". نعم لقد قطعنا الكثير من الأيدي التي امتدت إلى الشيوعيين، نحن مش قلال، قُتل منا وقَتلنا منهم. المسؤول عن محاولة تصفية الحزب الشيوعي هو هذه الحالة التي جرى فيها تحويل البرنامج الوطني للحركة الوطنية حالة مذهبية. كان الأمر إما أن تكون حركة وطنية ذات برنامج ديموقراطي... أو أن يشطب هذا الحل مقابل شطب مشروع بشير الجميل لمصلحة حل هجين هو الطائف. أي أن أميركا والسعودية وسوريا وإسرائيل وكل القوى المرتبطة بها هنا كانت وراء هذا الوضع".

بالإضافة إلى معاركهم على الجبهات الداخلية ضد "الأعداء" في "القوى الانعزالية"، خاض الشيوعيون منذ العام 1980 معارك عسكرية ضد "الحلفاء" في "الصف الوطني" وخصوصا مع حركة "أمل" في صراع وصفه عبد الصمد بأنه "مقنّع بين السوريين والفلسطينيين" بينما اعتبر مزرعاني أن حركة "أمل" كانت القاعدة التي ترتكز إليها سوريا في تثبيت نفوذها الداخلي في النظام اللبناني. وما يعزز كلامي أن "أمل" خاضت معارك ضد المخيمات وضد "حزب الله" الذي كان مدعوما من إيران قبل تعزيز النفوذ السوري فيه وضد الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي".

ويقول جورج بطل: "ساءت العلاقة مع السوريين حتى عام 1987 عندما حاولت "أمل" الذهاب إلى المرحلة الأخيرة في حربها ضدنا ومهاجمة جريدة "النداء". وحصل ذلك الاشتباك وتضامن معنا وليد جنبلاط مشكورا. وكانت النتيجة أننا أخرجنا "أمل" من بيروت. فوصل غضب السوريين حدا رهيبا. وحصلت في دمشق تلك المشادة الكلامية الحادة، وقال خدام لي حرفيا: "لقد عرضتم أمن سوريا للخطر، لأننا اضطررنا لدخول بيروت من دون التشاور مع الأميركيين ومن دون معرفة الموقف الإسرائيلي. في أي حال، كان عليهم شكرنا لأن هذه الحرب أعادتهم إلى بيروت بعدما أخرجهم الإسرائيليون منها عام 1982".

وتحقق للسوريين ما أرادوه في النهاية بعدما شارك جيشهم رمزيا في حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام .1991 وانتهت الحرب في لبنان و"نتيجة مثابرتها، كانت سوريا أكبر الرابحين" بحسب مزرعاني "واستقر الوضع في البلد مجددا على معادلة طائفية ونحن لا نمثل موقعا طائفيا في البلد".

خرج الحزب الشيوعي من "التجدد الطائفي" (نسبة إلى الطائفة والطائف) "من دون حمّص" بحسب تعبيرات عبد الصمد وبطل ومزرعاني، أما حاوي فيعتبر "ما حصل طبخة بحص... ويكفينا شرفا أن وليد جنبلاط قال أخيرا، وهذا ليس تعزية بل هو اعتراف بواقع مزر يعيشه الآن، أن الحزب الشيوعي و"حزب الله" لم يتلوثا بالسلطة. علما أن "حزب الله" شبه ملوث لأنه وراء السلطة".

تراكمت خيبات الشيوعيين اللبنانيين وثقلت بانهيار الاتحاد السوفياتي تماما عام .1991 وانفجرت هذه الخيبات خلافات حادة داخل الحزب بدءا من المؤتمر السادس الذي كان "فرصة مهمة جدا لإحداث تطوير جدي وتغيير اسم الحزب وإجراء مراجعة نقدية جدية لكل تاريخ الحزب بما في ذلك مسألة مشاركته في الحرب الأهلية" بحسب جورج بطل. لكن "الأصوليين" المتمسكين بأهداب الماركسية - اللينينية "التي سقطت في عقر دارها" بحسب عبد الصمد أحبطوا هذا المسعى الجدي، وبات الحزب في المؤتمرات السابع والثامن والتاسع "من تراجع إلى تراجع".

انقسام وذباب!

ويعتقد حاوي أن الحزب "لن يخرج من أزمته إلا بعاملين: عامل داخلي وعامل إزالة الضغط الخارجي عنه... الشرط الضروري أن يتوحد وأن يكون مؤهلا للإنقاذ... الإنقاذ في أن تقوم حركة في المجتمع بل حزب رائد، ذو فكر جديد بمعنى غير إيديولوجي دوغماتي... يضع نصب عينيه مهمة أساسية هي بناء الدولة، مقابل ما نعانيه من نقص السيادة وعدم قيام المؤسسات والأزمة الاقتصادية والأزمة الفكرية والإصلاح المنقوص والفساد... لأن الطائف فشل في بناء الدولة، فشل هو وإيديولوجيته المستندة إلى الحاضنة الخارجية والطائفية في الداخل". ويختم أن "كل انقسام في الحزب الشيوعي هو كقطعة لحم تجز من جسمه، ستصير نتنة في اقرب وقت ممكن ومصيدة للذباب".

ويؤكد عبد الصمد أنه "إذا وجدت إمكانات لإصلاح الحزب سأنخرط فيها. وفي كل الأحوال نحن الآن في صدد تأسيس شيء جديد، لا انقساما عن الحزب، بل تأسيسا لحزب يساري جديد ديموقراطي من الشيوعيين والديموقراطيين واليساريين. وإذا نجحنا سنقيم علاقة تنسيق وتعاون مع الحزب الشيوعي اللبناني الذي لم يعد لنا مكان فيه".

فيما يطالب مجمل الشيوعيين بخروج القرار السوري من لبنان، يرى سعد الله مزرعاني أنه "في إمكان السوريين حاليا الرد على أي موقف لبناني بموقف لبناني... نحن ننتقد نمط العلاقات اللبنانية - السورية الناجم عن خطأين لبناني وسوري. الخطأ اللبناني تمثله وجهتا نظر: الأولى ترى وجودها الطائفي والفئوي وسياسة النهب عبر العلاقة مع سوريا والأجهزة السورية، والثانية تطرح العداء لسوريا فتلبنن الموضوع بالخلاف بدل الاتفاق. نحن نطرح اتفاقا لبنانيا - لبنانيا على القضايا الأساسية، حتى يستطيع اللبنانيون تشكيل قوة ضاغطة على السوريين. ومن دون اتفاق كهذا، سيبقى الموقف من سوريا مشكلة لبنانية - لبنانية". ويختم أن الحزب الشيوعي هو الوحيد الذي يطرح برنامجا متكاملا للبلد "يؤدي إلى خروج سوريا من التأثير على القرار اللبناني، وليس خروج الجيش السوري فحسب".

تحقيق علي بردى - النهار - 26-03-2004

مقاتلان سابقان يستعيدان حروب الماضي بوعي الحاضر [2 من 2]

أحمد جابر: الاستعانة بالخارج ليس ماركة يسارية مسجّلة والطائف كرّس المحاصصة ولم يستطع إدارة الحوار السياسي

في الحرب ابتكر كل طرف أسلوبه الدفاع عن معتقداته، تغذيه مرتكزات فكرية وعقائد سياسية، وأخذت الجبهات الحربية تتنقل، تهدأ وتشتعل بحسب تطور الحوادث والخطاب السياسي. "لبنان الأخضر" الذي استنهض فئة من اللبنانيين للدفاع عنه، كانت أخرى تصبو إليه "لبنان الأحمر" تحركها فكرة الثورة المتفلتة من الجغرافيا. فاحتدم القتال، وسالت الدماء وصبغ اللون الأحمر كل مكان.
يستعيد أحمد جابر الذي انضوى باكرا في صفوف منظمة العمل الشيوعي، تجربته السياسية والعسكرية بتأن وهدوء، ويردّ ظروفها إلى معطيات موضوعية محلية، عربية ودولية مهدت لاندلاع الصراع في لبنان. إذ شكلت أواخر الستينات على الصعيدين الفكري والسياسي فترة غنية لبنانيا وعالميا. كان هناك حراك اجتماعي صاخب لبنانيا، وحراك قومي عربيا، وحراك عالمي تغذيه الحركة الطالبية في فرنسا، والثورة الثقافية في الصين وثورة فيتنام.... في هذه الأجواء كانت بداية احتكاك جابر بالعمل السياسي، وكان لا يزال في المرحلة الثانوية من دراسته. وتطور التزامه وأخذ أشكالا تعبيرية أخرى فرضتها ظروف تلك المرحلة، حيث ترافق الالتزام السياسي مع "حمل السلاح". اليوم، وبعدما اختبر العمل السياسي والعسكري و المقاوم في زمن الحرب، لا يزال جابر يتعاطى العمل السياسي العام ويشغل منصبا قياديا في منظمة العمل الشيوعي. فكيف يقوِّم تجربة الأمس، ماذا تعلم منها وماذا استخلص؟

القاعدة الطفولية الأولى

كان دافع التزامه السياسي أن وعيه تفتّح في منزله الوالدي في بلدة جويا الجنوبية على ثلاثة رموز "كنا نعتبر أن لهم رمزيتهم الحاضرة في الوجدان والواقع". فعلى حائط المنزل كانت هناك ثلاث صور: "الأولى لجمال عبد الناصر لرمزيته كبعد قومي وإرادة تصدٍ بلغة ذلك الزمان، الثانية للإمام علي مع ما يرمز إليه من رفض في الوجدان الشيعي، ثم صورة ما جرجس -الخضر وهو يقتل التنين".

ثلاث صور أساسية أسهمت في إحياء وتشكيل _مع القصص التي كانت تروى عن هذه الشخصيات- نزعة رفضية أولى في شخصية جابر. هذه القاعدة الطفولية الأولى غذاها واقع الجنوب اللبناني لجهتين: الحرمان الذي كان تعانيه المنطقة على الصعيد الوطني، و تماس الجنوب مع فلسطين واحتضانه آلامها بعد 1948 وتقاسم أهله شيئا من العيش مع الفلسطينيين الذين هجروا إليه، "بعد احتضان الجنوب النواة الأولى للمقاومة الفلسطينية بعملياتها التي كانت في تلك الفترة تشكّل ردا على الهزيمة العربية التي أعقبت حرب حزيران 1976 ، وتؤشر إلى بداية أمل في واقع يمكن تغييره بأسلوب الكفاح المسلح على طريقة الحرب الشعبية الطويلة الأمد".

ما بين الطفولة واحتكاك الصبا وما بين ضجيج القضايا في تلك الفترة كان لا بد من الانحياز إلى قاعدة فكرية تشكّل منطلقا للعمل العام. "هكذا غذّت النوازع الشخصية وحب المغامرة لدي المعنى السياسي للالتزام. أضف إليها الشاعرية أي الحلم المرتبط بالخيال. إذ عندما يصوغ المرء التزامه يكون يحدد مسار حياته، وإن في طريقه غير مباشرة".

وفي رحلة بحثه عن معنى الالتزام، وجد جابر في الفكر الماركسي الإجابات الكاملة عن فكرة تحرر الذات والمجتمع الأمثل والدولة. "الثورة كانت بالنسبة إلينا خارجة عن الجغرافيا". فانخرط جابر في العمل السياسي وشارك في التظاهرات والتحركات الشعبية، وهتف مع ومن ردد في تلك المرحلة شعارات "لبنان الأخضر يا عسكر رح يصير احمر يا عسكر"، "عسكر على مين يا عسكر؟ على الفلاحين يا عسكر؟"، "وذلك في إشارة إلى الانقسام الطبقي: الطلاب والفلاحون في جهة، والبورجوازية ورموزها في جهة أخرى".

الانخراط في العمل العسكري

في البداية، شكّل الانخراط في العمل العسكري بالنسبة إلى جابر مساهمة في القتال ضد إسرائيل " وذلك من موقع لبناني بالتعاون مع بعض التنظيمات الفلسطينية." وتدرجت بداية الاحتكاك بالعمل العسكري إلى مساهمة ميدانية في الحرب ذاتها و"تنقلت بتنقل جبهاتها إنما تركزت مشاركتي العسكرية في شكل أساسي في الجنوب وفي الجبل. وكان من ضمنها أيضا المساهمة في تنظيم جبهات الدفاع عن بيروت أثناء حصارها، وبعدها إطلاق جبهة المقاومة الوطنية".

وحرك الدافع السياسي لدى جابر مسألة الانخراط في العمل العسكري. إذ في رأيه أن المثابرة في حرب محددة هي مثابرة على التمسك بالخيار السياسي. وصراع الإرادات الذي تميزت به الحرب "كان صراعا سياسيا في صميمه، وشهد محطات وحقبات مختلفة. وكل حقبة كان لها شعورها وهمومها المختلفة." وهكذا تطور التزام جابر السياسي والعسكري وفق ما كانت تمليه تطورات الحرب والقتال. فبين عامي 1975-1976 كانت مرحلة الحرب التغييرية التي اختلطت فيها الشعارات والاعتبارات. وبين 1976 و1982، وبعد دخول قوات الردع العربية "ارتسمت بشكل أوضح خطوط الفصل بين اللبنانيين، وتظهرت خطوطها لجهة تشكّل الجبهات والاصطفاف. ودخل عليها العامل الإسرائيلي عبر جبهة الجنوب، إذ أخذت الثورة تتلون بالوطني والقومي". في هذه المرحلة أخذ العمل العسكري يتحول من مغامرة شبابية إلى احتراف قتالي، "حيث أخذت الطروحات تعبر عن نفسها بشكل أوضح من الطرفين". وكذلك بدا الصراع الإقليمي واضح المعالم، وبات جزءا من القرار ليس بيد اللبنانيين، وعرف ذروته مع اجتياح بيروت عام .1982

في مرحلة ما بعد 1982 تنامى الشعور بضرورة مقاتلة الاحتلال ووضع حد للحرب الأهلية . المثابرة لم تكن تجري على وتيرة واحدة "وضمن هذه اللوحات المتعاقبة يمكن قراءة الحشد ببعده العقلاني وببعده الطامح إلى التغيير".

تدرج الخطاب أثناء الحرب وتطور بحسب كل مرحلة. "فكل واحد منا كان يقاتل من اجل لبنانه. كل واحد منا كان يقاتل من اجل لبنان الذي يحبه ويحلم به، "وما قصّر حدا" من اللبنانيين من اجل تحقيق لبنانه في استقدام القوى التي يراها مناسبة. أي أن الاستعانة بالخارج لم تكن فقط ماركة يسارية مسجلة."

كان المكوّن العروبي في هوية جابر يفرض عليه المساهمة في الصراع العربي- الإسرائيلي." فأنا حينها كنت مع كل القوى التي تقاتل الاحتلال الإسرائيلي. وبهذا المعنى يصبح الخيط واهيا بين الداخل والخارج. وبالنسبة إلي تتفتح وطنيتي اللبنانية بالعروبة ولا تلغيها."

أسباب الانفجار

من يتحمّل مسؤولية انفجار الوضع اللبناني؟ "بين العوامل الداخلية والخارجية لاندلاع الحرب عام 1975، نحن نميل أكثر إلى تحميل الداخل اللبناني مسؤولية ما حصل. فاللبنانيون جميعا مسؤولون عن حربهم". كذلك العوامل الخارجية في رأيه لم تكن محايدة. وعنده أن الحرب اللبنانية كانت محصلة الآتي:

1- "جرت محاولة بعد 1967 لتغيير موقع لبنان في المعادلة العربية. ونحن كنا نعتبر أن لبنان هو جزء من محصلة الوضع العربي، وأي اختلال في الانضمام إليها أو الخروج عليها كانت تسبب اضطرابات داخلية. هذا الوضع تأكد أكثر في الحرب وبعدها. فالخارج والداخل في لبنان وجهان لعملة واحدة، وخصوصا أن العلاقة بالخارج تستجيب دائما لمصالح فئات لبنانية تتماهى بها أحيانا أو تتقاطع معها. ولقد حاول النظام اللبناني أن يستفيد من الخلل الذي أحدثته حرب 1967، في محاولة للتنصل من مسؤوليته تجاه العرب وبالتحديد حيال مساهمته في الصراع العربي الصهيوني الذي يشكل مفصلا مهما.

2- عجز نظام تلك المرحلة عن استيعاب الحركة الاجتماعية والمطلبية والسياسية ضمن قنواته. بحيث استعصى النظام على أي محاولة إصلاحية، وردّ على نهوض الشارع بمنوعات من القمع. فاعتبرنا أن النظام ظل مغلقا على التبدلات الفعلية التي حصلت بين 1943 و1975. وكان صعود لفئات رفض النظام، التي ترجمت وزنها ضمن اللعبة البرلمانية الديموقراطية، مما شكل عاملا آخر من عوامل الاحتقان الذي أسهم إلى جانب العامل القومي في التمهيد لانفجار الحرب.

3- اقفل النظام الباب في وجه المتغيرات وعجز عن ابتكار الحلول والتسويات. ولكن لم يكن النظام وحده مسببا للحرب، بل أن اليسار والحركة الوطنية في تلك الأيام كانا أيضا صاحبي طرح حرب أهلية، عندما اعتبرا أن الحرب يمكن أن تشكل ممرا إلى التغيير الديموقراطي. لقد عجز النظام في بنيته عن استيعاب المتغيرات، وعجز اليسار في المقابل عن إيجاد تسوية، فاعتبر، واهما، انه يمكن تبديل موازين القوى عبر الحرب. هكذا استجاب الطرفان: النظام وأهله وقوى اليسار للحرب الأهلية كل من موقعه. افتقر اللبنانيون بمجملهم، نظاما وقوى سياسية، إلى فكر التسوية المطلوب والى الحكمة السياسية، فكان الطرح حربا من الطرفيين".

تقويم التجربة

هل يعيد جابر تجربة المشاركة في الحرب؟ بالنسبة إليه السؤال افتراضي "لكن التاريخ إذا أعاد نفسه يجب الاستفادة من عبره. والاستفادة الأساسية تتم إذا وضعنا على طاولة البحث الأسباب الفعلية للتوصل إلى توافق حد أدنى حول الأسباب التي أدت إلى الحرب والخروج باقتراح ممارسات سياسية أخرى. إذ أن وضوح الصورة حول أسباب الحرب ونتائجها يحصننا من عدم العودة إليها".

وماذا عن الحلول التي حصلت بعد الحرب؟ برأيه أن الطائف كرّس التسوية بمنطق طائفي "وبالتالي لا تزال العلة الأساسية للنظام هي نفسها. ثمة معادلة صعبة تواجهنا، إذ أن الطائفية هي مسبب وجود لبنان، كما أنها في الوقت عينه مانعة لتطوره. صحيح أن الطائف وضع حدا لحرب أهلية ساخنة، لكنه عزّز فئة وأقصى أخرى وكرس نظام المحاصصة ولم يستطع أن يدير عملية حوار سياسي. الأفضل اليوم أن يدير اللبنانيون حوارا حول القضايا التي يختلفون حولها: الاستقلال، التجربة الاستقلالية، الهوية، الانتساب إلى المحيط، مقدار المشاركة في الصراع العربي-الإسرائيلي...."

استخلاص الدروس

ماذا استخلص جابر من تجربة الحرب، وماذا تعلم؟ بوعي اليوم ، وبعد إعادة قراءة لتجربة الحرب اللبنانية، يعتبر جابر أن الحرب لا يمكن أن تشكّل ممرا للتغيير."ولا يمكن الوصول إلى التغيير بوسائل عنفية. وبكلام أكثر تحديدا يستطيع المسلمون أن يفرضوا الصيغة التي يرتأونها لأن الآخر سيقول هذا ليس لبنان الذي اعرفه، وكذلك فإن المسيحي لا يمكن أن يفرض خياره". بالتالي لا يمكن فرض صيغة سياسية ذات لون فاقع على حساب بقية المكونات. وعنده أن لبنان "لا يحتمل التقاتل، والحلول العنيفة لا مكان لها. لذا كانت حصيلة الحرب أن انكسر أصحاب المشاريع على الجهتين: "المشروع الوطني لقوى اليسار وحلم إقامة الدولة بسيطرة كتائبية."

هل يشعر جابر بالندم على تجربة الحرب؟ يجيب: "أنا اشعر بالوفاء الشخصي للشهداء الذين كانوا من الأثمان التي لم يكن ممكنا تجنبها في صراع الإرادات الحاصل وقتها. واشعر أن لدي أمانة تجاه الناس الذين سقطوا وتتمثل في أن أظل في موقع الاعتراض العام الذي يسعى دائما إلى التقدم، والى الحلم بوطن مختلف، إنما حكما بوسائل أخرى". فأكثر ما يسيء إلى الشهداء برأيه هو تبديل البندقية من كتف إلى أخرى، "بمعنى أن نبدل الموقع الإنساني الذي انتمينا إليه".

يضيف:"في ذلك الوقت، كنا مشبعين بنظرية أننا نحارب حتى نمنع الحروب. وكنا نخوض الحرب كأننا نقود الحرب الأخيرة التي تمنع الحروب المقبلة. كنت أحارب حتى اكسر إرادة الامبريالية وامنع الهيمنة الصهيونية. لقد كنا مشبعين بنظرية "يا شعوب العالم اتحدوا". وكنا مشبعين أيضا بفكر التضحية بالذات "إذا مت قل لرفاقي أن يعبروا".

ويعتبر جابر أن ثمة مغالاة حصلت على صعيد القضية الفلسطينية بطريقة لا تتحملها البنية اللبنانية. "واليوم، نعتبر أن الطروحات المغالية سواء لجهة "المقاومة الإسلامية" أو "الوحدوية" أو "وحدة المسار والمصير" كلها دعوات مغالية تعرّض البلد لما لا يحتمله، وهي عنصر من عناصر الاضطراب".

ويخلص جابر إلى أن فتح الساحة اللبنانية، بصفتها ساحة كل التقديمات للقضية العربية، انتهى. "نحن أمام إعادة صوغ وطن لبناني له حقوق على العرب وواجبات حيالهم، وبالتالي لا يمكن تكرار تجربة تتخطى قدرة لبنان على التحمل. وهذا الأمر ما زال يضع اللبنانيين في موقع الحرب الأهلية الباردة، ويفتح النقاش حول مسألة السيادة والاستقلال والديموقراطية في الداخل، ويطرح آليات التوافق حول مسألة: هل يبقى لبنان العاشق العربي الوحيد"؟

تحقيق رلى مخايل - النهار 15-04-2004

......................

مقاتلان "سابقان" يستعيدان حرب الماضي بوعي الحاضر [1 من 2]

جوسلين خويري: قضيتنا كانت تستحق الدفاع عنها ولولا تضحيات شبابنا لما اعترف الطائف بنهائية لبنان

في 23 نيسان ،1975 أي منذ 29 عاماً تماماً، اندلعت الحرب في لبنان فاشتعلت جبهات القتال واصطف اللبنانيون بحسب مشاربهم الفكرية. وانتماءاتهم السياسية. وسرعان ما ارتسمت معالم خطوط التماس بينهم، فتواجهوا مصوبين بنادقهم إلى بعضهم بعضاً. قاتلوا باندفاع الشباب وحماسته وتطرفه، وتحاربوا وفق معطيات الأمس وظروفه. فاكتوى الجميع بنار الحرب وواجهوا أخطارها تستنهضهم شعارات متناقضة وتستلهمهم إسقاطات ثورات أخرى. طالت الحرب، وتاهت رصاصاتها عن مواقع النضال، فتحولت "القضية" وتشعبت. وبعد أعوام من العنف بخست معها الحياة، هدأت الجبهات العسكرية فاستراح المحاربون على تعب وانكسار... أو ربما على اختبار من نوع آخر. فكيف يقومون تجربتهم الماضية بوعي الحاضر: لماذا قاتلوا، ماذا حققوا؟ وماذا تعلموا؟ في هذا الصدد نستعرض شهادتين لمقاتلين: جوسلين خويري (حزب الكتائب) واحمد جابر (منظمة العمل الشيوعي)، حيث شارك كل من موقعه في الحرب واستخلص عبرها.


في صيف 1976، تصدرت الصفحات الأولى لوسائل الإعلام صورة شابة في العشرين من عمرها ترتدي الزيّ العسكري وتتخذ وضعية قتالية على خطوط التماس المتقدمة مدافعة عن موقعها العسكري بجرأة وإقدام. كانت تلك صورة جوسلين خويري، المقاتلة الكتائبية التي خاضت القتال جنبا إلى جنب مع رفاقها الكتائبيين لتؤسس بعدها فرقة من المقاتلات الشابات عرفت بـ"فرقة

النظاميات" وخاضت معها نضالا عسكريا وسياسيا ثم تبدلت الظروف فوضعت ورفيقاتها سلاحهن جانبا، في منتصف الثمانينات، لينقلن التزامهن ونضالهن السياسي والعسكري إلى العمل الاجتماعي والإنساني.

بعد 29 عاما على ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية، تبدو جوسلين خويري هادئة، مؤمنة ومتصالحة مع ذاتها. تستعيد تجربتها مستحضرة جنون شابة الأمس وعمق امرأة اليوم ونضجها. وتقول: "اختباري مسار لم ينته بعد، بل تغير شكله فانتقلت من وراء متراس قوامه أكياس رمل إلى متراس من نوع آخر". لماذا قاتلت جوسلين خويري ومن اجل أي قضية؟ ومتى كانت بداية احتكاكها مع العمل السياسي والعسكري؟

حتى يبقى العلم اللبناني

أحبت خويري علم بلادها "مرتفعا كما الكرامة والحرية"، وأسهم في تعلقها برمز بلادها ترعرعها في بيت مواجه مباشرة لبيت الكتائب المركزي في منطقة الصيفي - جادة شارل الحلو قرب ساحة الشهداء، حيث ألفت منذ صغرها مشهدا يوميا كانت تنتظره كل صباح ومساء: "في الجهة المقابلة لشرفة منزلنا كان الكتائبيون يرفعون العلم اللبناني وينزلونه مساء في جو من الاحترام والرهبة والتأهب". وأيقظتها صحوة العنفوان من غفوة اللامبالاة واللا انتماء "ففي أوائل السبعينات، كانت موجة الـ"هيبي" بدأت بالانتشار وكنت شخصيا متأرجحة بين أجواء اللامبالاة التي كانت شائعة بين رفيقاتي وبين جو الانضباط والجدية الذي كان يمليه علي التزامي السياسي والتدريبات العسكرية التي كنت قد بدأتها". هكذا اختارت الخويري الانتماء إلى ساحات الصعوبة فانخرطت في العمل السياسي والعسكري وهي لا تزال في السادسة عشرة من عمرها. "بدأت نشاطي السياسي وأنا على مقاعد الدراسة في الصف الثالث التكميلي عندما التحقت بمصلحة طلاب الكتائب مع بعض رفيقات صفي". وساعدها على اتخاذ هذا القرار المحيط العائلي الذي ترعرعت فيه من جهة وموقع بيتها المواجه لبيت الكتائب المركزي من جهة أخرى.

شكلت مصلحة طلاب الكتائب مدرستها السياسية الأولى، إذ انتمت إليها في عصرها الذهبي عندما كانت تضج حركة وفكرا وتطلعات، فتعرفت عبرها على التيارات الفكرية السائدة وحددت موقعها منها. وأكثر ما ساعدها في تكوين وعيها السياسي، المقارنات الإيديولوجية بين العقائد المطروحة على الساحة اللبنانية. "وكانت عقيدة حزب الكتائب تشدد على نهائية الكيان اللبناني وصيغة العيش المشترك كقيمة ورسالة فريدة للبنان في المنطقة على اللبنانيين العمل جاهدين لإنجاحها وتخطي كل ما يحول دون ذلك. وهذه الزوادة الفكرية منحتني القدرة على الاستمرار إلى اليوم".

معايشة التطورات السياسية

عايشت خويري عن قرب الحوادث الطالبية - السياسية التي سبقت اندلاع الحرب عبر التزامها في مصلحة الطلاب. وكانت المواجهات التي حصلت بين المقاومة الفلسطينية المسلحة من جهة والجيش اللبناني من جهة أخرى إنذارا واضحا للانفجار الواقع حتما. في تلك الأثناء بدأت الدعوة في صفوف حزب الكتائب والأحزاب والتجمعات الأخرى ذات النزعة اللبنانية - القومية للاستعداد جديا للمواجهة، وبدأت حملة التدريب العسكري والتسلّح التي تمت في البداية على نفقة العناصر الحزبية الخاصة. تأثرت الأجواء في مصلحة طلاب الكتائب بالحوادث السياسية والعسكرية مما أدى إلى نشوء تيارين مختلفين في التوجه: تيار أطلق عليه (تهكماً) لقب "العسكريتاريا"، وكان للشيخ بشير الجميل التأثير الكبير في نشوئه، وقد انضم إليه قسم من الطلاب الذين اجروا التدريبات العسكرية والتحقوا بفرقة الـ"ب. ج" الخاصة نسبة إلى بيار الجميل، وتيار آخر رفض فكرة المواجهة العسكرية ودعا إلى حل سلمي للمعضلة. لكن ما لبثت الحوادث أن جمعت بين التيارين وخصوصاً تحت وطأة الجولات الأولى".

بداية التدريب العسكري

التحقت خويري بصفوف الميليشيا جدياً في صيف 1974 في إطار مخيم تدريبي نظم في منطقة فيطرون حيث تكونت النواة الأولى لمجموعة النظاميات التي شاركت في معارك الأسواق التجارية. "كنت معجبة بالتدريبات القتالية كنشاط رياضي يستدعي قدرة على التخطي والمثابرة. كما أعجبت بالجو العسكري الذي كان يمنحنا القوة المعنوية والشعور بالكرامة والانتماء"... ونجحت خويري في التدريب العسكري وعينت مسؤولة عن المجموعة الأولى التي تخرجت في نهاية صيف 1974، وكانت بداية مرحلة جديدة في التزامها السياسي.

الانفجار

في العام الذي حدث فيه الانفجار واندلعت الحرب اللبنانية كانت خويري طالبة في كلية الإعلام وتمارس نشاطا سياسيا طالبياً عبر مصلحة الطلاب مما جعلها تواكب كل الحوادث الخطيرة التي شهدتها الجامعة في ذلك العام والتي بدأت تنذر بالانفجار. "ففي العام الدراسي 1974 - 1975 شهدت الجامعة انتخابات طالبية مصيرية تواجه فيها تحالف الكتائب - الأحرار - حركة الوعي - اتحاد الشباب العامل من جهة مع التحالف الشيوعي والقومي والاشتراكي المدعوم مباشرة من منظمة التحرير من جهة ثانية. وقد ربح التحالف الثاني الانتخابات في كليات عدة ما عدا الحقوق والإعلام. وأدت حادثة معروف سعد في صيدا إلى تظاهرتين مضادتين. الأولى ضد الجيش اللبناني نظمها التحالف اليساري، وأخرى لدعم الجيش والسيادة نظمناها نحن. وعلى أثرهما كانت مشاكل في كل من كلية التربية والعلوم والحقوق شهدت قتالا بالأيدي وإطلاقا للنار في بعض الأحيان وتطويقا لكلية العلوم من الفلسطينيين المسلحين والاشتراكيين".

كانت خويري تشارك غالباً في الجمعيات العمومية والحفلات الخطابية التي كان ينظمها معظم الفرقاء. "كان يؤلمني كثيرا أن اسم لبنان كان غائبا عن معظمها خصوصا عند التحية في ختام كل خطاب... كان الطلاب يتكلمون على كل شيء، على كل ثورة، على كل دولة من دول العالم الثالث، وكان لبنان مستبعدا عن اللائحة. وكنا نحن نتهم بالانعزالية ولا أنسى نظرات العداء التي كانت توجه إلينا نحن "الرجعيين" كما كانوا يسموننا نظراً إلى تمسكنا بالكيان اللبناني".

"على جثتنا"

آخر مرة ذهبت فيها خويري إلى الجامعة اللبنانية قبل 13 نيسان 1975 وجدت نفسها وحيدة في مقهى كلية التربية، فدعاها رئيس اتحاد الطلاب في الجامعة اللبنانية حينها أنور الفطايري إلى حضور مهرجان خطابي كان موجهاً ضد الجيش اللبناني ولدعم المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان. لبت خويري الدعوة وحضرت الاحتفال. "وأثناء عودتي في الباص من الأونيسكو إلى ساحة الشهداء فوجئت بأحد أقاربي عائدا من الجامعة إلى بيته، ولم أكن أعلم انه عضو في الحزب الشيوعي. فجرت مناقشة حادة بيني وبينه: هو يهاجم الجيش وأنا أدافع عنه وعن سيادة لبنان أمام العبث الفلسطيني بأرضنا، ثم امتدت المشادة إلى ركاب الباص فانقسموا جميعا بين مؤيد ومعارض. في الجهة المقابلة لمقعدي كان يجلس جندي في الجيش اللبناني له من العمر حوالي 45 سنة... أذكر بأسى شديد تلك الدمعة التي سالت على وجهه وجعلتني انتفض وأقسو بالكلام أكثر فأكثر على قريبي، مما دفع بأحدهم لأن يصرخ في وجهي قائلا بلهجة "بسطاوية" وأنا أنزل من الباص: "ليكي يا مدموزيل! هيدي البلد ما حا تبقى هيك، والأرزة الخضرا رح نعملها حمرا". فأجبته: "على جثتنا". ضبطت نفسي إلى أن وصلت إلى البيت حيث أجهشت بالبكاء ما أن فتحت أمي الباب. أصف هذه الحادثة لكي أشرح الجو العام الذي عايشته ودفعني إلى الانخراط في العمل السياسي والعسكري، والذي جعل دفاعي ضد الفلسطيني عن بيتي والحي حيث أقيم أمراً طبيعياً".

البداية كانت الانخراط في الدفاع عن لبنان في مواجهة العمل الفلسطيني، وكي تبقى الأرزة خضراء رمزا للبنان. لكن الحرب طالت كثيرا وتشعبت أسبابها. دخلت عوامل أخرى على خط تسخين جبهات القتال. وكان موت الرفاق يشعر خويري بالحزن""يومك يومك ع هالمتراس"، كنا نشعر أننا خارج الحياة، وخصوصا في الأسواق التجارية حيث كان موقع بناية النظاميات التي تولينا الدفاع عنها 4 أشهر. كانت الأسواق مهجورة، بعيدة عن حركة الأحياء التي ظلت تضج بقاطنيها. لم نكن نشعر أن هناك أفق حل أو بادرة أمل. فتملكنا الشعور بالروتين "وأن الناس يموتون من دون نتيجة". ومع الوقت بدأت الأمور تتبدل. ولم تبق شعلة المقاومة التي التزمتها خويري بزخم الأعوام الأولى. "تعبت الناس من الحرب وصاروا يشعرون أن مشروع المقاومة تحول مشاريع أخرى غير الدفاع عن لبنان وسيادته. ففي "حرب السنتين" كان مجتمعنا يشعر انه معني بالدفاع والقتال. بعد موت الشيخ بشير الجميل تبدلت الأمور. في 12 آذار 1985، أي يوم انتفاضة سمير جعجع وإيلي حبيقة، قدّمت استقالتي مع النظاميات لأننا لم نوافق على منهجية التغيير بالطريقة التي حصلت فيها. عشت اثر ذلك شعور خيانة القضية. شعرت أننا نقسو على بعضنا، وأنه في لحظة سقطت كل قيمنا. مع الوقت أصبحت احلل بهدوء أكثر، وارد ما حصل إلى أن الحرب طالت كثيرا. هناك جيل كبر في الحرب ومسؤولون أيضا أضاعوا ما أضاعوه. أنا لا أبرّر ما حصل، ولكني لا أخون أحدا".

هل تعيد خويري التجربة؟ تقول: "لو كنت في العمر نفسه والمعطيات عينها أعيد التجربة. لأنني حاربت بصدق وآدمية، وكنت حريصة على كرامة المقاومة ولم اسمح لنفسي أن استفيد من أي موقع وصلت إليه، كنت اعتبر أن ما أقوم به سام إلى أقصى درجات السمو. كانت قضيتنا تستحق الدفاع عنها. أنا لا استطيع أن اندم على مشاركتي في الحرب لان الأمور تفاقمت، وكان على قوة ما أن تضبط العنصر الفلسطيني".

ما يحزن خويري اليوم أن استشهاد الشباب لم يثمن كما يجب رغم أن عطاءاتهم هي التي أدت إلى الاعتراف بنهائية الكيان اللبناني. "أنا أتساءل هل كان استطاع المجتمعون في الطائف أن يبتوا أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه لولا تضحيات شبابنا؟". وما يؤلمها أكثر تخوين الشباب إذ أن ذاكرة الناس، ولاسيما الجيل الجديد، لم تحفظ من كل تاريخ المقاومة إلا اقتتال آخر عامين من الحرب، بين "القوات اللبنانية" و"الجيش اللبناني". وهذا الأمر لم يقبله الشعب مما شوّه القضية".

وتحلم خويري باليوم الذي ستتمكن فيه من تكريم الشهداء الشباب الذين ضحوا بحياتهم "كي نعيش نحن" وهي تحاول أن تكرمهم عن طريق خدمتها الوطنية ومساهمتها في تطوير بلد يليق بتضحياتهم الكبيرة. "أن جزءا كبيرا من عملي الإنساني في المؤسسات التي اعمل فيها هو عرفان جميل لهم. لأننا أن لم نعمل على خدمة لبنان نكون قد حولناهم ضحايا وليس شهداء. ولا بد أن يأتي اليوم الذي تُثمر فيه كل هذه العطاءات".

تقدّر خويري اليوم - كشخص عايش زمن الميليشيات - أن هناك دولة وجيشا "قد أكون غير موافقة على الأداء واللا سيادة والفوضى، لكن ما من قوة تحل مكان الدولة. إذ يمكن إصلاح الدولة ولكن من الصعب استرجاعها إذا فقدناها". وهي تخاف من الدولة عندما لا تسمح لشعبها أن يعبر عن رأيه وتخاف عندما لا يقدّر الشعب أهمية وجود الدولة فيستسهل العودة إلى منطق الميليشيات.

تعلمت خويري من تجربتها أن الحق لا يموت وأن "وطني حق والعدل أقوى من السلاح". وتعلمت أن العيش المشترك والتوافق هما وليدا الحرية، وأن الاختلاف ليس عداوة وأن القمع لا يصنع السلام. وتشدد على الحوار للوصول إلى قواسم مشتركة للعيش معاً. "لم أقاتل مرة من اجل وطن مسيحي، أنا مشبعة أصلا بفكرة الصيغة. وأنا من جيل اختبر التعايش". وتأمل خويري في أن تعزز الظروف المحيطة فكرة الصيغة وترجحها.

***

جوسلين خويري كانت تدافع عن لبنان الكيان والصيغة، فعن أي لبنان كان يدافع مقاتلو المقلب الآخر من خطوط التماس؟

النهار 14-04-2004 – تحقيق: رلى مخايل

.........................

الاغتيالات في لبنان ملف مثقل وغالباً "يتيمة" ومجهولة الفاعل

استعاد اللبنانيون مع اغتيال النائب السابق الياس حبيقة إحدى أكثر صور الحرب اللبنانية بشاعة، وعاشوا لحظات رعب خالوا أنها ذهبت إلى غير رجعة. ورغم أن الاغتيالات تحصل في أكثر المجتمعات المحصنة أمنياً، فإن وقوعها في لبنان يهز المواطنين في العمق، ويعيد إلى ذاكرتهم شريط حرب استمرت زهاء ربع قرن، شكل الاغتيال عصباً حيوياً فيها، وكان أكثر الوسائل استخداماً لتصفية الحسابات بين الأطراف المتحاربين أنفسهم، والحل التقليدي الذي تلجأ إليه الجهات الخارجية المتورطة في الحرب للتخلص من شخصيات تعوق مشاريعها في البلاد أو تشكل خطراً على إمكان انجازها بصرف النظر عن طبيعة هذه المشاريع وما إذا كانت في مصلحة البلاد أو في خدمة مصالح أصحابها.

حرك اغتيال الوزير والنائب السابق الياس حبيقة مخاوف اللبنانيين عموماً بغض النظر عن مدى اتفاقهم مع الشخص أو اختلافهم معه. إذ أن الاغتيال أخذهم على حين غرّة، وكانت الطريقة المعتمدة أكثر ما أذهلهم وخصوصاً أن السيارات المفخخة شكلت زاد اللبنانيين اليومي إبان الحرب وتحولت هاجساً يطاردهم في كل شارع وحي وزقاق. ولعل هذا ما سمم الأجواء في البلاد أمس وانعكس على حركة الناس، فخف ازدحام السير وانكفأ المواطنون إلى بيوتهم في رد فعل طبيعي، تماماً كما كان يحصل إبان الحرب عندما كانت تُقفر شوارع العاصمة مع كل انفجار سيارة مفخخة خوفاً من انفجار ثان.

ويبدو أن اللبنانيين على موعد مستمر مع ذكريات الحرب وتداعياتها التي تطل عليهم في كل مرة بشكل مختلف. وكلما اعتقدوا أن هذا الملف قد طوي إلى غير رجعة، حصل ما يؤكد أن الحاضر لا يزال يحمل الكثير من ذيول الماضي، وأن الحرب اللبنانية بكل تشعباتها وتعقيداتها لا تحل بشطبة قلم أو باتفاق أو بقانون عفو أو حتى بمصالحة الأطراف المتحاربين وإدخالهم في السلطة. فالأعوام الاثنا عشر التي مرت منذ أن سكت المدفع في لبنان لم تزل كل شوائب الحرب، ولم تفكك عقدها التي تتصدر فجأة واجهة الأحداث. ففي كل مرة تطل علينا صورة من صور الحرب بشكل مختلف وتعبر عن نفسها بوسيلة مغايرة عن تلك التي سبقتها. والأعوام الماضية غنية جداً بالأمثلة والوقائع التي يبقى الاغتيال ابلغها.

في أي حال، أن للبنانيين تجربة طويلة مع الاغتيالات التي طاولت رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة وشخصيات سياسية لبنانية وفلسطينية وديبلوماسيين ورجال دين وكادرات حزبية ومفكرين وصحافيين، باختصار كل من كان يمكن أن يحدث تغييراً سلبياً أو ايجابياً على مستوى البلاد. فالاغتيال ساوى بهذا المعنى بين جميع الأطراف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولم يوفر لا الشخصيات الرسمية ولا العسكرية ولا الميليشيوية، فالجميع بهذا المعنى تذوق هذه الكأس المرة وخصوصاً أن الدخول في لعبة الموت يعرض كل اللاعبين للإصابة بالسلاح نفسه الذي يستخدمونه.

ورغم أن الاغتيال كان ناشطا جداً في لبنان في أثناء الحرب، فإن كل هذه العمليات ظلت لغزاً لم يجد طريقه إلى الحل. فلا وجود لمنفذين ولا لجهات تقف وراءهم أو تحرضهم، فكاد الاغتيال أن يكون في لبنان "جريمة مقيدة ضد مجهول". ولا تغير ملابسات الاغتيال والظروف المحيطة به وتوافر بعض المعلومات التي تكشف هوية الفاعل من هذا الوقع، إذ لا يتخذ الإعلان عن الجهة المنفذة للاغتيال شكلاً رسمياً وواضحاً وعلنياً ويبقى التكهن سيد الموقف حتى ولو كانت الحقيقة ساطعة. وإذا استعدنا تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان في أثناء الحرب، سرعان ما يتبين أن هوية الفاعلين لم تحسم نهائياً ورسمياً إلا في حال تبنت الجهة المنفذة ومن يقف وراءها عملية الاغتيال رسمياً. وهذا ما لم يحصل إلا في الاغتيالات التي استهدفت شخصيات فلسطينية في لبنان نفذتها فرق كوماندوس إسرائيلية. وما عدا ذلك، فالاغتيالات في لبنان يتيمة، لا منفذين لها، علماً أن الأسلوب المتبع في الاغتيال يكفي أحيانا لكشف هوية صاحبه. واستطراداً، فإن الأسلوب المتبع في اغتيال حبيقة يشبه إلى حد بعيد ذلك الذي استهدف "أبو حسن سلامة"، أحد أبرز قادة فتح، عام .1979 إذ قضى الأخير مع أربعة من مرافقيه بانفجار سيارة موجهة لاسلكياً على طريق الصنوبرة في منطقة فردان، وهي إحدى عمليات الاغتيال التي لم يبقَ منفذوها مجهولين أو بالأحرى "مكتومي" الهوية.

في أي حال، فإن للبنانيين خبرة طويلة في ميدان الاغتيالات وخصوصاً أنهم عرفوا كل أنواعها تقريباً من السيارات المفخخة التي تجاوز عددها الأربعمئة سيارة معبأة بنحو 25 ألف كيلوغرام من المواد المتفجرة إلى كواتم الصوت والرشاشات والعبوات وقوارير غاز مضغوط وسواها من الوسائل التي كانت تحصد الكثير من الأبرياء بحجة ضمان موت الرجل المستهدف.

وهنا ابرز الاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان اعتباراً من العام 1975

- إطلاق النار على نائب صيدا معروف سعد في 27/2/1975 في صيدا ووفاته في 6/3/.1975

- اغتيال السفير الأميركي في لبنان فرنسيس ميلوي مع المستشار الاقتصادي في السفارة روبرت ورينغ وسائق السفير زهير المغربي في محلة الرملة البيضاء بعد خطفهم في محلة البربير يوم 16/6/.1976

- اغتيال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط في سيارته على طريق المختارة - بعقلين مع ثلاثة من مرافقيه في 16/3/.1977

- اغتيال النائب طوني سليمان فرنجية في 13/6/1978 مع زوجته فيرا قرداحي وطفلتهما جيهان (ثلاثة أعوام) و28 من أنصاره في إهدن.

- اغتيال علي حسن سلامة "أبو حسن" المسؤول عن جهاز امن حركة "فتح" مع أربعة من مرافقيه بسيارة مفخخة في محلة الصنوبرة - قرب فندق "البريستول" في محلة رأس بيروت يوم 22/1/.1979

- خطف الصحافي سليم اللوزي في 4/3/1980 ثم العثور على جثته في حرج عرمون.

- اغتيال رئيس "جامعة علماء الشيعة" الإمام حسن الشيرازي في محلة الرملة البيضاء في 5 أيار .1980

- اغتيال المستشار السياسي للثورة الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط محمد صالح الحسيني في محلة الرملة البيضاء 5 آذار .1981

- اغتيال الرئيس المنتخب للجمهورية الشيخ بشير الجميل بعبوة ناسفة أدت إلى تدمير مقر حزب الكتائب في الأشرفية وسقوط 32 قتيلاً و65 جريحاً يوم 14 أيلول .1982

- اغتيال الشيخ حليم تقي الدين رئيس القضاء المذهبي الدرزي في منزله في محلة الظريف 1/12/.1983

- اغتيال إمام بلدة جبشيت الشيخ راغب حرب قرب منزله في 16/4/.1984

- اغتيال رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور مالكولم كير برصاص مسلحين في حرم الجامعة في 18/4/.1984

- اغتيال الشيخ صبحي الصالح رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في 7/10/1986 في محلة ساقية الجنزير في بيروت على يد مسلح كان يقود دراجة نارية.

- اغتيال الرئيس رشيد كرامي بعبوة ناسفة دست في طوافة عسكرية كانت تقله من طرابلس إلى بيروت يوم 1/6/.1987

- اغتيال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد بسيارة مفخخة في محلة عائشة بكار في 16/5/.1989 وقتل في هذا الحادث 27 شخصاً وجرح 88 آخرون.

أما الاغتيالات في زمن السلم فهي:

- اغتيال رئيس الجمهورية اللبنانية رينه معوض بعبوة ناسفة في محلة الظريف يوم 22/11/1989 حيث قتل معه 7 أشخاص وجرح 31 آخرون.

- اغتيال الدكتور الياس الزايك في الأشرفية في 19/1/.1990

- اغتيال المهندس داني شمعون وزوجته وطفليهما في منزلهما في بعبدا يوم 21/10/.1990

- اغتيال النقيب السابق للأطباء الدكتور ميشال سلهب في منزله في الرابية ليل 22/5/.1991

- اغتيال السكرتير الأول في السفارة الأردنية نائب عمران المعايطة في محلة الروشة صباح 29 كانون الأول .1993

- اغتيال العراقي الشيخ طالب السهيل التميمي في منزله في محلة ساقية الجنزير في بيروت ليل 13 نيسان .1993

- اغتيال الشيخ نزار الحلبي رئيس "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" (الأحباش) صباح الخميس 31 آب 1995 أمام منزله في محلة الطريق الجديدة.

كتبت جنى نصر الله: النهار 26 كانون الثاني 2002

الباحث الاجتماعي الدكتور ملحم شاوول يقرأ في كتاب الحرب: أخاف أن يزج الشباب في حرب جديدة يكونون وقوداً لها

ليست الحرب بتذكر الوقائع التاريخية التي حصلت على مدى الأعوام الماضية، بل هي في النتائج التي تلقي بثقلها على الواقع الحالي، وعلى حياة الشباب الذين ورثوا خلافات أهاليهم وباتوا يتهيأون لحرب جديدة. وهو ما ظهر واضحا في حوارات صاخبة لهؤلاء الشباب في "كلام الناس" مع الزميل مارسيل غانم الذي كشف في الحلقة الأخيرة من برنامجه معطيات مقلقة تستحق أن يتوقف المسؤولون أمامها ويفكروا في إيجاد الحلول لها.

"النهار" التقت الدكتور ملحم شاوول الذي أجرى دراسات كثيرة في علم الاجتماع وكتب عن آثار الحرب النفسية والاجتماعية.

ويميز شاوول بين الشباب الذي خاض الحرب والأولاد الذين أصبحوا اليوم شبابا. ويرى أن تأثيرات الحرب لا تلمس في وقت محدد، وإنما تظهر في شكل بطيء وبعد مدة طويلة، أي في مرحلة متأخرة من الحرب.

ويقول لـ"النهار" أن تلك الفترة لم تدرس في الشكل الكافي، إذ لا يوجد حتى الآن دراسات. لدينا واحدة أجريت في نهاية الحرب حول موضوع القيم في المجتمع اللبناني.

وفي موضوع القيم والأخلاق يقول أن الأمور لا تبدأ من لا شيء، فتركيبة المجتمع اللبناني تجعله مجتمعا متنافسا وشديد النزاعات بسبب كثرة العائلات والطوائف... وقد ظهرت تدريجا ثقافة العنف، التي لا ترى حلا للنزاعات بطريقة سلمية. وحينئذ بدأت تتردد عبارات مثل "صار بدها حسم، يا نحن يا هني: التي لم تكن معروفة في منطق العلاقات اللبنانية السياسية التقليدية القائمة على التسويات والعيش المشترك والتوازنات.

وقد استدعت ثقافة العنف تعبئة قائمة على منظومة جديدة من القيم هي "القيم الانتمائية" وأبرزها الطائفية.

وصار الاقتناع بأن الحياة "بلا دولة أفضل"، فتراجعت فكرة الدولة كحالة أساسية في تنظيم حياة الناس وأصبحت في المقابل المؤسسات العسكرية والحزبية والميليشيوية هي القيمة العليا.

هذه الأمور أدت إلى وقوع الحرب واستمرارها زمنا طويلا ولكن ماذا عن تأثيراتها على شباب اليوم يقول شاوول: "نرى أنهم تربوا على عدد من القيم التي أنتجتها الحرب واعتبروها حقائق لقد تربّى هذا الجيل في ظل "أبطال قياديين" يمكن أن يقودوا كل مجتمع من المجتمعات اللبنانية إلى شاطئ الأمان.

وأنا أرى أن شباب اليوم يمر باضطراب في القيم السياسية والاجتماعية.

وقد تبيّن لنا في أحاديث مع شباب أن لديهم الكثير من الاضطرابات في المفاهيم وإصرارا على معرفة حقائق للحرب، ربما بهدف إعادة بناء ذاكرة جديدة للحرب. لكن واقع ما بعد الحرب لم يقدم لهم الكثير".

وسأل شاوول: "من يبني القيم الجديدة؟ هل هي المؤسسات التربوية والرسمية تحديدا؟ أم أن هذه القيم تعيد بناء نفسها بطريقة سلبية كما حصل سابقا.

الحقيقة أن تلك المؤسسات هي الطائفية والعائلية التي تقوى على الدولة في هذا المجال بسبب غياب مشروع الدولة".

وعن الارتباط العائلي يقول شاوول: "أن ثلاث ظاهرات حدثت في الحرب على مستوى الشباب بدءا من العائلة التي أصبحت منكمشة على نفسها وربما متضامنة للمحافظة على أعضائها.

وشهدت المرحلة نموّاً في استقلال الأولاد والمرأة، إذ أصبحت المسؤولية اكبر على الأخيرة بسبب توجه الذكور إلى الحرب وبدافع هجرة الشباب.

أما ظاهرة الارتباط بالدين فيرى شاوول أنها شكلت أساسا في تقاليد مجتمع الحرب "لكن يجب التميز بين الارتـباط بالدين والارتبـاط بالطائفـة كمؤسسة اجتماعية.

في لبنان تورد أبحاث إمكان أن يكون شخص غير مؤمن متضامنا مع طائفته، وشخص آخر يؤمن ولا يقبل بممارسات طائفته.

ويرى أن ظاهرة التمسك بالدين هي نتيجة للقلق وخشبة خلاص للذي يعيش خطر الموت.

وعن موضوع التعصب الذي يزداد في أوساط الشباب يقول إنه تراث التخلّف، بمعنى سيطرة البنى التقليدية في مجتمع أساسه النظام القبلي القائم على التضامن مع النفس ومحاربة الآخر وعلى تعايش ظرفي مع الآخر. والتعصب ينتج عن الإيمان بالعنف عند فئات معينة تخاف على نفسها وتعتبر أنها مهددة بالزوال وأن العنف وسيلة لاستمرارها.

ويصف العلاقة مع الآخر من دين مختلف بأنها صعبة لأن البنى الذهنية عند اللبنانيين ما زالت تحوي حالة صدام ونزاع ومواجهة بين المسلمين والمسيحيين، بما يعني وجود إشكالية دائمة في العلاقة مع الآخر.

فقد رسمت كل فئة خلال الحرب صورة للآخر وكأنه العدو المطلق ومصدر تهديد.

ويضيف: "عندما انتهت الحرب وبدأ الاختلاط من جديد أضرت به الدولة بالشكل السيئ الذي أدارت فيه شؤونها فتبين لأحد الأطراف أن الدولة تعامله كمهزوم وشعر الآخر بأنه منتصر. وتمت إعادة ترتيب الدولة لمصلحة فئة دون أخرى مما زاد التوتر الطائفي.

وأسف لأن أشخاصا كانوا مسالمين أيام صار لديهم موقف سلبي بسبب عدم تأمين التواصل والمشروع المشترك لبناء الدولة والمستقبل. فالأشخاص المهزومون والمهمشون يشكون الهيمنة ولا يمكن أن يبنوا علاقة طليعية مع الآخر.

ويضيف شاوول: "ثمة شعور دفع بعض الباحثين من زملائنا إلى القول أن الحرب في التسعينات أكملت بطرق أخرى على الملاعب الرياضية وفي التسابق علي المذاهب في الدولة وفي تقاسم أموال المهجرين... أي هناك استمرار الصراع بأشكال غير عسكرية.

وهذه الحالة أيضا أدت إلى توتر وتعقدت الأمور أكثر وظلت الصلة بالآخر متوترة.

وعن علاقة الشباب بالوطن يقول: "العلاقة بلبنان متينة والمشكلة الوحيدة في هذا البلد هي تأمين العمل.

الشباب متمسكون بالبلد لكن الحرب زادت الهجرة، وهذه الظاهرة مستمرة وعلينا أن ندرس حالاتها وأسبابها. وما يخيفني هي الهجرة السياسية. فالعلاقات السياسية في لبنان تجعلنا نفكر بعمق أن انتماءنا وحريتنا وحرية تعبيرنا ليست مؤمنة في شكل صحيح مما يدفع البعض إلى السفر.

وماذا عن استعداد الشباب اللبناني للعودة إلى الحرب؟ يجيب أنه سؤال مخيف، ولا يمكننا الإجابة عنه علميا. لكن الذي أخاف منه أنه من السهل جدا تعبئة الشباب ولا نعرف كيف يمكن أن تكون الآلية. حاليا لا يمكن الشباب القول نريد أن نحارب، لكن إذا توافرت الظروف يمكن أن يزجوا في المشروع ويكونوا وقودا للحرب".

ويرى أن تجنب الحرب يكون بتأمين حرية التعبير، والحرية السياسية والاقتصادية. "فالسياسة الذكية هي التي توفر متنفسا ضروريا لكي يمحو آثار العنف ويفتح المجالات أمام الشباب ويعطيهم حريتهم".

ويختم أن المعطيات للوحدة الوطنية متوافرة وعلى اللبنانيين أن يتفقوا على تفاصيلها، وهذا أيضا ممكن بالحد الأدنى.

النهار 14 نيسان 2004

0 تعليقات::

إرسال تعليق